الكفر المانع من الإرث
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
موانع
الإرث هو ما يمنع
الإنسان من أن يرث ما تركه الميّت ميراثاً أصلًا مع كونه من
أهل الإرث وفي طبقة الإرث ودرجته، وكون المنع (وصفاً) قائماً في نفسه، لا (أمراً قائماً) في غيره وإلّا لكان حجباً، واختلف الفقهاء في عدد الموانع فذكر بعضهم ثلاثة وآخر أكثر من ذلك، وكيف كان، فما أجمع الفقهاء على مانعيّته ثلاثة، وهي: الكفر، والقتل، والرق ، ونبحث في التالي عن مانعية الكفر من الإرث.
وهو ما يخرج به معتقده أو قائله أو فاعله عن سمة
الإسلام ، سواء كان أصليّاً أو مرتدّاً أو غيرهم من أصناف الكفّار.
ثمّ إنّ الكفر قد يكون واقعاً في جانب الوارث، وهو أن يكون الكافر وارثاً و
المسلم مورّثاً. وقد يكون واقعاً في جانب المورّث، وهو أن يكون المسلم وارثاً والكافر مورّثاً. وقد يكون في الجانبين.
والكفر المانع عن
الإرث عندنا هو الكفر الواقع في جانب الوارث فقط
لا كفر المورّث، فيرث المسلمُ الكافر مطلقاً، بخلاف ما ذهب إليه معظم الجمهور من نفي
التوارث بين المسلم والكافر مطلقاً، حيث جعلوا المانع
اختلاف الدين.
وصور المسألة كالتالي:
الكافر لا يرث المسلم
بلا خلاف بين المسلمين،
فإذا مات مسلم وله ورثة كفار ووارث مسلم ورثه المسلم وإن كان أبعد الناس عنه كضامن الجريرة، دون الكافر وإن كان أقرب الناس إليه كالأولاد و
الأبوين .
وقد يستدلّ عليه بقوله تعالى: «وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا»،
فإنّه لو ورث الكافر المسلم لكان له عليه سبيل، وهو منفيّ بالآية.
ولكن يظهر من بعض الفقهاء التأمّل فيه، ومعه يكون المعتمد في المقام هو النصوص الصريحة الدالّة على أنّ الكافر لا يرث المسلم على أيّ حال:
منها: صحيحة
أبي ولّاد قال: سمعت
أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «المسلم يرث امرأته الذمية وهي لا ترثه».
ومنها: موثّقة
سماعة عنه عليه السلام قال: سألته عن المسلم هل يرث المشرك؟ قال: «نعم، فأمّا المشرك فلا يرث المسلم».
ومنها: رواية
الحسن بن صالح عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «... الكافر لا يحجب
المؤمن ولا يرثه»،
وغيرها من النصوص.
ولو لم يكن له وارث مسلم أصلًا ورثه
الإمام بلا خلاف؛
وذلك- مضافاً إلى ما عرفت من عدم إرث الكافر المسلم- لما رواه
أبو بصير عن
الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «... فإن لم يسلم أحد من قرابته فإنّ ميراثه للإمام».
لو كان الميّت كافراً يرثه المسلم عندنا، ولو كان معه وارث كافر حجبه وإن كان المسلم مولى نعمة أو ضامن جريرة إلّا إذا كان المسلم صغيراً.
نعم، وقع الكلام في
إمكان منع الحجب من قبل إمام المسلمين ضمن عقد الذمّة وعدمه، ويأتي فيما بعد تفصيل هذه المسائل.
الكفّار يرث بعضهم بعضاً وإن اختلفوا في الملل والنحل من غير خلاف معتدٍّ به، بل
الإجماع بقسميه عليه.
ويدلّ عليه عمومات أدلّة الإرث من الكتاب
والسنّة،
وخصوص ما ورد من النص في بعض أصناف الكفّار كاليهود والنصارى والمجوس، مثل مرسلة
ابن أبي عمير : في يهودي أو نصراني يموت وله أولاد غير مسلمين، فقال عليه السلام: «هم على مواريثهم».
ولا فرق في ذلك بين أصناف الكفّار؛ لأنّ الكفر ملّة واحدة.
وخالف في ذلك سلّار فذهب إلى أنّهم يتوارثون ما لم يكونوا حربيّين،
وشارح
الإيجاز فذهب إلى أنّه لا يرث الحربي من الذمّي، ويكون ميراثهم للإمام عليه السلام إذا لم يكن للميّت منهم نسيب ذمّي ولا مسلم.
ورماهما
المحقق النجفي بالشذوذ.
كما فصّل
الحلبي بين كفّار ملّتنا وغيرهم، فقال: إنّ كفّار ملّتنا يرثون غيرهم من الكفّار، وغيرهم من الكفار لا يرثونهم،
فيرث الخوارج والمجسّمة ونحوهم من اليهود والنصارى والوثنيين دون العكس، وارتضاه
السيوري فيما إذا أظهروا الشهادتين؛ لأنّهم إذا أظهروها حصلت لهم بذلك خصوصيّة على غيرهم.
إلّا أنّ هذا مبنيّ على الحكم بكفرهم مع
إظهار الشهادتين، وفيه مجال للمنع.
ثمّ إنّ إرث الكفّار بعضهم من بعض يبتني على توفّر شرطين:
الأوّل: أن لا يكون له وارث مسلم غير الإمام عليه السلام، فإن وجد حجب الكافر وإن تأخّر اسلامه إلى قسمة التركة.
وسيأتي تفصيله فيما بعد.
الثاني: أن يكون كفر المورّث أصليّاً، فلو كان كفره عن ردّةٍ لم يرثه الكافر مطلقاً، بل يرثه الإمام مع فقد غيره.
وله صور:
إذا أسلم الكافر على ميراث قبل قسمته شارك أهله إن كان مساوياً في الدرجة وانفرد به إن كان أولى
بلا خلاف،
بل عليه الإجماع.
ويدلّ عليه عموم الآيات الواردة في الإرث.
قال الشيخ: إنّ «ظواهر القرآن كلّها تتناوله، وإنّما منعناه
الميراث في حال كفره بالإجماع».
لكن هذا إنّما يصحّ إذا كان المخصّص لظواهر القرآن الكريم ينحصر بالإجماع، حيث يقال بأنّ ما قام عليه الإجماع إنّما هو من لم يسلم قبل القسمة.
إلّا أنّه قد تقدّم وجود روايات صحيحة دلّت على أنّ الكافر لا يرث المسلم، وهي بإطلاقها تشمل ما إذا أسلم بعد ذلك سواء كان بعد القسمة أو قبلها؛ لأنّ الإرث إنّما يتحقّق بالموت لا بالقسمة، فالأصحّ في الخروج عن ذلك التمسّك بما ورد في السنّة من نصوص تدلّ على ذلك، كصحيحة
محمّد ابن مسلم ، قال:
في الرجل يسلم على الميراث، قال: «إن كان قسّم فلا حقّ له، وإن كان لم يقسّم فله الميراث»،
وغيرها من النصوص.
لو أسلم الكافر بعد قسمة التركة لم يرث من غير خلاف،
بل عليه الإجماع.
ويدلّ عليه عموم منع الكافر من الإرث كقوله عليه السلام: «الكافر لا يرث المسلم»،
وخصوص النصوص التي هي صريحة في عدم إرث الكافر إن أسلم بعد قسمة التركة،
كصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة.
لو اقترن إسلام الوارث مع قسمة التركة بأن وقعا في زمان واحد كما لو تلفّظ بالشهادتين وهم يقتسمون قولًا أو فعلًا فهل يرث أم لا؟
ذكر بعض الفقهاء في ذلك احتمالين:
الأوّل: أنّه لا يرث؛ لأنّ الدليل من النص والإجماع يدلّان على منع من لم يكن مسلماً عند موت المورّث من الإرث، وأنّه محجوب عن الإرث؛ لوجود الوارث المسلم، وقد خرج عن ذلك الكافر الذي أسلم قبل قسمة التركة فقط؛ لوجود دليل خاص، فبقي ما عداه تحت قاعدة منع الكافر من الإرث، سواء اقترن إسلامه بالقسمة أو تأخّر عنها،
وهذا هو مختار جملة من الفقهاء.
الثاني: أنّه يرث؛ لشمول إطلاق أدلّة الإرث لمن اقترن إسلامه مع القسمة، وإنّما خرج عن شمول
الإطلاق موردان، أحدهما: حجب المسلم للكافر. والآخر:
من أسلم بعد القسمة، وأمّا المقارن لها فيبقى تحت إطلاق دليل التوريث.
ولكن قد عرفت أنّ مقتضى إطلاق الدليل الذي هو بمثابة العامّ الفوقاني عدم توريث الكافر، وإنّما خرجنا عنه بما دلّ على توريث من أسلم قبل القسمة.
إذا أسلم الكافر على ميراث وقد قسّم بعضه ولم يقسّم بعضه الآخر، ذهب مشهور الفقهاء
إلى أنّه يشترك مع الورثة في البعض الذي لم يقسّم إن كان مساوياً لهم في درجة الإرث، ويختصّ به إن كانت درجته أولى من باقي الورثة؛ لأنّه أسلم على ميراث قبل القسمة فله إرثه كما لو انحصر الإرث فيه.
وذهب العلّامة في
الإرشاد إلى أنّه يرث من مجموع المال؛
لأنّ ميراث الميّت هو مجموع المال والمفروض أنّه لم يقسّم.
وذهب بعض الفقهاء إلى لزوم التصالح في هذه الصورة
احتياطاً .
كلّ ما تقدّم كان مع تعدّد الوارث المسلم بحيث يصدق القسمة وعدمها.
أمّا إذا أسلم الكافر على ميراث وقد كان للميّت وارث واحد ففي هذه الحالة إن كان ذلك الوارث الواحد غير الزوجين والإمام فليس للذي أسلم شيءٌ من الإرث؛
لأصالة عدم الإرث بعد عدم صدق القسمة مع فرض وحدة الوارث لكي يقال: إنّه أسلم قبل القسمة فيرث، وتوريثه مبنيّ على إسلامه قبل القسمة.
وإن كان ذلك الوارث الواحد أحد الزوجين فالحكم مبنيّ على أنّ الفاضل من فرضهما هل يرد عليهما أم لا يرد وإنّما يكون للإمام؟ أو يرد على الزوج دون الزوجة؟
فإن قلنا: إنّه يرد عليهما فلا يرث الذي أسلم، لعين ما ذكر في الفرع الأوّل.
وإن قلنا: إنّه لا يرد عليهما فهما كالمتعدّد؛ لأنّ الإمام شريكهما، فيعتبر إسلامه قبل مقاسمة الإمام لهما أو وكيله.
وعلى التفصيل يشارك الزوجة دون الزوج.
وهناك قول بالردّ على الزوج،
ومع ذلك يشاركهما المسلم.
واحتجّ له بأنّ الزوج لا يستحقّ سوى النصف، والردّ إنّما يستحقّه إذا لم يوجد وارث محقّق ولا مقدّر وهنا الوارث المقدّر موجود.
وردّ بأنّه مع فرض
انحصار الوارث بالزوج لا يصدق عليه أنّه أسلم على ميراث قبل قسمته؛
لأنّ الحكم بالردّ إنّما يكون بعد الموت بلا فصل؛ لأنّه وقت الحكم بالإرث و
انتقال التركة.
أمّا إذا أسلم ولم يكن للميّت وارث غير الإمام فالمشهور
بين الفقهاء أنّه مقدّم على الإمام والإرث كلّه له.
ويدلّ عليه صحيحة أبي بصير في مسلم مات وله قرابة نصارى، قال: «(إن) أسلم بعض قرابته ممّن له سهم في الكتاب فإنّ ميراثه له، فإن لم يسلم أحد من قرابته فإنّ ميراثه للإمام».
وخالف في ذلك
الشيخ الطوسي و
ابن حمزة وغيرهما فذهبوا إلى التفصيل بين نقل التركة إلى بيت مال الإمام فلا يرث، وبين عدم نقله فيرث.
وفي قول آخر للشيخ و
ابن البراج أنّه لم يرث مطلقاً؛
وأورد المحقق النجفي في الجواهر على التفصيل بأنّه لم نعرف لهم مستنداً، وعلى الإطلاق أنّه
اجتهاد في مقابل النص.
لأنّ الإمام كالوارث الواحد.
المشهور
أنّ المسلم يرث المسلم وإن اختلف معه في المذهب،
ما لم يخرجهما ذلك عن سمة
الإسلام ويدخلهما في عنوان الكفر،
بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه،
وإن وقع الخلاف في نسبة الكفر إلى بعض الفرق، فمن قال بكفرهم اختار عدم توريثهم.
واستدلّ عليه:
أوّلًا: بعموم ما دلّ على التوارث بالنسب والسبب.
وثانياً: بالنص المعتبر المتضمن
لابتناء المواريث على الإسلام دون
الإيمان ،
وثالثاً: بشهادة تتبّع أحوال السلف من توريث المسلمين بعضهم من بعض مؤيّدة بالفتوى الظاهرة والشهرة المعلومة.
•
إرث المرتد وأحكامه ، الارتداد هو الكفر بعد الإسلام بقول أو فعل، سواء كان قد سبق الإسلام كفر أم لا، والمرتد
اسم فاعل منه فهو الذي يكفر بعد الإسلام، و هو على قسمين: المرتدّ الفطري وهو الذي انعقد وأحد أبويه مسلم والمرتدّ الملّي من أسلم عن كفر ثمّ ارتدّ، ولإرث المرتد أحكام نذكرها فيما يلي.
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۴۴-۵۳.