الاستخلاف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى جعل الشخص غيره
مكانه لإتمام
عمله .
الاستخلاف
لغة :
مصدر استخلف، يقال: استخلف فلان فلاناً، إذا جعله خليفة، ويقال: خلف فلان فلاناً على
أهله وماله ، أي صار خليفته. ومنه قوله تعالى: «وَ قالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي»،
ويقال: خلفته، إذا جئت بعده.
واستعمله
الفقهاء بنفس
معناه اللغوي ، فإنّهم استعملوه بمعنى جعل الشخص غيره مكانه لإتمام عمله، ومن ذلك قولهم: إنّه يجوز
للإمام استخلاف الآخر إذا أحدث أو عرض له مانع.
فإنّ معناهما إقامة
الإنسان غيره مقام نفسه، كما أنّ معنى
النيابة هو القيام مقام الغير.
والنيابة أعم من الاستخلاف؛ إذ النيابة تجتمع مع حضور المستنيب وغيبته بينما الاستخلاف يكون بعد غيبة المستخلف أو
موته .
وهو في اللغة بمعنى
التفويض ،
وعرّفه الفقهاء بأنّه الاستنابة في
التصرّف ،
وفرقه عن الاستخلاف هو أنّ
التوكيل يلتقي مع حضور الموكّل في محلّ التوكيل وغيبته بخلاف الاستخلاف فإنّه لا يكون إلّا في خلف المستخلِف.
هذا مضافاً إلى أنّ تصرّف
الوكيل نيابة عن الموكّل لا بالاستقلال، خلافاً للاستخلاف فإنّ الخليفة يتصرّف فيما استخلف فيه
بالاستقلال .
فالاستخلاف ليس
مرادفاً للتوكيل، ومن هنا قد يصحّ
استعمال لفظ الاستخلاف في مورد في حين أنّه لا يصحّ أو لا يناسب استعمال لفظ التوكيل في ذلك المورد.
الاستخلاف قد يكون
واجباً ، كاستخلاف
المأمومين في
صلاة الجمعة إماماً آخر إذا مات الإمام الأوّل في أثناء
الصلاة على ما ذهب إليه بعض الفقهاء، كما سيأتي. وقد يكون محرّماً غير جائز، كاستخلاف
القاضي الآخر للقضاء إذا منع عنه الإمام عليه السلام. وقد يكون الاستخلاف مندوباً، كاستخلاف الإمام في
الجماعة غيره لإتمام الصلاة بالمأمومين إذا عرض للإمام في الأثناء
حدث أو نحوه على ما صرّح بذلك بعضهم، ولكن في كلام بعض آخر أنّه
جائز ، وسيتّضح ذلك ممّا سيأتي.
وقع الكلام بين الفقهاء في أنّه هل يجوز في أثناء صلاة الجماعة نقل
نيّة الاقتداء من إمام إلى آخر
اختياراً أم لا؟
صرّح بعضهم بعدم جواز ذلك، وأنّه ليس للإمام ولا للمأمومين أن يستخلفوا إماماً آخر للجماعة.
وأمّا لو عرض للإمام ضرورة بأن سبقه الحدث أو الرعاف أو
الأذى في
بطنه ، أو ذكر أنّه على غير
طهارة ، أو تمّت صلاته
لسفر فقد صرّح الفقهاء بجواز أن يستخلف من يتمّ الصلاة بالمأمومين.
لكنه يكون
مستحباً لا واجباً.
وصرّح بعض آخر بعدم الفرق في
جواز الاستخلاف بين أن يكون الإمام قد سبقه الحدث أو أحدث
عمداً .
وقد أفاد
المحقّق الحلّي أنّه لو مات الإمام أثناء صلاة الجمعة لم تبطل الجمعة ، وجاز للمأمومين أن يستخلفوا مكانه إماماً آخر ليتمّ بهم الصلاة.
وعلّق
المحقق النجفي على هذا الكلام بأنّ هذا يتمّ إذا كان الثاني جامعاً للشرائط التي منها كونه مأذوناً حيث تكون الإذن معتبرة هنا، ثمّ قوّى وجوب التقدّم على من كان جامعاً للشرائط، كما يجب على المأمومين تقديمه واستخلافه لإتمام الصلاة؛ للتمكّن من تحصيل الشرط مع
النهي عن
إبطال العمل.
وتفصيل الكلام في هذه المسألة، وكذا فيما لو أحدث الإمام أو
اغمي عليه أو نحو ذلك في أثناء الصلاة، وفيما لو مات الإمام في أثناء
الخطبة يأتي في محلّه.
إذا أذن الإمام عليه السلام للقاضي في استخلاف غيره في
القضاء جاز له ذلك، وإذا نهاه عنه لم يجز. ومع إطلاق
التولية لا يجوز الاستخلاف إلّا مع وجود
الأمارة الدالّة
عرفاً على الجواز، كاتّساع
الولاية .
وقد أفاد
الشيخ الأنصاري : «ثمّ إنّ ما ذكر من الاستخلاف إنّما يتصوّر في المنصوب الخاصّ، وأمّا المنصوب العامّ- وهو
الفقيه الجامع للشرائط- فلا يتصوّر في حقّه الاستخلاف بعد اعتبار
الاجتهاد في
الحاكم ؛ لأنّ المجتهدين جميعاً في مرتبة واحدة من جهة المنصوبيّة عموماً، فواجد الشرائط لا يحتاج إلى استخلافه، وفاقده لا يجوز استخلافه. نعم، لو لم يثبت وجوب كون المباشر
للحكومة مجتهداً، وكان القدر الثابت
وجوب كون الحكم حقّاً وانتهاء الحاكم في حكومته إلى إذن
الإمام عليه السلام جاز للمجتهد المتولّي عن الإمام
بالولاية العامّة نصب مقلّده لمباشرة القضاء». ثمّ ذكر أنّ مختاره في المقام هو اعتبار الاجتهاد في مباشرة القضاء؛
للنصّ والإجماع .
وقال في آخر كلامه: «نعم، يمكن القول بجواز
توكيل المجتهد مقلّده أو غيره في إنشاء الحكم في واقعة خاصّة، نظير التوكيل في سائر
الإيقاعات ، وإن كان ينافيه ظاهر اتّفاقهم على عدم دخول
النيابة في القضاء، لكنّ الظاهر إرادتهم نفس فعل القضاء بحيث يستند إليه أصالةً، لا مجرّد كونه آلة لإجراء
الصيغة ، لكن ينافيه تمثيلهم لما يدخل فيه النيابة
بالطلاق ...».
وقد مال
المحقق النجفي إلى جواز توكيل المجتهد
مقلّده للقضاء والحكم
بفتاواه .
وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه.
اتّفقت
الإمامية على أنّ الإمامة العامة
والولاية المطلقة بعد
رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ثابتة للإمام
علي بن أبي طالب عليه السلام فإنّه
خليفته ووصيّه والإمام بعده بلا فصل، وأنّ استخلافه إيّاه كان بأمر اللَّه تعالى والنصّ منه، وكذا سائر
الأئمّة المعصومين عليهم السلام.
ومن معتقدات الإمامية أنّ الإمامة
كالنبوّة لا تكون إلّا بالنص من اللَّه تعالى على
لسان رسوله أو لسان الإمام
المنصوب بالنص إذا أراد أن ينصّ على الإمام من بعده، فلا خيرة للناس في هذا المجال لا
تعييناً وانتخاباً ولا
ترشيحاً .
وعلى هذا فلا
مشروعية للاستخلاف إلّا إذا كان بأمر اللَّه تعالى والنصّ منه. وتفصيل الكلام في المباحث
الاعتقادية والكلامية .
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۳۰۲-۳۰۵.