الاستقبال (معرفة القبلة)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستقبال (توضيح) .
لا خلاف
في وجوب معرفة
القبلة من طرقها العلمية أو الظنّية،
كما هو مقتضى الاصول والنصوص والفتاوى
الآتية، بل
التكليف بوجوب
الاستقبال من دون وجوب معرفة القبلة من المحال،
وهذا الوجوب للمعرفة وجوب عيني؛ لتوقّف
الواجب عليها،
إلّاأنّ هناك من قيّد وجوب المعرفة بظهور الحاجة إلى التعلّم والتمكّن منه لا مطلقاً؛ وذلك للأصل، ولأنّ معرفة القبلة مقدمة للواجب، فلا تجب إلّامع وجوبه،
ولا تستحب إلّامع
استحبابه .
هذا بالنسبة إلى القادر على معرفة القبلة، وأمّا غير القادر فقد اختلف الفقهاء- في حكمه علماً أو
ظناً ، وكذا غير القادر على المعرفة لضيق وقت أو لوجود مانع- على ثلاثة أقوال:
وجوب
الصلاة إلى أربع جهات،
وهو مختار الأكثر،
المعظم. ومذهب المشهور،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
واستدلّ
له مضافاً إلى العمومات الدالّة على وجوب الاستقبال
بمرسل خراش عن
الصادق عليه السلام، قال: قلت:جعلت فداك أنّ هؤلاء المخالفين علينا يقولون: إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف
السماء كنّا وأنتم سواء في
الاجتهاد ، فقال: «ليس كما يقولون، إذا كان ذلك فليصلّ لأربع وجوه».
وهو وإن كان مرسلًا إلّاأنّه منجبر بعمل الفقهاء،
وببُعده عن قول الجمهور.
واورد عليه بأنّ
الالتزام به يؤدّي إلى سقوط حجّية الاجتهاد في معرفة القبلة بالكلّية، مع أنّه مخالف لما عليه فقهاؤنا من وجوب العمل به.
واجيب عنه بأنّ المنفي في الحديث مشروعية العمل بالاجتهاد القائم على أساس القياس
والاستحسان ، دون ما إذا كان قائماً على أساس قواعد واصول صحيحة.
الاكتفاء بصلاة واحدة إلى جهة واحدة، وهو مختار جماعة،نقله عن
ابن أبي عقيل في
المختلف كما لم يستبعده العلّامة نفسه، واعتمده جملة من الأعلام.
واستدلّوا له من الكتاب بقوله تعالى: «وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوْا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ»،
حيث ذكروا أنّ
الآية نزلت في قبلة المتحيّر.
ومن
السنّة بروايات:
منها: ما ورد في قبلة المتحيّر، كصحيح
زرارة ومحمّد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «يجزي المتحيّر أبداً أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة».
واورد عليه باحتمال إرادة الاجتهاد في تحصيل القبلة، وذلك بالتوجّه إلى الجهة التي يظنّ أنّ القبلة إليها،
بل قيل: إنّه محرّف بقلم النسّاخ، حيث كان أصله (يجزي التحرّي) بمعنى الاكتفاء بالتحرّي وبذل الجهد في تحصيل القبلة عند عدم العلم بها، وهو ممّا لا خلاف معتدّ به فيه.
ومنها: ما رواه زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قبلة المتحيّر؟ قال: «يصلّي حيث يشاء».
واورد عليه بإمكان أن يراد من قوله عليه السلام: «يصلّي حيث يشاء» هو ما يقوى في نفسه ويرجح؛ لأنّ العاقل لا يشاء إلّالمرجّح فيما يشاؤه.
وهناك إشكال تشترك فيه جميع الروايات الواردة في هذا المجال، وهو عدم مقاومتها لأدلّة القول الأوّل؛
لمخالفتها
للشهرة التي يخرج الخبر بسببها عن الحجية، فلابدّ من حملها على حال ضيق الوقت الذي لا يسع إلى أربع جهات.
أنّ القبلة تتعيّن
بالقرعة ،حيث قال: «يحتمل أن يريد الإقراع بين الجهات الأربع، وأن ينصّف الافق نصفين، فيخرج بالقرعة النصف المشتمل على القبلة، ثمّ ينصّف المخرج ويقرع، وهكذا إلى أن يبقى مقدار الجهة العرفية، وأن يقرع بين كلّ نقطتين يكون ما بينهما أزيد من الجهة العرفية».
وهو مختار
السيد ابن طاوس ،
ونفى عنه البأس في
المدارك ؛
لأنّ القرعة لكلّ أمر مشكل.
واورد عليه:
أوّلًا: بأنّه ليس هناك أمر مشكل نحتاج في حلّه إلى القرعة؛ لإمكان
الاستناد إلى حجة شرعيّة ينتفي معها الإشكال بالمرة.
وثانياً: بأنّه لم يعهد من أحد استعمال القرعة في معرفة
الأحكام الشرعيّة التكليفيّة أو
الوضعيّة حتى من السيد ابن طاوس نفسه في غير المقام، بل الإجماع على خلافه.
ومع ذلك فقد ذهب بعضهم إلى الجمع بين القرعة والصلاة إلى الجهات الأربع، وهو في غاية
الاحتياط .
ثمّ إنّه بناءً على وجوب الصلاة إلى أربع جهات فالمشهور
حيث قال: «عند الأكثر». اشتراط تقاطعها على زوايا قوائم
عرفيّة لا حقيقيّة.
واستدلّ له بأنّه مقتضى الاحتياط،
وبأنّه المتبادر من الفتاوى
والنصوص، ففي مرسلة
الشيخ الكليني : «يصلّي(المتحيّر) إلى أربع جوانب».
ونوقش فيه بأنّ
التبادر الذي ادّعي لو سلّم فهو في العرف الجديد.
وفي مقابل ذلك احتمل
الشهيد الاجتزاء بالأربع كيف اتّفق إذا لم تكن الفاصلة بين الجهتين قليلة جدّاً بحيث تعدّ قبلة واحدة.
والظاهر من
الفاضل الاصفهاني الميل إلى هذا الاحتمال،استظهره منه في
جواهر الكلام حيث قال: «وكأنّه مال إليه في كشف اللثام.
بل قيل: إنّه مختاره.حيث قال: «وهو خيرة كشف اللثام».
واستدلّ له- مضافاً إلى الأصل وبإطلاق النص
والفتوى - بأنّ الغرض
إصابة جهة القبلة لا عينها وهو حاصل.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۱۴۴-۱۴۸.