المسكرات المائعة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(كل مسكر) مائع بالأصالة، كما عن
المنتهى والتذكرة والمدنيّات والذكرى والبيان وظاهر المقنعة والناصريات والنهاية ومصباح الشيخ والغنية والمهذّب والوسيلة،
لتعبيرهم بالشراب المسكر.وعن الأكثر ـ ومنهم الشيخ في
المبسوط والجمل ـ الإطلاق.
وليس في محلّه، للأصل، واختصاص المثبت للنجاسة بالأشربة المائعة خاصة.والحجة في نجاسة الخمر منها بعد الإجماعات المستفيضة المحكية عن السرائر والنزهة والخلاف والمبسوط والناصريات والغنية والتذكرة
: الصحاح المستفيضة. ونحوها في
الاستفاضة غيرها من المعتبرة في نفسها والمنجبر قصور أسانيدها بالشهرة العظيمة.
ففي الصحيح : عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجرّي ويشرب الخمر فيردّه، أيصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال : «لا يصلّي فيه حتى يغسله».
والصحيح : عن
آنية أهل الذمة والمجوس، فقال : «لا تأكلوا في آنيتهم، ولا من طعامهم الذي يطبخون، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها
الخمر ».
والصحيح : «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه، وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك».
وليس شيء منها ـ كما ضاهاها ـ يقبل الحمل على التقية،
لاتفاق العامة على أكل الجرّي وطهارة
أهل الكتاب وحلّ النبيذ مع تصريحها بمخالفتهم في الأمور المزبورة، فليس حملها عليها إلّا غفلة واضحة، بل يتعين حمل ما خالفها عليها،
سيّما مع ندرة القائل بها منّا،
وشذوذها عند أصحابنا وقلّة عددها
بالإضافة إلى ما مضى.وأما نجاسة سائر الأشربة المسكرة فكأنه لا فارق بينها وبين الخمر. وعن الناصريات : إنّ كلّ من حرّم شربها نجّسها.
وعن الخلاف والمعتبر :
الإجماع على نجاستها.
والنصوص بنجاسة
النبيذ مستفيضة،
وربما ظهر من الصحيح الأخير المتقدم تفسيره بمطلق المسكر، فيستفاد منها بمعونته نجاستها بأجمعها، مضافا إلى المرسل : «لا تصلّ في ثوب أصابه خمر أو مسكر، واغسله إن عرفت موضعه، وإن لم تعرف موضعه فاغسل الثوب كلّه، فان صلّيت فيه فأعد صلاتك».
ونحوه الموثق : «لا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتى تغسل».
ويعضده المعتبرة الناصة على شمول الخمر لجميعها، ففي الصحيح : «الخمر من خمسة : العصير من الكرم، والنقيع من الزبيب، والبتع من العسل، والمزر من الشعير، والنبيذ من التمر».
وفي خبر آخر : «الخمر من خمسة أشياء : من التمر والزبيب والحنطة والشعير والعسل».
ونحوهما في روايات ثلاث أخر معتبرة.
وفي المروي عن علي بن إبراهيم، عن مولانا
الباقر عليه السلام : «وإنما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البسر والتمر، فلمّا نزل تحريمها خرج
رسول الله صلى الله وعليه وآله فقعد في المسجد ثمَّ دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فأكفاها كلّها» ثمَّ قال : «هذه خمر فقد حرّمها الله تعالى، وكان أكثر شيء اُكفئ من ذلك يومئذ من
الأشربة الفضيخ، ولا أعلم أكفئ من خمر العنب شيء إلّا
إناء واحد كان فيه زبيب وتمر جميعا، فأمّا عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شيء».
وذهب جماعة من أهل اللغة إلى ما تضمنته هذه الروايات.
وفي الخبر (في «ل» : الصحيح.) : «ما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر».
وإطلاق الخمر عليه يلازم الدلالة على النجاسة، إمّا
لاقتضائه كونه حقيقة فيه، أو اشتراكه معه في أحكامه. ولكن المناقشة فيه بتبادر الحرمة منها خاصة ممكنة.
ثمَّ إن المشهور بين الأصحاب كما ادعاه جماعة، وعن كنز العرفان،دعوى الإجماع عليه، وهو الحجة، المعتضدة بما في المتن من الأدلة، مضافا إلى الرضوي : «واعلم أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار أو غلى من غير أن تصيبه النار فهو خمر ولا يحل شربه إلّا أن يذهب ثلثاه على النار ويبقى ثلثه» وهو سندا كالموثقة، وأظهر منها دلالة، لما فيه من عدم اختلاف النسخة، وبالجملة : القول بالنجاسة في غاية القوة.
منه عفى عنه. أن في حكم الخمر العصير العنبي إذا غلى واشتد، ولعلّه إمّا لكونه خمرا حقيقة، كما حكي عن جماعة من فقهاء العامة والخاصة كالبخاري والصدوقين والكليني. حكاه عنهم الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك (المخطوط) وقال فيها : لعلّ المأخذ هو الأخبار التي رواها في الكافي،في باب أصل تحريم الخمر، ورواه الصدوق في العلل أيضا، إذ ظهر من تلك الأخبار أن العصير بمجرّد الغليان يدخل في حدّ الخمر حقيقة.
إلى آخر ما قال.أيضا المقنع للصدوق،نقلا عن رسالة أبيه، وصحيح البخاري
أو لإطلاق لفظ الخمر عليه في النصوص الملازم لكونه حقيقة فيه أو مشتركا معها في الأحكام التي النجاسة منها، ففي الموثق المروي في
التهذيب : عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج ويقول : قد طبخ على الثلث وأنا أعرف أنه يشربه على النصف، فقال : «خمر لا تشربه».
إلّا أنه مروي في
الكافي وليس فيه لفظ الخمر،
لكن احتمال السقوط أولى من احتمال الزيادة وإن كان راوي الأول أضبط جدا. لكن في
الاكتفاء بمثل هذا
الاحتمال في تخصيص الأصول والعمومات إشكال. بل ربما انسحب
الإشكال على تقديره أيضا، بناء على التأمل في تبادر النجاسة من علاقة الشباهة قطعا، سيّما بملاحظة سياق الخبر وتفريع حرمة الشرب فيه على الإطلاق المزبور خاصة.فانحصر دليل النجاسة في كلام الجماعة.
والاستناد إليه في
إثباتها يتوقف على ثبوت الحقيقة منه. وعلى تقديره فشمول ما دلّ على إطلاق الخمر لمثله محل نظر، لعدم
التبادر .فإذا الطهارة أقوى، وفاقا لجماعة من متأخري أصحابنا.
إلّا أن
الاحتياط المصير إلى الأوّل إن لم يحصل له
الإسكار ، وإلّا فالقول بنجاسته متعيّن جدا، لعموم ما تقدّم.
(الفقّاع) بالإجماع كما عن
الانتصار والخلاف والغنية والمنتهى ونهاية الإحكام وظاهر المبسوط والتذكرة،
مع التأيد بإطلاق الخمر عليه في المعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ
التواتر ، بل في بعضها : «إنه الخمر بعينها».
وعليه يمكن
الاستدلال بها على نجاسته جدا.
هذا مضافا إلى النص الصريح فيها، ولا يضر قصور سنده بعد
الانجبار بعمل الأصحاب، وفيه : «لا تشربه فإنه خمر مجهول، فإذا أصاب ثوبك فاغسله».
والمرجع فيه العرف والعادة، فحيثما ثبت إطلاق الاسم فيهما حكم بالنجاسة.
رياض المسائل، ج۲، ص۸۳-۸۸.