الحلْق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
إذا ذبح الحاج هديه وجب عليه الحلق و
التقصير ، فإذا فرغ من الذبح فهو مخير، إن شاء حلق وإن شاء قصر، والحلق أفضل.
(وأما الحلق) وفي معناه
التقصير (فـ) هو واجب على (الحاج) بالإجماع والنصوص.
والقول باستحبابه كما عن الشيخ في
التبيان في نقل،
وفي النهاية في آخر
شاذّ مردود، كما في كلام جمع،
مشعرين بدعوى
الإجماع ، كما صرّح به بعضهم.
وهو (مخيّر بينه وبين التقصير) مطلقاً (ولو كان صرورة) لم تحجّ بعد (أو ملبِّداً) وهو من يجعل في رأسه عسلاً أو صمغاً لئلاّ يتّسخ أو يقمل (على الأظهر) عند الماتن والأكثر كما في كلام جمع.
ومستندهم غير واضح، عدا
الأصل ، وإطلاق قوله تعالى : (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)
وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «وللمقصِّرين».
وضعفهما في غاية الظهور، سيّما في مقابلة ما سيأتي من النصوص.
والأظهر تعيّن الحلق عليهما، كما عن
النهاية والمبسوط والوسيلة،
وعن المقنع والتهذيب والجامع
مع المعقوص، وعن المقنعة والاقتصاد والمصباح ومختصره والكافي
في
الصرورة . للنصوص المستفيضة، وفيها الصحاح وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح : «إذا عقص الرجل رأسه أو لبّده في
الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق».
وفيه : «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق، وليس لك التقصير، وإن أنت لم تفعل فمخيّر لك التقصير والحلق في الحج، وليس في
المتعة إلاّ التقصير».
وفيه : «ينبغي للصرورة أن يحلق، وإن كان قد حجّ فإن شاء قصّر وإن شاء حلق، فإذا لبّد شعره أو عقصه فإنّ عليه الحلق وليس له التقصير».
وهذه الأخبار صريحة في الوجوب على الملبِّد والمعقوص، كالخبر : «ليس للصرورة أن يقصّر»
وآخر : «إن لم يكن حجّ فلا بدّ له من الحلق»
في الوجوب على الصرورة. لكن لفظة «ينبغي» في الصحيحة الأخيرة ربما تعطي
الاستحباب فيه، إلاّ أن الظاهر منها أن المراد بها الوجوب، بقرينة قوله : «وإن كان قد حجّ فإن شاء» إلى آخره، فإنّ مفهومه نفي المشيئة عن الذي لم يحجّ وهو الصرورة، وهو نصّ في الوجوب، فإنّ الاستحباب لا يجامع نفي المشيئة. ويعضده الروايتان الأخيرتان المنجبر ضعف إسنادهما بفتوى هؤلاء العظماء من القدماء.
(و) حيثما تخيّر ف (الحلق أفضل) إجماعاً كما عن التذكرة،
وفي
المنتهى : لا نعلم فيه خلافاً؛
للصحاح وغيرها.
•
تقصير المرأة، التقصير متعيّن على
المرأة .
•
محل الحلق والتقصير، (والمحلّ) لهما (بمنى، و) عليه ف (لو رحل قبله) ولو جاهلاً أو ناسياً (عاد) إليه (للحلق أو التقصير) مع
الإمكان .
(ومن ليس على رأسه شعر) خلقة أو لحلقه في
إحرام العمرة (يجزئه إمرار
الموسى ) عليه كما في الخبر.
وظاهر
الإجزاء فيه وفي العبارة عدم وجوب التقصير ولو مع إمكانه مطلقاً. وهو مشكل حيثما يتخير الحاج بينه وبين الحلق؛ لأن تعذّر الحلق بفقد الشعر يعيّن الفرض الآخر. والخبر ضعيف السند، مضافاً إلى قوة
احتمال أن يكون المراد بالإجزاء الإجزاء عن الحلق الحقيقي الذي هو
إزالة الشعر ، لا الإجزاء عن مطلق الفرض. فالوجه وفاقاً لجماعة
تعيّن التقصير من
اللحية أو غيرها، مع استحباب إمرار الموسى، كما عليه الأكثر، ومنهم الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع.
نعم، إن لم يكن له ما يقصّر منه، أو كان صرورة، أو ملبِّداً، أو معقوصاً، وقلنا بتعيّن الحلق عليهم اتّجه وجوب
الإمرار حينئذ؛ عملاً بحديث : «الميسور لا يسقط بالمعسور»
و: «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه»
المؤيد بالخبر المتقدم، فإنّ ظاهره الورود في الصرورة، فتدبّر. وعليه يحمل
إطلاق الخبر الآخر : عن المتمتع أراد أن يقصّر فحلق رأسه، قال : «عليه دم يهريقه، فإذا كان يوم
النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق»
بحمله على الصرورة، أو يحمل
الأمر فيه على الاستحباب.
(ولا) يجوز أن (يزور
البيت لطواف الحج إلاّ بعد الحلق أو التقصير) بغير خلاف ظاهر، مصرّح به في جملة من العبائر،
فإن تمّ إجماعاً، وإلاّ فظاهر الصحيح المتقدم وغيره المتضمنين للفظتي «لا حرج» و «ينبغي» كالصحيح الآتي المتضمن للفظة «لا ينبغي» أيضاً خلافه، ولا ينافيه
إيجاب الدم في الأخير؛ لإمكان الحمل على الاستحباب. لكن لا خروج عمّا عليه الأصحاب.
وعليه (فلو طاف قبل ذلك عمداً لزمه دم شاة) فيما قطع به الأصحاب كما قيل،
وعزاه في
الدروس إلى الشيخ والأتباع؛
للصحيح : في رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال : «إن كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم أنّ ذلك لا ينبغي فإنّ عليه دم شاة».
وظاهره كالمتن وغيره من عبائر الأكثر على الظاهر، المصرَّح به في عبارة بعض،
أنه لا يجب إعادة الطواف ، وبه صرّح الصيمري، وعزاه في الدروس إلى الشيخ والأتباع.
خلافاً لجماعة من متأخري المتأخرين فأوجبوا إعادته،
ومنهم شيخنا في الروضة، مدّعياً عليه الوفاق،
ويعضده الأصل والقاعدة، فإن
الطواف المأتي به قبل التقصير منهي عنه فيكون فاسداً، ولا يتحقق به
الامتثال .
والصحيح ليس نصّاً في عدم الوجوب، فيحتمل حمله على مفاد القاعدة. مع أنه معارض بصحيح آخر : عن
المرأة رمت وذبحت ولم تقصّر حتى زارت البيت، فطافت وسعت من الليل، ما حالها؟ وما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال : «لا بأس به، يقصّر ويطوف للحج، ثم يطوف للزيارة، ثم قد أحلّ من كلّ شيء».
وتنزيل هذا على ما يؤول إلى الأول بحمله على غير العامد و
إبقاء الأول على ظاهره من عدم وجوب
الإعادة ليس بأولى من العكس، وإبقاءِ هذا على عمومه وحمل الأول على خلاف ظاهره. وبالجملة : التعارض بينهما كتعارض العموم والخصوص من وجه، يمكن صرف كلّ منهما إلى الآخر، وحيث لا مرجّح ينبغي الرجوع إلى مقتضى الأصل، وهو وجوب الإعادة كما مرّ.
(ولو كان ناسياً لم يلزمه شيء وأعاد طوافه) على المعروف من مذهب الأصحاب، كما في
المدارك ،
مشعراً بدعوى الوفاق. مع أن ظاهر عبارة الماتن في الشرائع والفاضل في
المختلف والصيمري
وجود الخلاف من الصدوق في الفقيه في وجوب إعادة الطواف؛ لروايته الصحيح : عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال : «لا ينبغي إلاّ أن يكون ناسياً».
لكنه غير صريح في عدم وجوب الإعادة، مع أنه معارض بالصحيحة الثانية المتقدمة، فإنها بإطلاقها شاملة لمفروض المسألة، بل وللجاهل أيضاً كما عليه جماعة،
وهي أقوى دلالة، فالمصير إليها أقوى مع كونها أشهر جدّاً. ويدلُّ على وجوب الدم عليه وعلى الجاهل ظاهر المفهوم المعتبر في الصحيح الأول. وهل يجب إعادة
السعي حيث يجب إعادة الطواف؟ قولان أجودهما الأول، عملاً بما مرّ من القاعدة والأصل.
رياض المسائل، ج۶، ص۴۷۳- ۴۸۴.