الارتفاق(حقه)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الارتفاق(توضيح) .
المراد من حق
الارتفاق هو جواز
الانتفاع بالطرق
للاستطراق والجلوس للبيع والشراء ما لم يضرّ بالمارّة، وحرمة
الظلم بمزاحمته من الاستطراق والجلوس الغير المضر، وبدفعه عن مكانه، وبالتصرف في رحله الموضوع في مكان كان يجوز له وضعه فيه لا أزيد من ذلك، وليس هو كحق
التحجير التي تنتقل
بالإرث والصلح ونحوهما. ومن هنا صرّح بعض الفقهاء بأنّه لو دفعه عن مكانه أثم، وحلّ له مكثه فيه، وصار أحق من غيره به.
وحينئذٍ لا يدخل في موضوع
الغصب ولا يترتب عليه
ضمان ، ضرورة عدم كونه من الأموال أو الحقوق المالية.
وقد ينافي ذلك
استعمال لفظ (الحق) و (أنّه أحق) في كلام الفقهاء، بناءً على
انسباق المعنى الزائد على حرمة الظلم منه، فيكون كحق التحجير، لكن بمعونة عدم ذكر اللفظ المزبور هنا في شيء من النصوص المعتبرة- ومعلومية عدم
انتقاله للغير بالصلح ونحوه على وجه يكون للمصالح حق فيه وإن لم يجلس فيه، وعدم انتقاله بالإرث، وعدم
الفتوى ببقاء حقه لو انتقل عنه بنية العود مع عدم
استيفاء الغرض الذي هو مقتضى الأصل لو كان هو من الحقوق الزائدة على الظلم- يقوى
إرادة عدم جواز دفع أحد له عن المكث فيه وإن كان هو بالأصل مشتركاً بين الناس. وبهذا المعنى ملاحظاً فيه
الاشتراك المزبور اطلق عليه لفظ «الأحق» في عبارتهم.
وقد وقع البحث في حقّ الارتفاق من جهات:
من سبق إلى الجلوس في موضع من الطرق للبيع أو الشراء ولم يكن مضرّاً بالمارّة فهو أحق به من غيره، لا يجوز دفعه عن مكانه. ومعنى أحقّيته بالسبق ووضع
الرحل فيه هو لا يزيد على حرمة الظلم بدفعه عن مكانه وبالتصرّف في رحله، كما سبق توضيحه. وثبوت الحق بوضع الرحل إنّما هو باعتبار حرمة التصرّف بنقل الرحل من الموضع الذي كان يجوز له وضعه فيه، فهو من
الاحتيال للاختصاص بالمكان، لا لأنّ وضعه يثبت حقاً للشخص في المكان على نحو آثار التحجير فإنّه لم يوجد في شيء من النصوص
إشارة إلى ذلك. وحينئذٍ فلو أطار الريح رحله أو نقله ظالم له أو غيره فالمكان على شركته الأصلية يجوز للغير
الصلاة والمكث فيه.
وبالجملة وجود الشخص أو رحله السابق على مجيء الغير أو المتأخر عنه لا يرفع الاشتراك الأصلي في ذاته وإن حرم الدفع ونقل المتاع والبساط ونحوه.
وقد احتمل
المحقّق النجفي أنّ الأحقّية تحصل أيضاً ما دام يصدق كون الشيء في يد المستحق وفي تصرفه وتحت قبضته، فأخذه منه حينئذٍ كدفعه الحسّي ظلم. ثمّ قال: «ولعلّه لذا اعتبروا الرحل مع نية العود في (ثبوت الأحقية) في
الطريق والمسجد ، بخلاف ما إذا لم يكن له رحل فإنّ نيّة العود لا تكفي في صدق كون الشيء في اليد وتحت القبضة. نعم هو كذلك في سكنى بيوت المدارس والربط ونحوها، ولذا لم يعتبر أحد منهم بقاء الرحل في
الاستحقاق لو خرج الخروج الذي لا ينافي صدق كونه في قبضته عرفاً في مثل الخروج لقضاء حاجة ونحوها».
إذا فارق المكان الذي جلس فيه للبيع وغيره ولم يبق فيه رحل ولا نوى
العود إليه سقط حقه بلا
إشكال ؛ لأنّه أعرض عن حقه فيسقط بالاعراض عنه
وأمّا لو كان مجرد
المفارقة ولم ينو الاعراض فهل يسقط حقه بذلك، أم لا؟ وقع الخلاف بين الفقهاء في ذلك على أقوال:
بطلان حقه بالمفارقة مطلقاً؛ لأنّ حقه كان متعلقاً بكونه فيه وقد زال وإن كان رحله باقياً؛
لاختصاص بقاء الحق ببقاء الرحل بالمسجد، وهذا ليس بمسجد.
بقاء حقه مع بقاء رحله؛
لقول
أمير المؤمنين عليه السلام في رواية
الشيخ الصدوق ، حيث قال: «سوق
المسلمين كمسجدهم، فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل»،
والطريق بمقتضى هذا التشبيه بمنزلة
السوق .ومع سقوط حقه على القولين لا فرق بين تضرّره بتفرّق معامليه وعدمه.
ولكن احتمل
الشهيد بقاء حقه مع الضرر؛ لأنّ أظهر المقاصد أن يعرف مكانه ليقصده المعاملون، إلّا مع طول زمان المفارقة.
بقاء حقه مع بقاء رحله مقيّداً ببقاء النهار، فلو دخل الليل سقط حقه؛ نظراً إلى الرواية المتقدمة، حيث جاء فيها: «فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل».
ونوقش فيه بأنّ الرواية تدلّ باطلاقها على بقاء الحق إلى الليل، سواء كان له رحل أم لا، فلا تدلّ على ما هو المقصود.
بقاء حقه مع بقاء رحله ما لم يطل الزمان، أو يضرّ بالمارّة.
يجوز للمرتفق بالارتفاق بالطرق ومقاعد الأسواق أن يظلل على نفسه بما لا ضرر فيه على المارّة من بارية وثوب.
من سبق إلى موضع من الطرق ومقاعد الأسواق وجلس فيه للبيع وسائر المعاملات وصار أحق بها من غيره- كما سبق- لا يجوز له أن يبني دكّة،
ولا أن يجعل لنفسه سقفاً في ذلك الموضع.
قال
الشيخ الطوسي : «إذا سبق إلى موضع (أي موضع من الطرق) كان أحق به من غيره؛ لأنّ بذلك جرت عادة أهل الأمصار يفعلون ذلك، ولا ينكره أحد، غير أنّه لا يجوز أن يبني دكّة، ولا ينصب مستنداً».
وقال الشهيد: «وله أن يظلل لنفسه بما لا يضرّ بالمارّة، وليس له تسقيف المكان، ولا بناء دكّة، ولا غيرها فيه، وكذا الحكم في مقاعد الأسواق المباحة».
وقد استشكل على
إطلاق القول بعدم جواز بناء دكّة في الطرق للمرتفق مع فرض عدم
الإضرار بالمارّة بأنّ مقتضى الأصل الجواز.
وقد فصّل الشهيد الثاني بين
التظليل والبناء، فجوّز التظليل بما لا يضرّ بالمارّة، ولم يجوّز البناء إلّا مع سعة الطريق بحيث لا يتضرّر به المارّة، حيث قال: «وله أن يظلل عليه موضع جلوسه بما لا يضرّ بالمارّة من ثوب وبارية ونحوهما، لا ببناء دكّة، إلّا مع سعة الطريق، بحيث لا يتضرّر المارة به أصلًا، فيتجه الجواز».
ونوقش فيه بعدم الفرق بين التظليل والبناء مع فرض عدم الضرر.
وقال
المحقق النجفي في تحقيق ما يجوز للمرتفق من التصرّف فيما ارتفق به:«أنّ الأصل
والسيرة القطعية يقتضيان جواز سائر وجوه الانتفاع بالمنافع المشتركة إذا لم تعارض أصل
المنفعة المقصودة منه الذي اعدّ لها...، من غير فرق بين ما يدوم أثر التصرّف كالبناء ونحوه، وبين ما لا يدوم مع فرض عدم
إخراجه بذلك عمّا اعدّ له، فلو بنى بعض أرض الطريق بآجر مثلًا على وجه لا يخرجه بذلك عن أصل الاستطراق لم يكن بذلك بأس وإن كان مراده بذلك
الاستئثار به لو أراد الجلوس عليه غير المضرّ بالمارّة باعتبار أنّه ملكه نحو وضع البساط ونحوه».
ثمّ قال: «وكذلك الكلام في السقف.ولا ينافي ذلك ثبوت حق الاستطراق بعد ما سمعت من
الإجماع على جواز الارتفاق بغير المضرّ به، فليس للمستطرق حينئذٍ
اختيار هذه القطعة لاستطراقه بعد فرض وجود ما يصلح له غيرها؛ إذ الثابت له حق الاستطراق في المجموع لا في كل جزء، ومن هنا لم يكن له
إزعاج الجالس غير المضرّ، واستمرت الطريقة على وضع القمامة وغيرها في الطرقات إذا لم تكن مضرّة بالمستطرق؛ لوجود ما يصلح لاستطراقه غيرها.
ولا ينافي ذلك اشتراك الناس فيها بعد أن كان الثابت من الاشتراك كونه على الوجه المزبور بل هو مؤكّد له، ومن ذلك
استمرار الناس على الانتفاع بالمساجد بغير العبادة مع عدم
المزاحمة لأهل المنفعة المقصودة.ودعوى حرمة الانتفاع بغيرها إلّا ما جرت السيرة عليه لا حاصل لها بعد أن علم منها الجواز على وجه الكلية، لا خصوص أفراد من الارتفاق، بل صريح كلمات الأصحاب أنّ المدار على تضرّر ذوي المنفعة المقصودة وعدمه».
حفر
البئر في أرض الموات على قسمين:
حفره بقصد التملك
بالاحياء ، فماء البئر يكون مملوكاً له؛ لأنّه نماء ملكه، فأشبه الثمرة واللبن.
حفره بقصد الارتفاق دون التملك، وإنّما غرضه
السقي منها ما دام مقيماً عليها ثمّ يرتحل عنها فإنّ الحافر لا يملكها، بل هو أولى بمائها إلى أن يرتحل عنه، فإن انصرف عنها كان لغيره بالاستقاء منها، ومن سبق إليها كان أحق إخراجه بذلك عمّا اعدّ له، فلو بنى بعض أرض الطريق بآجر مثلًا على وجه لا يخرجه بذلك عن أصل الاستطراق لم يكن بذلك بأس وإن كان مراده بذلك الاستئثار به لو أراد الجلوس عليه غير المضرّ بالمارّة باعتبار أنّه ملكه نحو وضع
البساط ونحوه».
ثمّ قال: «وكذلك الكلام في
السقف .
ولا ينافي ذلك ثبوت حق الاستطراق بعد ما سمعت من
الإجماع على جواز الارتفاق بغير المضرّ به، فليس للمستطرق حينئذٍ اختيار هذه القطعة لاستطراقه بعد فرض وجود ما يصلح له غيرها؛ إذ الثابت له حق الاستطراق في المجموع لا في كل جزء، ومن هنا لم يكن له إزعاج الجالس غير المضرّ، واستمرت الطريقة على وضع القمامة وغيرها في الطرقات إذا لم تكن مضرّة بالمستطرق؛ لوجود ما يصلح لاستطراقه غيرها.
ولا ينافي ذلك اشتراك الناس فيها بعد أن كان الثابت من الاشتراك كونه على الوجه المزبور بل هو مؤكّد له، ومن ذلك استمرار الناس على الانتفاع بالمساجد بغير
العبادة مع عدم المزاحمة لأهل المنفعة المقصودة.
ودعوى حرمة الانتفاع بغيرها إلّا ما جرت السيرة عليه لا حاصل لها بعد أن علم منها الجواز على وجه الكلية، لا خصوص أفراد من الارتفاق، بل صريح كلمات
الأصحاب أنّ المدار على تضرّر ذوي المنفعة المقصودة وعدمه».
حفر البئر في
أرض الموات على قسمين:
حفره بقصد التملك بالاحياء، فماء البئر يكون مملوكاً له؛ لأنّه
نماء ملكه، فأشبه الثمرة واللبن.
حفره بقصد الارتفاق دون التملك، وإنّما غرضه السقي منها ما دام مقيماً عليها ثمّ يرتحل عنها فإنّ الحافر لا يملكها، بل هو أولى بمائها إلى أن يرتحل عنه، فإن انصرف عنها كان لغيره
بالاستقاء منها، ومن سبق إليها كان أحق بها، فلو عاد الأوّل بعد المفارقة ساوى غيره».
وهل يجب عليه بذل الفاضل عن حاجته من ماء هذا البئر؟ صرّح بعض الفقهاء بأنّه يجب عليه ذلك.
قال العلّامة الحلّي: «لو حفر البئر ولم يقصد التملّك ولا غيره فالأقوى اختصاصه به؛ لأنّه قصد بالحفر أخذ الماء فيكون أحقّ، وهنا ليس له منع المحتاج عن
الفاضل عنه لا في شرب الماشية، ولا
الزرع ».
وقال الشيخ الطوسي: «وكلّ موضع قلنا فيه بملك البئر فإنّه أحق بمائها بقدر حاجته لشربه وشرب ماشيته وسقي زروعه، فإذا فضل بعد ذلك شيء وجب عليه بذله بلا عوض لمن احتاج إليه لشربه وشرب ماشيته من السابلة وغيرهم، وليس له منع الماء الفاضل من حاجته...».
ونوقش فيه بأنّ مقتضى الأصل عدم وجوب بذله بعد أن كان له فيه حق نحو حق التحجير؛ ضرورة كونه حينئذٍ كالمملوك بالنسبة إلى ذلك.
اللهم إلّا أن يقال: إنّ ذلك لا يزيد على السبق إلى الماء
المباح الذي لا يجوز له المنع عمّا زاد على حاجته، لإطلاق ما دلّ على أنّ الناس فيه (أي في الماء) شرّع سواء.
إذا فارق البئر حافرها بقصد الارتفاق مفارقة إعراض فقد سقط حقه، فمن يسبق إليها فهو أحق بالانتفاع بها
، وقد ادّعي نفي الخلاف في ذلك .
وأمّا إذا لم يكن المفارقة بنية
إعراض فقد يشكل سقوطه بالمفارقة؛ لأنّه لو كان كحق التحجير لم يسقط بمطلق المفارقة.
نعم لو كان كحقّ السبق إلى الماء المباح اتّجه سقوطه.
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۴۸۰-۴۸۵.