الإقرار للحمل
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
والبحث فيه يقع ضمن امور: ۱- اشتراط وجود الحمل حين الإقرار له، ۲- اشتراط الولادة حيّاً وعدمه، ۳- وجود المصحّح للإقرار للحمل، ۴- اتّحاد الحمل وتعدّده.
لا خلاف في
اشتراط الحكم بكون المال المقرّ به للحمل بالعلم بوجوده حال الإقرار بأن يولد لدون ستّة أشهر من حين الإقرار المتعقّب للوطئ.
قال
المحقّق العاملي : «التقييدُ بكونه لدون الستّة من حين الإقرار ليقطع بوجوده حين صدوره، بخلاف ما لو كان لستّة فصاعداً، فإنّه يمكن تجدّده بعد الإقرار؛ لأنّ أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر».
كما لا إشكال في أنّه يبطل استحقاقه لما اقرّ به له لو ولد لأكثر من أقصى مدّة الحمل؛ للعلم- حينئذٍ- بعدم وجوده حال الإقرار؛ لعدم إمكان تأخّره عنها.
ولو ولد فيما بين
الأقلّ والأكثر من الأقصى فهنا صورتان:
الاولى: أن لا يكون لها زوج- ولو بالتحليل- ولا مالك. الصورة الثانية: أن يكون لها زوج أو مالك.
فقد صرّح غير واحد بأنّه يحكم للحمل بما اقرّ له به.
وقد استدلّ له:
بتحقّق الحمل وقت الإقرار،
ومعنى تحقّقه وقت الإقرار أنّه يكون للفراش الأوّل، حيث تكون
المرأة في هذه المدّة خالية من فراش آخر يمكن تجدّده منه. ونوقش فيه بإمكان تجدّد الحمل بعد الإقرار ولو بالشبهة فضلًا عن وجه آخر سائغ أو غيره في نفس
الأمر .
بقوّة الظاهر بأنّه لا يولد لما دون تسعة أشهر؛ للعادة الدالّة على وجوده في حال الإقرار وعدم العبرة بالاحتمال المتقدّم، فيقدّم هذا الظاهر على أصل عدم تقدّم العلوق به على أزيد من الأقل، وعدم استحقاقه المقرّ به؛ ولهذا يحكم بثبوت نسبه لمن كانت فراشاً له.
وهي: أن يكون لها زوج أو مالك حاضران معها على وجه يمكن حصول وطئها، فهل يصحّ الإقرار للحمل في هذه الصورة أو لا؟ فقد اختلف فيه على قولين:
أنّه لا يحكم له بالمال؛ لعدم اليقين بوجوده الذي هو شرط في صحّة الإقرار له، و احتمال تجدّد
العلوق بعد الإقرار. وهذا القول ذهب إليه بعض الفقهاء؛
تمسكاً بأصل عدم تحقّق الحمل وقت الإقرار، وأصل عدم
الاستحقاق .
صحّة الإقرار وأنّه يستحقّ ما اقرّ به له، وهذا القول مال إليه
المحقّق الحلّي ، حيث قال: «لو قيل: يكون له- بناءً على غالب العوائد- كان حسناً»؛
إذ عادة النساء لا يلدن إلّا في تسعة أشهر، فإذا ولدته لهذه المدّة من حين الإقرار كان وجوده حين الإقرار غالباً، فلو ولدته فيما بين الأقلّ والأكثر فوجوده حال الإقرار ثابت بطريق أولى وإن لم يكن غالباً.
وقد نسب إلى حواشي
الشهيد الأوّل أنّه قوّى الصحّة؛
لأنّ
الأصل في الإقرار الصحّة؛ للقاعدة القائلة بأنّ الإقرار يحمل على الصحّة مهما أمكن، ووجوده حين الإقرار أمر ممكن فلا يحكم ببطلان الإقرار بمجرّد
الاحتمال .
ونوقش فيه بإنكار وجود قاعدة تقتضي ذلك بعد عدم العلم بوجود المقرّ له و
افتراض أنّه (وجود المقرّ له) شرط لصحّة الإقرار، بل لو لم نقل بشرطيّته، وقلنا: إنّ
الباطل خصوص ما إذا علم عدم أهليّة المقرّ له للتملّك فيبقى المحتمل تحت عموم (إقرار العقلاء) أمكن تنقيح عدم وجوده حال الإقرار في الفرض بأصالة عدم تقدّمه؛ لأنّه حادث، والأصل تأخّره، والعادة- بعد تسليم أنّها كما ذكر- لا يعمل عليها مع عدم دليل على اعتبارها في مثله، والفرض عدم حصول العلم منها.
وتردّد في هذه الصورة
العلّامة الحلّي في القواعد، حيث قال: «لو كان لها زوج أو مولى ففي الحكم له إشكال، ينشأ من عدم اليقين بوجوده، ومن صحّة الإقرار، وللعادة».
وهذا في الحقيقة بحث عن قابلية الجنين للملك، وأنّ تحقّق الملك له هل هو بالفعل ولو كان مشروطاً بالولادة حيّاً على نحو الشرط المتأخر، أو أنّه لا يملك إلّا بعد الولادة حيّاً فلا يصحّ الإقرار له إلّابعد ولادته حيّاً، وهو بحث يراجع في محلّه في مصطلح (أهلية، جنين). وحيث يحكم بصحّة الإقرار للحمل مع
الإطلاق (أي مع عدم التفسير) فلا يجب
استفسار المقرّ عنه ابتداءً؛ لعدم الحاجة إليه، بل ينتظر ولادته، فإن ولد حيّاً استقرّ ملكه عليه، بلا فرق بين كون السبب في الإقرار بملكه هو
الإرث أو الوصية أو سبباً آخر؛ لعدم
افتراق الحال في الملك على هذا التقدير.
نعم، إن سقط بعد الإقرار ميّتاً احتيج حينئذٍ إلى استفسار المقرّ؛ لاختلاف حكم الملك المحكوم له سابقاً، فإن فسّره بالإرث تبيّن بطلانه ورجع إلى بقيّة الورثة؛ لأنّ الحكم بالصحّة كان مراعى بسقوطه حيّاً لا مطلقاً. وإن فسّره بالوصيّة له بطل أيضاً، ولكن هنا يرجع إلى ورثة الموصي؛ للحكم ببطلان الوصيّة من رأس، فكان كما لو لم يوصِ.
ووجه العمل بتفسيره أنّه حيث كان هو المرجع في أصل الإقرار فكذا فيما يترتّب عليه، ولأنّه لا طريق إلى العلم بالحال إلّا بقوله، والأصل في إخباره الصحّة، ولا معارض هنا حسب الفرض.
وقد صرّح بعض الفقهاء بأنّ المتولّي لتكليفه بالتفسير- حيث يمتنع- هو الحاكم ليوصل الحقّ إلى مستحقّه،
بل استظهر
المحقّق النجفي من قول الفقهاء بمطالبته بالاستفسار استحقاق ذلك عليه على وجه إن امتنع حبس.
ولكن ناقش فيه بالأصل (أي
أصالة عدم جواز إجبار أحدٍ بشيء لم يثبت) بعد عدم ثبوت حقّ لمعيّن عليه، فيوكل أمره إليه، وهو أعرف بتكليفه فيه، فليس للحاكم تكليفه بالتفسير حيث يمتنع؛ لعدم تكلّفه بذلك بعد أن كان المال في يد من هو مكلّف بإيصاله إلى مستحقّه.
ولو تعذّر التفسير لموت المقرّ ونحوه فقد ذكر بعضهم
بطلان الإقرار؛
نظراً إلى
انتفاء المقرّ له، فهو كمن أقرّ لرجل لا يعرفه، ولا مجال للقرعة هنا؛ لعدم
انحصار من يقرع بينهم.
يشترط في نفوذ الإقرار للحمل ونحوه أن يكون له وجه صحيح، بحيث لم يكن هناك ما ينافيه جزماً، فحينئذٍ لو أقرّ لحمل فقال: (لحمل فلانة عليّ كذا) فله ثلاث صور:
أن يصرّح بالسبب الصحيح للملكيّة كالإرث أو الوصيّة، ولم يختلفوا في صحّة هذا الإقرار،
وقد ادّعي عليه
الإجماع ؛
نظراً إلى عموم (إقرار العقلاء)، ولا ينافي صحّة الإقرار
اعتبار سقوطه حيّاً في
استقرار ملكه، كما لا ينافي ميراثه والوصيّة له.
وفي الحقيقة هذا الإقرار إقرار بالإرث والوصيّة، وحينئذٍ لابدّ من
إحراز شرائطهما أيضاً كأن يكون ممّن يرث خارجاً، ولا يكون بأكثر من الثلث وإلّا كان مرهوناً
بإذن الورثة ونحو ذلك.
أن يطلق الإقرار ولا يبيّن السبب، فهنا أيضاً يحكم بصحّة الإقرار كما صرّح به جماعة،
بل لم يخالف فيه أحد سوى فخر المحقّقين في
الإيضاح ، فإنّه جعل الحكم بالبطلان هو الأصحّ؛ مستدلّاً عليه بأنّه لا ملك للحمل بالحقيقة، وإنّما يوجد بسبب يصلح للتمليك، فإذا لم يقرّ به لم يصحّ.
وأضاف إليه المحقّق النجفي وجهاً آخر، وهو أنّ الملك في صورة صحّته كالوصيّة والإرث مشروط بسقوطه حيّاً، فقبله لا يعلم الصحّة، بل هو مراعى، فكان جانب عدم الصحّة أولى على التقديرين.
وناقش فيهما بأنّ الإقرار محمول على وجود السبب المصحِّح، والسقوط حيّاً إنّما هو لاستقرار الملك لا لأصل وجوده، ومع تسليمه فالإقرار محمول على المعنى الحاصل بالوصيّة والإرث- مثلًا- الذي لا إشكال في صحّة الإقرار به مع التصريح بالسبب، فلا محيص عن الصحّة في صورة الإطلاق أيضاً.
ورجوع هذا الكلام إلى أنّ
الأهلية الثابتة للحمل وفي موارد الإرث والوصية ثابتة وكافية في نفوذ الإقرار له أيضاً.
أن ينسب الإقرار للحمل إلى السبب الباطل كالجناية عليه أو المعاملة معه المعلوم عدمهما، فقد اختلف في صحّة الإقرار بذلك على قولين:
الصحّة،
وقد نسب إلى الأشهر؛
نظراً إلى مبدأ الإقرار، وإلغاءً لما يبطله
نحو غيره من صور تعقيب الإقرار بالمنافي، مثل:
الاستغراق في الاستثناء ، وقوله: (من ثمن خمر)»؛ لاشتراكهما في المقتضي للصحّة، وهو عموم جواز (إقرار العقلاء على أنفسهم). والمنافي- كالرجوع- لا يقبل بعد ثبوت الإقرار.
والفرق بينه وبين المعلّق على شرط أنّ الشرط مناف للإخبار بالاستحقاق في الزمن الماضي، فلم تتحقّق ماهيّة الإقرار مع الشرط، بخلافه مع المنافي المتعقّب، فإنّه
إخبار تامّ، وإنّما تعقّبه ما يبطله، فلا يسمع.
ونوقش فيه بالفرق بين ما نحن فيه وبين تعقيب الإقرار بالمنافي كالرجوع و
الاستثناء المستغرق؛ فإنّ ظاهر العبارة في الفرض اتّحاد قصد المتكلّم بها وإن وقع بيانها تدريجاً، فلا فرق عرفاً بين سبق الإقرار مسنداً له إلى السبب الباطل، وبين تقديم ذكر السبب على الإقرار المسبّب به، بخلاف
الاستثناء المستغرق الذي هو قصد مستقلّ عائد إلى القصد الأوّل، فهو كالرجوع، فمتى ما عقّبه بقصد مستأنف يقتضي فساد الأوّل لا يسمع، بخلاف ما إذا كان المقصد الأوّل في نفسه غير صحيح.
وحاصل هذا الجواب الفرق بين الاستثناء المستغرق وغير المستغرق، فيكون الأوّل منافياً وفي حكمه الرجوع فيبطل، والثاني غير منافٍ بل من متمّمات الكلام الأوّل فيؤخذ به، وأنّ المقام ملحق بالأوّل في البطلان وإن كان يفارقه في أنّ الأوّل قصدان متنافيان فيبطل، والثاني قصد واحد غير صحيح؛ لمكان القضاء في دوالّه.
البطلان، ذهب إليه بعضهم،
ونسب إلى
أبي علي أيضاً؛
نظراً إلى أنّه لا ملك للحمل بالحقيقة، وإنّما يوجد بسبب يصلح للتمليك، فإذا لم يقرّ به لم يصحّ.
بل التأمّل في العرف يشهد بأنّه قد بيّن ما أقرّ به على وجهٍ لا يمكن صحّته، فالضميمة وما يضمّ إليه شيء واحد، لا أنّه أقرّ ثمّ جاء بالمنافي، بل تكلّم بكلام لا يمكن وقوعه، فلا يكون إقراراً، ولا أقلّ من الشكّ في ذلك، والأصل
البراءة .
وتردّد بعضهم في الصحّة.
إذا ثبت استحقاق الحمل لما اقرّ له به، فإن اتّحد استحقّ الجميع، ذكراً كان أم انثى.
قال
الشهيد الثاني : «إذا ثبت استحقاق الحمل لما اقرّ له به، فإن اتّحد استحقّ الجميع، ذكراً كان أم انثى؛ لأنّه إن كان وصيّة فواضح، وإن كان إرثاً فعندنا أنّه كذلك، ومن لم يقل بالردّ عليها أثبت لها النصف خاصّة إذا أضافه إلى جهة الإرث من
الأب ».
وإن كان الحمل ذكرين أو انثيين، فإن أسنده إلى الوصيّة تساويا فيه إلّاأن ينصّ على التفضيل؛
نظراً إلى أنّ الظاهر التسوية في كلّ سبب اقتضى التمليك التشريكي حتى الإقرار إلّامع التصريح بالتفضيل.
واستوجه الشهيد الثاني الرجوع إلى المقرّ في السبب، فإن ذكر ما يقتضي التفضيل أو التسوية عمل به، وإلّا اتّجه قسمته بالسويّة.
وإن أسنده إلى
الإرث تساويا أيضاً.
وإن كان ذكراً وانثى تساويا في الوصيّة وتفاوتا في الإرث إلّاأن يكونا ممّن يرثان على السواء كالإخوة من
الامّ .
هذا، ولو أقرّ للحمل فوضع أحدهما ميّتاً والآخر حيّاً فظاهر بعض الفقهاء كون ما أقرّ به- بأجمعه- للحي مطلقاً؛
لأنّ الميّت كالمعدوم.
ونوقش في إطلاق هذا الحكم بأنّه إنّما يتمّ فيما إذا كانت جهة الاستحقاق هي الوصيّة للحمل كيف كان، أو الإرث بالولادة مع انحصار الإرث في الحمل، وأمّا لو كانت الوصيّة مفصّلة على وجه لا ترجع الوصيّة لأحدهما إلى الآخر، أو كان إرثاً بجهة لا توجب
الانتقال إلى الآخر- بأن كانا أخوين لُامّ للميّت، وليس لهما ثالث من جهتها، فحياتهما موجبة لهما الثلث ولأحدهما خاصّة السدس- فلا يكون ما أقرّ به للآخر مطلقاً.
ومن هنا قال الشهيد الثاني: «الأجود أن يقال: ينزّل الميّت كأن لم يكن وينظر في الحيّ على ما ذكر من حال جهة الاستحقاق، وحينئذٍ فلابدّ من الرجوع إلى المقرّ في الجهة ليعلم مقدار استحقاق الحيّ».
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۳۹- ۴۷.