ذات العادة في الحيض
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
إنما تثبت العادة بأقسامها عندنا وأكثر العامة باستواء شهرين متواليين، أو غيرهما مع عدم
التحيض في البين في أيام رؤية الدم فتتحيّض بمجرد رؤيته في الثالث، وترجع عند التجاوز عن العشرة إليها، فتجعل العدد والوقت فيه كهما فيهما إن تساويا فيهما، وإلّا فلتأخذ بما تساويا فيه وتراعي في غير المتساوي حكم
المبتدأة أو المضطربة.
إنما تثبت العادة بأقسامها عندنا وأكثر العامة باستواء شهرين متواليين، أو غيرهما مع عدم
التحيض في البين في أيام رؤية الدم فتتحيّض بمجرد رؤيته في الثالث، وترجع عند التجاوز عن العشرة إليها، فتجعل العدد والوقت فيه كهما فيهما إن تساويا فيهما، وإلّا فلتأخذ بما تساويا فيه وتراعي في غير المتساوي حكم
المبتدأة أو المضطربة.
وذلك لإطلاق أخبار العادة بل وعموم بعضها الصادق بذلك، وخصوص المعتبرين منهما
الموثق: «إذا اتفق شهران عدّة أيام سواء فتلك عادتها»
، مضافاً إلى الإجماع.
وفي اشتراط استقرار الطهر بتكرره مرتين متساويتين في استقرار العادة عدداً ووقتا قولان. الأقوى: العدم، للأصل، وظاهر الخبرين، وفاقاً
للعلّامة والروض.
وخلافا
للذكرى فلا وقتية إلّا به
.
وتظهر الفائدة في الجلوس لرؤية الدم في الثالث لو تغاير الوقت فيه، فتجلس على المختار بمجردها، وعلى غيره بمضيّ ثلاثة أو حضور الوقت، ولا فرق فيه بين التقدم والتأخر. نعم في الأخير ربما قطع بالحيضية فتجلس برؤيته فلا ثمرة هنا بل تنحصر في الأوّل.
ولا تثبت برؤية الدم مرّة في الشهر الواحد إجماعا، خلافا لبعض
العامة.
وكذا برؤيته فيه مرارا متساوية بينها
أقل الطهر على قول تمسكا بظاهر الخبرين المعتبرين في تحققها الشهرين. والأصح حصولها بذلك، كما عن
المبسوط والخلاف والمعتبر والذكرى والروض
عملا بإطلاق أخبار العادة الصادق بذلك، وتنزيلا لهما على الغالب، فلا عبرة بمفهومهما. ولذا يحكم بحصول العادة برؤية الدمين المتساويين فيما يزيد على شهرين، وورود مثله فيه مع عموم بعضها غير معلوم.
فلا يعتبر تعدد الشهر الهلالي بل يكفي تعدد الحيضي. والمراد به ما يمكن أن يعرض فيه حيض وطهر صحيحان، وهو ثلاثة عشر يوماً. ومما ذكرنا من الإطلاق يظهر وجه حصول العادة بالتميز مع استمرار الدم الشهرين أو الأشهرُ.
ولو رأت في أيام العادة صفرة أو كدرة، وقبلها أو بعدها أيضاً لكن بصفة
الحيض وشرائطه وتجاوز المجموع العشرة:
فالترجيح للعادة كما عن
الجمل والعقود وجمل العلم والعمل والشرائع والجامع والمعتبر
والكافي وموضع من المبسوط وظاهر
الاقتصاد والسرائر، وعن
التذكرة والذكرى وغيرهما
: أنه المشهور. وهو كذلك. وهو الأصح؛ عملاً بعموم أخبار العادة والعمل فيما عداها بالاستحاضة، وقولهم: «إنّ الصفرة في أيام
الحيض حيض»
؛ واختصاص أخبار التميز بغير ذات العادة، مع وقوع التصريح باشتراط فقدها في الرجوع إليه في المعتبرة منها، كالمرسلة الطويلة، وفيها بعد الحكم بأن الصفرة في أيام الحيض حيض: «وإذا جهلت الأيام وعددها احتاجت حينئذ إلى النظر إلى إقبال الدم وإدباره»
.
وعلى تقدير تساوي العمومين فالترجيح للأول؛ للشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، لرجوع الخصم عن المخالفة في باقي كتبه. مع كون العادة أفيد للظن لاطرادها إجماعاً، بخلاف التميز لتخلفها إجماعاً ونصوصاً.
وفيه قول آخر بترجيح
التميز لأخباره، كما نسب إلى
النهاية والمبسوط والاصباح
. وظهر ضعفه.
ومع ذلك فقد قوّى المختار في الكتب المزبورة بعد الحكم بتقديمه. وكذا القول بالتخيير، كما عزي إلى
ابن حمزة. ولا فرق في العادة بين الحاصلة بالأخذ والانقطاع والحاصلة بالتميز؛ للعموم. وتبادر الأوّل دون الثاني بعد تسليمه غير مجد في مثله، لكونه لغوياً لا عرفياً يجري فيه ذلك. فالقول بترجيح التميز عليها حينئذ كما ينسب إلى بعض
لعدم مزية الفرع على أصله ضعيف.
ثمَّ إن محل الخلاف اتصال الدمين أو انفصالهما مع عدم تخلل
أقل الطهر وتجاوزهما العشرة. أمّا مع الانفصال والتخلل وكذا مع عدم الأول وفقد التجاوز فالأقوى الرجوع إلى العادة هنا؛ لعموم أخباره، مع عدم معلومية شمول أدلة إمكان الحيض لمثل المقام. إلّا أن يتم
الإجماع المنقول في الصورة الثانية. فالقول بجعل الدمين حيضين في الصورة الاُولى وحيضاً في الثانية كما نسب إلى جماعة من المتأخرين
لعموم الأدلة مشكل؛ لما عرفت، مضافاً إلى المرسلة المشترطة في الرجوع إلى التميز فقد العادة. لكن ما ذكروه لا يخلو عن قوّة سيّما في الصورة الثانية، لما ستعرفه.
وتترك ذات العادة الوقتية مطلقاً
الصلاة والصوم برؤية الدم مطلقاً إذا كانت في إيامها إجماعاً، كما عن المعتبر
والمنتهى والتذكرة
، ونصوصاً عموماً وخصوصاً. وكذا برؤيته قُبيلها أو بُعيدها مطلقاً ولو كان المرئي بصفة
الاستحاضة، على الأظهر الأشهر، بل قيل: إنه إجماع
، لأصالة عدم الآفة والخروج عن الخلقة، ولعموم الأخبار المستفيضة في تحيّض المرأة بمجرد الرؤية كما سيأتي في حكم
المبتدأة، وخصوص الأخبار الدالة على أن المرئي قبل الحيض حيض. منها الموثق: عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها، قال: «فلتدع الصلاة فإنه ربما يعجّل بها الوقت»
.
وهي مع ما سيأتي حجة على من يدعي إلحاق هذه الصورة بالمبتدأة مطلقاً، فأوجب فيه
الاستظهار على تقدير وجوبه في المبتدأة. كما أن المعتبرة المستفيضة الناطقة بأن الصفرة المرئية قبل الحيض بيومين منه، كالموثقين
، في أحدهما: «ما كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض»
الحديث. ومثلهما رواية اُخرى
. والرضوي: «والصفرة قبل الحيض حيض»
حجة على من خصّ المختار بصورة اتصاف الدم المتقدم أو المتأخر بصفة الحيض. وهي وإن اشتركت في الدلالة على أن الصفرة بعد الحيض ليس منه، لكنها مع مخالفتها الإجماع البسيط أو المركب والأخبار الآتية في الاستظهار محمولة على رؤيتها بعد انقضاء أيام العادة بيومين. وفي
القوي: «إذا رأت المرأة الصفرة قبل انقضاء أيامها لم تصلّ، وإن رأت صفرة بعد انقضاء أيام قرئها صلّت»
فتأمل. هذا، مع ما فيهما ولا سيّما الأوّل من العسر والحرج المنفيّين.
ومثلها في وجوب
الاستبراء ذات العادة العددية مطلقاً مع انقطاع دمها عليها فيما دون.
ومع استمرار الدم وتجاوزه عنها تستظهر وتحتاط بترك
العبادة مطلقاً كما هو ظاهر
الفتاوي، أو مع عدم استقامة الحيض كما في الصحيح
ويومئ إليه الخبر
، وجوباً كما عن ظاهر الأكثر
وصريح الاستبصار والسرائر
؛ عملاً بظاهر الأوامر الواردة به في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة
، والاحتياط في العبادة فإنّ تركها على الحائض عزيمة،
واستصحاب الحالة السابقة. أو
استحباباً كما عن التذكرة وعامة المتأخرين
؛ التفاتاً إلى أخبار الأمر بالرجوع إلى العادة والعمل فيما عداها بالاستحاضة، وأخذاً بظن الانقطاع على العادة وبظاهر لفظ
الاحتياط في بعض المعتبرة
، وحملاً للأوامر على الاستحباب جمعاً.
وهو الأقوى، لا لما ذكر، لتصادم الأخبار من الطرفين، وعدم مرجح ظاهر في البين إلّا
التقية في الثانية لكونه مذهب أكثر
العامة، واختلاف الأدلة في مقادير الاستظهار مع
التخيير فيها بينها الظاهر كل منهما في الاستحباب؛ بل للأصل السليم عن المعارض في البين، بناءً على ما عرفت من تصادم الأدلة من الطرفين. أو جوازاً مطلقاً عارياً عن قيدي
الوجوب والاستحباب. وهو مردود بظاهر الأوامر في الصحاح التي أقلها الاستحباب. ولا يعارض بأوامر الرجوع إلى العادة؛ لورودها في مقام توهم الحظر المفيد
للإباحة خاصة. والمناقشة بورود مثله في الأدلة غير مسموعة.
وكيف كان فتستظهر بعد عادتها بيوم أو يومين كما هنا وفي الشرائع
، وعن النهاية
والوسيلة والصدوق والمفيد للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة. منها: الصحيح المحكي في المعتبر عن كتاب المشيخة
للحسن بن محبوب: «إذا رأت دماً بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين، ثمَّ تمسك قطنة، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل» الحديث
. أو بثلاثة، كما عن السرائر والمعتبر والمنتهى والتذكرة والمقنع
، إلّا أنه اقتصر عليها خاصة؛ للنصوص المعتبرة، منها الصحيحان
والموثقان
، وأحدهما كأحد الأولين كالمقنع في الاقتصار عليها. أو إلى العشرة كما عن
السيّد والإسكافي، وظاهر
المقنعة والجمل
، وأجازه
الماتن في غير الكتاب ولكن احتاط بما فيه
، وكذا عن
الشهيد إلّا أنه اشترط في
البيان ظنها بقاء الحيض
.
للموثق: «تنتظر عدتها التي كانت تجلس، ثمَّ تستظهر بعشرة أيام»
. وفي معناه
المرسل: «إن كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة»
.
وهما مع قصورهما سنداً وعملاً وعدداً يحتملان الورود مورد الغالب، وهو كون
العادة سبعة أو ثمانية، فيتحدان مع الأخبار السابقة. وهو وإن جرى فيها فيخلو ما عدا الغالب عن
النص بالاستظهار، إلّا أنّ إلحاقه به
بالإجماع المركب كاف في ثبوته فيه؛ والإجماع لا يتم إلّا في الناقص عن الثلاثة، فتبقى هي كالزائد عليها إلى العشرة خالياً من الدليل، فيرجع حينئذ إلى مقتضى الأصل وهو عدم مشروعية الاستظهار. فتعيّن القول بالأول أو الثاني سيّما مع كثرة القائل بهما، والأول أقرب إلى الترجيح ولكن الثاني غير بعيد. وغير خفي أنّ الاختلاف بين الأوّلين والثالث إنما هو مع قصور العادة عن العشرة بأزيد من الثلاثة، وبين الأوّلين مع قصورها عنها بها، وإلّا فلا خلاف. كما لا خلاف في عدم الاستظهار مع استتمامها إياها وتطابقها معها، إذ الاستظهار احتياط عن الحيض المحتمل وليس معه، مع ورود بعض المعتبرة به
.
ثمَّ هي بعد أيام الاستظهار كيف كان تعمل ما تعمله المستحاضة وتصبر إلى العشرة إن احتيج إلى الصبر فإن استمر وتجاوز العشرة كان ما عدا أيام الاستظهار مطلقا استحاضة، وهي داخلة في الحيض حكمها حكمه، كما يستفاد من النصوص الواردة فيه
. والمشهور دخولها حينئذ في
الاستحاضة، فيجب عليها قضاء ما تركته فيها من
العبادة. ولم أفهم المستند، وبه صرّح جماعة
، ولعلّه لهذا الماتن لم يعدل عن ظواهر النصوص، كالمرتضى في المصباح والعلّامة في ظاهر
القواعد والنهاية
، حيث استشكل في الأخير وجوب
قضاء العبادة، ولم يذكر في الأوّل مع تصريحه فيه بإجزائها ما فعلته، ومن جملته الكفّ عن العبادة، وإجزاؤه كناية عن عدم وجوب قضائها.
وإلّا يستمر بأن انقطع على العاشر فما دونه قضت الصوم الذي أتت به فيما بعد أيام الاستظهار أيضا دون
الصلاة التي صلّتها فيه؛ لظهور كون أيام الاستظهار مع ما بعده إن كان حيضاً. هذا هو المشهور، بل ربما حكي عليه الإجماع
.
ولا تساعده الأخبار في المضمار، بل هي في الدلالة على دخول ما بعد الاستظهار في الاستحاضة بقول مطلق ولو مع الانقطاع عليه واضحة المنار. ولكن قوة احتمال ورودها مورد الغالب توجب ظهورها في الشق الأوّل وهو انتهاء أيام الاستظهار إلى العاشر وانقطاعها عليه. وعلى هذا يحمل لفظة «أو» على التنويع وبيان ما هو الغالب من الأفراد كما فعله في المنتهى ولو من وجه آخر
لا
التخيير كما هو المشهور، فلا تشمل حينئذ المقام، وليس في الحكم بتحيّضها الجميع حذر من جهتها.
نعم : فيه الحذر من جهة الأخبار الآمرة بالرجوع إلى العادة وجعلها حيضاً خاصة
؛ لكنها مع تطرّق الوهن إليها بأخبار الاستظهار إجماعاً معارضة بأدلة «ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض» بالبديهة. ولا ريب في رجحانها بالضرورة؛ لغلبة
الظن بالحيضية، والاعتضاد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون من الإجماع قريبة، مع أنّ الحكاية في نقله صريحة كما مرّت إليه الإشارة. مضافاً إلى الاعتضاد
بإطلاق الحسنة: «إذا رأت المرأة الدم قبل العشرة أيام فهو من الحيضة الاولى، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة»
.
وخصوص المرسلة المنجبر ضعفها بالشهرة وقصور دلالتها بالإجماع المركب من
الطائفة، وفيها: «إذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيام ثمَّ انقطع الدم اغتسلت وصلّت، فإن رأت بعد ذلك الدم ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة، فإن رأت الدم أوّل ما رأته الثاني الذي رأته تمام العشرة أيام ودام عليها عدّت من أول ما رأت الدم الأول والثاني عشرة أيام، ثمَّ هي مستحاضة تعمل ما تعمله المستحاضة»
.
وفي ذيلها دلالة أيضاً على ما اخترناه في الشق الأوّل. فتأمّل. فإذاً الذي اختاره المصنف في المسألة بكلا شقّيها هو الأقرب. ولكن ما عليه المشهور
أحوط، بل وعليه العمل.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱، ص۲۷۵-۲۸۹.