اجتماع الأولياء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
من الثابت في الشريعة أنّ بعض الأحكام المتعلّقة
بالانسان قد يمارسها وليّه باعتبار أولويته في ذلك، لما أعطاه الشارع من خصوصية وصلاحية في تولّي بعض اموره، أو تولّي
المطالبة ببعض حقوقه أو بعض أحكامه.
وتختلف رتب
الأولياء بحسب ما ثبت لهم في الأدلّة الشرعية من خصوصيات، وبلحاظ قربهم من
الإنسان المولى عليه، أو بلحاظ الجهات والحيثيات المختلفة للأحكام المتعلّقة بهم. فهناك ولاية للأب والجد على الولد ما لم يبلغ، وعلى السفيه والمجنون في مختلف عقودهم وتصرفاتهم، وكذا لهما
الولاية في تزويج
ابنتهما البكر الرشيدة. وهناك ولاية للوصي على الموصى له في خصوص ما اعطي له من صلاحيات في الوصية. وهناك ولاية للزوج على زوجته في بعض الشئون المتعلّقة بهما. وهناك ولاية لولي الميت (وهو إمّا الأولى بميراثه أو الأقرب إليه نسباً) في تولّي شئون تجهيزه والصلاة عليه ودفنه.
وهناك ولاية للمالك على رقيقه في موارد كثيرة مرتبطة بهم. كما أعطى الشارع للحاكم الولاية على التصدي لُامور الحكم ونظم امور المجتمع، والتصدي للُامور الحسبية كإدارة بعض شئون
الأيتام والولاية على
الأوقاف والوصايا التي لا متولي لها وأموال الغائبين ونحو ذلك. كما أعطى الشارع لأقارب المقتول (أقربهم إليه نسباً وأولاهم بميراثه) الولاية في المطالبة بدمه و
الاقتصاص من الجاني.
وقد يتفق أحياناً- وعند التصدي لبعض الأحكام المتقدمة-
اجتماع أكثر من ولي لشخص واحد،
لإنجاز ذلك التصرف أو العمل المرتبط به، أو لأخذ الحق المتعلّق به. وقد يقع
التزاحم في تقديم أحد الأولياء، أو تنفيذ ما قام به من عمل دون الباقين. وهذا إنّما يحصل في بعض صور الولاية المتقدمة الذكر، ومنها:
أ- اجتماع
الأب والجد في ولايتهما على عقود الولد الصغير أو السفيه أو المجنون أو في تزويج ابنتهما البكر.
ب- اجتماع أولياء الميت في تولّي تجهيزه والصلاة عليه ودفنه.
ج- اجتماع أولياء المقتول في المطالبة بالقصاص أو الدية.
أمّا الأوّل، فإنّ ثبوت ولاية الأب والجد من القطعيات التي لا ينبغي الشك فيها، ويدل عليه جملة من النصوص،
ولا خلاف فيه بين الفقهاء، إلّا ما ينسب إلى
ابن أبي عقيل من
إنكار ولاية الجد، وما في النصوص الكثيرة
من تقديم انكاح الجد للبنت على
إنكاح الأب، والذي يقتضي
أولوية ولاية الجد على ولاية الأب لا يساعد عليه. ولا خلاف بين الفقهاء هنا أيضاً في أنّ المراد من الجد هو أب الأب فصاعداً، لا غير.
وقد تعرّض الفقهاء إلى اشتراك الأب والجد في ولايتهما على مال الصغير وعقوده وتصرفاته، وكذلك إلى اشتراكهما في الولاية على تزويج الصغير أو تزويج ابنتهما البكر، وأنّ كلّاً منهما مستقل عن الآخر في الولاية، فلا يعتبر فيها
الإذن من الآخر.
وقد ذكروا صوراً لاجتماعهما في ممارسة هذه الولاية في بعض الحالات، فقد ذكر بعض من تعرّض لصورة اشتراكهما في ولايتهما في التصرفات المالية للطفل أنّه في حال
الاشتراك ينفذ تصرف السابق منهما ويلغي تصرّف اللّاحق، وهذا متفق عليه، وأمّا إذا اقترن تصرفهما، فقد ذكر البعض بأنّ الأقوى
بطلان كلا التصرفين، إلّا في النكاح فيقدّم عقد الجد.
وقد قوّى البعض الآخر في حال
الاقتران تقديم تصرّف الجد على تصرّف الأب مطلقاً في
النكاح وغيره.
أمّا ولايتهما في نكاح الصغيرين أو المرأة البكر، فقد اتفق جميعهم على أنّه لو اجتمعا واختلفا في
الاختيار فإنّ عقد السابق منهما هو الذي ينفذ، ومع الاقتران يقدّم عقد الجد.
وأمّا اجتماع أولياء الميت وحكم تولّي تجهيزه والصلاة عليه، فإنّ المعروف والمشهور بين فقهائنا أنّ الزوج أولى بزوجته من جميع أقاربها، كما أنّ المولى أولى بأمته من غيره ولو كانت مزوّجة، ثمّ تنتقل الولاية إلى مراتب
الإرث ، فالطبقة الاولى- وهم الأولاد والأبوان- مقدّمون على الطبقة الثانية- وهم الأجداد والاخوة- وهؤلاء مقدّمون على الطبقة الثالثة- وهم الأعمام والأخوال- وبعدهم المعتِق، وبعده ضامن الجريرة، وبعده الحاكم الشرعي ومع عدمه عدول المؤمنين. فمع اجتماع أكثر من ولي للميت يقع الكلام حينئذٍ فيمن يقدّم منهم على غيره.
ذهب معظم الفقهاء إلى تقديم الزوج على كل أحد من باقي الأولياء،
وذهب بعض إلى أنّه في حالة كون الزوجة رقّ يقدّم المالك على الزوج.
كما اتفق معظم الفقهاء على تقديم الذكور من الأولياء على
الإناث لو كان الميّت ذكراً، إلّا أنّه أشكل بعض المتأخرين في
أصل التقدّم.
واستثنى بعض آخر من حكم تقديم الذكور صورة اجتماع
الأم مع الأولاد، وحكم بتقديم الامّ عليهم.
وقد اختلفت أقوالهم في تقدّم الذكور لو كان الميت
امرأة .
على حسب الأولوية في الميراث، قال جمع بتقديم الطبقة الاولى على الثانية وهذه على الثالثة، بينما اختار
ابن الجنيد تقديم الجد على الأب والأولاد،
وقد قرّبه
المحقق العاملي بحسب ما احتمله من معنى الأولوية، حيث احتمل أنّ المراد بالأولى هنا أمسّ الناس بالميت رحماً وأشدهم به علاقة.
ولو كان الذكور المجتمعين من نفس الطبقة فقد اختار المشهور
تقديم الأب على الأولاد من الطبقة الاولى، وأشكل البعض في ذلك.
وفي الأولياء من الطبقة الثانية قدّم بعضهم
الجد من قبل الأب والام على
الأخ منهما، وذهب البعض الآخر
إلى مساواة الجد من قبل الام للأخ منها، ولا يقدم
الجد إلّا من قبل الأب. كما اختار معظمهم تقديم الأخ من قبل
الأبوين على الأخ من أحدهما، بل تقديم الأخ من الأب على الأخ من الام، كما قدّموا العمّ على الخال والعمّ من الأبوين على العمّ من أحدهما.
نعم استشكل فيه البعض
واحتاط وجوباً بالاستئذان من الطرفين. قال
السيد الخوئي : «ما ذكره المشهور في المقام لا يمكن
اثباته بدليل لفظي (عدا ما يتعلّق بأولوية المالك بأمته)
ومن ثمّ ذهب الأردبيلي قدس سره وغيره إلى أنّ أولوية الزوج بزوجته استحبابية لا وجوبية.
إلّا أنّ ما ذكروه في المقام لا بد من
الالتزام به؛ لأنّه متسالم عليه بينهم ولم ينقل فيها خلاف، وإنّما خلافهم في أنّ الأولوية واجبة أو مستحبة، والسيرة العملية أيضاً جارية على ذلك بين المتشرّعة، بل
السيرة العقلائية أيضاً كذلك؛ لأنّها جرت على عدم مزاحمة الولي ومن له
الأمر في الصلاة على الميّت وتغسيله وتكفينه ودفنه. و
القدر المتيقن من التسالم والسيرة ثبوت الولاية في ذلك على من يتصدى لتلك الامور وله
الزعامة فيها عرفاً، وهو المعزّى والمسلّى، والمرجع فيها لدى العرف، فالسيرة جرت على عدم جواز مزاحمته في تلك الامور وأنّه غصب لحقّه. وعليه فلا ولاية للنساء والصبي والمجنون؛ إذ لم تجر العادة على تصدي النساء لتلك الامور وزعامتها، والصبي والمجنون لا زعامة لهما ليتصديان لها.
ومن هنا يظهر أنّ من له الولاية قد لا يكون هو الوراث، والوارث لا تثبت له الولاية أصلًا، كما إذا كان له بنت أو ام وأخ فإنّ الأخ لا يرث الميت مع وجود الطبقة الاولى- الأولاد و
الأبوان - ومع ذلك الولاية إنّما هي للأخ بحسب السيرة».
ثمّ تعرّض بعض الفقهاء في البحث في صورة كون الأولياء من رتبة واحدة ومجتمعين، فهل لكل واحد منهم ولاية في الصلاة على الميت، بحيث يجوز له الصلاة عليه بلا
استئذان باقي الأولياء، أم أنّ الولاية ثبتت للمجموع فلا بد إمّا أن يصلّي المجموع على الميت أو يصلّي واحد بإذن المجموع، ولا يمكن لأحد الأولياء الصلاة على الميت بدون استئذان الباقين؟ وتمام التفصيل في محلّه.
إذا قُتل انسان وكان له أولياء متعددين، يقع البحث حينئذٍ في
اعتبار اجتماعهم في استيفائهم القصاص من الجاني وعدمه، فقد ذهب جماعة من الفقهاء إلى عدم جواز
الاستيفاء إلّا بعد الاجتماع، بمعنى توكيلهم شخصاً غيرهم في الاستيفاء أو الاذن لواحد منهم لاستيفائه.
وذهب جمع كثير إلى جواز مبادرة كل واحد من الأولياء في استيفاء القصاص من الجاني، ولا يتوقف فعله على إذن الآخرين،
لكن يضمن حصص من لم يأذن منهم من الدية، وكذا الحكم- أي يضمن للباقين حصصهم من الدية- لو كان بعضهم غائباً واستوفى الحاضر القصاص، أو كان بعضهم صغيراً أو مجنوناً واستوفى البالغ العاقل
القصاص .
الموسوعة الفقهية، ج۵، ص۱۷۷-۱۸۲.