الميراث بالإقرار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
اتّفق الفقهاء
على أنّ النسب يثبت بالإقرار، وكلّ موضع ثبت فيه النسب ثبت الميراث،
فلو أقرّ بولد أو
أخ أو اخت أو غير ذلك نفذ إقراره مع
احتمال صدقه فيما عليه من وجوب
إنفاق أو حرمة نكاح أو مشاركة في إرث ونحو ذلك.
فعلى هذا يثبت الميراث بين المقِرّ والمقَرّ له وبين أولادهما وسائر الطبقات إذا كان المقَرّ له صغيراً.
وقد توفّرت فيه شروط ثلاثة:
۱- أن يحتمل صدق المقِرّ في إقراره بأن تكون البنوّة ممكنة للمقرّ، فلو أقرّ ببنوّة من هو أكبر منه سنّاً أو مساويه وغير ذلك لا يثبت النسب.
۲- أن يكون المقَرّ به مجهول النسب، فلو كان معلوم النسب لغيره لم يقبل إقراره.
۳- أن لا ينازعه فيه منازع.
والتفصيل يطلب في مصطلح (إقرار).
وأضاف
السيد الخوئي شرطاً آخر، وهو أن يكون الولد تحت يد المقرّ.
واستشكل
السيد الصدر في ترتّب الآثار إذا لم يكن الولد تحت يد المقرّ.
ولا يشترط تصديق الصغير له، ولا يلتفت إلى إنكاره بعد بلوغه من غير خلاف في ذلك كلّه.
ويدلّ عليه- مضافاً إلى قاعدة الإقرار و
الإجماع - ما نصّ عليه في الأخبار، نحو رواية
السكوني عن
جعفر عن أبيه عن
علي عليهم السلام ، قال: «إذا أقرّ الرجل بالولد ساعة لم ينف عنه أبداً».
أمّا في غير الولد الصغير، مثل الولد الكبير والأخ و
الأخت وغيرهم فثبوت التوارث يحتاج-
بالإضافة إلى
الإقرار والشروط المتقدّمة- إلى تصديق الآخر له، فإن لم يصدّقه لا يثبت النسب؛ لأنّ الإقرار هنا لا يكفي
لإثبات النسب بعد
إجراء أصالة عدم
الانتساب ،
ولو صدّقه- ولا وارث غيرهما- توارثا بلا خلاف
ولا إشكال.
والدليل عليه- بالإضافة إلى ما تقدّم- رواية
سعيد الأعرج عن
الإمام الصادق عليه السلام قال: سألته عن رجلين حميلين جيء بهما من
أرض الشرك، فقال أحدهما لصاحبه: أنت أخي، فعُرفا بذلك، ثمّ اعتقا ومكثا مقرَّين
بالإخاء ، ثمّ إنّ أحدهما مات، قال: «
الميراث للأخ، يصدّقان».
وحكموا بأنّ التوارث هنا لا يتعدّى إلى غير المتصادقين
ما دام الإقرار بغير الولد من الأنسباء- كولد الولد- لعدم ثبوت النسب، وعدم دلالة الأخبار على غير توارثهما.
وأمّا الإقرار بالولد فجعل
الشهيد الثاني ذلك وجه الفرق بين الإقرار بالولد عن غيره بأنّه يوجب التعدّي إلى غير المتصادقين أيضاً دون الإقرار بغير الولد وهذا هو مختار
الإمام الخميني .
وقيّد بعضهم الحكم بذلك بالولد الكبير فقط.
ولكن استشكل
السيد الخوئي في ثبوت التوارث مع وارث آخر وقال: «و
الاحتياط لا يترك»، وكذا في التعدّي إلى غير المتصادقين، كما أنّه قال: «ولا يترك الاحتياط أيضاً فيما لو أقرّ بولد أو غيره ثمّ نفاه بعد ذلك».
واستظهر
السيد الخوانساري من الأخبار أنّ الحكم بالتوارث ليس من باب التعبّد من دون تحقّق النسب، بل من باب حصول الوثوق و
الاطمئنان على صحّة دعوى المتصادقين؛ وذلك لأنّه يستظهر من التعبير بقوله عليه السلام: «سبحان اللَّه»،
وغيره من الفقرات، خصوصاً قوله: «يصدقان» - سواء كان بالتشديد أو بدونه- أنّهما يصدّقان في النسب.
وبناءً على هذا يترتّب عليه
الإرث ، ولازم ذلك هو التعدّي إلى غير المتصادقين من غير فرق بين وجود الورثة المشهورين وعدم وجودهم، لكن بشرط حصول الوثوق والاطمئنان. هذا مضافاً إلى أنّ
انحصار المال المتروك من الميّت بالورثة المشهورين مع احتمال وارث آخر محتاج إلى الدليل، وأصالة عدم وارث آخر لا يثبت
الاختصاص بهم.
ثمّ إنّ للإقرار بالوارث فروعاً كالتالي:
لو أقرّ الوارث بأولى منه، كما لو أقرّ الأخ بولد للميّت دفع إليه ما في يده؛
لاعترافه بأنّه أولى منه في الإرث.
ولو أقرّ بمن هو مساوٍ له كأخ اعترف بأخ آخر للميّت دفع إليه بنسبة نصيبه من
الأصل .
ولو أقرّ باثنين فتناكرا لم يلتفت إلى تناكرهما فيعمل بالإقرار؛
لأنّ استحقاقهما للإرث ثبت في حالة واحدة وبسبب واحد، فلم يكن أحدهما أولى من الآخر،
ولكن تبقى الدعوى قائمة بينهما.
ولو أقرّ بأولى منه في الميراث، ثمّ أقرّ بأولى من المقرّ له، كما إذا أقرّ العم بالأخ ثمّ أقرّ بالولد، فإن صدّقه المقرّ له أوّلًا دفع المال إلى الثاني بلا خلاف ولا إشكال؛
لاعترافهما بكونه أولى منهما»، وإلّا فيدفع المال إلى المقرّ له أوّلًا ويغرم للثاني.
واستشكل السيد الخوانساري في الضمان للثاني؛ لأنّ الإقرار الثاني إقرار بمال الغير، و
العلم الإجمالي بكذب أحد الإقرارين حاصل، فكيف يؤخذ منه العين و
البدل ؟! والتفصيل في مصطلح (إقرار).
لو أقرّ الولد بولد آخر ثمّ أقرّ بثالث، وأنكر الثالث الثاني، كان للثالث النصف وللأوّل ثلث التركة، وللثاني السدس
من الأصل وهو تكملة نصيب المقرّ؛
إذ ليس له إلّا زيادة ما في يد المقرّ الأوّل.
ويدلّ على الحكم المذكور- مضافاً إلى عدم الخلاف فيه،
بل
اتّفاق علمائنا عليه
- رواية
إسحاق بن عمّار عن الإمام الصادق عليه السلام في رجل مات فأقرّ بعض ورثته لرجل بدين، قال: «يلزم ذلك في حصّته».
وما رواه
وهب بن وهب عن
جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السلام، قال: «قضى علي عليه السلام في رجل مات وترك ورثة، فأقرّ أحد الورثة بدين على أبيه أنّه يلزم ذلك في حصّته بقدر ما ورث، ولا يكون ذلك في ماله كلّه، وإن أقرّ اثنان من الورثة وكانا عدلين اجيز ذلك على الورثة، وإن لم يكونا عدلين الزما في حصّتهما بقدر ما ورثا، وكذلك إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو اخت إنّما يلزمه في حصّته».
وكذا الحكم فيما كان للميّت ولدان وأقرّ أحدهما بثالث وأنكره الآخر، فإنّ نصف التركة حينئذٍ للمنكر وثلثها للمقرّ، وللمقرّ له السدس.
إن كان للميّت زوجة وإخوة- مثلًا- وأقرّت الزوجة بولد له، فإن صدّقها
الإخوة كان ثمن التركة للزوجة والباقي للولد، وإن لم يصدّقها أخذ الإخوة ثلاثة أرباع التركة، وأخذت الزوجة ثمنها والباقي- وهو الثمن- للمقرّ له
بلا خلاف معتدٍّ به، بل ولا إشكال.
إذا مات صبيّ مجهول النسب وله مال فأقرّ رجل بنسبه، ثبت النسب وكان ميراثه للمقرّ إذا توفّرت الشرائط المتقدّمة، ولا يراعى هنا
التصديق لو كان المقَرّ به كبيراً؛ لأنّه في معنى الصغير.
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۳۵۰- ۳۵۵.