حج التمتع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو الذي يقدّم عمرته أمام حجّه، ناوياً بها التمتع، ثم ينشئ
إحراماً بالحج من مكة وترتبط به، وتجزي عن
العمرة المفروضة وتسمى العمرة المتمتع بها إلى الحج، وما سواها تسمّى بالعمرة المفردة؛ لأفرادها عنه.
(فالتمتع) وهو أفضلها بالنص و
الإجماع ، والصحاح به مستفيضة،
(وهو الذي يقدّم عمرته أمام حجّه، ناوياً بها
التمتع ، ثم ينشئ إحراماً بالحج من مكة) وترتبط به، وتجزي عن العمرة المفروضة كما في النصوص،
وتسمى العمرة المتمتع بها إلى الحج، وما سواها تسمّى بالعمرة المفردة؛ لأفرادها عنه.
و
أصل التمتع : التلذذ، وسمّي هذا النوع به لما يتخلّل بين عمرته وحجه من التحلّل الموجب لجواز
الانتفاع والتلذّذ بما كان قد حرّمه الإحرام، مع
ارتباط عمرته بحجّه حتى أنهما كالشيء الواحد شرعاً، فإذا حصل بينهما ذلك فكأنه حصل في الحج.
(وهذا فرض مَن ليس) مِن (حاضري مكة) بل كان نائياً عنها؛ بإجماعنا الظاهر، المصرَّح به في
الانتصار والخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة وظاهر المعتبر كما نقل؛
وأخبارنا المستفيضة القريبة من التواتر.
(وحدّه مَن بُعد عنها) أي عن مكّة شرّفها الله تعالى (بثمانية وأربعين ميلاً من كلّ جانب) وفاقاً للمحكي عن القمي في تفسيره والشيخ في النهاية والصدوقين والماتن هنا وفي المعتبر،
والفاضل في
المختلف والتذكرة والمنتهى تحرير،
والشهيدين في المسالك و
الدروس واللمعتين،
وغيرهم من المتأخرين.
للمعتبرة المستفيضة، ففي الصحيح : «كل من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلاً :
ذات عِرق وعُسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية، وكلّ من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة».
وفي خبر آخر : ثمانية وأربعون ميلاً من جميع نواحي مكة من دون
عُسفان ودون ذات عِرق».
وفي الصحيح : «ليس لأهل مكة ولا لأهل مَرّ ولا لأهل سَرِف متعة»
_مَرَّ وزان فَلس موضع بقرب مكة من جهة الشام نحو مرحلة_
_سَرِف مثال كتف موضع قريب من
التنعيم وهو من مكة على عشرة أميال ، وقيل أقل أو أكثر_
ونحوه غيره.
قال الماتن : إن هذه المواضع أكثر من اثني عشر ميلاً.
وفي الصحيح : في حاضري
المسجد الحرام ، قال : «دون الأوقات إلى مكة»
ونحوه غيره.
وقد ذكر العلاّمة فيما حكي عنه في موضع من
التذكرة : أن أقرب
المواقيت ذات عِرق، وهي مرحلتان من مكة.
وفي موضع آخر : إنّ قرن المنازل ويلملم والعقيق على مسافة واحدة بينها وبين مكة ليلتان قاصدتان.
(وقيل) مَن بعد عنها (باثني عشر ميلاً فصاعداً من كلّ جانب) القائل بذلك الشيخ في المبسوط والاقتصاد و
التبيان ، والحلّي في
السرائر ، والفاضلان في الشرائع والإرشاد والقواعد، وعُزي إلى
مجمع البيان وفقه القرآن وروض الجنان والجمل والعقود والغنية والكافي والوسيلة الجامع و
الإصباح و
الإشارة .
وحجتهم غير واضحة، عدا ما قيل من نصّ الآية على أنه فرض من لم يكن حاضري المسجد الحرام، ومقابل الحاضر هو المسافر، وحدّ
المسافر أربعة فراسخ.
وفيه نظر واضح، سيّما بعد ما مرّ من النصّ الصحيح الواضح المؤيد بغيره. وتوزيع الثمانية والأربعين ميلاً الواردة فيه على الأربع جوانب، فيوافق هذا القول، كما يظهر من الحلّي وغيره،
فمع شدة مخالفته الظاهر لا يلائم ما تضمّن منها عسفان، فإنها من مكة على مرحلتين كما عن القاموس وفي غيره.
فإذاً ما اختاره الماتن هنا أقوى. وأما ما في الصحيح من التحديد بثمانية عشرة من كلّ جانب،
فشاذّ على الظاهر، المصرح به في بعض العبائر.
وربما يحمل على التخيير،
وهو ضعيف.
(ولا يجوز لهؤلاء العدول عن التمتع إلى الإفراد و
القران إلاّ مع الضرورة) أمّا الأول فلما مرّ من أن فرضهم التمتع فلا يجزيهم غيره؛ لإخلالهم بما فرض عليهم. وأما الثاني فلما يأتي فيمن دخل مكة بمتعة وخشي ضيق الوقت، و
الحائض والنفساء لو منعهما عذرهما عن التحلل و
إنشاء الإحرام بالحج، من جواز نقلهم إلى
الإفراد .
•
شروط حج التمتع،
(ولو أحرم بحج التمتع) اختياراً (من غير مكة لم يجزئه ويستأنفه بها) لتوقف الواجب عليه، ولا يكفي دخولها محرماً، بل لا بدّ من
الاستئناف منها، على المعروف من مذهب الأصحاب، كما في المدارك والذخيرة غيرهما، وفيهما أسنده الفاضل في التذكرة والمنتهى إلى علمائنا،
مؤذناً بدعوى الإجماع وعليه. وعبارة
الشرائع تشعر بوجود الخلاف،
ولعلّه من الجمهور كما قيل،
وعلى تقدير كونه منّا فهو ضعيف.
(ولو نسي)
الإحرام منها (وتعذّر العود) ولو بضيق الوقت (أحرم من موضعه ولو) كان (بعرفة) على ما صرّح به جماعة؛
للصحيح : عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكره وهو بعرفات ما حاله؟ قال، يقول : «اللهم على كتابك وسنّة نبيك فقد تمّ إحرامه».
ومورده النسيان خاصّة كما في العبارة، وألحق به جماعة الجهل،
ولعلّه لما قيل من تظافر الأخبار بكونه عذراً.
ولا فرق في ذلك بين ما لو ترك الإحرام من أصله أو تركه من مكة مع إتيانه به من غيرها. خلافاً للشيخ فاجتزأ بالإحرام من غيرها مع تعذر العود إليها في المبسوط والخلاف،
وتبعه بعض متأخري الأصحاب، قال : للأصل، ومساواة ما فعله لما يستأنفه في الكون من غير مكة، وفي العذر، لأن
النسيان عذر، قال : وهو خيرة التذكرة.
وفيهما ما ترى؛ فإن الأصل معارض بالقاعدة الموجبة للاستئناف، تحصيلاً للبراءة اليقينية. وتاليه قياس؛ لأن المصحِّح للإحرام المستأنف إنما هو الإجماع على الصحة معه، وليس النسيان مصححاً له حتى يتعدّى به إلى غيره، وإنما هو مع العذر عذر في عدم وجوب العود، وهو لا يوجب
الاجتزاء بالإحرام معه حيثما وقع، بل يجب الرجوع فيه إلى الدليل، وليس هنا سوى الاتفاق، ولم ينعقد إلاّ على الإحرام المستأنف، وأما السابق فلا دليل عليه، فتأمل جدّاً.
(ولو دخل مكة بمتعة وخشي ضيق الوقت) عن إدراك الوقوفين (جاز نقلها إلى الإفراد ويعتمر عمرة مفردة بعده) بلا خلاف فيه على الظاهر، المصرَّح به في بعض العبائر،
وعن المعتبر الاتفاق عليه،
وهو الحجة. مضافاً إلى النصوص المستفيضة، ولكنها اختلفت في حدّ الضيق، ولأجله اختلف أقوال الطائفة.
فبين محدّدٍ له بزوال الشمس يوم التروية قبل
الإحلال من العمرة، كالمفيد في نقلٍ؛
وله الصحيح.
ومحدّدٍ له بغروبها يوم التروية، كالصدوق في المقنع والمفيد في المقنعة،
وبه أخبار كثيرة تضمّنت الصحيح وغيره.
ومحدّدٍ له بزوالها من يوم عرفة، كالشيخ والقاضي وابن حمزة في
المبسوط والنهاية والمهذّب والوسيلة؛
ولهم الصحيح،
وعلّله الشيخ في كتابي الأخبار بأنه لا يدرك الموقفين بعده،
كما في المعتبرة التي تضمّنت الصحيح وغيره.
ومحدّدٍ له بخوف فوت الوقوف مطلقاً من غير تحديد له بزمان، حتى لو لم يخف منه لم يجز العدول ولو كان بعد زوال الشمس من يوم عرفة، كما عن الحلبيين وابني إدريس وسعيد وعليه الفاضل.
ولعلّه الأقوى؛ للأصل، وصدق
الامتثال ، وخصوص النصوص، منها : «لا بأس للمتمتع إن لم يحرم ليلة التروية متى ما تيسّر له ما لم يخف فوت الموقفين».
والنصوص المحدّدة مع تعارض بعضها مع بعض يمكن تنزيلها على
اختلاف إمكان وصول الحاج إلى عرفات يومئذ، كما صرّح به بعض المحدّثين من المتأخرين.
وظنّي أن هذا أولى من التنزيل الذي ارتكبه الشيخ في
التهذيب وإن تلقّاه جملة من المتأخرين بالقبول،
لتضمنه بعض القيود التي لا يفهم منها طرّاً.
ويُحكى عن الخال
العلاّمة المجلسي طاب ثراه على الظاهر حمل أكثرها على
الاتقاء ، وذلك لأن في التخلف عن المضي مع الناس إلى عرفات مظنة
الاطّلاع عليه بحج التمتع الذي ينكره الجمهور، حتى إن
التقية إذا رفعت من الناس كان مناط الفوات هو فوات الموقفين. انتهى. وهو جيّد.
ثم على المختار هل العبرة بخوف فوت
اضطراري عرفة، كما عن ظاهر الحلّي ومحتمل الحلبي،
أو اختياريها، كما عن الغنية والمختلف والدروس
؟ وجهان، أجودهما الثاني؛ للصحيح : عن الرجل يكون في يوم
عرفة بينه وبين مكة ثلاثة أميال وهو متمتع بالعمرة إلى الحج، فقال : «يقطع
التلبية ، ويُهلّ بالحج بالتلبية إذا صلّى الفجر، ويمضي إلى عرفات فيقف مع الناس، ويقضي جميع المناسك، ويقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم، ولا شيء عليه».
وقريب منه جملة من المعتبرة، منها الصحيح : «المتمتع يطوف بالبيت ويسعى بين
الصفا والمروة ما أدرك الناس بمنى».
ونحوه آخر،
والمرسل كالموثق.
بناءً على أن ظاهرها إدراكهم بمنى قبل المضي إلى عرفات، فتدبر. و
احتمال أن يكون المراد إدراكهم بمنى يوم العيد، بأن يدرك اضطراري المشعر مع بُعده مخالف للإجماع على الظاهر، المصرَّح به في بعض العبائر،
إلاّ أن يحمل على إدراك الاضطراريين، لكنه بعيد لا يظهر من الأخبار.
(وكذا الحائض والنفساء لو منعهما عذرهما عن التحلّل وإنشاء الإحرام بالحج) لضيق الوقت عن التربّص إلى الطهر تعدلان إلى الإفراد على المشهور، كما في عبائر جماعة حدّ
الاستفاضة ،
بل في ظاهر المدارك وغيره الاتفاق على جوازه،
وفيهما وفي غيرهما الإجماع عليه عن
المعتبر والتذكرة والمنتهى،
وبه صرّح في الخلاف؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى المعتبرة، منها الصحيح : عن المرأة تدخل متمتعة فتحيض قبل أن تحلّ، متى تذهب متعتها؟ فقال : «كان
أبو جعفر عليه السلام يقول : زوال الشمس من يوم التروية، وكان
موسى عليه السلام يقول : صلاة الصبح من يوم التروية» فقلت : جعلت فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية ويطوفون ويسعون ثم يحرمون بالحج، فقال : «زوال الشمس» فذكرت له رواية
عجلان أبي صالح ، فقال : «لا، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة» فقلت : هي على إحرامها أو تجدد إحراماً للحج؟ فقال : «لا هي على إحرامها» فقلت : فعليها هدي؟ فقال : «لا، إلاّ أن تحبّ أن تطوّع» ثم قال : «أمّا نحن فإذا رأينا
هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة»
وقريب منه آخر،
والموثق.
قال في
المنتهى بعد نقل الخبر : وهذا الحديث كما يدل على سقوط وجوب الدم يدل على الاجتزاء بالإحرام الأول. وأمّا اختلاف الإمامين عليهما السلام في فوات المتعة فالضابط فيه ما تقدّم من أنه إذا أدرك أحد الموقفين صحّت متعتها إذا كانت قد طافت وسعت، وإلاّ فلا.
انتهى. وهو جيّد. لكن في الموثق بعد حكمه عليه السلام بصيرورة حجها مفردة : قلت : عليها شيء؟ قال : «دم تهريقه وهي
أُضحيّتها ».
وحملها الشيخ على
الاستحباب ، قال : لأنه إذا فاتتها المتعة صارت حجتها مفردة، وليس على المفرد هدي على ما بيّنّاه، ثم قال : ويدلّ عليه ما رواه، وساق الصحيح المتقدم.
وهو حسن، ويعضده نفس الموثق من حيث العدول فيه عن التعبير بالهدي إلى الأُضحيّة؛ فإنّ فيه
إشعاراً بذلك.
خلافاً للمحكي عن الحلبيّين وجماعة،
فقالوا : بل تكملها بلا طواف وتحرم بالحج ثم تقضى طواف العمره مع طواف الحج للأخبار المستفيضة. وهي في ضعف السند مشتركة، عدا رواية منها، فإنها بطريق صحيح على الظاهر في الكافي مروية، وفيها : «
المرأة المتمتّعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة، وإن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت ثم سعت بين الصفا والمروة ثم خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافاً لعمرتها ثم طافت طوافاً للحج، ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كل شيء يحلّ منه المحرم، إلاّ فراش زوجها، فإذا طافت طوافاً آخر حلّ لها فراش زوجها».
وعن
الغنية : الإجماع عليه.
وهذه الأدلة معارضة بأقوى منها سنداً و
اشتهاراً ، فلتحمل على ما إذا طافت أربعة أشواط قبل الحيض جمعاً. وهو أولى من الجمع بين الأخبار بالتخيير؛ لفقد التكافؤ المشترط فيه، مع ندرة القائل به، إذ لم يُحكَ إلاّ عن
الإسكافي .
ثم على تقدير صحته فلا ريب أن العدول أولى؛ لاتفاق الأخبار على جوازه على هذا التقدير، هذا. وفي رواية : «إنها إذا أحرمت وهي طاهرة ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت ولم تطف حتى تطهر، ثم تقضي طوافها وقد قضت عمرتها، وإن هي أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر».
قيل : وهو جمع آخر بين الأخبار حسن.
وفيه نظر؛ فإنّ الصحيح المتقدم ظاهر بل صريح في إحرامها طاهرة ومع ذلك حكم لها بالعدول، خلافاً لما في هذه الرواية، ومع ذلك فهي ضعيفة شاذة، لا عامل بها.
وحملها الشيخ على ما حملنا عليه الأخبار السابقة من طمثها بعد طوافها أربعة أشواط طاهرة وفاقاً له، بل استشهد بها عليه في تلك، فقال بعد الحمل : ويدلُّ عليه ما رواه، ثم ساق الرواية. وقال بعدها : فبيّن عليه السلام في هذا الخبر صحة ما ذكرنا؛ لأنه قال : «إن هي أحرمت وهي طاهرة» إلى أن قال : فلولا أن المراد به ما ذكرنا لم يكن بين الحالين فرق، وإنما كان الفرق لأنها إذا أحرمت وهي طاهرة جاز أن يكون حيضها بعد الفراغ من
الطواف أو بعد مضيها في النصف منه، فحينئذ جاز لها تقديم السعي وقضاء ما بقي عليها من الطواف، فإذا أحرمت وهي حائض لم يكن لها سبيل إلى شيء من الطواف فامتنع لأجل ذلك السعي، وهذا بيّن.
وحكي في المسألة قول بأنها تستنيب من يطوف عنها.
ولم أعرف قائله ولا مستنده، فهو ضعيف غايته.
ولو تجدّد عذرهما في الأثناء ففي صحة متعتهما مطلقاً، أو العدم كذلك، أو الأول إذا كان بعد أربعة أشواط وإلاّ فالثاني، أقوال، ثالثها أشهرها كما في عبائر جماعة.
ولا يخلو عن قوة؛ لصريح الخبرين
وطاهر الآخرين
والرضوي.
خلافاً للحلّي فالثاني،
وتبعه بعض المتأخرين؛
للأصل، والصحيح الماضي، مع ضعف النصوص المقيدة لهما. وفيه : أنه مجبور بالشهرة والكثرة. وللصدوق في الفقيه فالأول؛
للصحيح : عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقلّ من ذلك ثم رأت دماً، قال : «تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت نقيّة واعتدّت بما مضى».
وليس نصّاً في الفريضة، فليحمل على
النافلة ، كما فعله شيخ الطائفة جمعاً بين الأدلة.
رياض المسائل، ج۶، ص۱۰۱- ۱۲۰.