الزكاة في الذهب والفضة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو الحق الواجب في
نصاب الذهب والفضة بعد
بلوغ الحول عليه.
(ويشترط في الوجوب) فيهما زيادةً على الشروط العامّة (النصاب والحول) بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى،
بل
إجماعهم كما في المدارك في الثاني.
ولا شبهة فيهما؛ لما مضى ويأتي.
(وكونهما منقوشين بسكة المعاملة) الخاصّة بكتابة وغيرها، بلا خلاف فيه بين علمائنا ظاهراً، بل عليه إجماعهم في صريح الانتصار والمدارك وغيرهما،
ونصوصهم به مستفيضة جدّاً كما ستقف عليها إن شاء الله تعالى.
وصرّح جماعة منهم
الأردبيلي في
مجمع الفائدة وصاحب المدارك والسبزواري
بأنّه لا يعتبر التعامل بهما فعلاً، بل متى تعومل بهما وقتاً ما تثبت الزكاة فيها وإن هجرت؛ ولم أَرَ فيه خلافاً.
وربما يعضده بعض النصوص : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّي كنت في قرية من قُرى خراسان، فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضّة وثلث مِسّاً وثلث رصاصاً، وكانت تجوز عندهم، وكنت أعملها وأُنفقها، قال، فقال : «لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم» قال، قلت : أرأيت إن حال عليها الحول وهي عندي وفيها ما تجب فيه
الزكاة أُزكّيها؟ قال : «نعم، إنّما هو مالك» قلت : فإنّي أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها، فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أُزكّيها؟ قال : «إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضة الخالصة ما تجب عليك فيه الزكاة فزكّ ما كان لك فيها من الفضة الخالصة ودَعْ ما سوى ذلك من الخبث» قلت : وإن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلاّ أنّي أعلم أنّ فيها ما تجب فيه الزكاة، قال : «فاسبكها حتى تخلص الفضة ويحترق الخبث ثم تزكّي ما خلص من الفضة لسنة واحدة».
وضعف السند مجبور بالعمل، والموافقة
لإطلاق ما دلّ على ثبوت الزكاة في النقد المنقوش.
مضافاً إلى إطلاق ما دلّ على ثبوتها في الذهب والفضة مطلقاً، خرج نحو السبائك والنقار ممّا لم ينقش أصلاً إجماعاً، فتوًى ونصّاً، وبقي غيره داخلاً، فتأمّل جدّاً.
مع أنّ في جملة من النصوص : «إنّما هي على الدنانير والدراهم»
وهما عامّان يتناولان المفروض ولو لم يتبادر منهما.
ويستفاد من الرواية أنّه لا زكاة في المغشوش منهما ما لم يبلغ الصافي نصاباً، فتجب فيه خاصّة. ولا خلاف فيهما بين أصحابنا ظاهراً، ويفهم من الخلاف والمنتهى،
وصرّح به بعض متأخّرينا كالأردبيلي في مجمع الفائدة،
وبالوفاق غيرهما؛
وهو الحجّة الجابرة لضعفها مضافةً إلى عموم الأدلّة على نفيها عمّا لم يبلغ منهما نصاباً وثبوتها فيما بلغه منهما، وإن كان ربما يستشكل في هذا (بأنه إنَّما تجب فيهما إذا كانتا مسكوكتين دراهم ودنانير، ومعلوم أن المسكوك ليس بدنانير ولا دراهم، ووجودهما في المسكوك منهما ومن غيرهما غير معلوم كونه موجباً للزكاة. ذكر هذا الإشكال المقدس الأردبيلي (رحمه الله) لكنه قال : إلاّ أنَّ الظاهر أنه لا قائل بعدم الوجوب ، قال : ويدلُّ عليه رواية زيد الصائغ ، ثم ساقها كما قدمنا ثم قال : ولا يضرّ عدم صحة السند ، للتأيد بالشهرة بل عدم الخلاف عندهم على الظاهر. منه عفي عنه وعن والديه)
لكنّه ضعيف جدّاً.
ومنه يظهر وجه ما في المنتهى وغيره : أنه لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب أو بالعكس وبلغ كلّ من الغشّ والمغشوش النصاب وجب الزكاة فيهما.
ويجب الإخراج من كلّ جنس بحسابه إن علم، وإلاّ توصّل إليه بالسبك إن لم يتسامح المالك بما يحصل له به يقين البراءة، وفاقاً للمحكي عن الشيخ وجماعة؛
تحصيلاً للبراءة اليقينية، والتفاتاً إلى ظاهر الرواية المتقدمة المنجبر ضعفها بالقاعدة.
خلافاً للفاضلين وجماعة ممّن تأخّر عنهما،
فاستوجهوا الاكتفاء بما يتيقّن اشتغال الذمّة وطرح المشكوك فيه؛ عملاً بأصالة
البراءة ، وبأنّ الزيادة
كالأصل ، وكما تسقط الزكاة مع الشك في بلوغ الصافي النصاب، فكذا تسقط مع الشك في بلوغ الزيادة نصاباً آخر.
وفي الدليلين نظر، أمّا الأوّل : فلعدم جريانه إلاّ فيما لم يثبت فيه تكليف أصلاً، أما ما يثبت فيه ولو مجملاً فلا، بل لا بُدّ فيه من تحصيل البراءة اليقينية عملا
بالاستصحاب .
وبه يظهر ضعف الثاني، وأنّه قياس مع الفارق، وهو تيقّن التكليف ولو بالمجمل في الفرع وعدمه مطلقاً في الأصل.
مع أنّه يمكن المناقشة في حكمه (وهو عدم وجوب الزكاة) : بعدم دليل عليه غير ما يقال : من أنّ بلوغ النصاب شرط ولم يعلم حصوله، فأصالة البراءة لم يعارضها شيء.
وفيه : أنّ مقتضى الأدلّة وجوب الزكاة في النصاب، وهو اسم لما كان نصاباً في نفس الأمر من غير مدخلية للعلم به في مفهومه، وحينئذٍ فيجب تحصيل العلم والتفحص عن ثبوته وعدمه في نفس
الأمر ولو من باب المقدمة.
لكن ظاهر كلمة مَن وقفت عليه من الأصحاب
الإطباق على عدم الوجوب هنا، فإن تمّ إجماعاً، وإلاّ فالأحوط الاستعلام، أو إخراج ما تيقّن معه بعدم اشتغال الذمة، كما صرّح به بعض متأخّري المتأخرين،
وإن كان ما ذكروه لا يخلو عن قوة، لإمكان دفع المناقشة بما هنا ليس محلّه.
واعلم : أنّ لكلّ من النقدين نصابين (وفي قدر النصاب الأوّل من الذهب) بل الثاني منه أيضاً (روايتان)
(أشهرهما) أنّه (عشرون ديناراً) كما في جملة، أو عشرون مثقالاً كما في أُخرى، والمعنى واحد قطعاً، ويستفاد من بعضها أيضاً (ففيها عشرة قراريط) نصف دينار.
(ثم كلّما زاد أربعة) دنانير (ففيها قيراطان) عُشر الدينار ربع عُشرها مضافاً إلى ما في العشرين ديناراً من النصف.
ثم على هذا الحساب في كلّ عشرين نصف دينار، وفي كلّ أربعة بعدها قيراطان.
(وليس فيما نقص عن) العرين، وعن كلّ (أربعة زكاة).
وهي مع ذلك في الأوّل أي (مع الاشتهار في النصاب الأوّل) مستفيضة بل متواترة، وفيها الصحاح والموّثقات وغيرهما، وفي الثاني جملة من المعتبرة.
ففي الصحيح : «ليس على الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالاً، فإذا بلغ عشرين مثقالاً ففيه نصف مثقال، إلى أن يبلغ أربعة وعشرين ففيه نصف دينار وعُشر دينار، ثم على هذا الحساب حتى زاد على عشرين أربعة أربعة، ففي كلّ أربعةٍ عُشر، إلى أن يبلغ أربعين مثقالاً ففيه مثقال»، الحديث ذكره في ذيل صحيحة ابن سنان، والظاهر أنه ليس من تتمة الحديث بل من كلام الصدوق، ولعلّه لذا لم ينقله صاحب الوسائل. نعم، جعله العلاّمة في المختلف من تتمة الحديث.
ونحوه الموثق
وغيره، وفيه : «إذا جازت الزكاة العشرين ديناراً ففي كلّ أربعة دنانير عُشر دينار».
وفي الخلاف دعوى
الإجماع عليه مطلقاً أي : (ادّعى الإجماع على الرواية الاولى في النصاب الأوّل والثاني)،
وفي السرائر من المسلمين في الأوّل منهما ولم ينقل خلافاً في الثاني،
كالمتن والمنتهى مدّعياً فيه كونه مذهب علمائنا،
وبه صرّح أيضاً في المختلف والتنقيح
لكن مستثنى منهم والد الصدوق، قالا : فإنّه جعله أربعين مثقالاً، قال : وليس في النيّف شيء حتى يبلغ أربعين.
وظاهر غيرهما كالمتن وغيره كما مرّ اختصاص خلافه بالنصاب الأوّل، حيث جعله أربعين
استناداً إلى الرواية الثانية، وهي الموثقة : «في الذهب في أربعين مثقالاً مثقال» إلى أن قال : «وليس في أقل من أربعين مثقالاً شيء».
وهي لوحدتها وقصور سندها وشذوذها ومخالفتها الإجماع الآن قطعاً لا تصلح لمعارضة شيء ممّا قدّمنا، سيّما مع تأيّده بالإطلاقات كتاباً وسنّةً بوجوب
الزكاة في الذهب بقول مطلق، خرج منه ما نقص عن العشرين ديناراً بإجماع المسلمين كافّة، كما في المنتهى وغيره والأخبار جملة، وتبقى هي فما فوقها تحتها مندرجة، فينبغي طرحها، أو تخصيص الشيء المنفي فيها بالدينار الكامل خاصّة، حملاً للعام على الخاص، أو حملها على
التقية ، لكونها مذهب جماعة من العامة وإن قلّوا : (منهم ابن قدامة في المغني)،
جمعاً بين الأدلّة وتفادياً من الطرح بالكلية.
وربما جعل
منها الصحيح : قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهماً وتسعة وثلاثون ديناراً، أيزكيهما؟ قال : «ليس عليهما شيء من الزكاة في الدراهم، ولا في الدنانير حتى تتمّ أربعين، والدراهم مائتي درهم».
وفيه : أنه مروي في التهذيب هكذا، وأما في الفقيه فمري بمتن لا يخالف مختارنا، وهو تبديل تسعة وثلاثون ديناراً في السؤال بتسعة عشر ديناراً، مع الجواب بنفي الزكاة فيها حتى تتمّ.
وهذه النسخة لو لم نقل برجحانها لأضبطيّة المروية فيها وموافقتها لأخبارنا، فلا ريب أنها ليست بمرجوحة
بالإضافة إلى الأُولى، فغايتها التساوي، وهو قادح في الاستدلال جدّاً.
(ونصاب الفضة الأوّل) وهو صفة للنصاب، أي النصاب الأوّل للفضة : (مائتا درهم ففيها خمسة دراهم) ليس فيما نقص عنها شيء.
(و) الثاني : (كلّما زاد) على المائتين (أربعين) درهماً (ففيها) زيادة على الخمسة الدراهم مثلاً (درهم) وهكذا دائماً. (وليس فيما نقص عن الأربعين زكاة).
بلا خلاف في شيء من ذلك نصّاً
وفتوى، حتى ادّعى في المنتهى وغيره على النصاب الأوّل إجماع
المسلمين كافّة،
وجعل النصاب الثاني في الأوّل مذهب أصحابنا.
(والدرهم) الذي قدّر به المقادير الشرعية هنا وفي القطع والديات والجزية (ستة دوانيق) على ما صرّح به الأصحاب، من غير خلاف بينهم أجده، بل عزاه جماعة منهم إلى الخاصّة والعامة وعلمائهم،
مؤذنين بكونه مجمعاً عليه بينهم، وصرّح به أيضاً جماعة من أهل اللغة
(والدانق) بمقدار (ثمان حبّات من) أوساط حبّات (الشعير) فيما قطع به الأصحاب على الظاهر، المصرّح به في المدارك،
بل متّفق عليه بينهم، وصرّح به علماء الفريقين كما في رسالة الخال العلاّمة المجلسي ; في تحقيق الأوزان
وغيرهما؛ ونقلهم كافٍ في الحجة، وإن لم نقف لهم على حجّة، وبه اعترف جماعة.
لكن في الخبر بعد الحكم بأنّه ستّة دوانيق : «والدانق وزن ستّ حبّات، والحبّة وزن حبّتي شعير من أوسط الحبّ لا من صغاره ولا من كباره».
وهو مخالف لما ذكروه في وزن الدانق، لكنّه ضعيف السند بالجهالة، فلا تصلح للحجية، سيّما وأن يعترض به مثل ما عرفته.
وأشار بقوله : (يكون قدر العشرة) دراهم (سبعة مثاقيل) إلى بيان قدر المثقال وما به يحصل معرفة نسبة الدرهم، ويعلم منه أنّ المثقال درهم وثلاثة أسباع درهم، والدرهم نصف المثقال وخُمسه، فيكون العشرون مثقالاً في وزان ثمانية وعشرين درهماً وأربعة أسباع درهم، والمائتا درهم في وزان مائة وأربعين مثقالاً.
قال الخال العلاّمة : وهذه النسب مما لا شك فيها واتّفقت عليها العامّة والخاصة، كما ظهر مما أسلفناه في المقدمة الأُولى أي : (رسالة المقادير الشرعيّة للعلاّمة المجلسي (مخطوط))، انتهى.
ومن جملة ما ذكره في النسب التي نفى الشك فيها نسبة المثقال الشرعي إلى الصيرفي، فقال : هي ثلاثة أرباع الصيرفي، فالصيرفي هو مثقال وثلث من الشرعي.
أقول : ومن هنا يعلم نصاب الفضّة بهذه المحمّديات الجارية في هذه الأزمان المتأخّرة، حيث إن المحمدية منها كما قيل
وزن الدينار مثقال شرعي، فيكون النصاب الأوّل منها مائة وأربعين محمديةً.
(ولا زكاة في السبائك) أي قِطَع الذهب الغير المضروبة، وفي معناها قِطَع الفضة المعبّر عنها بالنُّقَر، وكذا التبْر المفسَّر تارةً بتراب الذهب قبل تصفيته، وأُخرى بما يرادف السبائك.
(ولا في الحُليّ) وإن كان محرّماً، بإجماعنا، والصحاح المستفيضة وغيرها من أخبارنا.
ففي الصحيح : «كلّ ما لم يكن ركازاً فليس عليك فيه شيء» قال، قالت : وما الركاز؟ قال : «الصامت المنقوش» ثم قال : «إذا أردت ذلك فاسبكه، فإنه ليس في سبائك الذهب ونِقار الفضة شيء من الزكاة».
وفيه : «ليس في نُقَر الفضة زكاة».
وفيه : عن المال الذي لا يعمل به ولا يقلب، قال : «تلزمه الزكاة إلاّ أن يسبك».
وفي الخبرين : «ليس في التبر زكاة، إنّما هي على الدنانير والدراهم».
وفي الصحاح وغيرها : عن الحُليّ فيه زكاة؟ قال : «لا» وزيد في بعضها : «ولو بلغ مائة ألف».
(و) أمّا ما في المرسل كالصحيح على الصحيح من أنّ : (زكاته) أي الحُليّ (إعارته)
فمحمول على
الاستحباب بلا خلاف.
(و) يستفاد من الصحيحة الأُولى وقريب منها الثالثة أنه (لو قصد بالسبك الفرار) من الزكاة (قبل الحلول لم تجب الزكاة) أيضاً، كما لم تجب مع عدم القصد إجماعاً فتوًى ونصّاً، وعليه أكثر المتأخّرين بل عامّتهم، وفاقاً للمفيد والحلّي،
ومن العماني
والقاضي،
والمرتضى في بعض كتبه كالمسائل الطبريّة على ما حكي عنها في السرائر والمنتهى،
والشيخ في النهاية وكتابي الحديث كما قيل؛
لذلك، مضافاً إلى
الأصل وإطلاق البواقي أي : (ما عدا الصحيحة الأُولى والثالثة)، وخصوص المعتبرة المستفيضة الأُخر.
منها : الصحيح : قلت له (رحمه الله) : رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضاً أو داراً، عليه فيه شيء قال : «لا، ولو جعله حُليّا أو نُقَراً فلا شيء عليه فيه، وما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ الله الذي يكون فيه».
والصحيح : في الذي جعل المال حُليّا أراد أن يفرّ به من الزكاة، أعليه الزكاة؟ قال : «ليس على الحُليّ زكاة، وما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه ومنعه نفسه فضله أكثر مما يخاف من الزكاة».
وفي جملة من المعتبرة المروية عن المحاسن والعلل : «لا تجب الزكاة فيما سبك فراراً من الزكاة، ألا ترى أن المنفعة قد ذهبت منه، فلذلك لا تجب الزكاة».
وقصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بالشهرة العظيمة المتأخّرة بل المطلقة كما حكاه جماعة؛
مضافاً إلى الأصل والإطلاقات وعموم : «كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه»
فيما إذا حصل الفرار بتبديل العين بغير الجنس، إذ لا قائل بالفرق كما يفهم من كلام المرتضى وغيره.
خلافاً لأكثر المتقدّمين على الظاهر، المصرّح به في بعض العبائر، فأوجبوها بالفرار، ومنهم : السيّدان في
الغنية والانتصار والمسائل المصرية الثالثة ، والشيخ في
الخلاف مدّعين عليه
الإجماع ؛ لجملة من المعتبرة، ومنها الموثّقان،
والقوي المروي في مستطرفات
السرائر صحيحاً
والرضوي.
وأجاب عنها المتأخّرون بقصور الإسناد، والحمل على الاستحباب أو الفرار بعد الحول، كما في الصحيح في
الكافي : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّ أباك قال : «من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها» فقال : «صدق أبي، عليه أن يؤدّي ما وجب عليه، وما لم يجب عليه فلا شيء عليه فيه» ثم قال لي : «أرأيت لو أنّ رجلاً أُغمي عليه يوماً ثم مات فذهب صلاته، أكان عليه وقد المتقدمة، مات أن يؤدّيها؟» قلت : لا، قال : «إلاّ أن يكون أفاق من يومه» ثم قال لي : «أرأيت لو أن رجلاً مرض في
شهر رمضان ثم مات فيه، أكان يصام عنه؟» قلت : لا، قال : «وكذلك الرجل لا يؤدّي عن ماله إلاّ ما (حال) عليه» بدل ما بين المعقوفين في النسخ : «حلّ» وما أثبتناه من المصدر.
وفي الحمل الأخير نظر؛ لعدم جريانه في نحو الصحيح وهو المروي في
مستطرفات السرائر : «إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة، وإن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة».
فإنّه متى جعل المقسم بعد تمام الحول ووجوب
الزكاة اقتضى سقوط الزكاة عمّن فعله ليتجمّل به، مع أنّه لا قائل به، بل الاتفاق على الوجوب. ولا جائز أن يُحمل الفرار على ما بعد الحول وقصد التجمّل على ما قبله، لتهافت الكلام على تقديره، فيجلّ عنه كلام الإمام الذي هو إمام الكلام.
مع أن هذا الحمل كالأوّل فرع رجحان الأخبار الأوّلة على الأخيرة. ولا يخلو عن مناقشة، بعد قوة احتمال جبر قصور
الإسناد بالشهرة القديمة المحققة والمحكيّة، سيّما وإن انضمّ إليها الإجماعات المزبورة في الكتب المسطورة، والمخالفة للعامّة.
ولذا احتمل المرتضى حمل ما خالفها على التقيّة، قال : لأن ذلك مذهب جميع المخالفين،
وحكى القول بمضمونها أيضاً في المنتهى عن الشافعي وأبي حنيفة،
ولا يقدح حكايته مضمون الأخبار المخالفة عن مالك وأحمد، فإنّ ما يوافق رأي أبي حنيفة أولى بالحمل على
التقية . وربما أشعر به الصحيحة الأخيرة، لتضمّنه نحو القياسات العامية.
وعلى هذا فتبقى المسألة في قالب الإشكال،
فالاحتياط فيها مطلوب على كلّ حال، وإن كان قول المتأخّرين لا يخلو عن رجحان، لكثرة ما يدلّ عليه من الأُصول والنصوص عموماً وخصوصاً، مع كون الشهرة المرجّحة لها أقوى من الشهرة المقابلة لها، لقربها من الإجماع، بل يمكن أن يكون إجماعاً دونها.
والإجماعات المحكية غير صريحة في نقله غير ما في الانتصار والمسائل المصرية، وربما يوهنه كإجماع الخلاف على تقدير صراحته مصير مدّعيه إلى خلافه ولو في بعض كتبه كالسيد في المسائل الطبريّة، والشيخ في النهاية.
واحتمال الحمل على
التقية في الأخبار الأولة وإن كان أرجح بما عرفته، إلاّ أنّه لا يبلغ المرجّحات المزبورة.
فقول المتأخّرين لا يخلو عن قوة، سيّما وأنّ
الأصل بعد التردّد في التكليف وعدمه كما نحن فيه على تقديره براءة الذمة، مضافاً إلى
استصحاب الحالة السابقة.
(ولو كان) فراره (بعد الحول لم تسقط) الزكاة إجماعاً فتوًى ونصّاً واستصحاباً.
(ومن خلّف لعياله نفقة قدر النصاب فزائداً لمدّة) كسنة وسنتين فصاعداً (وحال عليها الحول وجبت عليه زكاتها لو كان شاهداً) غير غائب (ولم تجب لو كان غائباً) للمعتبرة وفيها الموثق
والمرسل كالصحيح.
وبإطلاقها عمل الشيخان في المقنعة والنهاية وجماعة كالفاضلين وغيرهما،
حتى ادّعى عليه جماعة الشهرة كما نقلها عن تخليص التلخيص في مفتاح الكرامة،
وادّعاها صاحب الحدائق،
فإن تمّ شهرة جابرة، وإلاّ فهو محل مناقشة، لمعارضته بإطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة مع التمكن من التصرف وعدمه مع عدمه.
والتعارض بينهما وإن كان تعارض العموم والخصوص من وجه يمكن تقييد كلّ بالآخر، إلاّ أنّ الأخير لكثرته واعتضاده بالشهرة القطعية بل الإجماع من أصله أرجح، ولا كذلك الأوّل على ما ذكرناه من الفرض. وعليه فينبغي إرجاعه إليه بتقييد نفي الزكاة في صورة الغيبة التي هي محلّ النزاع والمشاجرة بصورة عدم التمكن من التصرف خاصّة، كما عن الحلّي في السرائر وربما يحكي عن جماعة ومنهم صاحب السرائر وما حكاه في
مفتاح الكرامة عن كشف الالتباس.
ولكن المسألة بعد محلّ إشكال، والاحتياط مطلوب على كلّ حال.
وعلى كلّ حال لا تجب الزكاة على العيال لو تركوه بحاله حولاً، لعدم الملك، فإنّ
النفقة إنّما تجب يوماً فيوماً.
(ولا يجبر جنس) مما تجب فيه الزكاة (بالجنس الآخر) منه بإجماع العلماء فيما عدا الحبوب والأثمان، وفيهما أيضاً بإجماعنا، صرّح بهما في المنتهى
وبالثاني في غيره
أيضاً؛ للأصل، وعموم ما دلّ على نفي الزكاة في كلّ جنس إذا لم يبلغ نصابه، وخصوص ما مرّ من بعض الصحاح.
وأما الخبر : قلت له : مائة وتسعون درهم وتسعة عشر ديناراً، أعليها في الزكاة شيء فقال : «إذا اجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلك مأتي درهم ففيها الزكاة».
فمع قصور سنده بل ضعفه وشذوذه غير صريح في المخالفة؛ لاحتماله الحمل على محامل أقربها التقيّة، كما ذكره شيخ الطائفة، قال : لأنّه مذهب العامة، واحتمل حمله على من جعل ماله أجناساً مختلفة كلّ واحد لا تجب فيه الزكاة فراراً من لزومها، قال : فإنّه متى فعل ذلك لزمته عقوبة؛
للموثق : عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير، أعليها زكاة؟ فقال : «إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة» قلت : لم يفرّ بها، ورث مائة درهم وعشرة دنانير، قال : «ليس عليه الزكاة» قلت : فلا تكسر الدراهم على الدنانير ولا الدنانير على الدراهم؟ قال : «لا».
قال في المدارك : هذا الحمل جيّد لو صحّ سند الخبرين، لكنّهما ضعيفا السند، فيتعيّن المصير إلى ما عليه الأصحاب من عدم الضمّ مطلقاً.
وفيه نظر، فإنّ صحة السند بمجرّدها غير كافية بعد وجود المعارض الصحيح الأقوى الدالّ على سقوط الزكاة بالفرار، كما مضى،
وبه أفتى هو أيضاً حاكياً له عن أكثر أصحابنا، وصرّح ثمة بأنّه لو صحّ سند ما دلّ على عدم السقوط بالفرار لوجب حملها على الاستحباب.
أقول : وعلى هذا فلا يتوجّه كلامه هنا.
رياض المسائل، ج۵، ص۶۳-۸۰.