الاستظلال(المحرم)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستظلال(توضيح).
في تروك
الإحرام ذهب المشهور
إلى حرمة
الاستظلال على المحرم حال سيره، بل هو ممّا لا خلاف فيه،
بل ادّعى غير واحد
الإجماع عليه.
واستدلّ
له بالنصوص الكثيرة المانعة عن ركوب
القبّة أو
الكنيسة ، والآمرة
بالإضحاء ، والناهية عن الاستظلال:
منها: ما عن
محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألته عن المحرم يركب القبّة، فقال: «لا»، قلت: فالمرأة المحرمة؟ قال: «نعم».
ومنها: خبر
هشام بن سالم ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المحرم يركب في الكنيسة، فقال: «لا، وهو للنساء جائز».
ومنها: رواية
عبد اللَّه بن المغيرة ، قال:قلت
لأبي الحسن الأوّل عليه السلام: اظلّل وأنا محرم، قال: «لا»، قلت: أفاظلّل واكفّر؟قال: «لا»، قلت: فإن مرضت، قال:«ظلّل وكفّر»، ثمّ قال: «أما علمت أنّ
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما من حاجّ يضحى ملبّياً حتى تغيب الشمس إلّاغابت ذنوبه معها».
ومنها: ما عن
إسماعيل بن عبد الخالق ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام: هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال: «لا، إلّا أن يكون شيخاً كبيراً»، أو قال: «ذا علّة».
وفي مقابل المشهور نُسب إلى
ابن الجنيد استحباب ترك الاستظلال.
وعبارته المحكية غير واضحة الدلالة على استحباب ترك التظليل؛ ولذا تردّد العلّامة وغيره في مخالفته. ويظهر
من
الصدوق في
المقنع جوازه بشرط التصدّق بعده، حيث قال: «لا بأس أن يضرب على المحرم الظلال ويتصدّق».
واستشكل
المحقق السبزواري في المسألة.
حيث إنّه- بعد أن نقل الروايات الظاهرة في التحريم والروايات الظاهرة في الاستحباب ومحاولة الجمع بينها- قال: «والمسألة عندي محلّ إشكال».ويشهد للجواز
- مضافاً إلى الأصل
- روايات توهم ذلك:
منها:
صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المحرم يركب في القبّة، قال: «ما يُعجبني إلّا أن يكون مريضاً»، قلت: فالنساء؟قال: «نعم».
ومنها: خبر
موسى بن القاسم عن عليّ بن جعفر، قال: سألت أخي عليه السلام: اظلّل وأنا محرم، فقال: «نعم، وعليك
الكفّارة »، قال: فرأيت عليّاً إذا قدم
مكّة ينحر بدنة لكفّارة الظلّ.
ومنها: صحيح جميل عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «لا بأس بالظلال للنساء، وقد رخّص فيه للرجال».
ونوقش فيه بأنّ الأصل مقطوع بما تقدّم من الإجماع والروايات على
الحرمة .
وهذه الروايات لا تدلّ على
استحباب ترك الاستظلال؛ لأنّ الاولى منها غير صريحة في الجواز، كما أنّ الثانية تحتمل الضرورة التي هي في الرواية الثالثة أظهر بقرينة لفظ (الرخصة)، مضافاً إلى موافقتها للعامّة، وإلى قصورها عن معارضة المعتبرة المستفيضة المانعة، ثمّ على فرض تسليم ظهور هذه الروايات في الجواز لا يمكن حمل الروايات المانعة على
الكراهة ؛ لصراحتها في الحرمة، فلابدّ من حمل الروايات المجوّزة على
التقيّة ؛ لموافقتها للعامة،
هذا كلّه في حالة السير.
وأمّا في حال النزول فسوف يأتي البحث فيه في مستثنيات حرمة الاستظلال. ثمّ إنّه بعد الفراغ من حكم الاستظلال هناك عدّة فروع تعرّض لها الفقهاء، وهي كالتالي.
وقع الكلام بين الفقهاء في
اختصاص حرمة الاستظلال بالاستظلال من الشمس، أو عمومها لمطلق التستّر وإن كان في الليل.
ظاهر بعض الفقهاء
وهو ظاهر
الشيخ التبريزي وصريح آخرين
عدم اختصاصها بالشمس، بل تعمّ التستّر والتحفّظ من غير الشمس
كالبرد والحرّ
والمطر والريح ونحو ذلك؛ لأنّ الاستظلال مأخوذ من الظلّة، وهي شيء يستتر به من الحرّ والبرد،
فالاستتار مأخوذ في مفهومه، سواء كان من شمس أو غيرها، ومنه الشمس مستظلّة، أي هي في
السحاب مستترة.
وعليه فلا فرق في الاستظلال بين النهار والليل؛ لأنّ الميزان في حرمته هو التستّر والتحفّظ عن الشمس أو البرد أو الحرّ أو الريح وأمثال ذلك ممّا يتأذّى منه الإنسان حال سيره، من هنا يكون مجرّد جعل المظلّة على الرأس من دون ترتّب أيّ أثر عليه لا مانع منه؛ لعدم صدق الاستظلال والاستتار على ذلك،
كما لو كان هناك غيم كثيف ولم يكن برد أو مطر يتحفّظ منه بالاستظلال.ويشهد لذلك
صحيح ابن بزيع عن
الإمام الرضا عليه السلام، قال: سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس وأنا أسمع فأمره أن يفدي
شاة ويذبحها
بمنى .
وصحيح
إبراهيم بن أبي محمود ، قال:قلت للرضا عليه السلام: المحرم يظلّل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضرّان به، قال: «نعم»، قلت: كم الفداء؟قال: «شاة».
وغيرهما من الأخبار الدالّة على أنّ المراد بالتظليل: التستّر عن الشمس وغيرها.
وظاهر
الفاضل النراقي حرمة الاستظلال مطلقاً، سواء كان لجهة التحفّظ أو عدمه، حيث قال: «وكما يجب ترك التستّر عن الشمس كذلك يجب ترك التظليل عن السماء أيضاً، فلا يجوز الجلوس في نحو المحمل المسقّف في الليل ولا في يوم الغيم، وكذا في يوم الصحو في أوّل النهار وآخره إذا جلس مواجهاً للشمس؛ لأنّ المراد من التظليل أعمّ منهما، كما تفصح عنه طائفة من الأخبار.
.. المتضمّنة للاستظلال من المطر، ولأنّ
الإضحاء المأمور به، بل التظليل أيضاً محتمل
لإرادة الإبراز للسماء وللإبراز للشمس».
وهو قول
المحقّق النجفي حيث اعتبر أنّ التظليل محرّم لنفسه وإن لم يَفُتْ معه الضحى للشمس.
وقال
السيّد الگلبايگاني : «المسألة ليست إجماعية وخالية عن النقض
والإبرام حتى يعدّ القائل بعدم حرمة التظليل بالليل أو حال الغيم مخالفاً له؛ إذ الفقهاء رضوان اللَّه عليهم عبّروا في المقام بالتظليل ولم يذكروا التفصيل... وذكر المحمل والقبّة
والخباء في الروايات ليس من باب الموضوعية والخصوصية، بل هو للمنع عن الشمس والإضحاء،
ولإيجاد الظلّ على المحرم، فالجزم بشمول الحكم للتظليل بالليل وحال الغيم مشكل، وإن قوّينا في السابق أنّ
الاحتياط أن لا يظلّل بالليل».
وذهب آخرون إلى حرمة الاستظلال عن الشمس فقط،
مستدلّين بمقتضى الأصل وظاهر الأخبار.
صريح بعض الفقهاء وظاهر آخرين اختصاص الحرمة بحال الركوب، فلا تشمل حال المشي،
فإنّه قال: «لا يجوز للمحرم أن يركب في القبّة إلّاأن يكون مريضاً، ولا بأس أن يمشي تحت ظلّ المحمل».وقال في
المبسوط: «لا يجوز للمحرم أن يظلّل على نفسه إلّاعند الضرورة، ويجوز له أن يمشي تحت الظلال».
وقال في
السرائر: «لا يجوز للمحرم أن يظلّل على نفسه سائراً.
ويجوز له أن يمشي تحت الظلال، ويجلس تحت الظلال والسقوف.وقال في
القواعد: «ومن محرّمات الإحرام التظليل للرجل سائراً اختياراً.
ويجوز المشي تحت الظلال، والتظليل جالساً».وقال في
الدروس: «العاشر: التظليل للرجل سائراً اختياراً في المشهور.
ويجوز المشي تحت الظلال وفي ظلّ المحمل وشبهه».وقال في
كفاية الأحكام: «المشهور بين الأصحاب تحريم تظليل الرجل الصحيح سائراً.
ولي في المسألة إشكال.ويجوز للمحرم المشي تحت الظلال، نصّ عليه الشيخ وغيره، وقال
الشهيد الثاني: إنّما يحرم- يعني التظليل- حالة الركوب، فلو مشى تحت الظلّ كما لو مشى تحت الجمل والمحمل جاز».مستدلّين بعدّة روايات:
منها: خبر
ابن بزيع، قال: كتبت إلى الرضا عليه السلام: هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظلّ المحمل؟ فكتب: «نعم».
ومنها: خبر
الاحتجاج عن
أبي الحسن موسى عليه السلام... أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختاراً؟ فقال له: «نعم».
فإنّهما يدلّان على جواز الاستظلال للراجل مطلقاً بدعوى حمل المحمل في خبر ابن بزيع على المثال،
بل يؤكّده تضمّن بعض الأخبار
المانعة ما يدلّ على ذلك، كقوله عليه السلام: «لا يستظلّ في المحمل»، أو «على المحمل»، أو «في الكنيسة»، أو «القبّة».ونوقش فيه بأنّه خلاف الظاهر من بعض الأدلّة المانعة؛ إذ الظاهر منها المنع عن الاستظلال مطلقاً، راكباً كان المحرم أو راجلًا بظلّ المحمل وغيره.
وأمّا ما يظهر من بعض الروايات من الاختصاص بالراكب كالقبّة والكنيسة فهو من باب ذكر المورد.
هذا، مضافاً إلى أنّ المشاة كانوا كثيرين جدّاً، فلو كان الحكم مختصّاً بحال الركوب لم يكن وجه لذكر الحكم على إطلاقه، بل كان لابدّ من التصريح باختصاصه بالراكب، مع أنّه ليس في الروايات تصريح أو
إشارة إلى
الاختصاص .
وأمّا صحيح ابن بزيع الدالّ على جواز التظليل بظلّ المحمل حال المشي فإنّه لا دلالة فيه على جواز الاستظلال ماشياً مطلقاً ولو بغير المحمل، فيجب
الاقتصار فيه على مورده،
بل يمكن دعوى
انسياقه إلى إرادة المشي في ظلّه لا الكون تحت الحمل والمحمل، وحينئذٍ فلا يختصّ بالماشي، بل يشمل الراكب أيضاً.
وأمّا خبر الاحتجاج فضعيف
بالإرسال .
من هنا ذهب آخرون إلى شمول حرمة التظليل لكلّ من الراكب والماشي.
وقع البحث بين الفقهاء في جواز الاستظلال بأحد الجانبين، كالكون في ظلّ المحمل عند ميل الشمس إلى أحد جانبيه، فذهب جماعة إلى جوازه،
بل ادّعي عدم
الخلاف فيه،
بل ذكر
الشهيد الثاني أنّ التظليل لا يتحقّق إلّابما يكون فوق الرأس.
نعم، ذكر بعضهم استحباب
الاجتناب عنه.
واستدلّ لنفي الحرمة- مضافاً إلى الأصل- باختصاص أكثر النصوص المانعة بالجلوس في القبّة والكنيسة أو رفع ظلال المحمل أو التظليل عليه ونحوها،
ممّا لا يشمل الاستظلال بأحد الجانبين.
هذا، مضافاً إلى
صحيح ابن سنان ، قال:سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول لأبي- وشكى إليه حرّ الشمس، وهو محرم، وهو يتأذّى به- فقال: ترى أن أستتر بطرف ثوبي؟فقال: «لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك».
ونوقش فيه:
أوّلًا: بأنّ الأصل واختصاص بعض النصوص بالقبّة والكنيسة لا يعارض
إطلاقات المنع من التستّر عن الشمس
والأمر بالإضحاء
كما تقدّم؛ فإنّ المستفاد منها هو المنع عن صنع شيء يمنع من وصول الشمس إليه، سواء بجعل شيء فوق الرأس، أو بجعله على أحد جوانبه ليستظلّ به.
وثانياً: بأنّ صحيح ابن سنان ظاهر في الضرورة؛
لأنّ السائل كان يتأذّى من حرّ الشمس، فجوّز الإمام عليه السلام له الاستظلال لذلك، فلا تدلّ
الرواية على جواز الاستظلال اختياراً بأحد الجانبين الذي هو محلّ الكلام،
خصوصاً مع خلوّ سائر النصوص عن التعرّض له.
ولو كان الظلّ الجانبي جائزاً لكان لابدّ من الأمر بالاقتصار عليه عند
الاضطرار إلى الظلّ، لا أن يسمح لرفع الاضطرار بمطلق الظلّ حتى لو كان بما فوق الرأس، كما هو المستفاد من إطلاق أخبار الكفّارات المجوّزة
للاستفادة من الظلّ في مقابل
إعطاء كفّارة عليه، ممّا يعني أنّه لا فرق بين الظلّين من هذه الجهة، فكلاهما محرّم، ويجوز رفع الاضطرار بأيٍّ منهما مع إعطاء الكفّارة عليه.
من هنا ذهب آخرون إلى حرمة الاستظلال بأحد الجانبين؛
ووافقه عليه جميع المحشّين. لما تقدّم من إطلاقات الأدلّة- المتقدّمة- الشاملة للاستظلال بأحد الجانبين.
نعم، استثنى
السيّد الخميني من الحرمة الاستظلال بجدار السفينة، حيث ذهب إلى الجواز في كتاب
مناسك الحجّ ،
مع أنّه احتاط استحباباً في تحريره قائلًا: «والأحوط عدم الاستظلال بما لا يكون فوق رأسه، كالسير على جنب المحمل أو الجلوس عند جدار السفينة والاستظلال بهما، وإن كان الجواز لا يخلو من قوّة».
وقد توقّف في الحكم بذلك.
وفصّل ثالث بين الماشي والراكب، فذهب إلى جواز الاستظلال بأحد الجانبين للماشي دون الراكب الذي احتاط في لزوم اجتنابه، إلّاإذا كان الساتر قصيراً لا يمنع من صدق الإضحاء، كما لو كان ضوء الشمس يصيب رأسه وصدره عند ركوبه في بعض
السيّارات المكشوفة.
وقع الكلام بين الفقهاء في اختصاص حرمة الاستظلال بالظلال المتحرّكة- كظلّ سقف السيّارة والقبّة والمحمل- أو عمومها للظلال الثابتة- كظلّ الأشجار والجدران والجبال ونحوها- حيث ذهب الأكثر إلى الاختصاص، فجوّزوا الاستظلال بالظلّ الثابت
وإن كان طويلًا.
وفي
دليل الناسك: «أنّه لا يخلو من وجه».
ونسب إلى العلّامة وولده.
ويمكن استفادة ذلك من كلّ مَن عبّر بجواز المشي تحت الظلال؛ لظهوره في المشي تحت الثابت منها دون المتحرّك.واستدلّ له- مضافاً إلى الأصل
- بدليلين:
أحدهما: أنّه لو كان الاستظلال بالظلّ الثابت محرّماً لكان واضحاً جدّاً؛ لكثرة
ابتلاء الحجّاج به، خصوصاً ظلال جدران بيوت القرى وأبنيتها التي يمرّون بها.
ثانيهما: انصراف النصوص وقصورها عن شموله؛
لظهور الأمر برفع الستر
والحجاب ونحوه في المنع من إحداث
الستر وإيجاد المانع عن الإضحاء وشروق الشمس عليه، فلا يشمل الظلّ الثابت المستقرّ.
وخالفهم في ذلك السيّد الخميني حيث ذهب إلى عدم الفرق في حرمة الاستظلال بين الظلّ الثابت والمتحرّك، إلّاأنّه استثنى منه ما تحت الجسور التي في الطرق؛ لعدم صدق الاستظلال عليها.
بينما احتاط بعضهم بما تحت الجسور أيضاً.
وقع البحث بين الفقهاء في
إلحاق الاستظلال بالسفينة والقطار بحال السير، حيث صرّح البعض بأنّ الأقوى جواز الاستظلال بهما، باعتبار أنّ السفينة والقطار كمنزل المحرم في الأسفار البعيدة، وإن استحبّ له ترك الاستظلال بهما.
وذهب جماعة إلى إلحاقهما بحال السير، فيحرم الاستظلال بهما،
بدعوى أنّ مقتضى إطلاق النصوص هو المنع عن التستّر عن الشمس وحرمة التظليل للمحرم، باستثناء حال النزول في الخباء والوصول إلى المنزل، وأمّا السفينة ونحوها فلا دليل على استثنائها، فمقتضى الإطلاق هو المنع إلّامع الضرورة
اتّفق الفقهاء على جواز الاستظلال للمرأة حال الإحرام،
للروايات المستفيضة التي منها: صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألته عن المحرم يركب القبّة، فقال: «لا»، قلت:فالمرأة المحرمة، قال: «نعم».
ومنها: صحيح حريز عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «لا بأس بالقبّة على النساء والصبيان وهم مُحرمون...».
وغيرهما من الأخبار الدالّة على ذلك، وقد تقدّم ذكر بعضها.
هذا مضافاً إلى كونها عورة يناسبها الستر وضعيفة يصعب عليها مقارفة الحرّ والبرد.
إلّاأنّ
الشيخ في
النهاية والمبسوط ذهب إلى أفضلية ترك الاستظلال للمرأة.
وقيل في وجهه: كأنّه لإطلاق المحرم والحاج في كثير من الأخبار وبعض
الفتاوى ، فهو يشمل المرأة والرجل، والترخيص لها في بعض الأخبار إنّما يرفع الإلزام بترك الاستظلال، وتبقى أصل مطولبية الترك على حالها، فيستحبّ تركه.
ونوقش فيه بأنّ الظاهر إرادة الرجل المحرم منه فيها، ويعلم ذلك من استثناء المرأة في بعض الروايات والفتاوى.
نعم، يمكن استفادة أفضلية ترك الاستظلال للمرأة من الأمر بالاضحاء في عدّة من الروايات، وأنّه ما من حاجّ يضحي ملبّياً حتى تغيب الشمس إلّاغابت ذنوبه منها، وهو عامّ لكلّ من الرجل والمرأة، لكن لأجل ضعفها
والإرفاق بها رخّص
الشارع لها ورفع الحرمة عنها، فتبقى المطلوبية على حالها كما في
صلاتها في
المسجد .
وكذا لا خلاف بين الفقهاء في جواز استظلال الصبيان،
بل ادّعى غير واحد
الإجماع عليه؛
لصحيح حريز المتقدّم.
هذا، مضافاً إلى ضعفهم عن مقارفة الحرّ والبرد، كما في المرأة،
وموافقة عدم حرمة تروك
الإحرام على الصبيان للقاعدة؛ لأنّ التروك محرّمات مستقلّة لا علاقة لها بموانع الحجّ، وليس عدمها من واجباته، فيكون مقتضى حديث رفع القلم عن الصبي
ارتفاع حرمتها عنه.
يختص المنع عن الاستظلال بحال السير فيجوز للمحرم الاستظلال حالة النزول، سواء كان لضرورة أو غيرها،
وهو ممّا لا كلام فيه بين الفقهاء؛ مستدلّين عليه مضافاً إلى الأصل
بروايات:
منها: ما روي عن أبي الحسن عليه السلام- في حديث- قال: «... كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يركب راحلته فلا يستظلّ عليها، وتؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض، وربّما يستر وجهه بيده، وإذا نزل استظلّ بالخباء، وفي البيت وبالجدار».
وبمضمونها رواية
محمد بن الفضيل وغيرهما.
هذا، وقد ادّعى بعض الفقهاء
انصراف الروايات المانعة عن حالة
النزول .
وهذا الحكم متسالم عليه عند
الشيعة وممّا اختصّوا به، بل كان ذلك شعارهم من الصدر الأوّل إلى زماننا هذا، حتى كثر
الاعتراض من المخالفين وتساؤلهم عن الفرق بين حالتي السير والنزول، فأجابهم الأئمّة عليهم السلام بوجود النصّ عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والدين لا يقاس.
وعلى أيّ حال، لا كلام في جواز الاستظلال عند النزول، وإنّما الكلام في جوازه حال
التردّد بين المنزل وخارجه- كما لو نزل المحرم بمكّة وأراد
الذهاب إلى المسجد الحرام
لأداء الطواف والسعي ، أو نزل بمنى وأراد الذهاب إلى
الجمار - فقد اختار بعضهم الجواز؛ لظهور الروايات المتقدّمة المانعة من الاستظلال حال السير إلى مكّة بالاختصاص وعدم الشمول لنزول المحرم إلى منزله بعد وصوله إلى مكّة؛ لعدم صدق عنوان السير إليها، بل يصدق عنوان الدخول إلى المنزل، فيجوز له الاستظلال.
وذهب آخر إلى حرمة الاستظلال إلّاإذا كان المكان قريباً من المنزل بحيث يعدّ من توابعه،
واعتبر ذلك بعضهم موافقاً للاحتياط.
وفصّل ثالث بين الظلّ الثابت والمتحرّك، فذهب إلى لزوم
الاحتياط في الظلّ المتحرّك منه دون الثابت.
وفرّق رابع بين أن يكون التردّد لقضاء حوائج بيته فيجوز الاستظلال، وبين ما لم يكن كذلك فلا يجوز.
وممّا وقع الكلام فيه التوقّف في الطريق، فقد صرّح بعض الفقهاء بجواز الاستظلال لمن نزل في الطريق للجلوس أو لملاقاة الأصدقاء أو غير ذلك،
واحتمله
الفاضل الاصفهاني أيضاً، حيث قال: «وهل
الجلوس في الطريق لقضاء حاجة أو إصلاح شيء أو انتظار رفيق أو نحوها كذلك؟ احتمال».
واعتبر المحقّق النجفي أنّ
الاجتناب موافق للاحتياط.
وقال
السيّد الگلبايگاني: «لو نزل وتوقّف عن السير ومشى إلى قضاء حوائجه أو وقف على المركب كالسيارة وغيرها ولم ينزل على الأرض أصلًا، وأكل
الغذاء فيه، فالظاهر أنّه كالمنزل وتوقّف عن الحركة، وأمّا إذا لم يتوقّف
للاستراحة والتغذّي والتعشّي ولو على المركب، فيشكل القول بجواز التظليل، وأنّ الحرمة تختصّ بحال السير والمشي في الطريق فقط لا غيره وإن لم يكن نازلًا للاستراحة».
لو اضطرّ المحرم إلى الاستظلال لمرض ونحوه جاز له ذلك بلا خلاف، بل في
الجواهر وغيره الإجماع عليه.
وإنّما الخلاف في مقدار
الاضطرار الذي يجوز معه الاستظلال، حيث ذهب بعض الفقهاء إلى اعتبار الضرر العظيم فيه بحيث يسقط معه
التكليف ؛
وذلك لعدّة روايات:
منها: رواية
عبد الرحمن بن الحجّاج ،قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل المحرم وكان إذا أصابته الشمس شقّ عليه وصدع فيستتر منها، فقال: «هو أعلم بنفسه، إذا علم أنّه لا يستطيع أن تصيبه الشمس فليستظلّ منها».
ومنها:
موثّقة ابن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن المحرم يظلّل عليه وهو محرم، قال: «لا، إلّامريض أو من به علّة، والذي لا يطيق الشمس».
ومنها: خبر
زرارة ، قال: سألته عن المحرم أيتغطّى؟ قال: «أمّا من الحرّ والبرد فلا»،
وغيرها من الأخبار.إذ الظاهر من هذه الأخبار عدم
الاكتفاء بمطلق الأذى من الحرّ أو البرد ما لم يصل إلى حدٍّ لا يتحمّل مثله.
ويظهر من آخرين الاكتفاء بمطلق الأذيّة ولو بالمشقّة الحاصلة من حرّ الشمس ونزول المطر،
بل صرّح بذلك
المحقّق السبزواري؛
لظاهر بعض الأخبار الواردة في هذا المجال:
منها: صحيح
سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: سألته عن المحرم يظلّل على نفسه، فقال:«أمن علّة؟» فقلت: يؤذيه حرّ الشمس وهو محرم، فقال: «هي علّة، يظلّل ويفدي».
ومنها: صحيح إبراهيم بن أبي محمود، قال: قلت للرضا عليه السلام: المحرم يظلّل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضرّان به؟ قال: «نعم»، قلت: كم الفداء؟قال: «شاة».
ومنها: صحيح ابن بزيع عنه عليه السلام أيضاً، قال: سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس- وأنا أسمع- فأمره أن يفدي شاة ويذبحها بمنى.
فإنّ ظاهر إطلاق هذه النصوص الاكتفاء بمطلق الأذيّة؛ إذ ليست تلك الموارد بدرجة توجب حرجاً شديداً خارج قدرة المكلّف وتحمّله، فلابدّ من حمل المرض والعلّة وعدم
الطاقة لحرارة الشمس المذكورة في الروايات على
المتعارف لا على الحرج الشديد المرفوع بقاعدة لا حرج.
إلّاأنّ أصحاب القول الأوّل حملوا هذه النصوص على الضرورة التي سقط معها التكليف، مؤيّدين ذلك باستصحاب عدم الجواز الذي لا يكفي في ارتفاعه
التزام الكفّارة مع عدم الضرورة، كما هو مقتضى إطلاق النصّ والفتوى،
وصحيح
ابن المغيرة ، قال: قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام: اظلّل وأنا محرم؟ قال: «لا»، قلت: أفاظلّل واكفّر؟ قال: «لا»، قلت:فإن مرضت، قال: «ظلّل وكفّر».
ثمّ إنّ المضطرّ لو استظلّ وجبت عليه الكفّارة.
لو رافق المحرم الصحيح شخصاً يجوز له الاستظلال لعذر، اختصّ صاحب العذر بجواز التظليل دون
الصحيح ؛
لإطلاق الأدلّة،
وخصوص خبر
بكر بن صالح ، قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: أنّ عمّتي معي وهي زميلتي ويشتدّ عليها الحرّ إذا أحرمت، فترى لي أن اظلّل عليّ وعليها؟ فكتب: «ظلّل عليها وحدها».
وأمّا رواية
العباس بن معروف عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: سألته عن المحرم له زميل فاعتلّ فظلّل على رأسه، أله أن يستظلّ؟ فقال: «نعم»،
فقد نوقش فيها بأنّها ليست صريحة في جواز استظلال
الزميل الصحيح؛ لقصورها عن ذلك؛ لاحتمال عود الضمير في قوله: (أله) إلى المريض، أو احتمال إرادة الاستظلال بما يحدث من ظلال العليل الذي تقدّم جوازه عند البعض؛ لكونه من الاستظلال بأحد الجانبين.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۱۴-۲۹.