الاجتماع في الصلاة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الاجتماع في
الفرائض اليومية سنّة مؤكّدة، بل صرّح جمع من فقهائنا بأنّه ضرورة من الدين، بل وبعض غير اليومية من الفرائض،
كصلاة الآيات .
ذهب جمع من فقهائنا إلى جواز
الأذان في المكان الواحد لو تعدد المؤذنون وإن زادوا على اثنين،
واقتصر البعض في الجواز على الاثنين دون الأكثر.
وفصّل بعض
بين
الأذان الإعلامي وبين أذان الصلاة جماعة، حيث قال بكراهة
الاجتماع في الأذان مطلقاً دفعة أو ترتيباً في الوقت الواحد أو المحل الواحد في الأوّل، وأجازه في الثاني مع تعدد الجماعات.
وخالف البعض في الاجتماع مطلقاً مع وحدة المحل وضيق الوقت، منهم
المحقق العاملي في
المدارك حيث قال: «إنّ المعتمد كراهة الاجتماع في الأذان مطلقاً؛ لعدم الورود من الشرع، وكذا أذان الواحد بعد الواحد في المحل الواحد. أمّا مع
اختلاف المحل وسعة الوقت (بمعنى عدم اجتماع
الأمر المطلوب في الجماعة من
الإمام ومن يعتاد حضوره من المأمومين) فلا مانع منه».
الاجتماع في الفرائض اليومية سنّة مؤكّدة، بل صرّح جمع من فقهائنا بأنّه ضرورة من الدين،
بل استحبابه يشمل القضاء أيضاً كما صرّح به بعض الفقهاء،
بل وبعض غير اليومية من الفرائض، كصلاة الآيات.
و
استحباب الجماعة في الصلاة قامت عليه سيرة المتشرعة المتصلة بزمن المعصومين عليهم السلام، ونطقت به الروايات المستفيضة البالغة حدّ
التواتر .
ولا يجب الاجتماع في الصلاة إلّا في
صلاة الجمعة حيث يشترط في صحتها، وكذلك يجب في
صلاة العيدين مع اجتماع شرائط الوجوب فيها.
ولا يشرع الاجتماع في شيءٍ من النوافل على
الإطلاق عدا ما استثني كصلاة الاستسقاء ، فالمشهور جواز الجماعة فيها، وكصلاة العيدين مع عدم اجتماع شرائط الوجوب حيث وردت في ذلك روايات عديدة، مضافاً إلى قيام سيرة المتشرعة المتصلة بزمن المعصومين عليهم السلام على المنع مطلقاً، إذ لم يعهد من أحد منهم
إقامة الجماعة في شيءٍ من النوافل.
نسب إلى بعض فقهائنا المتقدمين،
وقيل إلى المشهور بينهم القول بالمنع عن صلاة الرجل و
المرأة لدى اجتماعهما في مكان واحد للصلاة مع تقدم المرأة أو كونها بحذاء الرجل.
وحكي عن بعضهم الآخر وعن عامة المتأخرين القول بالجواز على كراهة.
وفصّل بعض
بين ما إذا كان البعد بينهما أقل من عظم
الذراع (أي الشبر) فالمنع، وإن كان بقدره أو أكثر فالكراهة.
ومنشأ الخلاف في أقوال الفقهاء هو اختلاف الأخبار حيث إنّها على طوائف ثلاث، فبعضها أفاد المنع مطلقاً، وهي عدة أخبار فيها الصحاح والموثقات.
والطائفة الثانية تضمّنت الجواز مطلقاً.
والثالثة: روايات تضمنت التفصيل، وبعضها أناطت الجواز بالفصل بينهما بمقدار عشرة أذرع،
وبعضها الآخر حددت الفصل بمقدار شبر واحد، فتصح الصلاة إذا كانت الفاصلة بينهما بهذا المقدار أو أكثر، وإن كانت دونه بطلت.
وقد ذكروا اموراً أربعة يرتفع بها المنع أو الكراهة مع الاجتماع، هي: وجود الحائل بينهما، أو البُعد عشرة أذرع فصاعداً، أو تأخّر المرأة مكاناً بحيث يصدق عرفاً أنّها متأخّرة عن الرجل، أو اختلاف مكانهما من حيث العلو و
الانخفاض .
كما أنّهم بحثوا في الحكم لدى اجتماعهما في مكان لا يمكن التباعد والفصل بينهما فيه لرفع الكراهة أو المنع، وأنّه هل يتقدم الرجل فيصلي أوّلًا، أو المرأة، أو أحدهما لا على التعيين؟ وما هو الحكم لو كان الوقت لا يسع لذلك.
وتمام التفصيل في محله.
وقع البحث عند الفقهاء في اجتماع عيد وجمعة في يوم واحد، وأنّه هل يجب على من حضر صلاة العيد
الحضور لصلاة الجمعة أيضاً لو اقيمت، أو يكون مخيّراً بين الحضور و
الانصراف ؟
اختار جمع كثير من فقهائنا
القول بالتخيير، وصرّح بعضهم أنّ هذا هو المشهور.
واختار بعض القول بالتخيير للنائي دون
أهل البلد.
وذهب بعض آخر إلى القول بوجوب الاجتماع للجمعة أيضاً.
وقد وقع الكلام- بناءً على ثبوت التخيير- في أنّه هل يثبت للإمام التخيير أيضاً أم يجب عليه إقامة الجمعة مع توفر سائر الشروط. والتفصيل في محله.
إذا اتفق اجتماع صلاة الآيات مع فريضة يومية في وقت واحد، فقد اختار جمع من فقهائنا
القول بوجوب تقديم اليومية مطلقاً، سواء كان في الوقت سعة أو لم يكن.
وذهب الأكثر إلى القول بالتفصيل بين سعة الوقت وضيقه، ففي حال سعة الوقت هناك من ذهب إلى القول بالتخيير
في تقديم أي الصلاتين، وهذا هو مذهب الأكثر. وحكم البعض الآخر بوجوب تقديم
صلاة الآيات .
وأمّا الكلام في حال ضيق الوقت، فتارة يكون وقت إحداهما ضيّقاً، واخرى وقت كلاهما، ولا إشكال في تقديم التي ضاق وقتها على التي لها سعة من الوقت، بل ادعى بعضهم
الإجماع عليه،
ولكن صرح
الفاضل الإصفهاني بأنّ ظاهر من تقدم- من الصدوقين ومن تلاهما- تقديم الفريضة، وإن اتسع وقتها وضاق وقت
الكسوف .
وأمّا إذا ضاق وقت كلتا الصلاتين فلا خلاف بينهم في تقديم اليومية، وادعى
الفاضل المقداد الاجماع عليه.
وقال
المحقق النجفي مؤكّداً على
أهمية اليومية: «بل المتجه وجوب القطع لو بان في الأثناء، كما صرّح به غير واحد بل لا أجد فيه خلافاً، بل في
كشف اللثام على القطع حين خوف الفوات الاجماع».
وذكر المحقق النجفي و
المحقق الهمداني بأنّ الظاهر جريان هذا الحكم في الكسوف وغيره من الآيات.
لو اجتمعت
صلاة الكسوف مع فريضة غير يومية مثل الصلاة المنذورة المؤقتة أو
صلاة الجنازة أو صلاة العيدين- بناءً على القول بوجوبها في زمن
الغيبة - أو
صلاة الطواف ، فقد يقال إنّ المرجع في المقام ما تقتضيه القواعد من
التخيير في السعة والتضييق فيهما، وفعل خصوص المضيَّق منهما،
لكن ذكر
الشهيد الأوّل أنّ حكم الفريضة هذه لو جامعت الآيات حكم الفريضة الحاضرة في التفصيل السابق.
ورجّح الشيخ في
المبسوط والعلّامة في
التحرير تقديم صلاة الجنازة على صلاة الآيات،
وقدّم العلّامة صلاة الآيات على صلاة العيد مع تساوي الوقتين.
تعرّض بعض فقهائنا إلى صورة اجتماع آيتين أو أكثر، وتعددت أقوالهم في تقديم صلاة أيّ منها، والحكم حال سعة الوقت وضيقه. فذهب بعض إلى التخيير في تقديم صلاة أي واحدة من الآيات بلا فرق، سواء كان في ضيق الوقت أو سعته،
وقال البعض الآخر بالتخيير أيضاً في سعة الوقت وضيقه، لكنه احتمل جواز التداخل و
الاكتفاء بصلاة واحدة للجميع.
وذهب الشهيد الأوّل إلى القول بالتخيير في تقديم صلاة أي الآيات مع سعة الوقت للجميع، مع
إمكان القول بوجوب تقديم الكسوف على الآيات، وتقديم
الزلزلة على الباقي، ولو اتسع الوقت لصلاتين فصاعداً وكانت الصلوات أكثر مما يتسع له احتمل تقديم الكسوف، ثمّ الزلزلة، ثمّ يتخيّر في الباقي.
تعرّض بعض الفقهاء أيضاً إلى صورة اجتماع
صلاة الخسوف والجمعة، فقال
العلّامة الحلّي بوجوب تقديم صلاة الخسوف إن اتسع وقت الجمعة، وإلّا قدمت الجمعة، ولم يتعرّض في كلامه إلى سعة وقت الخسوف وضيقه.
وذكر المحقق
ابن فهد الحلّي أنّه لو اجتمع الكسوف مع الجمعة وضاقا فالجمعة، ومع السعة يقدّم الكسوف.
تعرّض جمع من فقهائنا إلى اجتماع صلاة الآيات مع
صلاة الليل فقط، وأضاف البعض الآخر بأن في حكم صلاة الليل غيرها من النوافل المؤقتة، كما تعرّض آخرون إلى اجتماعها مع
صلاة الاستسقاء أو النوافل مطلقاً، راتبة كانت أو لم تكن. وقد اتفق جميعهم على تقديم صلاة الآيات على
النافلة وإن ضاق وقت النافلة.
وللتفصيل في جميع هذه الموارد يراجع محله في الموسوعة.
اتفق الفقهاء في القول بالتخيير في الصلاة على الجنائز المجتمعة جمعاً أو بصورة متفرقة. وفي حال الصلاة عليها مجتمعة وقع الكلام في جهتين:
الاولى: في كيفية تنظيم الجنائز المجتمعة أمام المصلّي. والجهة الثانية: في كيفية الجمع بينها في لفظ الصلاة مع الاختلاف في الجنس والعمر.
أمّا الجهة الاولى: فتارة تكون الجنائز كلّها من جنس واحد كأن يكون كلّهم رجال أو كلّهم نساء، وهنا قال البعض بتقديم الأقل سنّاً إلى جهة
القبلة ،
وقال البعض الآخر
بتقديم الأفضل منهم، وذهب البعض أيضاً إلى صف الرجال مدرجاً، بحيث يجعل رأس الثاني إلى ألية الأوّل وهكذا، ثمّ يقوم الإمام في الوسط.
واخرى تكون الجنائز مختلفة، ولم نجد خلافاً بينهم في تقدّم الرجل مما يلي الإمام- وإن كان عبداً- على المرأة لو اجتمعا، بل عن بعضهم الاجماع عليه،
تغليباً لجانب الذكورة، ولإطلاق بعض الروايات.
كما أنّ المشهور بينهم تقدم
الحرّ على
المملوك وتقدم الرجل على الصبي،
ولو اجتمع الصبي مع المرأة ففيه أقوال:
الأوّل: تقدّم الصبي على المرأة مطلقاً.
والثاني: تقدمها عليه مطلقاً.
والثالث: التفصيل بين ما لو كان
الصبي لا يصلّى عليه وبين ما لو كان يصلّى عليه، حيث تقدّم المرأة في الصورة الاولى والصبي في الثانية.
الرابع: التفصيل بين ما لو كان أحدهما حراً والآخر مملوكاً، فلو كانت المرأة حرّة قدّمت لحريتها، ولو كان الصبي حرّاً والمرأة مملوكة فالتخيير؛ لتزاحم المرجّحان المنصوصان (الحرّية والكبرية).
الخامس: تقدم الصبي على المرأة إذا كان ابن ست سنين وكان حرّاً.
وأمّا اجتماع الصبي مع العبد فقد ذهب البعض إلى تقدمه على العبد،
واختار آخرون تقدم العبد على الصبي،
وذهب بعض إلى القول بالتخيير في تقديم أيّ منهما.
وهناك صور اخرى للاجتماع بين الجنائز، وكلام في ترتيبها، وحكم هذا الترتيب، وذهاب المشهور إلى أنّه على الاستحباب، نوكل الكلام في ذلك كلّه إلى محله من مصطلح
صلاة الميت .
وأمّا كيفية الصلاة على الجنائز المجتمعة فيجوز تشريكها في الصلاة، وحينئذٍ فينوي الجميع ويشرك فيهم في الأذكار فيما يتحد لفظه، ويراعي الجميع في المختلف، بحيث لو كان فيهم مؤمن وطفل ومجهول راعى المناسب لكل واحد منهم، ومع
اتحاد الصنف يراعي تثنية الضمير وجمعه وتذكيره وتأنيثه، أو يذكّر مطلقاً مؤولًا بالميّت، أو يؤنث مطلقاً مؤولًا بالجنازة، وهكذا.
الموسوعة الفقهية، ج۵، ص۱۵۴-۱۶۱.