الانفراد في الصلاة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو تارة يراد به الصلاة منفرداً
ابتداءً ، واخرى يراد به
الانفراد في صلاة الجماعة بعد
الائتمام ، فالبحث في موضعين:
وهي جائزة ولو لغير عذر، فإنّ الجماعة ليست واجبة ولا شرطاً لصحّة الصلوات الخمس، بل هي مستحبّة،
وهذا من ضروريّات الفقه.وفي صحيح
زرارة والفضيل قالا:قلنا له: الصلاة في جماعة فريضة هي؟ فقال: «الصلوات فريضة، وليس
الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها ولكنّها سنّة، من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له».
إلّاأنّ صلاة المنفرد أقلّ
أجراً وثواباً من الجماعة، فقد ورد في الروايات:أنّ الجماعة تفضل على صلاة الفرد بأربعة وعشرين درجة أو بخمس وعشرين،
أو بسبع وعشرين.
وللصلاة منفرداً أحكام وآداب تخصّها، كما أنّ هناك بعض الصلوات لا يجوز
الإتيان بها منفرداً كالجمعة، وصلوات لا تجوز إلّامنفرداً كالنوافل.
المشهور
جواز العدول من الائتمام إلى الانفراد في جميع أحوال الصلاة، سواء كان ذلك لعذر أم لا، وسواء كان من نيّته ذلك من ابتداء الصلاة أم بدا له العدول في الأثناء. وقد ادّعي عليه
الإجماع .
وخالف
الشيخ الطوسي صريحاً في ذلك
حيث منع من المفارقة لغير عذر.واستشكل في الحكم جماعة.
وفصّل
السيّد الخوئي بين ما إذا كان ناوياً الانفراد من ابتداء الصلاة وما إذا بدا له العدول في الأثناء، فإن كان ناوياً الانفراد من ابتداء الصلاة فلا
إشكال في الجواز بالنسبة إلى الموارد المنصوصة، كما في المأموم المسبوق، وفي
اقتداء الحاضر بالمسافر أو العكس، وفي الرباعيّة بالثلاثيّة أو الثنائيّة وبالعكس.وأمّا في غير الموارد المنصوصة فالظاهر عدم مشروعيّة الجماعة وإن كان معذوراً في نيّة الانفراد؛ إذ لا دليل على مشروعيّة الائتمام في بعض الصلاة، وإنّما الثابت بأدلّة الجماعة- كقوله عليه السلام في صحيحة زرارة والفضيل: «وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها، ولكنّها سنّة...» - هو مشروعيّتها
واستحبابها في تمام الصلاة، وأمّا الاقتداء في البعض فغير مشمول لهذه النصوص.ومقتضى
الأصل عدم المشروعيّة.من هنا قوّى السيّد الخوئي
بطلان الجماعة لو كان ناوياً الانفراد منذ ابتداء الصلاة، ويحكم عليها بالانفراد لو أتى المصلّي بوظيفة المنفرد، وإلّا بطلت.أمّا لو بدا له العدول في الأثناء فالصحيح جوازه في جميع أحوال الصلاة، من غير فرقٍ بين صورتي العذر وعدمه، والعمدة في ذلك
أصالة البراءة عن اشتراط البقاء على الجماعة وإدامتها.
هذا كلّه إذا كان الانفراد عن جماعة مستحبّة، أمّا إذا كان عن جماعة واجبة أو مستحبّة تتوقّف صحّة الصلاة عليها، فليس له الانفراد اختياراً إذا كانت الجماعة واجبة كالجمعة، بلا إشكال ولا خلاف.
وجعله قطعيّاً في
المدارك.
لكن إذا كان الوجوب أصليّاً تتوقّف صحّة الصلاة عليه- كجماعة الجمعة- لا إذا كان عارضيّاً بنذرٍ ونحوه فالظاهر صحّة الصلاة مع احتمال
الفساد أيضاً.ولو كانت مندوبة تتوقّف صحّة الصلاة عليها- كالمعادة ندباً- فالظاهر عدم جوازها وضعاً بمعنى عدم صحّتها؛ لتوقّف صحّة الصلاة على الجماعة، فلو نوى الانفراد حينئذٍ وفارق بطلت صلاته، بل وإن لم يفارق أيضاً.
وهناك بعض الموارد يجب فيها على المأموم الانفراد عن الجماعة:منها: إذا ائتم بإمام ثمّ تبيّن له أثناء الصلاة أنّ قراءته غير صحيحة، فهنا يجب عليه الانفراد.
ومنها: لو تبيّن تخلّف
الإمام عن الشرائط وعلم المأموم في الأثناء فقد قال البعض بوجوب الانفراد.
كما أنّ هناك بعض الأحكام المترتّبة على انفراد المأموم في صلاته، وبعضها تخصّ المنفرد نفسه، وبعضها الآخر تخصّ من يتّصل عن طريق المأموم بالجماعة، وهي كما يلي:
ويمكن بحث المسألة بشكل أعمّ، أي الائتمام ثمّ الانفراد قبل الركوع مطلقاً، فيقع البحث في عدّة صور:
وهنا يجب عليه
القراءة بلا خلاف ولا إشكال؛ إذ ليس حدوث الائتمام علّة لضمان الإمام لقراءته، بل بقاؤه على ائتمامه شرط في
الضمان ، كما هو ظاهر أخبار ضمان الإمام قراءة المأموم.
وفي هذه الصورة اختار البعض عدم وجوب القراءة على المأموم المنفرد».ويمكن توجيهه بأنّ الإمام ضامن للقراءة عن المأمومين والمعروف هو ائتمامه حالها، فقد سقط
الأمر بها عنه بعد العدول، ولا موجب
للإعادة .ويناقش فيه بأنّ موضوع الضمان هو عنوان الائتمام، فما دام المصلّي يصدق عليه العنوان المذكور ومتّصفاً بالمأمومية يكون الإمام ضامناً لقراءته، وأمّا بعد خروجه عن العنوان المذكور بعدوله إلى الانفراد فيلحقه حكم المنفرد، ويشمله
إطلاق قوله عليه السلام: «لا صلاة إلّا
بفاتحة الكتاب ».
وبعبارة اخرى: القراءة واجبة على كلّ أحد، وليس المأموم بخارج عن العموم بالتخصيص، بل القراءة واجبة عليه أيضاً وغير ساقطة عنه، غايته أنّ الإمام بقراءته يتحمّلها عنه وتكون مجزية عنه، فكأنّ
الشارع قد اعتبر صلاتي الإمام والمأموم بمثابة صلاة واحدة، وأنّ فيها قراءة واحدة يتصدّاها الإمام.لكن الضمان والتحمّل منوطان ببقاء الائتمام؛ لكونه هو موضوع النصوص، فيختصّ الحكم المذكور بحال كونه مأموماً، ومع زوال العنوان بالعدول إلى الانفراد يكون المحكّم هو إطلاق دليل وجوب القراءة.
وفي هذه الصورة لا ينبغي
الشكّ في وجوب القراءة على المأموم بعد عدوله إلى الانفراد، وحتى لو سلّمنا بعدم وجوبها عليه في الصورة السابقة إذا كان عدوله بعد تمام القراءة، فيجب عليه في هذه الصورة
استئناف القراءة، ولا يجتزئ بالإتيان بما تبقّى منها؛ وذلك لوضوح عدم دلالة النصوص- الدالة على ضمان الإمام القراءة عن المأموم
- على ضمان الإمام بعض القراءة؛ ولذا قوّى بعض فقهائنا وجوب القراءة على المأموم في صورتي انفراده الثانية والثالثة.
ذكر
السيّد اليزدي أنّه لو نوى المأموم الانفراد في الأثناء لا يجوز له العود إلى الائتمام، وصحّح العود له إذا تردّد في
الانفراد وعدمه ثمّ عزم على عدم الانفراد، ثمّ ذكر أنّ الأحوط عدم العود.وقد ذكر بعض الفقهاء في تعليقهم على المسألة أنّ للقول بالجواز وجهاً،
وقوّى آخر الجواز مطلقاً،
وأشكل بعضهم على القول بالجواز.
واستدلّ المستشكل بعدم مشروعية الائتمام في بعض الصلاة؛ لعدم
الدليل عليه، سواء كان من نيّته ذلك من الأوّل- كما إذا كان عازماً على الانفراد في أثناء الصلاة- أم بدا له الائتمام في الأثناء- كما إذا صلّى منفرداً وفي أثنائها بدا له الائتمام- فإنّ كلّ ذلك غير جائز؛ لأصالة عدم المشروعية. ويترتّب عليه عدم جواز العود إلى الائتمام لو نوى الانفراد في الأثناء؛ لأنّ ذلك من مصاديق الائتمام في بعض الصلاة.
بناءً على وجوب القراءة على المأموم إذا عدل إلى الانفراد أثناء القراءة أو بعدها قبل الركوع وكانت الصلاة جهريّة يجب عليه
الجهر في قراءته؛
لأنّ ذلك من أحكام المنفرد في قراءته.
إذا انفرد بعض المأمومين أو انتهت صلاته- كما لو كانت صلاته قصراً، فقد انفرد من يتّصل به، إلّاإذا عاد إلى الجماعة بلا فصل.
وصرّح البعض بأنّ هذا الحكم احتياطي فلا يبعد بقاء
الائتمام ، خصوصاً إذا أخذ موضع من كان يتّصل به.
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۳۵۸-۳۶۲.