الميقات الزماني
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لكلّ من
الحجّ و
العمرة زمان خاصّ يقعان فيه، فيكون بتبع ذلك لإحرامهما زمان أيضاً فينقسم قسمين:الميقات الزماني للعمرة والميقات الزماني للحج .
والعمرة إمّا تكون مفردة أو متمتّعاً بها إلى الحجّ:
وقت
الإحرام للعمرة المفردة هو وقت
الأمر بها ووجوبها.
وهي تارة تكون واجبة بالسبب فوقتها عند حصوله، واخرى تكون واجبة بأصل الشرع، وهي على قسمين: فتارة يستطيع المكلّف
الإتيان بها فقط فيجب عليه- بناءً على القول بوجوبها مستقلّاً عن وجوب الحجّ- الإتيان بها ولو كان قبل
أشهر الحجّ،
واخرى يستطيع لها ولحجّ
القران أو
الإفراد ، وهنا قطع
الفقهاء بوجوب تأخير العمرة حينئذٍ عن الحجّ، وعلى هذا فوقتها عند
الفراغ من الحجّ
و
انقضاء أيّام التشريق في أشهر الحجّ، بل يجوز
إيقاعها في غير أشهر الحجّ أيضاً إجماعاً، قال
السيّد العاملي : «هذا الحكم مقطوع به في كلام
الأصحاب ».
وقال
المحقّق النجفي في العمرة الواجبة بعد حجّ الإفراد: «لا
إشكال بل ولا خلاف في أنّه يجوز وقوعها أي العمرة الواجبة في غير أشهر الحجّ؛
لإطلاق الأدلّة كتاباً وسنّة السالم عن
المعارض ».
نعم، وقع البحث في وجوب
المبادرة بها وعدمه.
أمّا المندوبة فوقتها أوسع من وقت الحجّ،
بل ذكر العلّامة أنّه لا خلاف فيه بين علماء الأمصار.
وتدلّ عليه الأخبار
المستفيضة أيضاً.
نعم، وقع البحث بين الفقهاء في مقدار الفصل بين العمرتين
وهو موكول إلى محلّه.
وأمّا أفضل أوقات العمرة المندوبة، فذكر غير واحد من الفقهاء أنّ رجب أفضل أوقات العمرة المبتولة، بل قيل: إنّه لا خلاف فيه.
وتدلّ عليه الأخبار، ففي صحيح
معاوية بن عمّار عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام : أنّه سئل أيّ العمرة أفضل: عمرة في رجب، أو عمرة في
شهر رمضان ؟ فقال: «لا، بل عمرة في رجب أفضل...».
وتدرك فضيلة العمرة في
شهر رجب بإدراك إحرامها في آخر أيّامه؛
لقول الصادق عليه السلام: «إذا أحرمت وعليك من رجب يوم وليلة فعمرتك رجبية».
وقت العمرة المتمتّع بها أشهر الحجّ، لأنّها جزء من
حج التمتع وداخلة فيه- كما نصّت عليه الروايات، بل هو من المسلمات عند
المسلمين عامة- فيكون ميقاتها الزماني ميقات الحجّ بحسب الحقيقة، وسوف يأتي أنّه أشهر الحجّ لا قبلها، هذا من حيث المبدأ، وأمّا من حيث المنتهى فوقتها إلى الزوال من
يوم عرفة بحيث يتمكّن المتمتّع من
إدراك الوقوف بعرفة عند الزوال. هذا عند
الاختيار ، أمّا عند
الاضطرار فقال بعضهم بصحّة الإحرام لعمرة التمتّع إذا أدرك الركن من
الوقوف الاختياري - أي مسمّاه- في
عرفات ، بينما قال بعض آخر بعدم صحّة ذلك إذا لم يتمكّن من درك كلّ الوقوف الاختياري، أي من ظهر يوم التاسع إلى غروبه.
وتفصيله في محلّه.
ولو أحرم بالعمرة قبل أشهر الحجّ لم يصحّ له التمتّع بها
وإن وقع بعض أفعالها في أشهر الحجّ إجماعاً.
واستدلّ له
بالنصوص: منها: قول
الإمام الصادق عليه السلام في خبر
عمر بن يزيد : «ليس يكون متعة إلّا في أشهر الحجّ».
ولو أحرم بقصد التمتّع قبل أشهر الحجّ فهل يبطل الإحرام رأساً أم ينعقد للعمرة المبتولة؟ فيه قولان. ويأتي تفصيل ذلك في أحكام
المواقيت .
وأمّا أفضل أوقات الإحرام للعمرة المتمتّع بها فهو بعد الصلاة المكتوبة، والأفضل من ذلك بعد
زوال الشمس عقيب فريضة الظهر.
واستدلّ للأوّل بصحيحة معاوية بن عمّار، قال: «لا يكون الإحرام إلّا في دبر صلاة مكتوبة...».
وفي صحيحته الاخرى: «صلّ المكتوبة ثمّ أحرم بالحجّ أو بالمتعة».
واستدلّ للثاني- أي الإحرام عقيب الظهر
- بقول الصادق عليه السلام: «لا يضرّك بليل أحرمت أو نهار، إلّا أنّ أفضل ذلك عند زوال الشمس».
وسأل
الحلبي الإمام الصادق عليه السلام عن إحرام
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيّ ساعة؟ قال: «صلاة الظهر»، فسألته: متى ترى أن نحرم؟ قال: «سواء عليكم، إنّما أحرم
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الظهر؛ لأنّ الماء كان قليلًا كان في رءوس الجبال، فيهجر الرجل إلى مثل ذلك من الغد، ولا يكاد يقدرون على الماء، وإنّما احدثت هذه المياه حديثاً».
المعروف والمشهور
بل المجمع عليه بين الفقهاء
أنّ وقت الإحرام للحجّ هو أشهر الحجّ، أي
شوّال وذي القعدة وذي الحجّة، فلا يصحّ الإحرام بالحجّ في غير أشهر الحجّ.
قال
السيّد المرتضى : «ممّا انفردت
الإماميّة به القول بأنّ من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ، وهي شوّال وذي القعدة وعشر من ذي الحجّة لم ينعقد إحرام، و
الشافعي يوافق الإماميّة في أنّ إحرامه بالحجّ لا ينعقد، لكنّه يذهب إلى أنّه ينعقد له عمرة... والحجّة لنا:
إجماع الطائفة، وأيضاً قوله تعالى: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ»،
ومعنى ذلك وقت الحجّ أشهر معلومات؛ لأنّ الحجّ نفسه لا يكون أشهراً، والتوقيت في
الشريعة يدلّ على اختصاص الموقّت بذلك الوقت، وأنّه لا يجزي في غيره، وأيضاً فقد ثبت أنّ من أحرم في أشهر الحجّ انعقد إحرامه بالحجّ بلا خلاف، وليس كذلك من أحرم قبل ذلك، فالواجب
إيقاع الإحرام في الزمان الذي يحصل العلم بانعقاده فيه».
واستدلّ
له أيضاً ببعض الأخبار، كقول الصادق عليه السلام في خبر ابن اذينة: «من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ فلا حجّ له».
وظاهره عدم
انعقاد الإحرام أصلًا لو أحرم للحجّ في غير أشهره، كما تقدّم في العمرة المتمتّع بها.
بينما قال البعض الآخر كالعلّامة الحلّي بانعقاده عمرة لو أحرم بالحجّ قبل أشهره،
ويأتي تفصيل ذلك في أحكام المواقيت.
ثمّ إنّ ظاهر كلمات المشهور
أنّه لا وقت محدّد للإحرام في أشهر الحجّ من حيث مبدأ الإحرام في الأقسام الثلاثة للحجّ أي حتى إحرام حجّ التمتع بعد عمرته، فيجوز الإحرام بالحجّ عند الفراغ من متعته، ولو كان في أوّل شهر شوّال.
ولكن نسب إلى
الشيخ الطوسي أنّ وقته يوم التروية، ولا يجوز تقديمه عليه.
وذهب بعض المحقّقين إلى عدم جواز
التقديم بأكثر من ثلاثة أيّام على
يوم التروية إلّا لمثل الشيخ الكبير والمريض، فقال: «المعروف جواز التقديم عليه مطلقاً ولو قبل شهر أو شهرين، بمعنى أنّه يجوز الإتيان به في أشهر الحجّ، إلّا أنّا لم نعثر على ما يدلّ على جواز التقديم بهذا المقدار من السعة، بل المستفاد من الروايات الواردة في كيفيّة الحجّ وقوع الإحرام في يوم التروية.
وفي بعضها الأمر للجواري بأن يحرمن للحجّ يوم التروية.
وفي صحيحة معاوية بن عمّار: «فلمّا كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلّوا بالحجّ».
وفي صحيحة
عبد الصمد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهلّ بالحجّ».
وظاهر هذه الروايات وجوب الإحرام في يوم التروية، وعدم جواز التقديم عليه، وليس بإزائها ما يدلّ على جواز التقديم، فإن تمّ إجماع على الجواز فهو، وإلّا فرفع اليد عن ظاهر الروايات ممّا لا موجب له.
نعم، ورد في رواية واحدة معتبرة جواز التقديم بمقدار ثلاثة أيّام لا أكثر، إلّا إذا كان معذوراً كالشيخ الكبير والمريض، فيجوز لهما التقديم، وهي
معتبرة إسحاق ابن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام.
فمقتضى القاعدة تقييد الروايات المطلقة بهذه المعتبرة، و
النتيجة هي جواز التقديم بمقدار ثلاثة أيّام، أمّا الأكثر فلا يجوز».
إلّا أنّ ظاهر معتبرة اسحاق جواز التقديم يومين أو ثلاث للمريض الذي يخاف ضغاط الناس لا للصحيح، فإنّ سؤال السائل في ذيل الحديث ظاهر في الرجوع إلى ما ورد في الصدر في كلام
الإمام أوّلًا من جواز الخروج للمريض قبل يوم التروية لا ما ذكره ثانياً من عدم جواز الخروج للرجل الصحيح قبل يوم التروية، فإذا اريد العمل بهذه الرواية فلا بد من القول بما ذهب إليه الشيخ الطوسي قدس سره، إلّا أنّ في قبالها
الإجماع المتقدم ذكره، مضافاً إلى أنّ جواز التعجيل لمجرّد
الزحام والشيخوخة الوارد في هذه الرواية وفي بعض الروايات الاخرى يناسب عدم الوجوب، وكون الحكم من باب
الاستحباب المؤكّد.
هذا كلّه من حيث مبدأ زمان الإحرام بالحجّ، أمّا منتهى زمانه اختياراً فهو بقدر ما يمكن إدراك الوقوفين اختياراً، فيجوز تأخيره إلى أن يخاف ضيق وقته، فيجب إيقاعه حينئذٍ، فلا يجب الإحرام يوم التروية عند المشهور.
ويدلّ عليه- مضافاً إلى
الأصل - بعض الأخبار، كخبر
أبي شعيب المحاملي : «لا بأس للمتمتّع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له ما لم يخف فوت الموقفين».
وأمّا منتهى زمان الإحرام للحجّ اضطراراً فبمقدار ما يتمكّن معه من إدراك الاضطراري من الوقوفين، أو
اضطراري المشعر على كلام فيه.
وتفصيله في محلّه.
المشهور بين الفقهاء
- كما تقدّم- استحباب الإحرام للحجّ يوم التروية،
كما تقدم القول بوجوبه فيه وعدم جواز تقديمه عليه.
وقد اختلفت كلمات الفقهاء في أنّ الأفضل في يوم التروية هل هو الإحرام قبل الظهر، أو عند الزوال، أو بعد صلاة الفريضة؟
۱- ذهب جماعة من الفقهاء إلى أنّ الأفضل إيقاع الإحرام بعد صلاة الظهر.
قال
الشيخ الصدوق : «فإذا كان يوم التروية فاغتسل... ثمّ صلّ ركعتين لطوافك عند مقام إبراهيم أو في الحجر، ثمّ اقعد حتّى تزول الشمس، فإذا زالت فصلّ المكتوبة، وقل مثل ما قلت يوم أحرمت بالعقيق...».
وقال الشيخ الطوسي: «وإذا أراد الإحرام فليغتسل... وليدخل المسجد حافياً وعليه
السكينة والوقار، وليصلّ ركعتين عند مقام
إبراهيم عليه السلام أو في الحجر، وإن صلّى ستّ ركعات كان أفضل، وإن صلّى فريضة الظهر ثمّ أحرم في دبرها كان أفضل».
واستدلّ له ببعض الأخبار
:
كرواية عمّار
المتقدّمة، فإنّ الظاهر من «المكتوبة» فيها صلاة الظهر، كما يظهر ذلك أيضاً من قول الصادق عليه السلام: «لا يضرّك بليل أحرمت أو نهار، إلّا أنّ أفضل ذلك عند زوال الشمس».
وفي دعائم الإسلام عن
جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: «يخرج الناس إلى منى من مكة يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجّة، وأفضل ذلك بعد صلاة الظهر، ولهم أن يخرجوا غدوة وعشية إلى الليل، ولا بأس أن يخرجوا قبل يوم التروية».
۲- ظاهر
الشيخ المفيد بل صريح السيد المرتضى تقديم الإحرام على الظهر، وأنّ المستحب إنّما هو ايقاعه حين الزوال.
قال الشيخ المفيد: «فإذا أتى منى فليقل... ثمّ يصلّي بها الظهر والعصر و
المغرب و
العشاء الآخرة والفجر، ولا بأس أن يصلّي بغيرها إن لم يقدر ليدرك الناس بعرفات»،
لكنّه قال قبل ذلك: «فإذا كان يوم التروية... يلبس ثوبيه، يأتي
المسجد الحرام حافياً وعليه السكينة والوقار فليطف اسبوعاً إن شاء، ثمّ ليصلّ ركعتين لطوافه عند مقام إبراهيم عليه وآله السلام، ثمّ ليقعد حتّى تزول الشمس، فإذا زالت فليصلّ ستّ ركعات، ثمّ ليصلّ المكتوبة... ثمّ ليلبّ حين ينهض به بعيره ويستوي به قائماً، وإن كان ماشياً فليلبّ من عند
الحجر الأسود ».
وقال السيد المرتضى: «فإذا كان يوم التروية فليغتسل وينشئ الإحرام من المسجد ويلبّي، ثمّ يمضي إلى منى فليصلّ فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة، ويغدو إلى عرفات».
واستدلّ لذلك بالأخبار الدالّة على
إقامة صلاة ظهر يوم التروية بمنى،
كخبر عمر بن يزيد في الصحيح عن الصادق عليه السلام: «فإذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة، ثمّ صلّ ركعتين خلف المقام، ثمّ أهلّ بالحجّ، فإن كنت ماشياً فلبّ عند المقام، وإن كنت راكباً فإذا نهض بك بعيرك، وصلّ الظهر إن قدرت بمنى...».
وكصحيح معاوية بن عمّار، قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إذا انتهيت إلى منى فقل: وذكر دعاء وقال: ثمّ تصلّي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة و
الفجر ، والإمام يصلّي بها الظهر لا يسعه إلّا ذلك، وموسّع لك أن تصلّي بغيرها إن لم تقدر، ثمّ تدركهم بعرفات...».
وما روي عن
أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم... ثمّ تلبّي من المسجد الحرام كما لبيت حين أحرمت، وتقول: لبيك بحجّة تمامها وبلاغها عليك، فإن قدرت أن يكون رواحك إلى منى زوال الشمس، وإلّا فمتى ما تيسّر لك من يوم التروية».
۳- وذهب بعض الفقهاء إلى استحباب إتيان الإحرام بعد صلاتي الظهر والعصر معاً.
واستدلّ
لهذا القول بأنّ المسجد الحرام أفضل من غيره من البقاع، فاستحب الصلاة فيه، مع أنّ المستحب إيقاع الإحرام عقيب الفريضة.
وبما مرّ في خبر معاوية بن عمّار، بضميمة أنّ المراد من المكتوبة هو جنس الفريضة، فيعمّ العصر أيضاً.
وقد أورد عليه
الفاضل الهندي بوضوح ضعف الدليلين، ووجهه- كما ذكر المحقّق النجفي- عدم
اقتضاء الدليل الأوّل استحباب إيقاع الإحرام بعد الفريضتين، ولا الثاني، بل لعلّ ظاهر «المكتوبة» فيه صلاة الظهر.
ولعلّ نظر أصحاب هذا القول استحباب إيقاع صلاة العصر في المسجد الحرام مجتمعة مع الظهر قبل الذهاب إلى منى، وحيث يستحب إيقاع الإحرام بعد المكتوبة، فذكروا إيقاعه بعد
أداء الفرضين، فليس هذا قولًا آخر غير القول الأوّل.
۴- وفصّل بعض الفقهاء بين الإمام- أي
أمير الحاج - وغيره، فيستحب لغير الإمام إيقاع الإحرام بعد صلاة الظهر، أمّا الإمام فيحرم قبل الظهر ليصلّي الفريضة بمنى، قال الشيخ: «لا يجوز الخروج إلى منى قبل الزوال من يوم التروية مع
الاختيار ، ولا بأس أن يتقدّمه صاحب الأعذار والمريض والشيخ الكبير و
المرأة التي تخاف ضغاط الناس بثلاثة أيّام، فأمّا ما زاد عليه فإنّه لا يجوز على كلّ حال...إلّا أنّ هذا الحكم يختصّ بمن عدا الإمام من الناس، فأمّا الإمام نفسه فلا يجوز له أن يصلّي الظهر والعصر يوم التروية إلّا بمنى».
وذكر
العلّامة الحلّي : أنّ مراد الشيخ بعدم الجواز شدّة الاستحباب، بينما فهم
المحدّث البحراني من كلامه
الوجوب حقيقة؛ لمساعدة الأخبار عليه.
وقد ذهب إلى التفصيل المذكور
ابن حمزة والعلّامة في
المختلف وثاني الشهيدين والفاضل الهندي والمحقّق النجفي.
ومبنى هذا التفصيل ما جاء في جملة من الروايات بأنّ الإمام يصلّي الظهر بمنى.
ففي صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «على الإمام أن يصلّي الظهر يوم التروية بمسجد الخيف، ويصلّي الظهر
يوم النفر في المسجد الحرام».
وفي صحيح
محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: «لا ينبغي للإمام أن يصلّي الظهر من يوم التروية إلّا بمنى، ويبيت بها إلى طلوع الشمس».
وظاهر بعض هذه الأخبار وإن كان الوجوب إلّا أنّ الأكثر حملها على الاستحباب.
لقرائن داخلية وخارجية فيها تشهد
بارادة الاستحباب أو انّه من شئون أمارته للحجّ وليس فضيلة في إحرامه بالعنوان الأولي.
وقد حاول
السيد العاملي الجمع بين الأخبار المطلقة بالحمل على
التخيير لغير الإمام بين الخروج قبل الصلاة وبعدها. أمّا الإمام فيستحب له التقدّم وإيقاع الفرضين بمنى.
۵- وفصّل
السيد اليزدي بين حجّ التمتّع وغيره حيث قال: «والأولى أن يكون بعد صلاة الظهر في غير إحرام حجّ التمتّع، فإنّ الأفضل فيه أن يصلّي الظهر بمنى».
ولعلّ الوجه في ذلك
اختصاص بعض الروايات- الدالّة على إقامة الظهر بمنى- بحجّ التمتّع، كما هو الظاهر ممّا تقدّم في صحيحتي عمرو بن يزيد وأبي بصير.
وحاول
السيد الحكيم الجمع بينها وبين ما دلّ على استحباب إيقاع الإحرام بمكة بعد الظهر، بحمل الثاني على ما إذا لم يقدر على الخروج قبل ذلك، وإلّا الأفضل إيقاع الظهر بمنى مطلقاً.
أفضل أوقات إحرام حجّ القران والإفراد:
لا خلاف في أنّه لو أحرم المكّي قبل يوم التروية أجزأه، ولم يتعرّضوا إلى وقت فضيلة الإحرام للقارن والمفرد.
وفي
المسالك بعد نقل قول
المحقّق الحلّي - فيستحب للمتمتّع أن يخرج إلى عرفات يوم التروية بعد أن يصلّي الظهرين إلّا المضطر، كالشيخ الهمّ ومن يخشى الزحام- قال: «خصّ المتمتّع بالذكر؛ لأنّ استحباب إحرامه يوم التروية موضع وفاق بين المسلمين. وأمّا
القارن والمفرد فليس فيه تصريح من الأكثر، وقد ذكر بعض الأصحاب أنّه كذلك، وفي التذكرة نقل الحكم في المتمتّع عن الجميع، ثمّ نقل خلاف العامّة في وقت إحرام الباقي، هل هو كذلك أم في أول ذي الحجّة؟
وصحيحة معاوية بن عمّار مشعرة بأنّ ذلك للمتمتّع، كما ذكره هنا».
وظاهر جملة من الروايات أنّ الأفضل لمن يقطن في مكة ووظيفته الإفراد أن يحرم للحجّ في أوّل ذي الحجة إذا كان صرورة ولمن حجّ قبل ذلك لخمس مضين من الشهر.
منها: صحيحة
عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّي اريد الجوار، فكيف أصنع؟ فقال: «إذا رأيت
الهلال هلال ذي الحجّة فاخرج إلى
الجعرانة ، فاحرم منها بالحجّ... إنّ
سفيان فقيهكم أتاني فقال: ما يحملك على أن تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟ قلت له: هو وقت من مواقيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: وأيّ وقت من
مواقيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقلت: أحرم منها حين قسّم غنائم حنين ومرجعه إلى الطائف- إلى أن قال:- أما علمت أنّ أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أحرموا من المسجد؟
فقلت: إنّ اولئك كانوا متمتّعين في أعناقهم الدماء، وأنّ هؤلاء قطنوا مكّة فصاروا كأنّهم من
أهل مكّة، وأهل
مكّة لا متعة لهم، فأحببت أن يخرجوا من مكّة إلى بعض المواقيت وأن يستغبوا به أياماً».
ومنها: ما رواه
صفوان عن أبي الفضل ، قال: كنت مجاوراً بمكّة، فسألت أبا عبد اللَّه عليه السلام: من أين احرم بالحجّ؟ فقال: «من حيث أحرم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم من الجعرانة...»، فقلت: متى أخرج؟ قال: «إن كنت صرورة فإذا مضى من ذي الحجّة يوم، فإذا كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس».
ونحوه مرسلة المفيد التي رواها في
المقنعة ، قال: «قال عليه السلام ينبغي للمجاور بمكّة إذا كان صرورة وأراد الحجّ أن يخرج إلى خارج الحرم فيحرم من أوّل يوم من العشر، وإن كان مجاوراً وليس بصرورة فإنّه يخرج أيضاً من الحرم، ويحرم في خمس تمضي من العشر (الشهر)».
ومنها: الصحيح، عن
إبراهيم بن ميمون قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّ أصحابنا مجاورون بمكّة، وهم يسألوني لو قدمت عليهم، كيف يصنعون؟ فقال: «قل لهم: إذا كان هلال ذي الحجّة فليخرجوا إلى التنعيم فليحرموا... ثمّ قال: أمّا أنت: فإنّك تمتّع في أشهر الحجّ، وأحرم يوم التروية من المسجد الحرام».
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۴۳۸-۴۵۰.