الصلاة قبل الإحرام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يستحبّ
الإحرام عقيب
صلاة الفريضة أو
النافلة على المشهور
شهرة عظيمة كادت تكون اجماعاً،
وإن حكي عن
ابن الجنيد وجوبه؛ لظهور بعض الأخبار فيه، لكنه- كما سيأتي- محمول على
الندب .
مضافاً إلى
الأصل المعتضد بعدم الخلاف فيه.
قال الصدوق : «إن أحرمت في دبر المكتوبة فهو أفضل، وإن لم يكن وقت
المكتوبة صلّيت ركعتي الإحرام».
وقال المفيد : «وإن كان وقت فريضة وكان متّسعاً قدّم نوافل الإحرام... وهو أفضل، وإن لم يكن وقت فريضة صلّى ست ركعات».
وذكر نحوه
الشيخ الطوسي و
سلّار والعلّامة
وغيرهم،
و
مستندهم في ذلك صحاح
مستفيضة :
منها: صحيحة
معاوية بن عمّار عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام : «لا يكون الإحرام إلّا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد
التسليم ، وإن كانت نافلة صلّيت ركعتين وأحرمت في دبرهما».
ومنها: صحيحته الاخرى عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أيضاً قال: «إذا أردت الإحرام في غير وقت
صلاة فريضة فصلّ ركعتين ثمّ أحرم في دبرهما».
ومنها: خبره الثالث عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أيضاً قال: «صلّ المكتوبة ثمّ أحرم بالحجّ أو
بالمتعة ».
ونحوها رواية
الكناني ،
وموثّقة
ابن فضال .
وحينئذٍ يستحب
الإتيان بالإحرام عقيب الفريضة أو بعد ستّ ركعات أو ركعتين من النافلة على
اختلاف الروايات فيها، كما سيظهر من مطاوي عبارات
الفقهاء أيضاً.
الأفضل أن يكون الإحرام بعد فريضة
الظهر ،
تأسّياً
بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث كان إحرامه عقيب الظهر على ما ورد في صحيحة
الحلبي ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام أ ليلًا أحرم
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم نهاراً؟ قال: «بل نهاراً»، قلت: فأيّة ساعة؟ قال: «صلاة الظهر».
وكذا صحيحة
عبيد الله الحلبي ومعاوية بن عمّار جميعاً عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا يضرّك بليل أحرمت أو نهار، إلّا أنّ أفضل ذلك عند
الزوال ».
ونوقش فيه بأنّ ظاهر الخبر الأوّل كون السبب في إحرام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك الوقت قلّة الماء،
وأنّه إنّما يؤتى به بعد
الهجرة إليه في اليوم السابق في ذلك الوقت، ولذا لمّا سأل الراوي متى ترى أن نحرم؟ قال عليه السلام: «سواء عليكم إنّما أحرم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم عقيب صلاة الظهر؛ لأنّ الماء كان قليلًا كأن يكون في رءوس
الجبال فيهجر الرجل إلى مثل ذلك من الغد، ولا يكاد يقدرون على الماء، وإنّما احدثت هذه المياه حديثاً»،
فإنّها تدلّ على عدم
الاستحباب بالنسبة إلينا.
وأمّا سائر الروايات التي ورد فيها استحباب الإحرام عند الزوال فتشمل الإحرام ولو قبل صلاة الظهر أو بعد
صلاة العصر إذا لم يكن منافياً لصدق (عند الزوال) فكأنّه لم يبق دليل على الاستحباب غير
قاعدة التسامح ،
وكأنّه لذلك عبّر بعض الفقهاء
بأنّ الأولى أن يكون الإحرام عقيب صلاة الظهر في غير إحرام
حجّ التمتّع .
وأمّا في حج التمتّع فقد ذهب جماعة من الفقهاء إلى استحباب الإحرام
يوم التروية عند الزوال بعد أن يصلّي الظهر
لرواية
عمر بن يزيد ،
و
موثّقة أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «ثمّ تلبّي من
المسجد الحرام » إلى أن قال: «وإن قدرت أن يكون رواحك إلى منى زوال الشمس وإلّا متى تيسّر لك من يوم التروية».
ولكن صرّح بعض الفقهاء أنّ الأفضل
إتيان صلاة الظهر بمنى.
وسيأتي تفصيله في
الميقات الزماني .
تقدّم استحباب الإحرام عقيب صلاة الظهر، وأمّا إذا لم يكن في وقت الظهر فبعد صلاة فريضة اخرى حاضرة، وإن لم يكن فبعد صلاة مقضيّة، وإلّا فعقيب ستّ
ركعات من النوافل، فإن عجز عن ذلك فركعتان؛
لدلالة بعض الروايات المتقدّمة، كما أنّه مقتضى
صحيح معاوية بن عمّار السابق عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «صلّ المكتوبة ثمّ أحرم بالحجّ أو بالمتعة»،
فإنّه يشمل بإطلاقه جميع الفرائض حتى المقضية كما هو مقتضى
إطلاق كلمات القدماء.
لكن بعضهم
استشكل بأنّ الإحرام عقيب الصلاة المقضيّة خلاف ظاهر النصوص المتقدّمة.
قال
المحقّق النجفي : «قد عرفت أنّ المستفاد من النصوص السابقة استحبابه عقيب الظهر، وإلّا فمطلق المكتوبة المنساق منها الحاضرة. نعم، في بعض النصوص السابقة: «الفريضة، لكن لا
دلالة فيه على الندب، فتأمل».
ثمّ إنّه على تقدير القول بكراهة الصلاة في الأوقات المشهورة تكون
صلاة الإحرام مستثناة من ذلك كما تدلّ عليه الأخبار،
كصحيحة معاوية بن عمّار قال عليه السلام: «خمس صلوات لا تترك على حال: إذا طفت بالبيت، وإذا أردت أن تحرم...».
ونحوها رواية أبي بصير.
لو أراد أن يحرم عقيب فريضة الظهر، فظاهر بعض الروايات الجمع بين الفريضة والنافلة كما هو
المنسوب إلى المشهور، بينما ذهب آخرون إلى عدم
إمكان الجمع. وسرّ
الاختلاف بين القولين هو اختلاف الروايات المتقدّمة وكيفيّة
استفادة ذلك منها وإمكان الجمع بينها وعدمه، والقولان هما:
الأوّل: المشهور
استحباب الجمع بين النافلة والفريضة مقدّماً للنافلة عليها كما عن بعض، أو مؤخّراً لها كما عن بعض آخر.
وهذا هو ظاهر الشيخ الطوسي
وصريح عبارات
الشيخ المفيد و
العلّامة الحلّي و
الشهيد الثاني،
بل نسبه
المحدّث البحراني إلى
الأصحاب ،
و
الطباطبائي إلى ظاهر أكثرهم.
قال الحلّي: «أفضل الأوقات التي يحرم فيها
الإنسان بعد الزوال، ويكون ذلك بعد فريضة الظهر، فعلى هذا تكون ركعتا الإحرام المندوبة قبل فريضة الظهر بحيث يكون الإحرام عقيب صلاة الظهر».
وأمّا
تقديم النافلة على الفريضة فالمشهور- كما صرح به العلّامة وغيره
- تقديم النافلة مع
السعة ، وإليه ذهب جماعة من قدماء الفقهاء ومتأخّريهم.
قال
الشيخ الصدوق : «إن كان وقت الصلاة المكتوبة فصلّ ركعتي الإحرام ثمّ صلّ المكتوبة وأحرم في دبرها».
وقال
المحقّق الحلّي : «وأن يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها، وإن لم يتّفق صلّى للإحرام ستّ ركعات، وأقلّه ركعتان، يقرأ في الاولى (
الحمد ) و (قل يا أيّها الكافرون)، وفي الثاني (الحمد) و (قل هو اللَّه أحد)، وفيه رواية اخرى. ويوقع نافلة الإحرام تبعاً له ولو كان وقت فريضة مقدّماً للنافلة ما لم يتضيّق
الحاضرة ».
وعلّق
المحقّق النجفي عليه فقال: «
المراد بقرينة قوله بعد ذلك (ويوقع) إلى آخره: إنّه مع
حضور الفريضة يصلّي نافلة الإحرام ثمّ الفريضة ثمّ يحرم عقيبها، ومع عدم الفريضة يحرم عقيب النافلة لا أنّه مع الفريضة تسقط نافلة الإحرام كما ادّعى في
المسالك ».
ثمّ ذكر- تبعاً
للذخيرة والحدائق
- عبارة الشيخ و
ابن إدريس والعلّامة وغيرهم من الفقهاء فاستفاد منها ما تقدّم من كلام المشهور.
وأظهر ما يدلّ عليه
ما ذكر في
الفقه الرضوي عنه عليه السلام أنّه قال: «فإن كان وقت صلاة الفريضة فصلّ هذه الركعات قبل الفريضة، ثمّ صلّ الفريضة. وروي: أنّ أفضل ما يحرم الإنسان في دبر صلاة الفريضة ثمّ أحرم في دبرها ليكون أفضل».
قال
المحدّث البحراني بعد
الإشارة إلى هذه الرواية: «ولعلّه المستند عند المتقدّمين فجرى عليه المتأخّرون» ثمّ أورد الرواية وقال: «إنّ كثيراً ما يذكر المتقدّمون بعض الأحكام التي لم يرد لها مستند في كتاب الأخبار المشهورة ويوجد مستندها في هذا الكتاب، فلعلّ هذا من ذلك، والصدوق في
الفقيه قد أفتى بمضمون هذه الرواية».
وكذا يدلّ على الحكم المذكور رواية معاوية بن عمار المصرّحة بتقديم ركعتي النافلة في
المقام و
الحجر ، قال عليه السلام: «إذا كان
يوم التروية إن شاء اللَّه فاغتسل» إلى أن قال: «ثمّ صلّ ركعتين في المقام أو في الحجر، ثمّ اقعد حتى تزول
الشمس فصلّ المكتوبة، ثمّ قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، وأحرم بالحج».
وأيضاً قول الصادق عليه السلام في صحيح آخر لمعاوية بن عمار: «خمس صلوات لا تترك على حال: إذا طفت بالبيت، وإذا أردت أن تحرم»
وغيره، كخبر أبي بصير: «خمس صلوات تصلّيها في كلّ وقت، منها صلاة الإحرام».
وما دلّ على مشروعيّة نافلة الإحرام؛ لشموله من صلّاهن في وقت الفريضة وأحرم بعدهنّ قبل الفريضة كما في خبر معاوية الثالث
وصحيحتي عمر بن يزيد والحلبي المتقدّمين.
ومع ذلك كلّه لعلّ الفقهاء أخذوا
التأليف المزبور- وهو صلاة نافلة الإحرام ثمّ الفريضة ثمّ الإحرام- من
الأمر به عقيب المكتوبة في الصحيح المزبور، مع إطلاق الأمر بنافلة الإحرام في روايات اخر، ووجه الجمع بينهما أن يصلّي نافلة ثمّ يحرم بعد الفريضة.
وقد ذهب جماعة من الفقهاء- مثل الشيخ في
الجمل والعقود و
القاضي وأبي المجد و
ابني زهرة وحمزة و
الفاضل الهندي - إلى تقديم الفريضة على النافلة عملًا بعموم ما دلّ على عدم جواز
التنفل في وقت الفريضة.
ولكن قد عرفت ما يدلّ على جواز تقديم النافلة ويعضده ظاهر النصوص الحاكمة باستحباب الإحرام عقيب الفريضة، فإنّ المتبادر من (العقيب) كونه بغير فصل حتى بالنافلة،
ولازمه تقديم النافلة عليها.
القول الثاني: عدم استحباب الجمع، صريح بعض الفقهاء وظاهر آخرين
الاكتفاء بالإحرام عقيب الفريضة خاصّة، ولا حاجة إلى النافلة،
استناداً إلى ظاهر صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة عن
الصادق عليه السلام أنّه قال: «لا يكون إحرام إلّا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد
التسليم ، وإن كانت نافلة صلّيت ركعتين وأحرمت في دبرهما».
وهذه الرواية ونحوها لو دلّت على مشروعيّة صلاة الإحرام في وقت الفريضة فغايتها مشروعيّة الإحرام في دبرها حينئذٍ، لا الجمع بينها وبين الفريضة والإحرام بعد الفريضة. ومنه يظهر الإشكال فيما تمسّك به في المستند و
الجواهر من إطلاق مشروعيّة نافلة الإحرام؛ إذ
الإطلاق لا يقتضي الجمع الذي عرفت أنّه خلاف ظاهر النصوص السابقة.
إذاً، لا يدلّ شيء من الروايات على استحباب الجمع بين النافلة والفريضة. قال العلّامة في
الإرشاد : «والإحرام عقيب فريضة الظهر أو غيرها أو ستّ ركعات، وأقلّه ركعتان».
وقال الشهيد في
الدروس : «الأفضل إحرامه عقيب الظهر ثمّ الفريضة مطلقاً، ولو لم يكن وقت الفريضة فالظاهر أنّ الإحرام عقيب مقضية أفضل، فإن لم يكن فعقيب النافلة».
ونحوه ما في
اللمعة ، وتبعه عليه
ابن فهد الحلي و
المحقّق الأردبيلي و
السبزواري و
الفيض الكاشاني وغيرهم من الفقهاء.
وقد حمل العاملي عبارات الفقهاء على ذلك أيضاً، فإنّه قال بعد ذكره لعبارة المحقّق الحلّي: «ومقتضى العبارة أنّه مع صلاة الفريضة لا يحتاج إلى سنّة الإحرام، وأنّها إنّما تكون إذا لم يتّفق وقوع الإحرام عقيب الظهر أو فريضة»، ثمّ أشكل على
الشهيد الثاني - حيث حمل عبارات الفقهاء على الجمع بين النافلة والفريضة- فقال: «لا وجه لحمل عبارات الأصحاب على المعنى الذي ذكره، فإنّ الأخبار ناطقة بخلافه كما بيّناه».
تقدّم جواز
إتيان نافلة الإحرام في كلّ وقت من الأوقات بلا
كراهة ،
بل إتيانها في الأوقات المكروهة وفي وقت الفريضة حتى على القول بعدم جواز النافلة لمن عليه فريضة؛ لخصوص الأخبار الواردة الدالّة على أنّها من الصلاة التي تصلّى في كلّ وقت، فيجوز الإتيان بها في الأوقات المكروهة أيضاً.
قال الصدوق: «لا بأس أن تحرم في أيّ وقت بلغت الميقات...، وإن لم يكن وقت المكتوبة صلّيت ركعتي الإحرام...فإن كان وقت الصلاة المكتوبة فصلّ ركعتي الإحرام ثمّ صلّ المكتوبة وأحرم في دبرها».
وقال الشيخ في
النهاية : «لا بأس أن يصلّي الإنسان صلاة الإحرام أيّ وقت كان من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة قد تضيّق».
نعم، ظاهر من ذهب إلى عدم الجمع بين الفريضة والنافلة جواز الإتيان بنوافل الإحرام في غير أوقات الفرائض كما قال العاملي: «ما وجدناه من الأخبار المعتبرة إنّما تضمّن الأمر بالنافلة إذا اتفق وقوع الإحرام في غير أوقات الفرائض».
ذهب كثير من الفقهاء إلى استحباب قراءة
الإخلاص في الركعة الاولى و
الجحد في الثانية، كالصدوق والشيخ في النهاية والعلّامة وجمع من المتأخّرين
والمحقّق النجفي
وأكثر المعاصرين.
ومن الفقهاء من ذهب إلى عكس ذلك، وهو أن يقرأ في الاولى الجحد وفي الثانية الاخلاص كالشيخ في
المبسوط والعلّامة في
التحرير والشهيد
وغيرهم.
وصرّح المحدّث البحراني والمحقّق النجفي
بعدم الوقوف على رواية إلّا على خبر
معاذ بن مسلم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا تدع أن تقرأ ب (قل هو اللَّه أحد) و (قل يا أيّها الكافرون) في سبع مواطن: في الركعتين قبل الفجر، وركعتي الزوال، والركعتين بعد
المغرب ، وركعتين من أوّل
صلاة الليل ، وركعتي الإحرام، والفجر إذا أصبحت بها، وركعتي
الطواف ».
لكن في التهذيب بعد أن أورد ذلك قال: «وفي رواية اخرى: «أنّه يقرأ في هذا كلّه ب (قل هو اللَّه أحد) وفي الركعة الثانية ب (قل يا أيّها الكافرون) إلّا في الركعتين قبل الفجر فإنّه يبدأ ب (قل يا أيّها الكافرون) ثمّ يقرأ في الثانية ب (قل هو اللَّه أحد)»».
ولعلّ الأكثر عثروا على غير ذلك من الروايات الدالّة على تقديم الجحد في الركعة الاولى، وإلّا فخبر معاذ إمّا مطلق يقتضي التخيير أو ظاهر في
تعيين الإخلاص للركعة الاولى والجحد للثانية.
وكيف كان، فإنّ الأمر سهل بعد كون الحكم ندبيّاً كما في الجواهر،
ومن هنا فقد صرّح جماعة من الفقهاء باستحباب كلٍّ منهما.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۳۰۷-۳۱۷.