الإفلات
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى
التخلّص من الشيء فجأة .
الإفلات لغة: مصدر أفلت بمعنى
تخلّص ، ويقال: أفلت فلان فلاناً، إذا خلّصه.
والتفلّت والإفلات والانفلات بمعنى واحد، وهو التخلّص من الشيء فجأة من غير تمكّث.
والفلتة: الأمر الذي يقع من غير إحكام، يقال: كان ذلك الأمر فلتة، أي مفاجأة.
واستعمله
الفقهاء في نفس المعنى اللغوي.
وهو لغة بمعنى
التخلية والحلّ والإرسال ،
وعند الفقهاء:
الإطلاق
استعمال اللفظ في معناه، حقيقة كان أو مجازاً. وكذا بمعنى عدم التقييد.
والمطلق: ما دلّ على فرد شائع، أو ما دلّ على الماهيّة بلا قيد.
والفرق بينه وبين الإفلات أنّه يكون في الكلام مقابل التقييد، والإفلات يكون في الأعيان الخارجية.
وهو
الهرب ، يقال: فرّ من
الحرب فراراً ، أي هرب،
قال اللَّه سبحانه وتعالى: «فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً».
تعرّض الفقهاء إلى الأحكام المرتبطة بالإفلات في أبواب مختلفة من
الفقه نذكرها إجمالًا مع
إحالة تفصيلها إلى محالّه.
المعروف بين الفقهاء
تحريم قطع الصلاة اختياراً ،
وجوازه مع الضرورة،
وعدّ من
الضرورة قبض الغريم وإمساك الدابّة إذا انفلتت، وهو ممّا لا خلاف فيه،
فله أن يقطع الصلاة ويستوثق من ذلك ثمّ يستأنفها
لئلّا يلحقه
الضرر ،
وللروايات التي منها: ما رواه
سماعة قال: سألته عن الرجل يكون قائماً في الصلاة
الفريضة فينسى كيسه أو متاعاً يتخوّف
ضيعته أو
هلاكه ؟ قال: «يقطع صلاته ويحرز متاعه ثمّ يستقبل الصلاة»، قلت: فيكون في الصلاة الفريضة فتفلت عليه دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتاً؟ فقال: «لا بأس بأن يقطع صلاته ويتحرّز ويعود إلى صلاته».
ذكر بعض
الفقهاء بأنّ
الأسير إذا انفلت من يد
المشركين ولحق
بالمسلمين قبل
انقضاء القتال وحيازة المال فحضر الوقعة وشهد
القتال اسهم له، وإن لحق بعد
انقضاء القتال وبعد حيازة
الغنيمة اسهم له ما لم تقسّم الغنيمة
إجماعاً .
وقال
العلّامة الحلّي : «والأقرب عندي أنّ الأسير إن لحق المسلمين طلباً
للمعاونة استحقّ السهم إذا لحق قبل القسمة، وإن لحق بهم
للاحتفاظ لا للمقاتلة لم يستحقّ شيئاً؛ لنا: أنّه ليس بمجاهد ولا حضر
للجهاد ».
ذكر بعض الفقهاء أنّه لو كاتب
المسلم عبداً ثمّ ظهر المشركون على الدار فأسروا المكاتب وحملوه إلى
دار الحرب ، فإنّهم لا يملكونه بذلك؛ لأنّ حقّ المسلم قد تعلّق به، فلو انفلت منهم أو ظهر المسلمون على الدار فأخذوه، فهو على كتابته.
وهكذا لو دخل
الكافر في
دار الإسلام بأمان فكاتب عبداً له، ثمّ ظهر المشركون على الدار فقهروا المكاتب على نفسه وأخذوه إلى دار الحرب، ثمّ انفلت منهم، أو غلبهم المسلمون عليه، فإنّه يكون على كتابته.
ويجب عليه أن يخلّيه تلك المدّة التي حبسه فيها المشركون ليكتسب فيها.
وقيل لا يجب؛ لأنّ
التعدّي من غيره.
إذا تلف
المبيع بآفة سماوية أو أرضية قبل
قبض المشتري انفسخ
عقد البيع ورجع كلّ من المالين إلى ملك مالكه الأوّل، وكذلك
الحكم فيما إذا تعذّر الوصول إلى المال المبيع قبل قبضه من البائع، كما إذا سرقه
سارق أو أفلت الطائر ولا يمكن العثور عليه، فينفسخ البيع ويكون في حكم
التلف من مال البائع.
وهذا ما يعبّرون عنه أحياناً بقاعدة: (تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه)، وحيث إنّ إفلات مثل الطائر يكون بمثابة التلف عرفاً فيكون مشمولًا لهذه القاعدة أيضاً.
ذكر الفقهاء أنّه إذا اخذ الحيوان بنصب
شبكة أو
إغلاق الباب
وحبسه في البيت أو
إرسال الكلب إليه، ثمّ أفلت منه، فإن كان ذلك قبل استحكام الحبس بحيث لا يصدق معه
الأخذ للحيوان وحيازته، فالحيوان باق على
إباحته الأصليّة ولم يملكه الآخذ.
بخلاف ما إذا كان بعد استحكام الحبس وصدق الأخذ، بحيث تحقّق منه
استيلاؤه على الحيوان وتملّكه إيّاه كما إذا قبض عليه حتى تعب فضعف عن
امساكه وأفلت، وكما إذا أغلق عليه الباب ثمّ فتحها شخص ففرّ الحيوان ونحو ذلك.
وحينئذٍ يبقى الحيوان في ملك الآخذ، ولا يجوز لغيره
صيده أو
قتله إلّا أن يأذن في ذلك أو يتحقّق منه
الإعراض عنه ولو بسبب الإفلات؛
لاستصحاب بقاء
الملكيّة بعد الثبوت في الشبكة؛ لفرض تحقّق الملكيّة ثمّ
زوالها بالعوارض الخارجية، كما لو أخذ الصيد بيده ثمّ ازيلت يده عنه لجهة من الجهات.
ذكر الفقهاء أنّه يشترط في الصيد أن يرسل الكلب
للاصطياد ، فيكون الصيد والقتل بإرساله لذلك، فلو استرسل بنفسه من دون إرسال، أو أفلت الكلب من يد صاحبه فلا يحلّ لحم صيده،
بلا خلاف فيه.
بل ادّعي
الإجماع عليه.
وكذا الحكم فيما إذا أفلت
السهم أو
السلاح من يده فأصاب حيواناً، فلا يحلّ ذلك الحيوان المقتول.
واستدلّ له
برواية قاسم بن سليمان ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن كلب أفلت ولم يرسله صاحبه، فصاد، فأدركه صاحبه وقد قتله، أيأكل منه؟ فقال: «لا...».
لو انفلت الطير أو غيره من
الإبل والبقر والغنم جاز
رميه بالنشّاب أو
الرمح أو
السيف ، فإذا سقط وأدرك
ذكاته ذبحه أو
نحره ، وإلّا حلّ كالحيوان الممتنع بالأصالة؛ لدخولها في الصيد حينئذٍ.
وقد دلّ على حكمه بخصوصه
رواية
حمران بن أعين عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن الذبح؟ فقال: «إذا ذبحت فأرسل ولا تكتف- إلى أن قال:- وإن أفلتك شيء من الطير وأنت تريد ذبحه، أو ندّ ( ندّ البعير يَنِدُّ ندّاً ونداداً وندوداً: نفر وذهب على وجهه شارداً. )
عليك فارمه بسهمك، فإذا هو سقط فذكّه بمنزلة الصيد».
ذكر الفقهاء أنّه يجب
حفظ الدابّة الصائلة، كالبعير المغتلم
والكلب العقور ، فلو أهملها صاحبها ولم يحفظها وجنت على شخص ضمن
جنايتها ، ولو جهل حالها أو علم وأفلتت من يده ولم يقدر على حفظها، فلا
ضمان عليه،
بلا خلاف ظاهر؛ لانصراف إطلاق الروايات عن الصورة التي لا تقصير للمالك فيها أصلًا.
وتدلّ على ذلك معتبرة
السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:
البئر جُبار ( الجُبار:
الهدر ، يقال: ذهب دمُه جُباراً. )،
والعجماء جبار، والمعدن جبار».
ومرسل
الحلبي عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم
عليّاً عليه السلام إلى
اليمن ، فأفلت فرس لرجل من أهل اليمن ومرّ يعدو، فمرّ برجل فنفحه برجله فقتله، فجاء أولياء المقتول إلى الرجل فأخذوه فرفعوه إلى علي عليه السلام فأقام صاحب الفرس البيّنة عند علي عليه السلام أنّ فرسه أفلت من داره ونفح الرجل، فأبطل علي عليه السلام دم صاحبهم، فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا رسول اللَّه، إنّ عليّاً ظلمنا وأبطل دم صاحبنا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ عليّاً ليس بظلّام ولم يخلق
للظلم ، إنّ الولاية لعلي من بعدي، والحكم حكمه، والقول قوله، لا يردّ حكمه وقوله وولايته إلّا
كافر ...».
قال
السيد اليزدي : «لو صاد شخص حيواناً وحشيّاً-
كغزال أو طائر أو
سمكة - فادّعى آخر أنّه كان له وأنّه صاده ثمّ انفلت من يده، ولم يكن له معارض، فهل يحكم له أو لا؟
وجهان: من اختصاص القاعدة في ظاهر كلماتهم بما يكون مملوكية معلومة، وفي الفرض يحتمل كونه من
المباحات .
ومن شمول صحيحة
البزنطي له حيث قال: «وإن جاءك طالب لا تتّهمه ردّه عليه»
بناءً على عدم حمله على صورة
العلم بكونه له».
ذكر الفقهاء أنّه لا حدّ على من أفلت منه
القذف بغير
قصد ، أو كان
غافلًا أو
ساهياً أو
نائماً ؛
لرواية عقبة بن خالد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن رجل قال لامرأته: يا
زانية ، قال: «يجلد
حدّاً ويفرّق بينهما بعدما يجلد ولا تكون امرأته»، قال: «وإن كان قال كلاماً أفلت منه من غير أن يعلم شيئاً أراد أن يغيظها به، فلا يفرّق بينهما».
ولعلّ هذا الحكم ممّا يمكن تخريجه على القاعدة في باب الحدود من حيث عدم وجود قصد إلى الفعل، بل صدر منه عن غفلةٍ أو حال النوم، بل إنّه إذا كان قال كلاماً قاصداً معناه لكنه لم يرد مدلوله الجدي وإنّما أراد
إغضاب الآخر ومع ذلك لا يحكم بالقذف بمقتضى الرواية فبطريق أولى لا يحكم بالقذف في مورد عدم القصد من رأس لغفلةٍ أو سهو أو نوم.
نعم، هذا الحكم يكون بينه وبين اللَّه، أمّا
الحاكم فعليه مراجعة الأدلّة من ظاهر الحال وغيره لتشخيص وضع المهم.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۳۴۸-۳۵۳.