الوصية إلى اثنين
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لو أوصى إلى اثنين فصاعداً جاز، إجماعاً، فتوًى ونصّاً. و حينئذٍ فإن أطلق، أو شرط
الاجتماع في التصرف فليس لأحدهما الانفرادبه، ولو تشاحّا لم يمض إلاّ ما لا بُدّ منه كمئونة اليتيم، وللحاكم جبرهما على الاجتماع فإن تعذّر جاز له
الاستبدال ، ولو التمسا القسمة لم يجز ولو عجز أحدهما ضمّ إليه، أما لو شرط لهما
الانفراد تصرف كلّ واحد منهما وإن انفرد ويجوز لهما في هذه الحالة أن يقتسما.
(ولو أوصى إلى اثنين) فصاعداً جاز، إجماعاً، فتوًى ونصّاً. (و) حينئذٍ فإن (أطلق، أو شرط
الاجتماع ) في التصرف (فليس لأحدهما الانفراد) به، بل عليهما الاجتماع فيه، بمعنى صدوره عن رأيهما ونظرهما وإن باشره أحدهما، إجماعاً في الأخير، كما في
التنقيح ،
وعلى الأظهر في الأوّل، وفاقاً للصدوقين والطوسي في أحد القولين وابن حمزة والحلبي والحلّي والشهيدين وكثير من المتأخّرين،
بل لعله عليه عامتهم؛
لظاهر الصحيح : رجل مات وأوصى إلى رجلين، أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف
التركة والآخر بالنصف؟ فوقّع عليه السلام : «لا ينبغي لهما أن يخالفا الميت، ويعملان على حسب ما أمرهما إن شاء الله تعالى».
وأظهر منه الرضوي : «وإذا أوصى رجل إلى رجلين فليس لهما أن ينفرد كلّ واحد منهما بنصف التركة، وعليهما
إنفاذ الوصية على ما أوصى الميت».
وقصور سنده كعدم صراحة الأوّل منجبر بالشهرة؛ مضافاً إلى
اعتبار السند وبلوغه درجة الحجّية، وكذا الدلالة، وإن كان : «لا ينبغي» أعم من
الحرمة أو ظاهراً في الكراهة، لقيام القرينة في الرواية على
إرادة الحرمة، لأن مرجعها ومحصّلها إلى النهي عن مخالفة الميت، ولا ريب أنّها محرمة، لتضمّنها التبديل المنهي عنه بالكتاب والسنة، هذا. مع اعتضادهما زيادة على اعتبار السند ووضوح الدلالة بظهور الوصية إليهما في إرادة اجتماعهما عرفاً، وعلى تقدير التنزّل عنه فلا أقلّ من تردّدها بينه وبين جواز
الانفراد ، فيجب الأخذ بالمتيقن، وهو الأوّل، مع
اندفاع الثاني بالأصل.
خلافاً للنهاية والقاضي،
فجوّزا في ظاهر إطلاق عبارتهما الانفراد لهما، واستدل لهما بالموثق : إنّ رجلاً مات وأوصى إلى رجلين، فقال أحدهما لصاحبه : خذ نصف ما ترك وأعطني نصف ما ترك، فأبى عليه الآخر، فسألوا
أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك، فقال : «ذاك له».
وفيه مع قصوره سنداً وعدداً و
اشتهاراً واعتباراً عن المكافأة لما مرّ جدّاً كونه مجملاً؛ لبناء
الاستدلال به على رجوع
الإشارة إلى القسمة والضمير المجرور إلى الطالب، مع أنه يحتمل رجوع الإشارة إلى
الإباء والضمير إلى المطلوب، بل لعلّ هذا أولى، كما في المختلف وغيره؛
لقرب مرجع الإشارة.
وما يعارض به في التنقيح وغيره
من أولوية العكس؛ لوضع «ذلك» باللام للإشارة إلى البعيد مدفوع بتوقّفه على وجود اللام مع الإشارة، وهي في نسخة الكافي والفقيه مفقودة، فإنها على ما ذكرناه مروية. نعم، في نسخة الشيخ موجودة، لكنّها بالنسبة إلى تلك النسخة مرجوحة، سيّما مع وحدتها وتعدّد تلك، مع كونها
الأصل لها وهي منها مأخوذة، وعلى تقدير تكافؤ النسختين يبقى
الإجمال بحاله، لعدم المرجّح لإحداهما في البين.
(ولو تشاحّا) وتعاسرا فأراد أحدهما نوعاً من التصرف ومنعه الآخر (لم يمض) تصرفهما، إمّا مطلقاً، كما عن المبسوط والحلبي،
أو في الجملة، كما عن جماعة،
بمعنى أنه لم يمض منه (إلاّ ما لا بُدّ منه) وتدعو الحاجة إليه، ولا يمكن تأخيره إلى وقت
الاتفاق (كمئونة اليتيم) والرقيق، والدواب، و
إصلاح العقار، ومثلها شراء كفن الميت. وزاد بعضهم قضاء ديونه،
وإنفاذ الوصية المعيّنة، وقبول الهبة عن الصغير مع خوف فوات النفع، والخصومة عن الميت وله وعن الطفل وله مع الحاجة، وردّ الوديعة المعيّنة والعين المغصوبة.
وعن الفاضل في القواعد الفرق بين صورتي
الإطلاق فالثاني، والنهي عن الانفراد فالأوّل.
وفيه نظر. والأصل يقتضي المصير إلى الأوّل، إلاّ أن يستند في
الاستثناء إلى الضرورة المبيحة لما حرم بدونها. وهو مع عدم خلوّه عن مناقشة يتمّ في مئونة اليتيم وما بعده، دون ما زاده البعض من الأُمور المذكورة.
(وللحاكم) الشرعي (جبرهما على الاجتماع) من غير أن يستبدل بهما مع
الإمكان ؛ إذ لا ولاية له فيما فيه للميت وصي على الأشهر. خلافاً للحلبي، فقال : يردّ الناظر
الأمر إلى أعلمهما وأقواهما مع التشاح.
واستشكله الفاضل من حيث إنه تخصيص لأحدهما بالنظر وقد منعه الموصي.
قيل : وفيه نظر؛ إذ لا منافاة بين القولين، لأن ردّه إلى رأي الأعلم الأقوى منهما هو نفس
الإجبار على الاجتماع، وفيه حسم لمادة
الاختلاف .
(فإن تعذّر) عليه جمعهما (جاز له
الاستبدال ) بهما؛ تنزيلاً لهما بالتعذر منزلة عدمهما، لاشتراكهما في الغاية. وفي الروضة : كذا أطلق الأصحاب، وهو يتمّ مع عدم
اشتراط عدالة الوصي، أما معه فلا؛ لأنهما بتعاسرهما يفسقان، لوجوب المبادرة إلى
إخراج الوصية مع الإمكان، فيخرجان بالفسق عن
الوصاية ويستبدل بهما الحاكم، فلا يتصور إجبارهما على هذا التقدير. وكذا لو لم نشترطها وكانا عدلين؛ لبطلانها بالفسق حينئذٍ على المشهور. نعم، لو لم نشترطها ولا كانا عدلين أمكن إجبارهما مع التشاحّ.
ويشكل ما ذكره من خروجهما بالتشاحّ عن العدالة فيما إذا كان تشاحّهما مستنداً إلى
اعتقاد رجحان ما رأياه بحسب المصلحة لا التشهي والمعاندة. لكن يرد حينئذٍ أن جواز جبر الحاكم لهما على الاجتماع حينئذٍ محل نظر.
فخلاصة الكلام أن اشتراط
العدالة لا يتم مع التعاسر الذي كان للحاكم معه إجبارهما، إلاّ أن يقال : إنه حينئذٍ يجوز جبر الحاكم لهما بما هو الأصلح عنده من نظره، وهذا لا ينافي عدالتهما. وكيف كان، ينبغي التفصيل على القول باشتراط العدالة بأن التشاحّ إن كان لاختلاف النظر لم يلزم فسقهما، وإن كان يوجب
الإخلال بالواجب مع إمكان الاجتماع يلزم فسقهما إن أصرّا على ذلك متى لم يثبت كون ذلك من الكبائر، ولعلّه مراد من أطلق ممن اشترطها من الأصحاب.
(ولو التمسا القسمة) حيث وجب عليهما الاجتماع (لم يجز) لأنه خلاف مقتضى الوصية من الاجتماع في التصرف. (ولو عجز أحدهما) عن
القيام بتمام ما يجب عليه من العمل بالوصية بمرض ونحوه (ضمّ إليه) أي إلى العاجز
أمين من طرف الحاكم. ولو عجز عن القيام به أصلاً بموت أو فسق أو جنون أو نحوها ضمّ إلى الآخر. بلا خلاف في الأوّل إلاّ من الدروس، حيث جعل الضم إلى الآخر دون العاجز،
كما هو الأشهر على ما في الكفاية.
وتظهر الثمرة في وجوب قيام ثلاثة على التصرف في
الوصية الوصيين وأمين الحاكم على مذهبهم، واثنين هما من عدا العاجز على مذهبه.
وربما حمل كلامه على الثاني بإرادة العجز بالكلية لا في الجملة، وإلاّ لأشكل ما اختاره، بناءً على أن عجزه في الجملة لا يخرجه عن الوصاية؛ لجواز الوصية إلى العاجز كذلك
ابتداءً إجماعاً، كما في التذكرة وشرح القواعد للمحقق الثاني،
فكذا في
الاستدامة . وفاقاً للقواعد والإرشاد و
التحرير وفخر الدين والشهيدين وجماعة
في الثاني. خلافاً للأكثر، كما في شرح الشرائع للصيمري والكفاية،
فاختاروا استقلال الوصي الآخر من دون ضميمة أمين من حاكم الشريعة؛ مستندين فيه إلى أنه مع وجود
الوصي لا ولاية للحاكم. ويضعّف بأن الموصي لم يرض برأي أحدهما منفرداً، والوصي إنما هما معاً لا أحدهما منفرداً، فلا بُدَّ من أن يضمّ إليه أميناً.
وعليه فهل للحاكم أن يفوّض جميع
الولاية إلى الثاني منهما بدلاً عن الضميمة، تنزيلاً له مقامهما؟ وجهان. من أن النظر قد صار للحاكم فيولّي من يختاره. ومن أن الموصي لم يرض برأي الآخر على الانفراد، فليس للحاكم تفويض جميع الأمر إليه وإلاّ لزم
التبديل المنهي عنه في الشريعة. وهذا أجود. بخلاف ما لو حصل لهما معاً العجز أصلاً فإن للحاكم أن ينصب ولو واحداً؛ للفرق بين المقامين بأن الثاني من الوصيين في المقام الأوّل منصوب من قبل الموصي ولم يرض برأيه منفرداً كما مضى، وهنا قد انقطع نظره بعجزهما وصار النظر إليه كملاً فله نصب من شاء ولو واحداً. ثم إن كل ذا إنّما هو إذا أوصى إليهما مطلِقاً أو مشتَرِطاً عليهما اجتماعهما معاً.
(أما لو شرط لهما الانفراد تصرف كلّ واحد منهما وإن انفرد) عن الآخر، بلا خلاف ولا إشكال في الجواز؛ للأصل، وعدم المانع بمقتضى الشرط. ولكن في جواز الاجتماع حينئذٍ نظر : من مخالفته الشرط فلا يصح، ومن
اقتضاء الاتفاق على الاجتماع صدوره عن رأي كلّ واحد منهما، وشرط الانفراد اقتضى الرضا برأي كل واحد، وهو حاصل إن لم يكن هنا آكد.
والظاهر أن شرط الانفراد رخصة لا تضييق، وهذا ظاهر العبارة و
الروضة .
وهو حسن حيث تقوم قرينة على كون اشتراط الانفراد رخصة لا عزيمة، ومع هذا لو حصل لهما في حال الاجتماع نظر مخالف له حالة الانفراد ينبغي القطع بالمنع؛ لجواز كون المصيب هو حالة الانفراد ولم يرض الموصي إلاّ به.
ولو نهاهما عن
الاجتماع اتبع قطعاً؛ عملاً بمقتضى الشرط الدالّ صريحاً على النهي عنه فيمتنع.
(ويجوز) لهما في هذه الحالة (أن يقتسما) المال بالتنصيف والتفاوت حيث لا يحصل بالقسمة ضرر ولا يكون الموصي منع عنها؛ لأن مرجع القسمة إلى تصرف كلّ منهما في البعض وهو جائز بدونها، ثم بعدها لكل منهما التصرف في قسمة الآخر وإن كانت في يد صاحبه ، لأنه وصي في المجموع فلا تزيل القسمة ولايته فيه.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۳۲۱- ۳۲۹.