الإطعام (المرجوح شرعا)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإطعام (توضيح) .
يحرم الإطعام في عدّة موارد، نشير إليها إجمالًا فيما يأتي:
صرّح بعض
الفقهاء بحرمة إطعام ما يحرم
أكله للغير، سواء كان من المحرّمات الأصليّة
كالخمر والدم والبول والميتة ونحوها، أو من المحرّمات غير الأصليّة كما إذا كان الطعام
مغصوباً أو متنجّساً.
وقد يختلف حكم الإطعام من جهة شخص المُطعَم وكيفيّة الإطعام؛ لأنّ المُطعَم إمّا أن يكون
مسلماً أو غير مسلم، والمسلم أيضاً إمّا أن يكون
مكلّفاً أو غير مكلّف
كالصبيان والمجانين .
ومن جهة اخرى الإطعام قد يكون على نحو المباشرة بأن يؤكله الطعام المحرّم، ويكون على نحو التسبيب وتقديم الطعام للغير ليأكله، وكلّ منهما تارة يكون مع علم المطعَم بالحرمة، واخرى مع
جهله بها.
من هنا تظهر حالات متعدّدة، نستعرضها على النحو التالي:
يستفاد من كلمات جماعة من الفقهاء حرمة إطعام الحرام للغير بنحو المباشرة بحيث يكون فعله علّة تامّة لوقوع الحرام في الخارج، خصوصاً إذا كان على وجه
الإكراه ومن دون
رضا الغير فإنّه ظلم آخر.
ولا فرق في ذلك بين علم الغير بالحرمة وعدمه. نعم، إذا كان عالماً بالحرمة وكان يمكنه
الامتناع عن الأكل وجب عليه ذلك وكان تناوله للطعام المحرّم حراماً عليه.
وأمّا فعل المطعِم فهو محرّم على كلّ حال.
واستدلّ على ذلك بأنّ حرمة مثل هذا النحو من
إيقاع الغير في الحرام مستفادة من نفس أدلّة حرمة الفعل
بالملازمة العرفية . وأنّ المستفاد من اطلاقات أدلّة المحرمات الموجّهة إلى المكلّفين حسب المتفاهم العرفي أنّ انتساب الأفعال المحرّمة إلى موجديها مبغوض مطلقاً، سواء كانت النسبة مباشريّة أم تسبيبيّة.
بل هو المستفاد من مذاق
الشارع أيضاً.
وهذه المسألة من صغريات بحث إيقاع الغير في الحرام ولو بنحو التسبيب حيث ذهب بعضهم إلى الحرمة مطلقاً، فيما ناقش بعضهم في إطلاق الحرمة، وأنّه لا دليل على ذلك بنحو الكلية، كما ذهب إليه
السيد الحكيم ،
فالمسألة تابعة للبحث هناك.
وعلى هذا الأساس ذهب المشهور إلى حرمة
تغرير المسلم بالطعام المحرّم، كما إذا قدّم إلى غيره طعاماً فيه
المسكر أو الميتة أو لحم
الخنزير ، وكان ذلك الشخص جاهلًا بوجود الحرام فيه؛ لقاعدة (حرمة تغرير المكلّفين بالحرام والتسبيب في ارتكابهم له).
قال
الشيخ الأنصاري : «ويشير إلى هذه القاعدة كثير من الأخبار المتفرّقة الدالّة على حرمة تغرير الجاهل بالحكم أو الموضوع في المحرّمات».
وعلى مبنى مثل
السيد الحكيم لا حرمة على المسبّب. نعم، في خصوص الطعام
النجس يحرم من جهة عدم
إعلام الغير بوجود النجس في الطعام؛ لوجوب إعلامه، كما يستفاد من صحيحة
معاوية بن وهب الواردة في
جواز بيع الزيت النجس مع إعلامه
للمشتري .
ومن الواضح أنّ ذلك لا يشمل الطعام المحرّم من غير جهة النجاسة.
نعم، لو أطعم مسلماً الحرام مع علم الآكل بالحرمة، فلا حرمة من جهة
الإلقاء في الحرام أو التغرير؛ لعدم تحقّق ذلك بمجرّد تقديم الحرام مع علم المباشر بالحرمة، إلّا أنّ الظاهر من الشيخ الأنصاري القول بالحرمة في هذه الصورة أيضاً؛ لأنّه جعل ما هو من قبيل إيجاد الداعي إلى
المعصية - كترغيب شخص على ارتكابها- فعلًا محرّماً، ومن المعلوم أنّ تقديم الطعام المحرّم للعالم بالحرمة نوع من
الإعانة أو
الترغيب في المعصية.
وصرّح
السيد الخميني بالحرمة أيضاً، حيث قال: «فمن قدّم الحرام إلى العالم به ليأكله ارتكب محرّماً».
لكن بنى
السيد الخوئي المسألة على مسألة (الإعانة على
الإثم )، فإن قلنا بحرمتها نقول بحرمة تقديم الطعام المحرّم إلى العالم بالحرمة أيضاً، وإلّا فلا.
تارةً يتحدّث عن إطعام الحرام للأطفال، واخرى عن حكم ردعهم عن أكل الحرام.
أمّا الحديث عن إطعام الحرام للأطفال فله مجالات عدّة:
سقي
المسكرات لهم، وقد صرّح جماعة من
الفقهاء بأنّه لا يجوز سقي المسكرات للأطفال
والمجانين ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون السقي مستقلّاً أو ممزوجاً مع سائر الأطعمة والأشربة،
وكذا لا فرق في ذلك بين
الولي وغيره من المسلمين.
واستدلّ له بالنصوص، كخبر
أبي الربيع الشامي ، قال: سئل
أبو عبد اللَّه عليه السلام عن
الخمر ؟ فقال: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ اللَّه عزّوجلّ بعثني رحمة للعالمين، ولأمحق المعازف والمزامير وامور الجاهلية والأوثان، وقال: أقسم ربّي لا يشرب عبد لي خمراً في الدنيا إلّا سقيته مثل ما يشرب منها من
الحميم معذّباً أو
مغفوراً له، ولا يسقيها عبد لي
صبيّاً صغيراً أو مملوكاً إلّا سقيته مثل ما سقاه من الحميم يوم
القيامة معذّباً بعد أو مغفوراً له».
الأعيان النجسة التي تلحق
الضرر بالأطفال والمجانين، وقد حكموا هنا بالحرمة؛
مستدلّين لذلك بحرمة
الإضرار بالمؤمنين ومن في حكمهم
- أي أطفالهم- فإذا فرضنا أنّ العين النجسة مضرّة لهم فلا محالة يكون التسبيب إلى شربها أو أكلها إضراراً بهم وهو
حرام ، فالتسبيب حينئذٍ إلى شرب الأعيان النجسة أو أكلها ممّا لا ينبغي الإشكال في حرمته.
الأعيان النجسة غير المضرّة، ومثلها سائر المحرّمات من غير النجس عيناً، وهذا ما اختلفوا فيه، فذهب
السيد اليزدي إلى الحرمة، حيث قال: «وكذا (يجب ردع الأطفال عن سقي) سائر الأعيان النجسة إذا كانت مضرّةً لهم، بل مطلقاً».
فمن وجوب الردع في كلامه يفهم حرمة الإطعام بشكل أوضح.
واستشكل فيه بعض الفقهاء.
قال السيّد الخوئي: «... وأمّا إذا لم يكن ضرر في أكله وشربه فلا موجب لحرمة التسبيب حينئذٍ؛ لما عرفت من عدم دلالة الدليل على حرمته في غير
المكلّفين ، وإنّما استفدنا حرمته بالإضافة إلى المكلّفين من إطلاق أدلّة المحرّمات، وأمّا غير المكلّفين من المجانين والصبيان فحيث لا تشمله المطلقات، فلا محالة يصدر الفعل منه على الوجه
المباح ، ولا يحرم التسبيب إلى المباح فضلًا عن أن يجب فيه
الردع والإعلام ».
وعند كلامه عن المائعات المحرّمة وأنّها خمسة، عدّ
العلّامة الحلّي منها: «لبن ما يحرم أكله كالذئبة واللبوة والهرّة والمرأة إلّا للصبي».
وظاهر العبارة يقتضي أن يكون الاستثناء راجعاً إلى خصوص المرأة، أي الاستثناء من لبن ما يحرم أكله لبن المرأة للصبي، لكن الظاهر من
الفاضل الاصفهاني : أنّه أرجع الاستثناء إلى الجميع، فيجوز سقي الصبي من لبن اللبوة مثلًا؛ لأنّه قال- بعد قوله: «إلّا للصبي» -:
«بل الطفل مطلقاً، فلا يحرم على المكلّف سقيه شيئاً من ذلك، خصوصاً لبن المرأة إلّا ما زاد على حولين بأكثر من شهرين، فظاهر الأكثر الحرمة...».
وقال
الفاضل النراقي بعد بيان حرمة سقي الأطفال المسكر: «وهل يختصّ ذلك بالمسكر أو يتعدّى إلى سائر المحرّمات؟
ظاهر
المحقق الأردبيلي الثاني، حيث قال هنا: «والناس مكلّفون بإجراء أحكام المكلّفين عليهم، انتهى. وفي ثبوت ذلك
التكليف للناس مطلقاً نظر، ولا يحضرني الآن دليل على التعميم الموجب لتخصيص الأصل».
إطعام الصبي الطعام المتنجّس، فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنّه إذا كان التنجّس من جهة كون أيديهم نجسة فلا بأس، وأمّا إذا كانت متنجّسة سابقاً قبل مسّ الأطفال بأيديهم إيّاها، فقد
احتاطوا استحباباً بترك التسبّب.
أمّا الصورة الاولى- وهي ما إذا كانت
النجاسة مستندة إليهم- فاستدلّ للجواز فيها
بالسيرة القطعيّة المستمرّة على إطعام الأطفال دون غسل أيديهم وأفواههم مع أنّهم يباشرون النجاسات غالباً.
وأمّا الصورة الثانية فلعدم الدليل على حرمة التسبيب إلى أكل المتنجّس بالنسبة إلى غير المكلّفين كما تقدّم، والاحتياط الاستحبابي منشؤه واضح.
وأمّا وجوب
الردع فقد ذكر بعض
الفقهاء أنّه بناءً على حرمة سقيهم
المسكرات يجب على
الولي ردعهم؛ لأنّه مأمور بالتحفظ على
الصبي فيما يرجع إلى نفسه وماله، فيجب عليه ردع من يتولّى أمره عن شرب العين النجسة وأكلها. وكذا عن كل ما يلحق به ضرراً ولو لم يبلغ حدّ الهلاك، حيث ثبت على الأولياء وجوب حفظ الأطفال الداخلين تحت مسؤوليتهم
الشرعية .
وأمّا غير الولي فإن كان المأكول أو المشروب مما يلحق به ضرراً بالغاً
الموت والهلاك أو كان المورد ممّا اهتمّ الشارع بعدم تحقّقه في الخارج كما في شرب المسكرات فلا إشكال أيضاً في وجوب الردع سواء في المسكر أو
النجس أو غيرهما؛ لأنّ الردع عن كل شيء يوجب هلاك النفس المحترمة أو عما اهتم
الشارع بعدم تحققه مطلقاً واجبٌ.
أمّا إذا لم يبلغ الضرر تلك المرتبة- كما إذا كان أكل النجس أو شربه مؤدّياً إلى وجع الرأس أو حمى يوم ونحوه ولم يكن العمل ممّا اهتمّ الشارع بعدم تحقّقه، فضلًا عما إذا كان لا يبدو لنا أنّه يؤدي إلى شيء من الضرر- فلم يقم دليل على وجوب الردع
والإعلام بالإضافة إلى غير الولي؛ لأنّ مجرّد علمه بترتّب ضرر طفيف على شرب الصبي النجس أو أكله لا يوجب الردع في حقّه، وإنّما يدخل ذلك في عنوان
الإرشاد ، ولا دليل على وجوبه، ومعه يكون الردع مجرّد إحسان، ولا إشكال في حسنه عقلًا وشرعاً.
الظاهر أنّه لم يتعرّض الفقهاء لهذا الموضوع بصورة مستقلّة. نعم، تعرّضوا له في أحكام النجاسات وعند الحديث عن جواز بيع النجس- في أحكام البيع- وحكم اللحم المذكّى المشتبه بغير المذكّى في باب الأطعمة، وأنّه هل يجوز بيع النجس للكفّار أو لا؟
وربما يفهم من بحث البيع هناك ما له صلة بالإطعام هنا.
ولهم فيه قولان:
عدم
الجواز ، قال
ابن إدريس في اللحم المشتبه: «وإذا اختلط اللحم الذكي بلحم
الميتة ولم يكن هناك طريق إلى تمييزه منها، لم يحلّ أكل شيءٍ منه، ولا يجوز بيعه، ولا
الانتفاع به، وقد روي: أنّه يباع على مستحلّ الميتة،
والأولى اطراح هذه
الرواية وترك العمل بها».
ومال إليه
العلّامة الحلّي . نعم، قال بجواز بيعه على غير
أهل الذمة ، معتبراً أنّ ذلك ليس
بيعاً في الحقيقة.
واستدلّوا على عدم الجواز بمرسلة
ابن أبي عمير ، وفيها: «يدفن ولا يباع»،
وبأنّ
الكفّار مكلّفون بالفروع
كالمسلمين ، فهم مكلّفون باجتناب أكل النجس، فيكون بيعهم الطعام النجس إعانةً لهم على الإثم.
واجيب عنه بأنّ ذلك ليس إثماً في
دينهم الذي أمرنا شرعاً بمجاراتهم عليه.
الجواز، ونسب إلى
مشهور من تعرّض للمسألة.
واستدلّ له برواية
زكريا بن آدم ، قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن قطرة
خمرٍ أو
نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم كثير ومرق، قال: «يهرق المرق، أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلاب، واللحم فاغسله وكُله»... قلت: فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم، قال: فقال: «فسد»، قلت: أبيعه من
اليهود والنصارى وابيّن لهم فإنّهم يستحلّون شربه؟ قال: «نعم...».
ومرسلة ابن أبي عمير، قال: قيل
لأبي عبد اللَّه عليه السلام في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال: «يباع ممّن يستحلّ أكل الميتة».
ذهب بعض الفقهاء إلى جواز إطعام النجس والحرام للدوابّ، وقيل: هو الأشهر.
واستدلّ له بالأصل، والعمومات، وحصر المحرّمات، مع عدم ما يدلّ على التحريم؛ لعدم التكليف له ولا لصاحبه بعدمه.
لكن حكم
القاضي ابن البراج بتحريم ذلك في خصوص الخمر
والمسكر ، حيث قال: «ولا يجوز أن يسقى بشيء من البهائم والأطفال شيئاً من الخمر والمسكر».
ولعلّ مستنده
خبر أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: سألته عن البهيمة البقرة وغيرها تسقى أو تطعم ما لا يحلّ للمسلم أكله أو شربه، أيكره ذلك؟ قال: «نعم، يكره ذلك».
وعن
غياث عنه عليه السلام أيضاً: «أنّ
أمير المؤمنين عليه السلام كره أن تسقى الدواب الخمر».
لكن بعض الفقهاء حكموا
بالكراهة هنا؛
استناداً إلى هاتين
الروايتين ، ولا سيما الثانية، حيث حملوا الكراهة الواردة فيها على الكراهة المصطلحة.
كما ذكر بعضهم وجوهاً اعتبارية، كاحتمال تضرّر الحيوان بالمسكر أو
إضرار الحيوان غيره بعد تناول المسكر، واحتمال تأثيره في لحمه ليكون حراماً به ونجساً، كما ورد في شرب
البول ولبن
الخنزير .
وظاهر كلام
الفقهاء اختصاص البحث بالدوابّ والبهائم، وهي الحيوانات التي يستخدمها الإنسان ويأكل لحم بعضها ويشرب لبنها، أمّا مثل الكلاب والسباع ممّا تتوقّف حياته على أكل الميتات ونحوها، فالجواز فيها كأنّه أمرٌ مفروغ منه عندهم.
لا إشكال في حرمته؛ لحرمة الإضرار بالغير، ومن مصاديقه إطعامه ما فيه ضرر عليه، إلّا أنّ هذه حرمة بعنوان آخر ثانوي وهو الإضرار بالغير وهو أعمّ من الإطعام.
صرّح كثير من الفقهاء بأنّ من التجأ إلى الحرم وعليه
حدّ أو
تعزير أو
قصاص ضيّق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج منه،
بل ادّعى
المحقق النجفي عدم الخلاف في ذلك؛
استناداً إلى صحيح
معاوية بن عمار قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل قتل رجلًا في
الحلّ ثمّ دخل في
الحرم ، فقال: «لا يقتل ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يؤذى حتى يخرج من الحرم، فيقام عليه الحدّ».
ويفهم من كلماتهم أنّه يطعم ويسقى ما يسدّ به الرمق ونحو ذلك.
لم يتعرّض الفقهاء لجواز الإطعام
رياءً وعدمه، لكن يستفاد من بعض الروايات حرمة الإطعام رياءً، كسائر موارد الرياء، فقد روي عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «ومن أطعم طعاماً رياءً وسمعةً أطعمه اللَّه مثله من صديد
جهنّم ، وجعل ذلك الطعام ناراً في بطنه، حتى يقضي بين الناس».
إلّا أنّ هذه حرمة بعنوان آخر ثانوي وهو حرمة الرياء والسمعة؛ ولهذا يكون الحكم مبنياً على سعة حرمة الرياء وهل تشمل غير
العبادات أم لا.
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۶۱-۷۰.