استرقاق الذكور البالغين
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(والذكور البالغون يقتلون حتماً إن أُخذوا والحرب قائمة ما لم يسلموا) فإن أسلموا سقط قتلهم، إجماعاً كما في
المنتهى ؛
للنبوي «أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم».
وفي الخبر : «
الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه وصار فيئاً».
ويتخيّر
الإمام حينئذٍ بين استرقاقهم والمنّ عليهم والفداء، عند جماعة كشيخنا
الشهيد الثاني في
المسالك والروضة، وفاقاً للفاضل في المنتهى حاكياً له عن الشيخ أيضاً.
وحكى في الكتابين تعيّن المنّ هنا قولاً، قال : لعدم جواز استرقاقهم حال الكفر فمع
الإسلام أولى. وفيه : أنّ عدم استرقاقهم حال الكفر
إهانة ومصير إلى ما هو أعظم لا
إكرام ، فلا يلزم مثله بعد الإسلام. ولأن الإسلام لا ينافي الاسترقاق.
ويمكن
الاستدلال عليه بثبوت جوازه حال الكفر فيما إذا أُخذوا بعد تقضّي الحرب، فمع الإسلام قبله أولى. وأما تعيّنه؛ فلعدم دليل على جواز
الاسترقاق هنا، وإن جاز مع الإسلام، لأنّه فرع الدليل وليس هنا.وكذا أخذ الفداء، لا دليل عليه إلاّ ما ذكره الشيخ من أنّه فادى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسيراً أسلم برجلين.
فإن تمّ، ثبت التخيير بينه وبين المنّ. وأمّا الاسترقاق فلم يقم عليه دليل. نعم يحتمله ما مرّ من الخبر، لكنّه ضعيف السند.وممّا ذكرنا تبيّن انّ الأولى تعيّن المنّ.
وحيث يجوز قتلهم (فالإمام مخيّر بين ضرب أعناقهم، وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وتركهم حتى ينزفوا) بضم الياء وفتح الزاء على البناء للمفعول كما في المسالك، قال : لأنّ الدم هو الفاعل للنزف لغة.
قال الجوهري : يقال نزفت الدم إذا خرج منه دم كثير حتى يضعف. فهو نزيف ومنزوف.
(وإن أُخذوا بعد
انقضائها ، لم يجز أن يقتلوا وكان الإمام مخيّراً بين)(المنّ) عليهم (والفداء) لأنفسهم بمال، أو رجال حسبما يراه من المصلحة (والاسترقاق) لهم. كلّ ذا على المشهور على الظاهر، المصرّح به في المختلف مطلقاً.
وفي المسالك في الثاني خاصة.
وفي المنتهى : إنّه ذهب إلى ذلك علماؤنا أجمع.
وظاهره
الإجماع عليه؛ وهو الحجّة.
مضافاً إلى بعض المعتبرة : «إنّ للحرب حكمين : إذا كانت قائمةً لم تضع أوزارها ولم يضجر أهلها، فكلّ أسير أُخذ في تلك الحال فإنّ الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم، وتركه يتشحّط بدمه حتى يموت، فهو قول الله عزّ وجلّ (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ)
إلى أن قال في تفسير النفي : «ذلك الطلب أن تطلبه الخيل حتّى يهرب، فإن أخذته الخيل حكم عليه ببعض الأحكام التي وصفت لك. والحكم الآخر : إذا وضعت (الْحَرْبُ أَوْزارَها) وأثخن أهلها، فكلّ أسير أُخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء منّ عليه، وإن شاء فاداهم أنفسهم، وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيداً».
وقصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل.وفيه حجة على القاضي، حيث خالف فيما لو أُخذ قبل تقضّي الحرب، فجوّز للإمام قتله بأيّ نوع من أنواع القتل، وفيما لو أُخذ بعده فخيّره بين الثلاثة المتقدمة والقتل.
وعلى الحلبي، حيث خالف في الأوّل بتخييره له بين ما مرّ والصلب والمفاداة، إلاّ في الصلب، لوجوده في النصّ نظراً إلى الآية المذكورة فيه. وفي الثاني خيّره بين المفاداة والمنّ،
ولم يذكر الاسترقاق.
وعلى ابن حمزة، حيث خالف في الثاني، ففصّل فيه بين من يجوز عقد الذمّة له
كالذمّي فيتخير بين الأُمور الثلاثة، وغيره كالوثني فبين المنّ والفداء خاصّة، ولم يجوّز الاسترقاق له.
وحكاه الفاضل عن الشيخ في المختلف واختاره،
وفي المنتهى وردّه.
وهو الوجه، وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني في كتابيه؛
لإطلاق النصّ.وعلى العماني، فخيّره بين المنّ والفداء والاسترقاق،
ولم يفصّل بينهما.ولم أجد لشيء من هذه الأقوال دليلاً، مضافاً إلى مخالفتها النصّ الذي مضى.
وظاهر
التخيير فيه في المقامين كونه تخيير شهوة، خلافاً لشيخنا في كتابيه في الثاني،
فجعله تخيير
اجتهاد في مصلحة لا شهوة إلاّ إذا تساوت الأفراد فيها فشهوة، وفاقاً للفاضل في التحرير والمنتهى، قال : لأنّ الإمام وليّ المسلمين فيرى لهم الأصلح من الثلاثة.
قال في المسالك : ويحتمل كون التخيير في الأول كذلك أيضاً، فإنّ قطع الأيدي والأرجل قد يكون أصلح، ليعتبر الكفار ويترهّبوا، ويرغب ضعيف العقيدة في
اتّباع المسلمين، ويمكن كون ضرب العنق أصلح باعتبار آخر.
وهو وإن كان اجتهاداً في مقابلة النص، لكنّه أولى.
(ولا يسقط هذا الحكم) المذكور في المقام الثاني من التخيير بين الأُمور الثلاثة (لو أسلموا) لإطلاق النصّ والفتوى، إلاّ ما يحكى في المختلف والدروس عن الشيخ أنّه قال : وقد قيل إنّه إن أسلم سقط عنه الاسترقاق، لأنّ عقيلاً أسلم بعد الأسر ففداه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولم يسترقّه.
قال في
الدروس : وهي حكاية حال فلا تعمّ.أقول : مع احتمال كون المفاداة لكونها أحد الأُمور المخيّر بينها، فاختارها لذلك لا لأجل عدم جواز الاسترقاق، كما هو واضح.
وحيث يختار الفداء والاسترقاق يدخل ذلك في الغنيمة، كما يدخل من استرقّ
ابتداءً فيها من النساء والأطفال، على ما ذكره جماعة ومنهم الشهيدان
والفاضل في المنتهى.وفيه : لا يقال : الغانمون لا حقّ لهم في الأسير، لأنّ الإمام مخيّر فيه، فكيف يكون لهم حقّ في بدله. لأنّا نقول : لا نسلّم أنّ الغانمين لا حقّ لهم في الأسير، وتخيير الإمام إنّما يتعلّق بمصلحة المسلمين في الأسير لأنّه لم يصر مالاً، فإذا صار مالاً تعلّق حق الغانمين به، لأنّهم أسروه وقهروه، وهذا كثير النظائر، فإنّ من عليه الدين إذا قتل عمداً لم يكن لأرباب الدين حقّ على القاتل، فإن اختار الورثة المال ورضي به القاتل تعلّق حقّهم به.
رياض المسائل، ج۸، ص۹۹-۱۰۴.