البطانة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ليس لها معنى خاص، هي تأتي بالمعنيين المختلفين.
البِطانة لغة- بالكسر-: خلاف
الظهارة ،
يقال: بَطَنَ فلان ثوبه تبطيناً، إذا جعل له بطانة، فهي ما ولّي منه الجسد؛ لقربها منه، وجمعها بطائن،
قال اللَّه تعالى: «مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ».
وتأتي بمعنى خاصّة الرجل وصاحب سرّه،
وذلك
استعارة من المعنى الأوّل، بدلالة قولهم: لبست فلاناً، إذا اختصصته.
وفي
الحديث : «ما بعث اللَّه من نبيّ ولا استخلف من خليفة إلّاكانت له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشرّ وتحضّه عليه،
والمعصوم من عصمه اللَّه».
وقد استعملها
الفقهاء في
المعنيين اللغويين المذكورين.
واحدة حواشي
الثوب ، وهي جوانبه،
وحاشية كلّ شيء: جانبه وطرفه، ومنه الحديث: أنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلّي في حاشية
المقام ، أي جانبه وطرفه؛ تشبيهاً بحاشية الثوب، وتطلق على صغار
الإبل ،
وعلى ما يكتب على جوانب صفحات الكتاب.
وفي الاصطلاح: أهل الرجل من غير اصوله وفروعه
كالإخوة والأعمام والأخوال والخالات .
ومعه تكون النسبة هي
العموم والخصوص المطلق .
كلّ شيء أدخلته في شيء وليس منه، والرجل يكون في
القوم وليس منهم، فهو وليجة فيهم،
قال اللَّه تعالى:«وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً»،
فالنسبة بينهما عموم وخصوص مطلق.
تترتّب بعض
الأحكام على البطانة بالمعنيين المتقدّمين، وإليك بيانها
إجمالًا :
يستفاد من الكتاب الشريف الحثّ على اتّخاذ البطانة الصالحة، قال اللَّه تعالى:«وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ».
والمراد بهذه
الولاية ولاية المحبّة واتّخاذ المودّة
والموالاة الدينية عامة في جميع الامّة،المفصح في إمامة
أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام.
وهي واجبة لجميع المؤمنين
إجماعاً .
بل قد نهى اللَّه تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن اتّخاذ بطانة من دون المؤمنين، حيث قال في كتابه المجيد:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَاتَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِن أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِيْ صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ».
وقال عزّوجلّ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوْا بِمَا جَاءَكُم مِنَ الْحَقِّ».
فلا يجوز للمؤمنين اتّخاذ الكافرين بطانة لأنفسهم يستعينون بهم، ويلتجؤون إليهم، ويظهرون المحبّة والمودّة لهم.
وهذا
النهي لا يختصّ باتّخاذ المؤمنين الكافرين بطانة وأولياء، بل يشمل كلّ ما كانت البطانة مظنّة للضرر على المؤمنين والمتديّنين؛ ولذلك جاء في عهد
الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى
مالك الأشتر رحمه الله حينما وجّهه إلى
مصر : «... إنّ شرّ وزرائك مَن كان للأشرار قبلك وزيراً، ومن شَرِكهم في الآثام فلا يكوننّ لك بطانةً؛ فإنّهم أعوان
الأَثَمَة ، وإخوان الظَلَمة...».
وذلك لأنّ
الظلم وتحسينه قد صار ملكة ثابتة في أنفسهم لا يمكن التخلّص منه، فهو كالخلق الغريزي اللّازم لتكرارها وصيرورتها عادة،
فلا يجوز
اختيار هكذا أفراد في
الدولة الإسلامية واتّخاذهم بطانة، فإنّ تشكيل
الحكومة من هؤلاء يستتبع عواقب وخيمة تعود بالضرر على الدولة.
ومن هنا اشترط بعض الفقهاء في صفة
الكاتب للحاكم كونه
مسلماً ؛
لأنّه بطانته وصاحب سرّه، فقد روي عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال
لزيد بن ثابت :«تعرف السريانيّة؟» قال: لا، قال: «فإنّهم يكتبون لي، ولا احبّ أن يقرأ كتبي كلّ واحد، فتعلّم السريانيّة»،
قال زيد: فتعلّمتها في نصف شهر، فكنت أقرأ بما يرد عليه، وأكتب الجواب عنه.
ولا ينحصر هذا الحكم بالكاتب، بل يشمل كلّ من يطّلع على أسرار المسلمين كالسفراء، فينبغي لحاكم المسلمين أن لا يتّخذ بطانة في
الحرب إلّامن كان ذا ديانة وأمانة،
فإذا أراد
إنفاذ رسول لرسالته اختار مسلماً، بلا خلاف في ذلك.
كما أنّه يشترط في عامل
الزكاة الإسلام إجماعاً؛ لأنّ
الكافر ليس أهلًا للبطانة
والأمانة ؛
ولذا قال بعضهم: لا يجوز
الوقف على الكافر؛ لأنّه إنّما ينشأ من المحبّة
والمودّة ، والآيتان
صريحتان في النهي عن البطانة والمحبّة للكافر.
وزاد بعضهم: أنّ «اتّخاذ غير المؤمنين... بطانةً
حرام وإن لم تكن عن مودّة وولاية، لكن المحتمل قويّاً كون النهي في هذه
الآية غير مولوي... بل هو
إرشادي ».
وهذا هو الأقرب، فيرجع تعيين حجم المفسدة والمصلحة إلى الحاكم أو من يتولّى
الأمر .
بحث الفقهاء المعنى الثاني للبطانة في ثلاثة مواضع:
صرّح بعض الفقهاء بأنّه إذا كان للثوب طبقات فتفشّى الدم من ظهارة الثوب إلى بطانته ومن طبقة إلى اخرى، فالظاهر التعدّد؛
لانفصال الطبقات الموجب لتعدّد
النجاسة .
قال
السيّد الخوئي : «إذا تفشّى الدم من أحد الجانبين إلى الآخر فهو دم واحد.نعم، إذا كان قد تفشّى من مثل
الظهارة إلى البطانة فهو دم متعدّد، فيلحظ التقدير المذكور على فرض
اجتماعه ، فإن لم يبلغ المجموع سعة
الدرهم عفي عنه، وإلّا فلا».
فلا يحكم بالتعدّد بما إذا كان الدمان متّصلين؛ لأنّهما عرفاً دم واحد، فإذا كان في أحد الجانبين أقلّ من الدرهم فمعفوّ، وإلّا فلا.
ذهب الفقهاء إلى حرمة لبس الرجل ثوباً تكون بطانته من
الحرير الخالص .
قال
السيّد اليزدي : «لا يجوز جعل البطانة من الحرير للقميص وغيره وإن كان إلى نصفه».
وعلّل ذلك بأنّ البطانة ملبوسة كالظهارة، وأنّ
المستفاد من العمومات حرمة ما يكون ملبوساً مستقلّاً.
فلا تصحّ للرجل
الصلاة في ذلك الثوب.
الظاهر جواز الصلاة على فراش بطانته نجسة إذا لم تكن النجاسة متعدّية.
قال
العلّامة الحلّي : «لو صلّى على مصلّى مبطّن، على بطانته نجاسة، فقام على ظاهره
الطاهر صحّت صلاته عندنا...لأنّه لم يستعمل النجاسة؛ لأنّها على البطانة لا على الظهارة».
نعم، حكي عن
السيّد المرتضى اشتراط طهارة جميع المصلّى مطلقاً.
لكن الظاهر أنّه لا يشترط طهارة كلّ ما تحته من البطانة، فلو كان المكان نجساً ففرش عليه طاهر صحّت الصلاة.
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۳۶۹-۳۷۳.