• خواندن
  • نمایش تاریخچه
  • ویرایش
 

التطهير بآنية الذهب والفضة

احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF



في البدء ننبّه على أمرين:
أوّلًا- ليس المقصود بالتطهير المبحوث هنا التطهير بالمعنى الأعم، أي ما يشمل إزالة الخبث؛ إذ لا بحث في حصول الطهارة من الخبث ولو كانت بفعل محرّم،
[۱] وسيلة المعاد في شرح نجاة العباد، ج۱، ص۳۸۴.
بل المراد هو خصوص رفع الحدث بالموضوع في آنية الذهب والفضّة- أي الوضوء والغسل به أو التيمم - والحكم المنظور إليه هنا هو الصحة وعدمها. وهذا البحث مبنيّ على القول بحرمة مطلق الاستعمال لهما- ومنه التطهير- لا خصوص الأكل والشرب منهما، وإلّا فلا منشأ لتوهّم عدم الصحة، كما هو واضح.
ثانياً- لا ينبغي الريب في أنّه- بناء على حرمة التطهّر من آنية الذهب والفضّة- لو انحصر الماء فيهما فلا يجب عليه الطهور المائي، بل وظيفته التيمّم؛ لعدم تمكّنه من استعمال الماء شرعاً، إلّا انّه يبحث هنا عن حكم صحة وضوئه أو غسله إذا خالف حرمة الاستعمال وتطهّر بالآنية فهل يحكم بفساده أيضاً أم يحكم بصحته رغم أنّه آثم باستعمال الآنية؟وأمّا مع عدم الانحصار ، فيكون واجداً للطهور، فلا يسوغ ولا يصح منه التيمّم، بل تكون وظيفته الطهور المائي، ويبحث هنا عن صحّة وضوئه أو غسله من الآنية وعدم صحته. وكذا الحكم مع إمكان التفريغ لما في آنية الذهب والفضّة في مكان آخر ثمّ الوضوء أو الغسل أو التيمم به يجب ذلك؛ لأنّه متمكن من رفع الحدث به بناءً على ما تقدم من أنّ التفريغ ليس استعمالًا. بل قد يقال بوجوبه؛ لأنّ حفظ الماء أو التراب في الآنية هو استعمال لها.
ومحلّ البحث هو رفع الحدث بما في آنية الذهب والفضّة، لا بتفريغه في مكان آخر ثمّ رفع الحدث به، فإنّ هذا خارج عن محل الكلام.وقد اختلفت كلمات فقهائنا في هذه المسألة حسب اختلاف أنظارهم فيما هو المحرّم من الاستعمال واختلاف مبانيهم في إمكان الأمر الترتّبي وعدمه- وهو بحث اصولي الترتّب: هو كون الأمر بالمهم من الأمرين المتزاحمين مترتّباً ومشروطاً بترك الأهم.
تأريخ المسألة:




وفيما يلي نتابع كلمات الأصحاب في المسألة لمعرفة التطوّرات الحاصلة للموقف الفقهي:

۱.۱ - الأولى


۱- إنّ كلمات الأصحاب من زمان الشيخ الطوسي إلى زمان المحقق الحلّي تصرّح بصحة الطهارة من آنية الذهب والفضّة قال الشيخ الطوسي - بعد بيان حرمة مطلق الاستعمال-: «وإن توضّأ منها أو اغتسل كان وضوؤه صحيحاً». وقال ابن البرّاج : «فإن تطهّر المكلّف منها... كانت طهارته صحيحة». وقال في جواهر الفقه : «مسألة: إذا تطهّر لوضوء أو غسل بماء مطهّر من آنية ذهب أو فضّة، هل تكون الطهارة صحيحة أو لا؟
الجواب: طهارته صحيحة وإن كان محظوراً عليه استعمال هذه الآنية؛ لأنّ النهي عامّ في استعمالها في أكل وشرب وطيب وغير ذلك، فكما لا يتعدّى النهي في استعمالها إلى المأكول والمشروب، فكذلك لا يتعدّى إلى الطهارة». وقال المحقق الحلّي : «لو تطهّر من آنية الذهب والفضّة لم يبطل وضوؤه ولا غسله خلافاً لبعض الحنابلة، قال: لأنّه استعمال في العبادة، فيحرم كالصلاة في الدار المغصوبة».

۱.۲ - الثانية


۲- وقد تابع العلّامة من سبقه في أكثر كتبه إلّا أنّه يستفاد من منتهى المطلب التفصيل بين صورة الانحصار فحكم بالبطلان فيها، وبين عدم الانحصار فحكم بالصحّة فيهاقال العلّامة: «لو تطهّر من آنية الذهب أو الفضّة أو المغصوبة أو جعلها مصبّاً لماء الطهارة صحّت طهارته وإن فعل محرّماً، بخلاف الطهارة في الدار المغصوبة». وبيّن الفاضل الاصبهاني : أنّ المراد التطهّر منها بالاغتراف أو الصبّ منها في اليد ثمّ التطهر بما في اليد، لا بوضع الأعضاء فيها للطهارة أو الصبّ منها على أعضاء الطهارة. وقد نبّه عليه المحقق الكركي بل ونبه عليه الشهيد الأول أيضاً.
وقال في التذكرة : «لو توضأ أو اغتسل من آنية الذهب والفضّة فعل محرّماً وصحّت طهارته- وبه قال الشافعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي؛ لأنّ الطهارة تحصل باجراء الماء على العضو؛ وذلك يحصل بعد انفصاله عن الاناء. وقال بعض الحنابلة: لا تصحّ؛ لأنّه استعمل المحرّم في العبادة، فلا تصحّ كالصلاة في الدار المغصوبة.وهو خطأ؛ لأنّ انتزاع الماء من الاناء ليس جزءاً من الوضوء، والطهارة إنّما تقع بعد انقضاء ذلك الاستعمال، فيكون كما لو قهر غيره على تسليم ثوب نفسه ليستتر به في الصلاة، والتصرّف جزء من الصلاة في الدار المغصوبة، وهو منهي عنه، فلهذا بطلت.تذنيب: لو جعل آنية الذهب والفضّة مصبّاً لماء الوضوء ينفصل الماء عن أعضائه إليه لم يبطل وضوؤه؛ لأنّه قد رفع الحدث قبل وقوعه في الاناء.وبعض الحنابلة أبطله؛ لما فيه من الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء. وهو غلط؛ لأنّ فعل الطهارة حصل قبل وصول الماء إلى الاناء».
[۱۱] المغني؛ لابن قدامة، ج۱، ص۶۳.
[۱۲] الشرح الكبير المطبوع ضمن المغني، ج۱، ص۵۸- ۵۹.
[۱۳] الانصاف، ج۱، ص۸۱.

وقال في المنتهى : «لو توضّأ من الآنية أو اغتسل صحّت طهارته، وبه قال الشافعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، خلافاً لبعض الحنابلة ». ثمّ قال: «ولو قيل: إنّ الطهارة لا تتمّ إلّا بانتزاع الماء المنهيّ عنه، فيستحيل الأمر بها؛ لاشتمالها على المفسدة كان وجهاً».
[۱۵] المغني، ج۱، ص۶۳.
[۱۶] الشرح الكبير المطبوع ضمن المغني، ج۱، ص۵۸.
[۱۷] الامّ، ج۱، ص۱۰.
[۱۸] المجموع، ج۱، ص۲۵۱.
وحمل هذا الكلام على صورة الانحصار على ما سيأتي.

۱.۳ - الثالثة


۳- ولم نعثر فيمن جاء بعد العلّامة على من تابعه في تفصيله، بل كان الموقف السائد هو الصحة حتى مع الانحصار، بل ذهب بعضهم إلى توسعة دائرة الصحة حتى فيما لو كانت الطهارة برمس العضو في الآنية فضلًا عن الاغتراف والصبّ منها قال الشهيد الأوّل : «لو كان الإناء مغصوباً أو آلة الصبّ غصباً أو ذهباً أو فضّة أو كان أحدهما مصبّاً للماء فالوجه الصحّة وإن أثم». وقال أيضاً: «لو تطهّر من إناء الذهب أو الفضّة أو صبّ به أو جعله مصبّاً لماء الطهارة صحّت وإن فعل حراماً؛ لخروجه عن حقيقة الطهارة». وقال في الدروس : «ولا تبطل الطهارة منه أو فيه». وقال في الذكرى - في بحث الأواني-: «لا تبطل الطهارة منها ولا فيها وإن حرم؛ لأنّ النهي عن أمر خارج؛ إذ أخذ الماء ليس جزء من الطهارة؛ إذ الشروع فيها بعد وضعه على العضو، وصبّ الماء فيها أبلغ في الخروج عن الطهارة». وقال ابن فهد : «ويبطل (الوضوء) بإيقاعه في مغصوب، لا خارجاً أو جعله مصبّاً أو اغترف منه كآنية النقدين، لا أن غسلها فيها».
وشرحه ابن مفلح الصيمري بقوله: «أقول: هنا مسائل:
الاولى: يبطل الوضوء في المغصوب؛ لكونه منهيّاً عنه، والنهي في العبادة يدلّ على الفساد. الثانية: لو ضاق الوقت وهو في المغصوب، جاز فعله وهو خارج، وأشار إليه بقوله: (لا خارجاً).الثالثة: لو جعل المغصوب مصبّاً للماء المنفصل من أعضاء الطهارة، لم يبطل وضوؤه؛ لارتفاع الحدث قبل وقوع المنفصل في المغصوب، واستعمال المغصوب إنّما حصل بوقوع المنفصل فيه، وذلك خارج عن فعل الطهارة، فلا تكون الطهارة منهيّاً عنها، فتقع صحيحةً.الرابعة: لو اغترف الماء المباح من المكان المغصوب، لم يبطل وضوؤه؛ لأنّ اغتراف الماء من المكان ليس جزءاً من الطهارة، والطهارة إنّما حصلت بعد انقضاء ذلك الاغتراف المنهي عنه، فتقع صحيحةً.الخامسة: حكم آنية النقدين لو جعلها مصبّاً أو اغترف منها حكم المغصوب، تصحّ طهارته وإن فعل حراماً؛ لكون الفعل المنهي عنه غير مقارن لشي‌ء من أفعال الطهارة.
أمّا لو غسل الأعضاء أو بعضها في الآنية المغصوبة أو آنية النقدين، فإنّ الطهارة تبطل؛ لمقارنة بعض أفعال الطهارة لاستعمال المنهي عنه، فيبطل ذلك البعض، وإذا بطل البعض، بطل الكلّ؛ لأنّ الكلّ عدم عند عدم جزئه، وإليه أشار بقوله: (لا أن غسلها فيها)». وقال المحقق الكركي معلّلًا صحة الطهارة: «أمّا آنية النقدين فلأنّ المنهي عنه فيهما هو أخذ الماء منهما أو جعلهما مصبّاً، لا إفاضة الماء على محلّ الطهارة، ولا تبطل العبادة بمقارنة فعل محرّم لفعلها».ثمّ قال: «ولو تطهّر فيهما فالظاهر عدم البطلان؛ لرجوع النهي إلى أمر خارج عن العبادة».

۱.۴ - الرابعة


۴- وما أن جاء دور السيد صاحب المدارك حتى نراه يتبنّى تفصيل العلّامة، وبعدئذٍ صار هو الموقف العام لدى التالين قال السيد محمّد العاملي - بعد نقله كلام المنتهى حيث استوجه البطلان-: «وهو جيّد حيث يثبت التوقّف المذكور، أمّا لو تطهّر منه مع التمكّن من استعمال غيره قبل فوات الموالاة فالظاهر الصحّة؛ لتوجّه الأمر باستعمال الماء حيث لا يتوقّف على فعل محرّم، وخروج الانتزاع المحرّم عن حقيقة الطهارة».
وقال المحقق السبزواري : «المشهور بين الأصحاب أنّه لو تطهّر من آنية الذهب والفضّة لم يبطل وضوؤه ولا غسله؛ لأنّ نزع الماء ليس جزء من الطهارة، بل لا يحصل الشروع فيها إلّا بعده، فلا يكون له أثر في بطلان الطهارة»، ثمّ نقل كلام المنتهى وقال: «وهو جيّد حيث تحقق التوقّف المذكور. أمّا لو تطهّر مع إمكان الطهارة بماء آخر قبل فوات الموالاة فالظاهر الصحّة؛ لخروج الانتزاع عن حقيقتها وعدم توقّفها عليه، ومثله صبّ ماء الطهارة فيها». لكن قال الفاضل الاصفهاني -معلّقاً على كلام المنتهى-: «وعندي في حرمة الاغتراف منها أو صب ما فيها على الأعضاء تردد، ولأنهمن الافراغ الذي لا دليل على حرمته.

۱.۵ - الخامسة


۵- بيد أنّ كاشف الغطاء اختار البطلان مطلقاً وتابعه في ذلك السيد اليزدي، لكن إجمالًا لم يتغيّر الموقف الفقهي العام.قال الشيخ جعفر الكبير- في شرائط الطهارة -: «ومنها- أن لا يكون محلّ‌ حرمة الاغتراف منها أو صبّ ما فيها على الأعضاء تردّد؛ ولأنّها من الإفراغ الذي لا دليل على حرمته». إلّا أنّ ظاهره أنّه يرى عدم كون الافراغ من الاستعمال المحرّم، بل حكى عنه المحقق الهمداني
[۲۸] مصباح الفقيه،، ج۸، ص۳۶۱.
التصريح بصحة الوضوء في صورة الارتماس أيضاً. ولكن لم نعثر عليه. وقال بحر العلوم في شرائط الوضوء:والغصب في المصبّ والأواني كالغصب في الطهور والمكان‌ مع انحصار فإذا لم ينحصرْ صحّ لأمر بالطهور مستمرّ وحكم ما في فضّة أو في ذهبْ حكم مباح في إناء مغتصب‌
[۲۹] الدرة النجفية، ج۱، ص۱۸.
وقال في الهداية : «ولا يشترط في صحة الوضوء إباحة الآنية، فلو اغترف من مباح في مغصوب صحّ الوضوء به... إلى أن قال: وكذا لو كانت ذهباً أو فضّة أو اتّخذ المغصوب مصبّاً مع وجود المندوحة عنه».
[۳۰] الهداية (مخطوط) ۱۷، س ۷.

وقال السيد جواد العاملي : «البحث في المسألة أن يقال: التطهّر من الماء المباح في الآنية المغصوبة والمستعملة من الذهب والفضّة؛ إمّا أن يكون بالاغتراف منها ومثله الصبّ في اليد والغسل به، وإمّا أن يكون بالصبّ منها على الأعضاء المغسولة، وإمّا أن يكون بالغمس فيها.
والأوّل قد سبق فيه الغصب أفعال الوضوء فلا مانع من الغسل به بعد حصوله في اليد.والثالث قد غصب فيه بنفس الوضوء ؛ لأنّ الغمس غصب ووضوء، اللهمّ إلّا أن ينوي الإخراج .والثاني يحتمل إلحاقه بالأوّل أو بالثالث.وعلى التقادير إمّا أن يكون متمكّناً من استعمال الماء المباح في الإناء المباح بحيث لو أراد الوضوء به لم تبطل الموالاة أو لا يكون متمكّناً.فعلى الأوّل يصحّ وضوؤه بالنحو الأوّل- أعني الاغتراف- من دون إشكال.وعلى الثاني أي ما إذا لم يكن متمكّناً من الإناء المباح، بل انحصر الماء في الإناء المغصوب.فهناك وجهان:
البطلان؛ لأنّ الاغتراف يستلزم التصرّف، فاذا أخذ أوّلًا وغسل وجهه صحّ غسل وجهه، فاذا أراد غسل يده كان منهيّاً عن التناول لها.والصحّة؛ لأنّ تفريغ الآنية المغصوبة إمّا جائز أو واجب كما إذا كان هو الغاصب، فاذا توضّأ بقصد الإفراغ صحّ.وكذا إذا توضّأ غافلًا عن ذلك.وأمّا إذا توضّأ بقصد أنّه غصب أيضاً فيبطل.وأمّا إذا كان متمكّناً من المباح حين الغمس، فإن قلنا إنّه باخراج يده يحصل إفراغ ولو يسيراً، فلو قصد الوضوء ليفرغ على هذا الوجه احتمل بالإدخال الصحّة على تأمّل».
الضرب أو ما يغسل فيه أو ما يؤخذ منه ماء الغسل آنية مغصوبة أو آنية ذهب أو فضّة... وجد ماء قريباً غيره أو لا، عالماً بالحكم أو جاهلًا به...»
[۳۲] كشف الغطاء، ج۱، ص۳۴۳- ۳۴۴.
وقال النراقي : «والطهارة منها صحيحة على المشهور؛ لتعلّق النهي بالخارج، لأنّ انتزاع الماء ليس جزءاً منها؛ إذ الشروع فيها بعده. والفاضل وجّه البطلان لتوقّفها على المحرّم فلا يتعلّق الأمر بها؛ لاشتمالها على المفسدة، وهو جيّد حيث ثبت التوقّف، فيصحّ لو تمكّن من غيره ولو بالتدريج قبل فوات الموالاة؛ إذ تمكّنه من استعمال سائغ مع خروج المحرّم عن حقيقتها يثبت التعلّق (أي تعلّق الأمر). ثمّ صبّ مائها فيها أبلغ في الخروج؛ لتماميّتها قبله وإن كان احتمال البطلان مع التوقف قائماً- ثمّ قال-: ما ذكر يجري في الطهارة فيها أيضاً، فمع التوقّف باطلة وبدونه صحيحة. والكون فيها كالانتزاع ليس جزء منها؛ لأنّها مجرّد جريان الماء على البدن بفعل المكلّف، فالنهي متعلّق بالخارج بخلاف الصلاة في المغصوب- إلى أن قال-: وبما ذكر يظهر بطلان الطهارة من أواني الذهب والفضّة وفيها مطلقاً لو وجب كسرها فوراً إلّا أنّ الفورية غير ثابتة»..
[۳۳] لوامع الأحكام، مخطوط، ج۱، ص۲۱۸- ۲۱۹.
وقال المحقّق النجفي - بعد أن نقل كلام المنتهى وما علّق عليه في المدارك من البطلان في صورة الانحصار- قال: «وهو لا يخلو من وجه، لكن ينبغي تقييده مع ذلك بما إذا لم يتمكّن من إفراغ ذلك الماء في آنية اخرى مثلًا، وإلّا كان كالمتمكّن من الماء الآخر».
واعترض على الأصحاب لتعليلهم الصحة بتعلّق الحرمة بالانتزاع فقط دون ما يترتب عليه من الأفعال، فقال: «فما يظهر من الأصحاب حينئذٍ أنّ المحرّم نفس النقل والانتزاع لا غير، ليس في محلّه». ثمّ قال: «ولعلّه من هنا يمكن الفرق بين الاناء المغصوب وبين ما نحن فيه (الوضوء من آنية الذهب والفضّة)... فيحكم بصحّة الوضوء منه (من المغصوب‌) دونه... إلّا أنّ الاحتياط لا ينبغي تركه». وقال في نجاة العباد- عند بيان شرائط الوضوء-: «وإباحة المكان... أمّا غيره كالمصبّ والأواني فمع انحصار الاستعمال فيه يبطل الوضوء، ومع عدمه يقوى الصحّة، والأحوط التجنّب، وكذلك الحال في الماء في آنية الذهب والفضّة مع عدم إمكان الافراغ منها، بل البطلان فيها مع عدم الانحصار لا يخلو عن وجه موافق للاحتياط، إلّا أنّ الأقوى خلافه».
[۳۵] نجاة العباد ۳۴.
وقال المحقق الهمداني : «فما عن المشهور من الحكم بصحّة الوضوء لا يخلو من قوّة ما لم يكن الآنية من المقدّمات المنحصرة المانعة من تنجّز التكليف وكان الوضوء بالاغتراف منها لا بالارتماس فيها».
[۳۶] مصباح الفقيه، ج۸، ص۳۶۱.

وقال السيد اليزدي : «إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل في إحدى الآنيتين، فإن أمكن تفريغه في ظرف آخر وجب، وإلّا سقط وجوب الوضوء أو الغسل ووجب التيمّم، وإن توضّأ أو اغتسل منهما بطل سواء أخذ الماء منهما بيده أو صبّ على محلّ الوضوء بهما، أو ارتمس فيهما، وإن كان له ماء آخر أو أمكن التفريغ في ظرف‌ آخر ومع ذلك توضّأ أو اغتسل منهما فالأقوى أيضاً البطلان وقال السيد الاصفهاني : «الظاهر أنّ الوضوء من آنية الذهب والفضّة كالوضوء من الآنية المغصوبة، يبطل إن كان بنحو الرمس، وإن كان بنحو الاغتراف يبطل مع الانحصار ويصحّ مع عدمه».
[۳۸] وسيلة النجاة، ج۱، ص۱۳۷، م ۵.
وقال السيد الإمام الخميني : «الظاهر أنّ الوضوء من آنية الذهب والفضّة كالوضوء من الآنية المغصوبة يبطل إن كان بنحو الرمس، وكذا بنحو الاغتراف مع الانحصار، ويصحّ مع عدمه، كما تقدّم». وقال السيد الگلپايگاني : «الظاهر أنّ الوضوء من آنية الذهب والفضّة كالوضوء من الآنية المغصوبة يبطل إن كان بنحو الرمس مطلقاً، ويبطل مع الانحصار إذا كان بنحو الاغتراف، ويصحّ مع عدم الانحصار».

۱.۶ - السادسة


۶- وقد حدث انعطاف واضح في الموقف الفقهي لدى جملة من الفقهاء المتأخرين كالسيّد الحكيم والسيّد الخوئي والسيّد الشهيد الصدر حيث ذهبوا إلى تصحيح الطهارة في صورة الانحصار أيضاً، بل جزم الشهيد الصدر بالصحة ولو مع الارتماس.قال السيد الحكيم : «إذا توضّأ من إناء الذهب أو الفضّة بالاغتراف منه دفعة أو تدريجاً أو بالصبّ منه فصحّة الوضوء لا تخلو من وجه من دون فرق بين صورة الانحصار وعدمه، ولو توضّأ بالارتماس فيه فالصحة مشكلة».
[۴۱] منهاج الصالحين (الحكيم)، ج۱، ص۴۷، التعليقة رقم۷۴.
ومثله قال السيد الخوئي. وقال الشهيد الصدر معلّقاً بأنّ: «الوضوء منها صحيح مطلقاً».
[۴۳] منهاج الصالحين (الحكيم)، ج۱، ص۴۷، التعليقة رقم۷۴.
وقال في الفتاوى الواضحة: «يصحّ الوضوء من الماء الموضوع في إناء الذهب والفضّة».
الأقوال في المسألة:
والمستخلص في هذه المسألة من مجموع كلمات الأصحاب أقوال خمسة:
۱- الصحة مطلقاً، وهو ظاهر القدماء، وذهب إليه من المتأخرين الشهيد الصدر والسيد الإمام الخميني في طهارته.
۲- البطلان مطلقاً، وهو مختار الشيخ كاشف الغطاء، واختاره السيد اليزدي في العروة، وقد يستظهر من الجواهر.
۳- البطلان إذا كان بنحو الارتماس والصحة إذا كان بنحو الصبّ أو الاغتراف بلا فرق بين صورة الانحصار وعدمه، وهو مختار كثير من المتأخرين كالسيد الحكيم قدس سره والسيد الخوئي قدس سره.
۴- البطلان في صورة الانحصار مطلقاً، وفي صورة عدم الانحصار يفصّل بين ما إذا كان بنحو الارتماس فيبطل وما إذا كان بنحو الاغتراف فيصح، وهو مختار المحقق الهمداني والسيّد الاصفهاني والسيّد الإمام الخميني قدس سره في التحرير، ويمكن أن يحمل عليه كلام من فصّل بين صورتي الانحصار وعدمه حيث إنّ نظرهم إلى غير فرض الارتماس ظاهراً.
۵- نفس التفصيل مع إضافة التطهير بنحو الصبِّ من الاناء وإلحاقه بالارتماس في البطلان، وهذا هو مختار السيد الگلپايگاني في تعليقته على العروة ومختار السيد الإمام الخميني قدس سره بنحو الاحتياط في تعليقته عليها.وسنبيّن فيما يلي المباني الفنية لهذه الأقوال المختلفة:
۱- إنّ مبنى القول الأوّل يمكن أن يكون أحد وجهين:
الوجه الأوّل- أن يكون المحرّم خصوص استعمال الآنيتين في الأكل والشرب لا مطلقاً، وهذا هو مختار السيد الشهيد الصدر قدس سره على ما تقدم في البحث السابق.
الوجه الثاني- ويتوقف على قبول أمرين:
الأوّل: أن يدّعى أنّ عنوان الاستعمال المحرّم غير متّحد في الوجود مع ما هو محقق التطهير من الغسل أو المسح بل فعل آخر كالكون في الاناء ونحو ذلك مما هو مقارن مع ما هو غسل أو مسح، فلا يتّحد المأمور به مع المنهي عنه.
الثاني- إمكان الأمر الترتّبي، فلو فرض انحصار الطهور في ذلك فمع ذلك صحّ الأمر بالوضوء أو الغسل على تقدير عصيان الحرمة ولو بالتدريج لحصول القدرة في طول ذلك بنحو الترتّب- على‌ ما حقق في محله من علم الاصول- فلا يشترط عدم الانحصار أو التمكّن من تفريغ الآنية لفعلية الأمر بالطهور المائي.والأمر الثاني من هذين الأمرين وإن كان تامّاً في محله إلّا أنّ الأمر الأوّل غير تام فيما إذا كان الوضوء أو الغسل بنحو الارتماس في الآنية فانّه بنفسه استعمال لها.
۲- ومبنى القول الثاني- والذي قوّاه واختاره في العروة- دعوى صدق الاستعمال المحرّم على نفس التطهير بما في الآنية حتى إذا كان بنحو الاغتراف منها، فيتّحد الحرام مع الواجب، فيبطل لا محالة حتى إذا كان الماء غير منحصر بذلك.
۳- ومبنى القول الثالث مجموع أمرين:
الأوّل: انّ التطهير بنحو الارتماس متحد مع الاستعمال المحرّم؛ لأنّه بنفسه استعمال للآنية، بخلاف التطهير بنحو الصبّ أو الاغتراف منها؛ فإنّ ما هو الاستعمال لها إنّما هو الصبّ والاغتراف، وليس هو فعل الوضوء أو الغسل، بل الصبّ والاغتراف من مقدّماتهما الخارجة عنهما، وما هو فعل الطهور من الغسلات والمسحات ليست استعمالًا للآنية.
الثاني: إمكان الأمر الترتّبي بالفعل الملازم أو المترتّب على المقدّمة المحرّمة، وهو الطهور في المقام.ونتيجة قبول الأمرين أنّ التطهير بنحو الارتماس في الآنية يبطل مطلقاً؛ لاتّحاده مع الحرام، وهو مبطل في العبادات، والتطهير بنحو الصبّ أو الاغتراف يصح مطلقاً؛ لفعلية الأمر به حتى مع الانحصار بناءً على إمكان الترتّب، فلا فرق بين صورتي الانحصار وعدمه من حيث الصحة. نعم، يبقى فرق بينهما من ناحية اخرى وهي انّه في صورة الانحصار وعدم إمكان تفريغ الماء يصح منه- بل يجب عليه- التيمم ابتداءً لكي لا يقع في الاستعمال المحرَّم رغم أنّه لو ارتكبه وعصى صحّ منه الوضوء في طول ذلك، من دون فرق بين تفريغ تمام ماء الوضوء أو الغسل مرّة واحدة ثمّ التطهير به، أو الصبّ من الآنية تدريجاً والتطهير به. وهذا بخلاف صورة عدم الانحصار حيث إنّه لا يسوغ منه التيمم؛ لكونه قادراً عقلًا وشرعاً من استعمال الماء.
۴- ومبنى القول الرابع مجموع أمرين:
الأوّل: هو الأمر الأوّل المتقدّم في مبنى القول الثالث. ونتيجته بطلان الوضوء بنحو الارتماس مطلقاً؛ لاتّحاده مع الحرام.والثاني: القول بعدم إمكان الأمر الترتّبي مطلقاً، أو في خصوص المقام الذي يكون العصيان للحرام تدريجياً لاشتراطنا في القدرة المعتبرة في التكليف القدرة على مجموع الواجب المركّب من الابتداء ؛ وذلك بأن يعتبر في مثل وجوب الوضوء أن يكون عند المكلّف قبل الشروع في الوضوء الماء بمقدار يكفي لغسل تمام أعضاء الوضوء، وقد يعبّر عن ذلك بالقدرة الفعلية على المركّب. والنتيجة هو التفصيل في صورة الاغتراف بين فرضي الانحصار وعدمه، فيبطل في الأوّل لعدم الأمر بالوضوء أو الغسل مع فرض فعلية الحرمة؛ لعدم التمكن من استعمال الماء شرعاً وهو كعدم التمكن منه عقلًا رافع لفعلية الأمر المطلق بالطهور المائي، والأمر الترتبي غير معقول بحسب الفرض، ويصح في الثاني (عدم الانحصار)؛ لفعلية الأمر به مع تمكنه من ماء آخر، فيقع مجزياً وصحيحاً حتى إذا حققه بالاناء المحرّم استعماله؛ لعدم اتحاد الواجب مع الحرام بحسب الفرض.
۵- ومبنى القول الخامس- نفس مبنى القول الرابع مع إضافة أنّ التطهير بنحو الصبّ من الآنية على الاعضاء يعدّ كالارتماس بنفسه استعمالًا للآنية، فيتحد فيه الحرام مع الواجب، فيبطل حتى مع عدم الانحصار.وممّا تقدّم ظهر حال الفرع الذي تعرّض له الأصحاب ضمناً، وهو ما إذا كانت آنية الذهب أو الفضّة مصبّاً لجمع ماء الوضوء أو الغسل فيه؛ فإنّه حتى إذا عدّ استعمالًا للآنية إلّا أنّ ذلك ليس متّحداً مع ما هو الفعل الواجب من الغسلات والمسحات، ولا معلولًا لكي تسري الحرمة الغيرية إليها، وإنّما علّته صبّ الماء من فوق الآنية، وهو غير فعل الوضوء، فلا وجه للبطلان.
نعم، لو فرض الانحصار وعدم التمكن من التطهير في غير تلك الآنية بحيث كان التوضّؤ أو الغسل مستلزماً على كل حال لصبّ الماء في الآنية، فاذا قيل بعدم إمكان الترتّب بطل الوضوء أو الغسل إلّا إذا منع عن صدق الاستعمال للآنية بمجرّد انصباب ماء الطهور فيه، خصوصاً إذا كان بغير قصد. ومن هنا قيّده بعضهم بذلك كما تقدم، بل تقدم عن السيد اليزدي في العروة المناقشة في صدق الاستعمال حتى مع القصد.ويظهر ممّا تقدّم أيضاً حال التيمم من التراب ونحوه الموضوع في آنية الذهب والفضّة، فانّه إذا فرض صدق الاستعمال لها بذلك وقيل بحرمته بطل، وإلّا فلا يبطل.
قال السيد اليزدي: «إذا كان التراب أو نحوه في آنية الذهب أو الفضّة فتيمم به مع العلم والعمد بطل؛ لأنّه يعدّ استعمالًا لهما عرفاً». وعلّق عليه بعض الأعلام بأنّ الأقوى عدم البطلان .



ثمّ إنّه حسب اختلاف المباني المتقدمة للأقوال المذكورة مع المبنى الأصولي في بحث اجتماع الأمر والنهي تختلف النتيجة الفقهية في صورة التطهير بآنية الذهب والفضّة جهلًا؛ فانّه في الصورة التي يحكم فيها بالبطلان مع العلم إذا كان ذلك من جهة لزوم اتحاد الواجب والحرام، فإن قيل في بحث اجتماع الأمر والنهي بالامتناع ولزوم التعارض ، فلا فرق حينئذٍ في ذلك بين صورتي العلم والجهل، وإن قيل فيه بالجواز ولكن لا يمكن قصد التقرّب مع العلم بالحرمة فهذا يختص بصورة العلم لا الجهل بالحرمة، فيصح التطهير في صورة الجهل بالحرمة من جهة الحكم أو الموضوع.
وأوضح من ذلك إذا كان الحكم بالبطلان من جهة التزاحم وعدم إمكان الترتّب لا الاتحاد مع الحرام كما في التطهير بنحو الاغتراف مع الانحصار في القولين الأخيرين، فإنّ المحذور فيه مختص بصورة العلم والعمد، فلا يجري في صورة الجهل. وأمّا النسيان فحيث انّه رافع للتكليف عند المشهور فهو كالاكراه والاضطرار يرفع الحرمة، فيحكم بالصحة فيها في تمام الصور؛ لارتفاع منشأ البطلان والفساد عندئذٍ.



 
۱. وسيلة المعاد في شرح نجاة العباد، ج۱، ص۳۸۴.
۲. المبسوط، ج۱، ص۱۳.    
۳. المهذّب، ج۱، ص۲۸.    
۴. جواهر الفقه، ص۱۰، م ۱۲.    
۵. المعتبر، ج۱، ص۴۵۶.    
۶. القواعد، ج۱، ص۱۹۸.    
۷. كشف اللثام، ج۱، ص۴۹۴.    
۸. جامع المقاصد، ج۱، ص۱۹۲.    
۹. الذكرى، ج۱، ص۱۴۸.    
۱۰. التذكرة، ج۲، ص۲۲۷- ۲۲۸.    
۱۱. المغني؛ لابن قدامة، ج۱، ص۶۳.
۱۲. الشرح الكبير المطبوع ضمن المغني، ج۱، ص۵۸- ۵۹.
۱۳. الانصاف، ج۱، ص۸۱.
۱۴. المنتهى، ج۳، ص۳۲۵.    
۱۵. المغني، ج۱، ص۶۳.
۱۶. الشرح الكبير المطبوع ضمن المغني، ج۱، ص۵۸.
۱۷. الامّ، ج۱، ص۱۰.
۱۸. المجموع، ج۱، ص۲۵۱.
۱۹. البيان، ص۱۳.    
۲۰. البيان، ص۴۳.    
۲۱. الدروس، ج۱، ص۱۲۸.    
۲۲. الذكرى، ج۱، ص۱۴۸.    
۲۳. الموجز، الرسائل العشر، ج۱، ص۴۲.    
۲۴. جامع المقاصد، ج۱، ص۱۹۲.    
۲۵. المدارك، ج۲، ص۳۸۱.    
۲۶. الذخيرة، ج۱، ص۱۷۴، س ۴.    
۲۷. كشف اللثام، ج۱، ص۴۹۴.    
۲۸. مصباح الفقيه،، ج۸، ص۳۶۱.
۲۹. الدرة النجفية، ج۱، ص۱۸.
۳۰. الهداية (مخطوط) ۱۷، س ۷.
۳۱. مفتاح الكرامة، ج۲، ص۲۵۸- ۲۵۹.    
۳۲. كشف الغطاء، ج۱، ص۳۴۳- ۳۴۴.
۳۳. لوامع الأحكام، مخطوط، ج۱، ص۲۱۸- ۲۱۹.
۳۴. جواهر الكلام، ج۶، ص۳۳۲- ۳۳۴.    
۳۵. نجاة العباد ۳۴.
۳۶. مصباح الفقيه، ج۸، ص۳۶۱.
۳۷. العروة الوثقى، ج۱، ص۳۱۲- ۳۱۳، م ۱۴.    
۳۸. وسيلة النجاة، ج۱، ص۱۳۷، م ۵.
۳۹. تحرير الوسيلة، ج۱، ص۱۳۴، م ۵.    
۴۰. هداية العباد، ج۱، ص۱۲۴، م ۶۳۰.    
۴۱. منهاج الصالحين (الحكيم)، ج۱، ص۴۷، التعليقة رقم۷۴.
۴۲. منهاج الصالحين (الخوئي)، ج۱، ص۱۲۸.    
۴۳. منهاج الصالحين (الحكيم)، ج۱، ص۴۷، التعليقة رقم۷۴.
۴۴. الفتاوى الواضحة، ج۱، ص۷۹.    
۴۵. الطهارة (الخميني)، ج۳، ص۵۱۹- ۵۲۱.    
۴۶. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۳، ص۲۹۸- ۲۹۹.    
۴۷. العروة الوثقى، ج۲، ص۲۰۰، م ۱.    
۴۸. العروة الوثقى، ج۲، ص۲۰۰،التعليقة رقم ۷.    
۴۹. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۳، ص۳۴۲- ۳۴۳.    




الموسوعة الفقهية، ج۱، ص۳۵۰-۳۶۱.    



جعبه ابزار