الآنية المفضضة والمذهبة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هناك يأتي المراد من المفضض والمذهب في الآنية، ويأتي أحكام الآنية المموه بهما.
والمفضّض لغة المموّه بالفضّة
أو المرصَّع بها.
ونحوه المذهّب حيث فسَّره اللغويون بالمموّه بالذهب أو المطلي به،
هذا بحسب اللغة.
وأمّا عند الفقهاء فالمفضض مشتقّ من الفضّة؛ لاحتوائه عليها، وهذا واضح إلّا انّهم اختلفوا في تحديد دائرته سعة وضيقاً، وقد وقع موضوعاً لأحكام شرعية في النصوص، واللغويون لم يلتزموا دائماً بذكر المعاني على وجه التحديد فأحياناً يكتفون
بالاشارة الاجمالية؛ من هنا تصدّى بعض الفقهاء لتحديد دائرة المفضَّض، ومجموع هذه العناوين التي اعتبرها الفقهاء من المفضض لا تتعدّى الستة، قد جمعها
العلّامة المجلسي ،
وحاصلها ما يلي:
الأوّل: الظرف الذي يكون بعضه فضّة وبعضه نحاساً أو غيره متميّزاً كلّ منهما عن الآخر كما تستعمل ظروف
أصلها من الخزف أو ما يشبهه وفمها من الفضّة.
الثاني: ما كان جميعه مموّهاً بالفضّة بأن طلي بماء الفضّة، وإذا عرض على النار لا ينفصل عنه شيء.
الثالث: ما لبِّس وكُسي بالسبائك وشبهها بحيث إذا عرض على النار انفصلت الفضّة عن غيرها.
الرابع: ما علّق عليه قطعة أو حلقة أو سلسلة من الفضّة.
الخامس: أن يخلط الفضّة بشيء آخر، ويصنع منهما
الآنية .
السادس: ما نقش بالفضّة، ويسمّى بالمنقوش أو المنبّت أو المرصَّع أو المطعَّم.
وأمّا المضبَّب أو ذو الضبَّة فهو ليس في عرض العناوين السابقة.وهذه العناوين الستة إنّما هي على سبيل مانعة الخلوّ؛ إذ بعض الفقهاء قبل بعضاً منها ولم يقبل بعضها الآخر،
وبعضهم قبلها كلّها.
وقد صار كلام المجلسي هذا محلّاً للنقد من المحققين
كالشيخ الأنصاري والمحقق الهمداني.
هذا كلّه في المفضّض.وأمّا المذهَّب فقد خلت النصوص وأكثر الفتاوى عن ذكره، ولعلّه
للاستغناء عنه بذكر المفضّض، فحينئذٍ يكون المراد بالمذهّب ما هو المراد بالمفضّض حذو القذَّة بالقذَّة.
لقد تعرّض الفقهاء إلى المفضّض وحكم استعماله.أمّا المذهّب فالظاهر أنّ العلّامة هو أوّل من تعرّض له، وقد صرّح بأنّه لم يجد للأصحاب فيه قولًا ونستعرض فيما يلي كلمات الفقهاء بشأن الآنية المفضّضة والمذهبة:قال
الشيخ الطوسي : «والمفضّض لا يجوز أن يشرب أو يؤكل من الموضع المفضّض، ويستعمل غير ذلك الموضع».
وقال في
النهاية: «فإن كان هناك قدح مفضّض يجتنب موضع الفضّة منه عند الشرب».
وقال في الخلاف : «يكره استعمال أواني الذهب والفضّة، وكذلك المفضض منها.وقال الشافعي: لا يجوز
استعمال أواني الذهب والفضّة، وبه قال أبو حنيفة في الشرب
والأكل والتطيّب على كلّ حال.وقال الشافعي: يكره المفضّض، وقال أبو حنيفة: لا يكره، وهو مذهب داود.دليلنا:
اجماع الفرقة، وأيضاً روى الحلبي عن
أبي عبد اللّه عليه السلام:... وروى ابن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمّد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام ... وروي عن النبي صلى الله عليه وآله..».وقد حمل الأصحاب عبارة الشيخ هذه على التحريم بالنسبة لأواني الذهب والفضّة، كما تقدّم، وأمّا بالنسبة للمفضّض فسيأتي الكلام فيه.
وقال
ابن البرّاج : «والاناء المفضّض إذا كان فيه موضع غير مفضّض جاز الشرب من ذلك الموضع دون غيره من المفضّض».
وقال ابن إدريس الحلي: «فإن كان هناك قدح مفضّض يجتنب موضع الفضّة منه عند الشرب».
وقال
المحقق في الشرائع: «ويكره المفضّض. وقيل: يجب
اجتناب موضع الفضّة».
وقال في
المعتبر : «وأمّا المفضّض ففيه قولان: قال في الخلاف: ما يدلّ على مساواته لآنية الذهب والفضّة. وقال في المبسوط: بالجواز،
وبه قال أبو حنيفة. والوجه الكراهيّة» ثمّ قال: «وهل عزل الفم عن موضع الفضّة واجب أم مستحب؟ قال في المبسوط واجب. والأشبه
الاستحباب عملًا
بالاستصحاب ».
وقال الفاضل الآبي: «وأمّا المفضّض ففيه للشيخ قولان... والكراهيّة أشبه».
وقال ابن سعيد: «ولا يحلّ استعمال أواني الذهب والفضّة لرجل أو امرأة، وموضع الفضّة من المفضّض والمدهن والمشط والمرآة من ذلك».
وقال العلّامة: «وفي المفضّض قولان: ففي الخلاف شرّك بينهما في الحكم. وقال في المبسوط: يجوز استعماله. وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: إن كان الذّهب أو الفضّة كثيراً حرم، وإلّا كان مباحاً.والأقرب عندي الكراهيّة.لنا: على
الإباحة : ما رواه الجمهور، عن أنس قال: إنّ قدح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم انكسر فاتّخذ مكان الشّعب سلسلة من فضّة، رواه البخاري
ومن طريق الخاصّة: ما رواه الشيخ في الصحيح، عن
عبد اللَّه بن سنان ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «لا بأس بأن يشرب الرجل في القدح المفضّض واعزل فمك عن موضع الفضّة»
احتجّ الشيخ على القول الثاني له برواية
الحلبي ، قال: «لا تأكل في آنية من فضّة، ولا في آنية مفضّضة»
والعطف يقتضي التساوي في الحكم، وقد ثبت التحريم في آنية الفضّة، فيثبت في المعطوف. وبرواية بريد عن الصادق عليه السلام: «أنّه كره الشرب في الفضّة وفي القداح المفضّضة»
ولكن فيه: «القدح المفضّض». والمراد بالكراهيّة في الأوّل التحريم، فيكون في الثاني كذلك تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه. ولأنّه لو لا ذلك لزم استعمال اللفظ المشترك في كلا معنييه، أو اللفظ الواحد في معنى الحقيقة والمجاز، وذلك باطل. وبما رواه، عن عمرو بن أبي المقدام قال: رأيت أبا عبد اللَّه عليه السلام اتي بقدح من ماء فيه ضبّة من فضّة فرأيته ينزعها بأسنانه
احتجّ الشافعي بأنّ في المضبّب بالكثير سرفاً وخيلاء، فأشبه الخالص.
والجواب عن الحديث الأوّل: أنّ المعطوف والمعطوف عليه قد اشتركا في مطلق النهي، وذلك يكفي في المساواة، ويجوز
الافتراق بعد ذلك بكون أحدهما نهي تحريم والآخر نهي كراهة. وكذا الجواب عن الرواية الثانية مع سلامتها عن الطعن، واستعمال اللفظ المشترك في كلا معنييه أو في الحقيقة والمجاز غير لازم؛ إذ المراد بالكراهيّة مطلق رجحان العدم، غير مقيّد بالمنع من النقيض وعدمه، فكان من قبيل المتواطئ.
وعن الثالثة: أنّ ما فعله أبو عبد اللَّه عليه السلام لا يدلّ على التحريم، فلعلّه فعل ذلك للتّنزيه.
ويؤيّده: ما رواه الشيخ في الصحيح، عن
معاوية بن وهب ، قال: سئل أبو عبد اللَّه عليه السلام عن الشّرب في القدح فيه ضبّة من فضّة؟ فقال: «لا بأس إلّا أن يكره الفضّة فينزعها»
وعن كلام الشافعي: المنع من
المساواة في البابين، ومن كون العلّة ما ذكره. نعم، يجوز أن يكون علّة، أمّا التعليل بما ذكره قطعاً فلا؛ إذ يجوز اتّخاذ الأواني من غير الذهب والفضّة واستعمالها في الأكل وغيره وإن كثرت أثمانها، ثمّ يعارضه بأنّه تابع للمباح، فكان مباحاً؛ كالمضبّب باليسير.
فروع:
الأوّل: قال
الشيخ : يجب عزل الفم عن موضع الفضّة
وهو جيّد؛ لرواية عبد اللَّه بن سنان الصحيحة: «واعزل فمك عن موضع الفضّة»
والأمر للوجوب، ولا
احتجاج في رواية معاوية بن وهب
على الضدّ؛ كما صار إليه بعض الأصحاب.
الثاني: الأحاديث وردت في المفضّض وهو مشتق من الفضّة، ففي دخول الآنية المضبّبة بالذّهب نظر، ولم أقف للأصحاب فيه على قول. والأقوى عندي جواز اتّخاذه؛ عملًا بالأصل، فالنهي إنّما يتناول استعمال آنية الذهب والفضّة. نعم، هو مكروه؛ إذ لا ينزل عن درجة الفضّة».
وقال في التذكرة : «اختلف علماؤنا في المفضّض، فجوّزه في المبسوط. وبه قال أبو حنيفة. وإن كان كثيراً لغير حاجة؛ لأنّه صار تابعاً للمباح...
ومنعه في الخلاف؛ لما فيه من الخيلاء والبطر، وتعطيل المال، ولما رواه بريد
وقال الشافعي: إن كان المضبّب على شفة الإناء لم يجز الشرب منه؛ لئلّا يكون شارباً على فضّة، وإن كان في غيرها جاز.وقال بعض الشافعية: لا فرق بين أن يكون على شفته أو غيرها في التحريم، وبه قال مالك.ومن الشافعية من قسّم المضبّب أربعة أقسام:
۱- يسير لحاجة كحلقة القصعة وضبّتها وهو مباح؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان حلقة قصعته وقبيعة سيفه من فضّة
وأذن لعرفجة بن أسعد لمّا قطع أنفه يوم الكلاب أن يتّخذ أنفاً من فضّة فأنتن عليه، فأذن له أن يتّخذ أنفاً من ذهب
۲- وكثير لحاجة، فيكره لكثرته، ولا يحرم للحاجة إليه.
۳- وقليل لغير حاجة فلا يحرم لقلّته، ويكره لعدم الحاجة إليه.
۴- وكثير لغير حاجة ويحرم، خلافاً لأبي حنيفة.والتفصيل في المضبّب بالفضّة، أمّا المضبّب بالذهب فانّه حرام عندهم على
الإطلاق .
فروع:
أ- إذا سوّغنا الشرب من المفضّض قال الشيخ رحمه الله: يجب عزل الفم عن موضع الفضّة... وقيل بالاستحباب عملًا بالأصل».
وقال في
نهاية الإحكام : «وأمّا المفضّض فالأقرب الكراهة دون التحريم...»، ثمّ ذكر فروعاً:
الثالث: لو كان مفضضاً أو مضبّباً بفضّة أو ذهب وجب عزل الفم عنها... ولا فرق بين كون الضبّة كثيرة أو صغيرة على قدر الحاجة
كإصلاح موضع الكسر والتوثيق أو فوقها.
الرابع: لا فرق بين المضبّب بالفضّة أو الذهب في ذلك؛ لتساويهما في المنع والعلّة».
وقال فخر المحققين: «في المفضّض أقوال ثلاثة:
وهو اختيار الشيخ في المبسوط، وهو الأصحّ عندي؛ وإلّا لزم جواز استعمال الذهب والفضّة؛
ولرواية عبد اللَّه بن سنان الصحيحة... والأمر للوجوب.
احتجّ الشيخ على الأوّل برواية الحلبي... والعطف يقتضي التساوي في الحكم.
احتجّ القائلون بالثاني: بأنّ قدح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم انكسر فاتّخذ مكان الشعب (وفي نسخة: «الشعث») سلسلة من فضّة
والجواب: انّ المراد بالكراهة إمّا التحريم، أو الكراهة؛ أو كلاهما، والثالث محال وإلّا لزم استعمال المشترك في كلا معنييه بلا قرينة، أو في الحقيقة والمجاز معاً، والثاني يستلزم كراهة الفضّة، وهو خلاف
الإجماع ، والأوّل المطلوب.لا يقال: يجوز
إرادة القدر المشترك.لأنّا نقول: فلا دلالة للعامّ على الخاصّ؛ ولأنّه مجاز في القدر المشترك إجماعاً، ولا يجوز الحمل على المجاز مع إطلاق اللفظ بدون قرينة».
وقال
الشهيد في الدروس : «وفي المفضّض روايتان، والكراهيّة أشبه.
نعم، يجب تجنّب موضع الفضّة على الأقرب». وقال في الذكرى : «وفي المفضض خبران عن
الصادق عليه السلام : «أنّه كره الشرب في الفضّة و...» والعطف على الشرب في الفضّة مشعر بإرادة التحريم، وقوله عليه السلام في التور يكون فيه تماثيل أو فضّة؟: «لا يتوضّأ منه ولا فيه»، والنهي للتحريم.وقوله عليه السلام: «لا بأس بالشرب في المفضّض واعزل فاك عن موضع الفضّة»، فالجمع بالحمل على الكراهيّة.واستعمال اللفظ فيها وفي التحريم في الأوّل مجاز يُصار إليه بقرينةٍ. والأقرب وجوب عزل الفم؛ للأمر به.
وفي المعتبر: يستحبّ؛ لقول الصادق عليه السلام: في القدح (فيه ضبّة) فضّة؟: «لا بأس...»، ودلالته غير واضحة؛ لعدم التصريح باستعمال موضع الفضّة،
ولإمكان اختصاصه بالضبّة، وهي: ما يشعب بها الاناء».
وقال أيضاً: «هل ضبّة الذهب كالفضّة؟ يمكن ذلك كأصل الاناء، والمنع؛ لقوله عليه السلام في الذهب والحرير: «هذان محرَّمان على ذكور امّتي»».
واستثنى ابن فهد من الحرمة المطعّم بالفضّة قال: «لا أن طعّم بفضّة، بل يعزل عنه وجوباً» ثمّ قال: «و(يجوز)... ضبّة الاناء من الفضّة، لا الذهب».
وقال
المحقق الكركي - في قول العلّامة: ويكره المفضض-: «هذا أصحّ القولين؛ لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بأن يشرب الرجل في القدح المفضّض». وقيل: يحرم؛ للنهي عنه في حديث آخر، وهو محمول على الكراهيّة، أو على تحريم
الأكل والشرب من موضع الفضّة جمعاً بين الأخبار».
وقال أيضاً- في قول العلّامة: وقيل: يجب اجتناب موضع الفضّة-: «أي حال الأكل والشرب، فيعزل الفم عنه؛ لقوله عليه السلام: «واعزل فاك...». والأمر للوجوب، وهو الأصحّ».
وقال
الشهيد الثاني في المسالك - عند قول المحقق: وقيل: يجب اجتناب موضع الفضّة-: «نسبه إلى القول؛ لعدم حكمه به، وقد صرّح في المعتبر باستحبابه. والأصحّ الوجوب. والمراد بالاجتناب عزل الفم عن موضع الفضّة في الأكل والشرب؛ لقوله عليه السلام: «واعزل فاك...»، والأمر للوجوب».
وقال المحقق الأردبيلي: «ثمّ إنّ الظاهر كراهة المفضّضة؛ لعدم ثبوت دليل التحريم... والظاهر وجوب عزل الفم؛ لهذا الأمر المفيد للوجوب ظاهراً مع عدم المعارض، ولوجود المعنى في الشرب عن الفضّة المحضة في الشرب عن موضع الفضّة في المفضّضة على الظاهر. والظاهر عدم الفرق بين الذهب والفضّة في ثبوت الكراهة ووجوب عزل الفم، مع احتمال الكراهة وعدم وجوب عزل الفم فيه».
وقال
السيد العاملي : «اختلف الأصحاب في الأواني المفضّضة فقال الشيخ في الخلاف: إنّ حكمها حكم الأواني المتّخذة من الذهب والفضّة...
يجوز استعمالها، لكن يجب عزل الفم عن موضع الفضّة... وقال المصنّف رحمه الله في المعتبر: يستحبّ العزل؛ لظاهر صحيحة معاوية بن وهب... وهو حسن؛ فإنّ ترك
الاستفصال في جواب السؤال مع قيام
الاحتمال يفيد العموم». ثمّ قال: «والأظهر أنّ الآنية المذهَّبة كالمفضَّضة في الحكم، بل هي أولى بالمنع».
وقال المحقق السبزواري في الكفاية: «والأشهر الأقرب كراهة المفضّض، وقيل بالتحريم. ويجتنب موضع الفضّة وجوباً على المشهور، واستحباباً على قول قويّ».
وقال المجلسي : «اختلف الأصحاب في الأواني المفضّضة... وعامّة المتأخّرين قالوا: بالكراهة، وهو أقوى»... إلى أن قال: «ثمّ اعلم أنّ الأحاديث وردت في المفضض، وهو مشتقّ من الفضّة، وهل يدخل فيها المذهّبة أو المضبّبة بالذهب؟» وبعد أن ذكر قول العلّامة بالجواز قال: «وهو حسن، إلّا أنّ
إثبات الكراهة مع فقد النصّ لا يخلو من إشكال».
وقال
المحدث البحراني : «وإنّما الخلاف في المفضّضة والمذهّبة... والأظهر عندي هو القول المشهور من الجواز على كراهيّة... بقي الكلام في أنّه على تقدير القول بالجواز- كما هو المشهور- هل يجب العزل عن موضع الفضّة أم لا وإن استحبّ؟ الظاهر الأوّل». ثمّ قال: «مورد الأخبار تحريماً أو كراهة الاناء المفضّض، وهل يكون الاناء المذهّب أيضاً كذلك؟ الظاهر نعم إن لم يكن أولى؛
لاشتراكهما في أصل الحكم».
وقال السيد العلّامة بحر العلوم في منظومته وتكره الآنية المفضّضة بحلقة أو ضبّة معترضة والمزج بالفضّة والصباغة وكسوة للبعض بالصياغة فإن كساها كلها فلا تحلّ فإنّما الكاسي إناء مستقلّ سيّان كاسي باطن وما ظهر ولو كسا الجلّ ففي الحلّ نظر واعزل فماً عن فضّةِ المفضّض ندباً وحزماً ليس بالمفترض ومثل ذات فضّة ذات ذهب في كلّ ما لذات فضّة ذهب
وقال الشيخ جعفر الكبير: «والمذهّب والمفضّض تمويهاً وتلبيساً وتنبيتاً لا بأس به على كراهة، ويجب
اجتناب وضع الفم حال الشرب على موضع
التحلية ».
وقال النراقي : «المشهور جواز استعمال المفضّض مع الكراهة، خلافاً للخلاف مطلقاً، وللفاضل وأكثر المتأخّرين في موضع الفضّة... إلى أن قال: «ثمّ المذهّب كالمفضّض جوازاً؛ للأصل وكراهة للأولويّة».ثمّ قال: «الظاهر- كما صرّح به الفاضل- أنّ المموّه بهما إن حصل منه شيء بالعرض على النار حرم، وإلّا فلا، وهذا التفصيل آتٍ في المفضّض والمذهّب لترادفهما له»
وقال
السيد علي الطباطبائي : «وفي جواز استعمال المفضّض قولان: أشبههما وأشهرهما بل عليه عامّة المتأخّرين الكراهيّة؛ للأصل والمعتبرة».
ثمّ قال : «وفي وجوب عزل الفم عن محلّ الفضّة قولان: الأشهر نعم؛ لظاهر الأمر في الحسن، وهو أظهر».
وقال
المحقق النجفي : «ويكره استعمال الاناء المفضض على المشهور بين الأصحاب نقلًا وتحصيلًا، بل في الحدائق عليه عامة المتأخرين ومتأخريهم، بل لا أجد فيه خلافاً إلّا ما حكي عن الخلاف... والأمر هيّن بعد أن عرفت ضعف الخلاف، بل عدم تحققه.نعم قيل- بل لا خلاف أجده فيه بين القدماء والمتأخّرين: يجب اجتناب موضع الفضّة إلّا من معتبر المصنّف فاستحبّه وتبعه الطباطبائي في منظومته واستحسنه في المدارك والذخيرة».
ثمّ قال: «ويلحق بالاناء المفضّض الاناء المذهّب في جميع ما تقدّم وإن خلت عنه النصوص وأكثر الفتاوى، كما اعترف به في المنتهى، لكنّ
الأصل كافٍ في جواز الاتّخاذ، والتسامح وحسن
الاحتياط واحتمال
الاستغناء بذكر المفضّض عنه، بل لعلّه ينساق إلى الذهن عند ذكره، خصوصاً بعد اقترانه بآنية الفضّة كافٍ في الكراهة، بل يمكن أن يدّعى أولويته من المفضّض أو مساواته، بل هو كذلك.ومنها يستفاد حينئذٍ وجوب العزل حينئذٍ، بل في
الذكرى احتمال المنع لأصل الاستعمال في ذي الضبّة الذهب... وإن كان ضعيفاً.ولعلّ في خبر السرير والقرآن نوع إيماء إلى بعض ما ذكرنا، كما أنّه تقدّم سابقاً ما يمكن
استفادة كراهة مطلق المفضض منه أو ما عدا السيف وإن لم يكن إناء، بل قد عرفت الاطلاق من صاحب الحدائق، واللَّه أعلم». وقال السيد اليزدي : «لا بأس بالمفضّض والمطليّ والمموّه بأحدهما. نعم يكره استعمال المفضّض، بل يحرم الشرب منه إذا وضع فمه على موضع الفضّة، بل الأحوط ذلك في المطلي أيضاً».
وقال
السيد الحكيم : «يكره استعمال القدح المفضّض، والأحوط عزل الفم عن موضع الفضّة، بل لا يخلو وجوبه عن قوة».
وقال في التنقيح: «وأمّا الإناء المشتمل على قطعة من الذهب أو الاناء المطلي بالذهب فلا كراهة في استعماله. كما لا دليل فيه على وجوب عزل الفم عن موضع الذهب...».
وقال
السيد الإمام الخميني : «... وقد ظهر من بعض ما تقدّم عدم حرمة المفضّض، وهل يحرم الشرب من موضع الفضّة أو يكره؟... الأحوط العزل، كما أنّ الأحوط
إلحاق المذهّب بالمفضّض، بل لا يخلو من قوّة».
وفي تحرير الوسيلة:استثنى من التحريم المفضّض والمموّه بأحدهما.
وإليك تفصيل البحث:
أ- استعمال المفضّض في الأكل والشرب انّ الفقهاء وإن عبّروا بالشرب إلّا أنّ الظاهر أنّ مرادهم من هذا العنوان ما يشمل
الأكل أيضاً
:
المشهور جواز استعمال الاناء المفضّض في الأكل والشرب من غير موضع الفضّة وحرمته من موضعها، ونسب القول بالحرمة مطلقاً إلى الشيخ الطوسي في الخلاف، حيث سوّى بينها وبين أواني الذهب والفضّة في الكراهة التي صرّح غير واحد بارادته الحرمة منها هناك.ويمكن حمله على إرادته القدر المشترك بين الحرمة والكراهة في آنية الذهب والفضّة والمفضّضة، وأنّ الشيخ إنّما عبّر بذلك تبعاً لما في الروايات.وعليه، فلم يبق إلّا القول بالجواز، والكراهة التي صرّح بها عامّة المتأخّرين ومتأخّريهم، والأمر فيهما هيّن، ولعلّ من عبّر بالجواز لأجل نفي الحرمة، لا نفي الكراهة، ومن هنا يتّضح الوجه لما ذكره المحقق النجفي: من أنّ الحكم بالكراهة هو المشهور نقلًا وتحصيلًا، بل قال: «لا أجد فيه خلافاً»، وإنّما الخلاف في وجوب عزل الفم عن موضع الفضّة وعدمه.واستدلّ للجواز بما يلي:
۱-
أصالة البراءة ، بعد فرض عدم شمول الروايات الناهية لغير المصوغ من الذهب والفضّة.
۲- الروايات، منها:
أ- ما رواه الجمهور عن أنس قال: إنّ قدح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضّة.
ب- خبر معاوية بن وهب قال: «سئل أبو عبد اللَّه عليه السلام عن الشرب في القدح فيه ضبّة من فضّة؟ قال: لا بأس، إلّا أن تكره الفضّة فتنزعها».
ج- خبر عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضّض. واعزل فمك عن موضع الفضّة».
واستدلّ للمنع بعدة روايات:
أ- صحيح
الحلبي المروي في المحاسن عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «أنّه كره آنية الذهب والفضّة، والآنية المفضّضة».
وقال السيد الإمام الخميني:«ولعلّ الرواية الأولى نقل بالمعنى للثانية».
ب- خبر الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا تأكل في آنية من فضّة، ولا في آنية مفضّضة».
ج- خبر بريد عن الصادق عليه السلام: «أنّه كره الشرب في الفضّة، وفي القدح المفضّض، وكذلك أن يدهن في مدهن مفضّض والمشطة كذلك».
ورواه
الصدوق بزيادة: «فإن لم يجد بدّاً من الشرب في القدح المفضّض عدل بفمه عن موضع الفضّة».
قال في روضة المتقين حول الزيادة: «الظاهر انّه من كلام المصنف (الصدوق) مأخوذاً ممّا رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللَّه بن سنان...».
د- خبر عمرو بن أبي المقدام قال:«رأيت أبا عبد اللَّه عليه السلام اتي بقدح من ماء فيه ضبّة من فضّة، فرأيته ينزعها بأسنانه».
ه- صحيح
ابن بزيع عن
الرضا عليه السلام :«... فقلت: قد روى بعض أصحابنا: أنّه كان لأبي الحسن عليه السلام مرآة ملبّسة فضّة، فقال: لا- والحمد للَّه- إنّما كانت لها حلقة من فضّة، وهي عندي، ثمّ قال: إنّ العباس حين عذر عمل له قضيب ملبّس من فضّة من نحو ما يعمل للصبيان تكون فضّة نحواً من عشرة دراهم، فأمر به أبو الحسن عليه السلام فكسر»،
ويمكن
الاستدلال بالرواية بناءً على انّ المرآة الملبّسة بالفضّة مفضّضة.
و- صحيح علي بن جعفر عن أخيه
موسى عليه السلام قال: «سألته عن المرآة هل يصلح
إمساكها إذا كان لها حلقة فضّة؟قال: نعم، إنّما كره استعمال ما يشرب به.قال: وسألته عن السرج واللجام فيه الفضّة،أيركب به؟ قال: إن كان مموّهاً لا يقدر على نزعه فلا بأس، وإلّا فلا يركب به».
وعن مستطرفات
السرائر نقلًا من جامع البزنطي قال: «وسألته عن السرج واللجام...» وذكر مثله. >
إنّ المهم من أدلّة المنع المتقدّمة خبر الحلبي، وأمّا غيره ممّا ذكر فلا دلالة فيه على الحرمة بوجه أصلًا؛ إذ ما ورد فيه التعبير بالكراهة فهو أعم من الحرمة، كما أنّ خبر أبي المقدام فيه حكاية فعل لا يعرف وجهه،
فلعلّه لأجل الكراهة، على أنّه لا يدل على أكثر من الحزازة في الشرب من موضع الفضّة من المفضّض.وخبرا ابن بزيع وعلي بن جعفر ما ذكر فيهما خارج عن الآنية كالمرآة والسرج واللجام والقضيب.
وقد تقدم أنّه لا إشكال في عدم الحرمة فيها.كما أنّ المهم من أدلّة الجواز خبري معاوية بن وهب وعبد اللَّه بن سنان؛ لأنّهما المعتبران سنداً وظاهر أن دلالة في الجواز، فلا بدّ من الجمع بينهما وبين خبر الحلبي المعتبر سنداً ودلالة أيضاً. وفي المقام يتصور الجمع بأحد نحوين:
الأوّل- التفصيل بين الأكل والشرب من موضع الفضّة فيحرم ومن غيره فيجوز على كراهة.
الثاني- حمل النهي في خبر الحلبي على الكراهة مطلقاً.
ولو لا خبر
عبد اللَّه بن سنان كان المتعيّن هو الجمع بالنحو الثاني؛ لأنّ خبر الحلبي فيه نهي ظاهر في الحرمة وليس صريحاً فيها، بينما خبر معاوية بن وهب صريح في الجواز فيحمل النهي بقرينة الجواز على الكراهة. إلّا أنّ خبر عبد اللَّه بن سنان ظاهره التفصيل بين جواز الشرب من القدح المفضّض
والأمر بعزل الفم عن موضع الفضّة منه وهو ظاهر في لزومه، فيكون دالّاً على جوازه في غير موضع الفضّة منه ومنعه في موضع الفضّة، فيكون شاهداً للجمع بهذا النحو من التفصيل بين الخبرين المطلقين المتقدّمين.وهذا الوجه للجمع هو الذي ذهب إليه المشهور،
بل أكثر المتأخرين،
بل عامتهم،
بل قال المحقق النجفي في الجواهر: «لا خلاف أجده فيه بين القدماء والمتأخّرين... إلّا من معتبر المصنف فاستحبّه وتبعه...».
وذهب المحقق في المعتبر
والسيد العاملي
والسبزواري
إلى الوجه الثاني للجمع، ومال إليه السيد الطباطبائي في الرياض أيضاً،
وحملوا الأمر بعزل الفم في خبر ابن سنان على الاستحباب بقرينة الجواز المصرّح به في خبر
معاوية ابن وهب .
ونوقش في ذلك: بأنّ الأمر وإن كان غير صريح في اللزوم فيمكن حمله على
الاستحباب بما دلّ على الجواز صريحاً، إلّا أنّ هذا الجمع متأخر عن الجمع الموضوعي بين الدليلين، فإنّه إذا كان دليل الأمر أخصّ موضوعاً لأنّه وارد في خصوص الشرب من موضع الفضّة من القدح المفضّض بخلاف دليل الجواز كان الأمر أخصّ موضوعاً من دليل الجواز ومقيّداً له، خصوصاً إذا كان التفصيل بين الحالتين وارداً في دليل واحد كما في المقام، فيكون الوجه الأوّل هو المتعيّن للجمع.اللهم إلّا أن يشكّك في أصل ظهور الأمر الوارد في خبر ابن سنان في اللزوم والتفصيل؛ لكونه مسبوقاً بالتجويز المطلق في الصدر، ولأنّ مثل هذا الأمر بحسب المناسبات العرفية تناسب الاستحباب لا الحرمة. ولعلّه لذلك احتاط في الفتوى بحرمة الشرب من موضع الفضّة جملة من المحققين.
أكثر العبارات إمّا صريحة أو ظاهرة في مطلق
الاستعمال ، وبعض الفقهاء صرّح بالشرب والأكل.
لكنهم صرّحوا في باب الوضوء بكراهة
الطهارة منها.
ويدلّ على كراهة مطلق الاستعمال أمران
:
۱- اطلاق بعض الروايات كخبر الحلبي المتقدّم.
۲- موثقة
إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «عن الطست يكون فيه
التماثيل أو الكوز أو التور يكون فيه التماثيل أو فضّة؟ لا يتوضّأ منه ولا فيه».
بعد حمل النهي فيه على الكراهة؛ لما دلَّ على جواز ذلك في المفضَّض.
وحكمه الجواز من دون حرمة ولا كراهة؛ وذلك طبقاً للقاعدة بعد عدم
انطباق عنوان آنية الذهب أو الفضّة، أو عنوان الآنية المفضّضة أو المذهّبة عليه.قال العلّامة الحلي: «لو شرب وفي فيه دنانير ( ذهب) أو دراهم (فضّة) أو طرحهما في الكوز وشرب لم يكن به بأس
إجماعاً ؛ لعدم اتّخاذ ذلك من الزينة والتجمّل».
وقال الشهيد الأوّل: «لا كراهيّة في الشرب من كوز فيها خاتم فضّة أو إناء فيه دراهم؛ لعدم الاسم».
وقال النراقي: «لا يحرم استعمال اناء فيه دراهم أو دنانير»».
وفيه أقوال ثلاثة:
الأوّل: إلحاقه بالمفضّض في الكراهة فقط أو في لزوم عزل الفم عن موضع الذهب، واختاره جماعة منهم العلّامة الحلي
والمحقق الأردبيلي
والمحدّث البحراني
والشيخ جعفر
والمحقق النجفي
والسيد الإمام الخميني.
الثاني: عدم
الإلحاق بالمفضّض في شيء من الأحكام، وصرّح به السيد الخوئي.
الثالث: حرمة استعمال المذهّب، واختاره ابن فهد الحلّي في خصوص
اتخاذ ضبة الاناء من الذهب،
كما احتمله أيضاً الشهيد الأوّل.
أدلّة الأقوال:
أمّا القول الأوّل: فالدليل عليه ما يلي:
۱- أمّا الجواز، فأصل البراءة وعدم دليل على الحرمة كافٍ
لاثباته .
۲- وأمّا الكراهة، فلاستفادتها ممّا ورد في المفضَّض، وعدم التصريح بالمذهَّب فيه للاستغناء بذكر المفضض عنه، بل لعلّه ينساق إلى الذهن عند ذكره، خصوصاً مع
اقترانه بآنية الفضّة.بل يمكن أن يدّعى أولويته من المفضض أو مساواته، إذ لا ينزل عن درجة الفضّة شرعاً بحسب مناسبات الحكم المركوزة متشرّعياً لهذا الحكم والمستفادة من أدلّته.بل قد يدّعى استفادة كراهة مطلق المفضّض والمذهّب وإن لم يكن إناء.روى
الفضيل بن يسار قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن السرير فيه الذهب، أ يصلح إمساكه في البيت؟ فقال: إن كان ذهباً فلا، وإن كان ماء الذهب فلا بأس».
وروى الورّاق: «عرضت على أبي عبد اللَّه عليه السلام كتاباً فيه
قرآن مختم معشّر بالذهب وكتب في آخره سورة بالذهب، فأريته إيّاه فلم يعب فيه شيئاً إلّا كتابة القرآن بالذهب؛ فانّه قال: لا يعجبني أن يكتب القرآن إلّا بالسواد كما كتب أوّل مرّة».
۳- وأمّا وجوب العزل فلما تقدم من دعوى الأولوية أو المساواة مع المفضض.
۴- هذا، ويمكن
الالتزام بكراهة المذهّب
استناداً إلى ما دلّ على منع وكراهة مطلق المذهّب وإن لم يكن إناء، لكن مع عدم الالتزام بتحريم موضع الذهب، والفارق هو وجود الدليل في المفضّض دون المذهّب، وقد يظهر ذلك من
المحقق الهمداني .
وأمّا القول الثاني: فمبناه عدم الدليل على الحاق المذهَّب بالمفضَّض؛ إذ أدلّة الكراهة مختصة بالمفضّض، كما لا دليل على وجوب عزل الفم من موضع الذهب، بل القاعدة تقتضي الجواز فيه، وإن كان المذهّب أعلى قيمة من الفضّة، وذلك لعدم السبيل إلى ملاكات الأحكام الشرعية، فلو كان الملاك في كراهة الأكل والشرب في المفضض أو وجوب العزل عن موضع الفضّة غلاء قيمتها وكونها مرغوبة لدى الناس لكانت الأحجار الكريمة كالزبرجد والماس وغيرهما مما هو أعلى قيمة من الفضّة أولى بالكراهة أو الوجوب،
فلا تصح دعوى المساواة أو الأولوية.هذا، ولكن الأولوية أو المساواة المدّعاة من قبل المشهور ليست عقلية، ولا على أساس الملاك المذكور، بل المراد منها فحوى عرفية متشرّعية مبتنية على وضوح أنّ الشارع قد سوّى بين آنية الذهب والفضّة من حيث حكم الاستعمال وأنّ الحكم مرتّب على الجامع بينهما وبملاك واحد فيهما، فاذا كان استعمال المفضَّض ملحقاً بالفضّة في الحزازة والكراهة بالمعنى الأعم فكذلك الحال في المذهَّب عرفاً.
وأمّا القول الثالث: فيمكن الاستدلال له:
۱- برواية
الفضيل بن يسار المتقدّمة، فانّها تكشف عن أنّ حرمة مطلق المذهّب في الشريعة المقدّسة كانت مرتكزة ومفروغاً عنها عند السائل.وردّ ذلك بأنّ الرواية الاولى ضعيفة سنداً، لوقوع محمّد بن سنان وربعي في سندها. وأيضاً ضعيفة من حيث الدلالة؛ للقطع بجواز إبقاء السرير من الذهب، ضرورة عدم حرمة إبقاء الذهب في الشريعة المقدّسة سريراً كان أو غيره.وأمّا قوله عزّ من قائل: «الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ»
فهو ناظر إلى تحريم منع
الزكاة ؛ فإنّ
إخراج زكاة المسكوك من الفضّة والذهب مانع عن تجمّعهما إلّا إذا كانا أقلّ من النصاب، وهو ممّا لا حرمة في إبقائه في الشريعة المقدّسة بوجه.
۲- عموم النبوي في الذهب والحرير:«هذان محرّمان على ذكور امّتي».
وردّ: أوّلًا- انّه ضعيفٌ سنداً.
ثانياً- انّ المراد المنع عن التلبّس بهما، لا مطلق استعمالهما؛ ولهذا اختصّ المنع فيه بالرجال وذكور الامّة، وهو حكم آخر غير مرتبط بما نحن فيه.ثمّ إنّ المطلي أو المموّه بالذهب أو الفضّة، وهو المراد من قولهم ما لا ينفصل منه شيء بالعرض على النار؛ لكون الطلاء بهما عرضاً له وليس جرماً قد يشك في صدق المفضَّض عليه.فمع الشك في دخوله في المفضض لا كراهة في استعماله. ولا يحكم بوجوب عزل الفم عن موضع الفضّة؛
لانصراف الأدلّة إلى ما كانت الفضّة فيه جرماً، لا لوناً وعرضاً، إلّا أنّ بعضهم خالف في ذلك فحكم بوجوب العزل جزماً
أو احتياطاً،
لأجل صدق عنوان المفضّض.كما أنّ الملبّس أو المكسوّ بأحدهما لو كان بنحو يكون الكاسي إناءً مستقلًاّ لو انفصل قد يحكم بحرمة استعماله؛ لصدق آنية الذهب والفضّة عليه.
قال المحقق النجفي: «والأحوط
اجتناب الاناء الملبَّس جميعه أو أكثره من المفضّض على وجه يكون الكاسي لو نزع إناء مستقلّاً كالمكسوّ؛ من غير فرق بين تلبيس الظاهر والباطن، لكن الأقوى خلافه مع لصوقه به واتّحاده معه، ولا بأس بكسوة البعض التي لم تصل إلى الحدّ المزبور».
وقال
السيد اليزدي : «الصفر أو غيره الملبَّس بأحدهما يحرم استعماله إذا كان على وجه لو انفصل كان إناء مستقلّاً، وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا يحرم، كما إذا كان الذهب أو الفضّة قطعات منفصلات لبِّس بهما الاناء من الصفر داخلًا أو خارجاً».
وقال السيد
الإمام الخميني : «والأحوط حرمة استعمال الملبَّس بأحدهما إن كان على وجه لو انفصل كان إناءً مستقلّاً، دون ما إذا لم يكن كذلك».
وقال السيد الگلپايگاني: «يحرم استعمال الملبَّس بالذهب أو الفضّة إذا كان على وجه لو انفصل كان إناء مستقلّاً، دون ما لم يكن كذلك».
الموسوعة الفقهية، ج۱، ص۳۷۹-۳۹۵.