الحقوق التي تورث بعنوان أنها حق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
تقسّم الحقوق إلى ما يورث بعنوانه، وما يورث بتبع متعلّقه، وما لا يورث لمانع، أو لتعلّقه بعنوان خاصّ، أو لأجل أنّ مرجعه إلى الحكم، والحقوق التي تورث بعنوان أنّها حقّ منها: حقّ الخيار، حقّ
الإقالة ، حقّ الشفعة، حقّ السكنى والعمرى والرقبى، حقّ القصاص، و... .
•
إرث حق الخيار ، الحقوق تورث، لأنها ممّا يصدق عليها عنوان تركة الميّت، والدليل على صدق تركة الميّت عليه هو تعريفه وطبع الحقّ يقتضي جواز إسقاطه ونقله، والخيار بأنواعه حقّ من الحقوق، فإذا مات من له الخيار انتقل إلى وارثه من غير خلاف لدى الفقهاء، بل ظاهر عباراتهم
الإجماع عليه.
قال المحقّق النجفي: «هي ( الإقالة ) عندنا فسخ في حقّ المتعاقدين أو ورثتهما، بناءً على قيامهم مقامهما في ذلك، كما صرّح به في
التذكرة ».
وهذا هو مختار
السيّد الحكيم ، فإنّه قال: «في قيام وارث المتعاقدين مقام المورّث في صحّة
الإقالة إشكال وإن كان أقرب».
ولم يرد عليه تعليق من
السيّد الشهيد الصدر ، فيظهر أنّه موافق له.
ولكن استشكل
السيد الخوئي في قيام الوارث مقام المورِّث أوّلًا، ثمّ استظهر عدم قيامهم مقام المورِّث،
وعلّله بأنّه لا دليل عليه؛ لأنّ الإقالة نوع من الفسخ، وفسخ العقد يحتاج إلى دليل.
وهذا هو مختار الإمام الخميني.
وأضاف السيد الخوئي بأنّه: «تجوز
الاستقالة من الوارث والإقالة من الطرف الآخر».
واستدلّ لكونه موروثاً بما يلي:
أوّلًا: أنّ الخيار الذي هو فسخ العقد من طرف واحد قابل للإرث
بالاتّفاق ، فلا بدّ أن تكون الإقالة قابلة له بالأولويّة؛ لأنّها تراضٍ من الطرفين على الفسخ.
وثانياً: ما دام تلف أحد المبيعين غير مانع عن الإقالة فبالأولويّة لم يكن موت أحد المتبايعين مانعاً عنها؛ لأنّ ماهيّة المعاملات قائمة بالعوضين لا المتعاملين.
اختلف الفقهاء في أنّ الشفعة تورث أم لا؟
فذهب المشهور
- ومنهم
الشيخ المفيد و
السيّد المرتضى و
الشيخ الطوسي وغيرهم- إلى أنّها تورث؛
لأنّها من الحقوق، فتكون مشمولة لعموم آيات
الإرث الدالّة على إرث ما ترك، وحقّ
الشفعة ممّا تركه الميّت.
وتشملها النصوص خصوصاً النبوي المعروف: «ما تركه الميّت من حقّ فلوارثه».
وقوّى هذا القول السيّد الحكيم،
واستشكل فيه السيدان الخميني والخوئي.
وذهب الشيخ- في قول آخر له- إلى أنّها لا تورث، وتبعه ابنا البرّاج وحمزة و
الطبرسي .
واستند في ذلك إلى رواية
طلحة بن زيد عن
الإمام الصادق عن أبيه عن
عليّ عليهم السلام ، قال: «لا شفعة إلّا لشريك غير مقاسم، وقال: إنّ
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يشفع في الحدود، وقال: لا تورث الشفعة».
وردّت الرواية بأنّها ضعيفة؛ لأنّ راويها- وهو طلحة بن زيد- بتريٌّ»، وعلى القول بأنّ حديث طلحة من القوي أو الموثّق؛ لأنّ كتابه معتمد وداخل تحت
إجماع العدّة وأنّ صفوان يروي عنه، مع ذلك لا يجدي؛ لأنّها مورد
إعراض كثير من الفقهاء
- كما تقدّم- فهي غير صالحة للاستدلال.
ثمّ إنّه يمكن المناقشة في القول بإرث الشفعة و
الاستدلال له بأدلّة إرث ما ترك بأنّه مبنيّ على كون جواز الأخذ بالشفعة من الحقوق المتروكة وهذا غير معلوم، بل يحتمل أن تكون من الأحكام كجواز رجوع الواهب في هبته، وعليه لا يمكن الرجوع إلى عمومات أدلّة الإرث ما لم يحرز أنّه حقّ متروك.
هذا مضافاً إلى أنّ ما دلّ على تعيين سهام الورّاث كيف يشمل الحقوق بعد فرض أنّ الحقوق امور بسيطة؟! إلّا أن يقال بإمكان
استفادة الحقّية من رواية طلحة نفسها حيث إنّ التعبير بقوله: «لا تورث الشفعة» يناسب القابليّة للوراثة، والقابليّة لذلك لا يناسب الحكم، بل يناسب الحقّ، لكنّ الرواية لم يأخذ بها المشهور.
ثمّ إنّه هل ترث الزوجة من حقّ الشفعة المتعلّق
بالأرض على فرض أخذها بالشفعة و
انتقال الأراضي إلى الورثة أم لا؟
تقدّم الكلام في ذلك في إرث الخيار.
لو أعطى المالك حقّ
الإسكان في ملكه لمدّة معيّنة أو إلى نهاية الحياة لشخص، فصار الشخص بذلك صاحب حقّ بعد توفّر شروطه، فإن لم يستوف حقّه ومات انتقل الحقّ إلى ورثته
ما دام لم يشترط المباشرة و
الاختصاص ،
وإلّا لم ينتقل.
لا خلاف بين الفقهاء في أنّ القصاص يورث، ولكنّهم اختلفوا في وارثه، فذهب أكثرهم
إلى أنّه من يرث المال، من غير فرق بين
الذكور و
الإناث المتقرّبين بأنفسهم إلى الميّت، أو بالذكور أو بالإناث.
واستدلّوا له بعمومات أدلّة الإرث من آية اولي
الأرحام وغيرها، و
إطلاق قوله تعالى: «وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً»
- بناءً على
إرادة الوارث من الولي فيها- وغيرها، وبالنصوص الواردة في القصاص.
واستثنوا الزوج والزوجة، فلم يورّثوهما؛ وعلّلوا ذلك بأنّهما لا يستحقّان القصاص إجماعاً بقسميه.
وذهب الشيخ- في قول آخر له- إلى أنّه يرث القصاص من يرث المال من العصبة دون الزوج، ومن يتقرّب بالامّ،
وادّعى عليه الحلّي في موضع من
السرائر عدم الخلاف،
وهو مختار
المحقّق الحلّي .
وهناك قول آخر في المسألة: وهو أنّه يرث القصاص من يرث المال من الرجال دون النساء والزوج ومن يتقرّب بالامّ، نسبه في
الشرائع إلى القيل حيث قال: «وقيل: ليس للنساء وإن تقرّبن بالأب عفو ولا قود».
وفي الجواهر: «لم أعرف القائل به وإن حكي عن
المبسوط وكتابي الأخبار، إلّا أنّي لم أتحقّقه. نعم، عن
المهذّب و
الإيجاز وجنايات الخلاف أنّه لا يرث الدية النساء ممّن يتقرّب بالأب، كما لا يرثها من يتقرّب بالامّ مطلقاً، ومن المعلوم أولويّة القصاص من ذلك».
ورواه
علي بن الحسن بن فضّال بسنده عن
أبي العباس أنّه قال للإمام الصادق عليه السلام: هل للنساء قود أو عفو؟ قال: «لا، وذلك للعصبة».
لكنّ الشيخ بعد أن روى هذه الرواية قال: «قال علي بن الحسن (بن فضال): هذا خلاف ما عليه أصحابنا».
وفي الجواهر: «هو كذلك بل خلاف مقتضى الأدلّة أيضاً».
لكن مع ذلك كلّه اختاره السيّد الخوئي- خلافاً للمشهور- حيث قال: «يتولّى القصاص من يرث المال من الرجال دون الزوج ومن يتقرب بالامّ، وأمّا النساء فليس لهنّ عفو ولا قود»، واستدلّ على ذلك بمعتبرة أبي العبّاس.
مجيباً عمّا ذكره
الشهيد الثاني من ضعفها من حيث السند
بأنّ الرواية وإن رواها الشيخ بطريقه إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، وفي الطريق
عليّ بن محمّد بن الزبير ، ولم يرد في حقّه مدح ولا توثيق، إلّا أنّ المخبر بجميع كتب ابن فضّال إلى الشيخ و
النجاشي شخص واحد، وهو
أحمد بن عبدون ، فالكتب التي كانت عند الشيخ هي بعينها الكتب التي كانت عند النجاشي، وبما أنّ للنجاشي إلى تلك الكتب طريقاً آخر معتبراً فلا محالة تكون رواية الشيخ أيضاً معتبرة.
وأمّا ما قاله الشيخ بعد نقله الرواية؛ ولعلّه لأجله حملها صاحب الوسائل على
التقيّة .
ففيه: أنّه لا وجه للحمل على التقيّة بعد ما لم تكن الرواية معارضة أو مخالفة للإجماع القطعي، غاية
الأمر أنّها مخالفة للمشهور، وهو لا يستلزم طرحها وحملها على التقيّة، ولا سيّما إذا كان مثل الشيخ عاملًا بها، بل يظهر ذلك من كلّ مَن منع النساء عن إرث الدية، فإنّها إذا كانت لم ترث من الدية لم تستحقّ القصاص بطريق أولى.
ثمّ إنّه هناك كلام وخلاف بين الفقهاء في جواز المبادرة إلى القصاص وعدم جوازها إلّا بعد
إذن الإمام، وكذا في جواز
الاقتصاص لكل واحد من الأولياء مستقلّاً وعدم جوازه إلّا بإذن الباقين، تفصيله في محاله من مصطلح (قصاص).
إلّا أنّ ممّا ينبغي ذكره هنا ما ذهب إليه السيد الخوئي قدس سره في المسألة الثانية من التفريق بين حق القصاص الثابت
ابتداء للولي وحق القصاص الموروث في
الانحلال على الأولياء في الأوّل وعدمه في الثاني، فإنّه بعد أن اختار جواز الاقتصاص لكل واحد من الأولياء مستقلّاً وبدون إذن الباقين وفاقاً لجماعة من الفقهاء؛ مستدلّاً عليه بقوله تعالى: «وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً»
بتقريب أنّ الحكم المجعول لطبيعي الولي ينحل بانحلاله فيثبت لكل فرد حقّ مستقل كما هو الحال في كل موارد انحلال الحكم بانحلال موضوعه.
ولا يقاس ذلك بحقّ الخيار فإنّه حقّ واحد ثابت للمورث والوارث يتلقى منه هذا الحق الواحد فلا محالة يكون ذلك لمجموع الورثة بما هو مجموع، وهذا بخلاف حقّ الاقتصاص، فإنّه مجعول للولي ابتداءً فيتبع في كونه حقاً واحداً أو متعدداً دلالة دليله، وكذا بعد الاستدلال عليه ببعض الروايات مع رد الروايات الدالة على خلاف ذلك بأنّها موافقة للعامة فتحمل على التقية- بعد ذلك كلّه- قال: « ما ذكرناه من الانحلال إنّما هو فيما إذا كان حقّ الاقتصاص مجعولًا ابتداءً للأولياء، وأمّا إذا كان مجعولًا لهم من جهة الإرث و
الانتقال من الميت كما إذا قطع الجاني يد أحد متعمداً فمات المجني عليه قبل الاقتصاص اتفاقاً فإنّ حقّ القصاص ينتقل إلى الورثة لا محالة، وبما أنّه حق واحد فيثبت لمجموع الورثة كحق الخيار، ويترتب على ذلك سقوطه باسقاط واحد منهم وعدم جواز الاقتصاص بدون إذن الآخرين.»
لو قذف الزوج زوجته فحقّ حدّ القذف ينتقل إلى وارثها، كما صرّح به غير واحد من الفقهاء،
وكذا حقّ
اللعان ، بناءً على رأي جماعة من الفقهاء، وبمقتضى بعض النصوص.
واستشكل
الإمام الخميني في إرث اللعان.
لو فرض أنّ صيّاداً نصب شبكته
لاصطياد السمك ثبت له بنفس هذه العمليّة حقّ الحيازة، فلو مات بعد ذلك وقبل أن يصيد شيئاً، ينتقل الحقّ إلى ورثته،
بناءً على
الأصل المتقدّم من أنّ كلّ حقّ يورّث إلّا ما خرج بالدليل، فيشمله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما تركه الميّت من حقّ فلوارثه».
و قد تقدم في
الميراث بولاء العتق.
إذا شقّ نهراً في
أرض مباحة، أو حفر
بئراً ، أو قام بعمليّة التحجير فيها، ولكنّه لم يتمّ العمليّة، بأن لم يصل إلى الماء، ولم يجرِ الماء في النهر، فقد ثبت له بذلك حقّ
الأولويّة ، وليس لأحد أن يزاحمه، ولكن لو مات حينئذٍ هل ينتقل إلى ورثته؟
اختار الإمام الخميني موروثيّة حقّ
التحجير ؛ لأنّه حقّ قابل للنقل والانتقال،
وعندئذٍ لو كانوا متعدّدين يرث كلّ واحد منهم بمقدار نصيبه من
الإرث .
ولكن نفى السيّد الخوئي موروثيّته، وعلّله بأنّه حكم شرعي غير قابل للانتقال.
ذهب المشهور
إلى أنّه لو مات الموصى له قبل قبوله أو ردّه الوصيّة قام وارثه مقامه في ذلك، فله القبول أو الردّ ما لم يرجع الموصي عن وصيّته.
وصرّح بعضهم بأنّه على ذلك انعقد عمل الفقهاء، كما ادّعى صاحب الجواهر أنّه لم أجد خلافاً محقّقاً في المسألة.
والدليل عليه- مضافاً إلى
أصالة بقاء الوصيّة للموصى له، فتكون حقّاً من حقوقه ينتقل إلى ورثته
-: رواية
محمّد ابن قيس عن
الإمام الباقر عليه السلام قال: «قضى
أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى لآخر والموصى له غائب، فتوفّي الموصى له- الذي اوصي له- قبل الموصي، قال: الوصيّة لوارث الذي اوصي له، قال: ومن أوصى لأحد شاهداً كان أو غائباً فتوفّي الموصى له قبل الموصي، فالوصيّة لوارث الذي اوصي له، إلّا أن يرجع في وصيّته قبل موته».
ولم يفرّق المشهور
بين أن يموت الموصى له في حياة الموصي أو بعد وفاته، ولم ينقل فيه خلاف إلّا من
ابن الجنيد ، فقد حكي عنه أنّه قال: «لو كانت الوصيّة لأقوام بعينهم مذكورين مشار إليهم، كالذي يقول: لولد فلان هؤلاء، فإن ولد لفلان غيرهم لم يدخل في الوصيّة، وإن مات أحدهم قبل موت الموصي بطل سهمه».
ووافقه عليه العلّامة في المختلف،
وعلّق عليه في التذكرة بالقول: «وهو يعطي
بطلان الوصيّة إذا مات الموصى له قبل الموصي».
واختار الرأي المشهور عدّة من أعلام العصر.
وقال السيد الشهيد الصدر: «بل الصحيح أنّه إذا مات بعد وفاة الموصي فالمال للوارث، سواء ردّ أم لم يردّ؛ لكونه له بالإرث لا بالوصيّة، وإذا مات في حياة الموصي انيط انتقال المال إلى الوارث بعد موت الموصي بعدم ردّه، فإن لم يردّ كان له، سواء قبل أم لا».
لو التقط شخص شيئاً قابلًا للتملّك، فمات قبل أن يتملّك ينتقل حقّ التملّك إلى وارثه.
ونوقش فيه بأنّ حقّ
الالتقاط - بمعنى قيام الورثة مقامه في أحكام اللقطة- غير ثابت، وفي الموارد التي ثبت حقّ التملّك فيها ينتقل هذا الحقّ إلى الوارث، ومع ذلك لم يكن خالياً عن
الإشكال ، و
الأحوط وجوباً أن لا يتملّكه.
ولو مات المورّث قبل تعريفه فلا حقّ لوارثه، بل الظاهر أنّه يندرج في مجهول المالك.
والمشهور
أنّ وارث الملتقط يتخيّر بين تملّكه، أو التصدّق عن مالكه، أو حفظه للمالك كما هو الحكم في الملتقط نفسه بعد التعريف. وهذا هو مختار عدّة من أعلام العصر.
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۳۹۴- ۴۱۳.