الولاية المطلقة للأئمة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا ريب في سعة دائرة ولاية
النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى حدّ بحيث يكون هو أولى بالمؤمن من نفسه في كلّ التصرّفات الراجعة إليه، قال تعالى: «النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ».
كما أنّ له
الولاية المطلقة على الأمور العامّة بل وعلى الشريعة، كما دلّت على ذلك جملة من
الآيات والروايات،
والإمامة نيابة الهيّة شرعية عنه، وقد أطلق صلى الله عليه وآله وسلم القول: «من كنت مولاه فعلي مولاه»،
كما أنّ قوله تعالى: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»
يستفاد منه وحدة الملاك في طاعة النبي
واولي الأمر ؛ وهناك روايات صحيحة تؤكّد ذلك.
ومصدر هذه الأولوية- الولاية- ولاية اللَّه سبحانه، وهي المبرّر لها، باعتبار أنّ اللَّه سبحانه هو الولي الذاتي والحقيقي
للإنسان ؛ لكونه الخالق والمالك له والمنعم عليه، وكل ولاية أخرى غير ولاية اللَّه سبحانه وتعالى تكون اعتبارية ومجعولة، ولا بدّ وأن تنتهي إلى اللَّه سبحانه وتعالى.
ثمّ انّه قد شرّع أحكاماً وأنزل شريعة من أجل أن تُجرى وتنفَّذ في جانبها الفردي وفي جانبها الاجتماعي، وتنفيذ الأحكام الراجعة إلى الفرد يكون الإنسان هو المسئول في تطبيقها على نفسه، وأمّا تنفيذ الأحكام الراجعة إلى المجتمع والدولة فهو بحاجة إلى ولاية عامّة واختيارات واسعة بسعة شريعة اللَّه وأغراضها. وهذه السعة في الولاية تتناسب مع عظم المسئولية التي ينهض
الإمام بأعبائها.وهذه الولاية الممنوحة لهم لا يسوغ ممارستها من قِبل غيرهم إلّا لمن نصبوه بالنصب الخاص أو العام. وقد دلّت الأدلّة على أنّه في زمان غيبتهم قد أذنوا للفقيه الجامع للشرائط أن يتصدّى لذلك باعتباره نائباً عامّاً عنهم. وتفصيل ذلك تحت عنوان (ولاية الفقيه).هذا، وهناك جملة من الأحكام صرّح فيها بكونه من شئون الإمام المعصوم عليه السلام، أو أنّه أولى به وأنّ انتقاله إلى إمام المسلمين- بالمعنى العام- إنّما يكون من جهة نيابته عنه، منها:
۱- أولوية إمام
الأصل من كل أحد بالصلاة على الميت، وهو موضع وفاق،
فإنّه- مضافاً إلى الأدلّة العامّة- قد روى في الدعائم عن علي أنّه قال: «إذا حضر السلطان الجنازة فهو أحق بالصلاة عليها من وليّها»،
وعن
الصادق عليه السلام :«إذا حضر الإمام فهو أحقّ الناس بالصلاة عليها».
۲- يشترط في وجوب
الجمعة عيناً عدّة شروط، منها حضور السلطان العادل أو من نصبه، وإلّا فبدونهما تسقط عيناً،
وذهب بعض إلى عدم مشروعيتها حال عدم حضور الإمام.
۳- وجوب صلاة العيدين مع حضور الامام،
ففي دعاء
الإمام السجاد عليه السلام :«اللهم إنّ هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع امنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها...»،
وعن
الباقر عليه السلام :«لا صلاة يوم الفطر والأضحى إلّا مع إمام عادل»،
ولو اختلّت الشرائط سقط الوجوب واستحبّ
الإتيان بها جماعة وفرادى، وبذلك افترقت عن الجمعة.
۱- وجوب دفع
الزكاة إلى الإمام لو طلبها، لوجوب طاعته وحرمة مخالفته عقلًا ونقلًا،
بل الأولى دفعها إليه حتى مع عدم المطالبة؛ فانّه أبصر بمواقعها وأعرف بمواضعها.
۲- لا يجوز للساعي تفريق الزكاة إلّا بإذن الإمام؛ لأنّ العمالة وكالة فيقتصر فيها على موضع
الإذن من الموكّل.
۳- يجب على الإمام بعث السعاة في كلّ عام لجباية الزكاة إن توقّف حصولها على ذلك.
۱- المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون
إجماعاً أنّ الخمس يقسم ستة أقسام، ثلاثة منها- وهي سهم اللَّه وسهم رسوله وسهم ذي القربى- وهي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حال حياته، ومِن بعده تكون للإمام عليه السلام،
فعن
الامام أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قيل له: فما كان للَّه- من الخمس- فلمن هو؟ فقال عليه السلام: «لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وما كان لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فهو للإمام»،
ويصطلح على هذه الأسهم الثلاثة بسهم الإمام ولا يجوز التصرّف فيما هو ملك للإمام إلّا باذنه.
۲- يجب
إيصال جميع الخمس إلى الامام حال حضوره، أمّا الأسهم الثلاثة الاولى فهي له يصرفه فيما يشاء، وأمّا الأسهم الثلاثة الأخرى، فهي للأيتام والمساكين وأبناء السبيل من
بني هاشم جعل اللَّه الخمس لهم عوض تحريم الزكاة، والإمام يقسمه عليهم.
وفي زمان
الغيبة اختلف الفقهاء في حكم الخمس وما يصنع به، والمشهور بين المتأخرين منهم أنّه يجب إيصال الأسهم الثلاثة الاولى ( سهم الإمام، أي سهم اللَّه وسهم رسوله وسهم ذي القربى) إلى
المجتهد الجامع للشرائط، وأمّا الأسهم الثلاثة الأخرى فيجوز للمالك دفعه إلى المستحقّ، وإن كان
الأحوط استحباباً الدفع إلى المجتهد أيضاً، وبعضهم احتاط وجوباً.
وانظر التعليقات عليها.
لا كلام في كون
الأنفال ملكاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم،
قال تعالى: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ»،
ثمّ مِن بعده للإمام، فعن محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال: سألته عن الأنفال، فقال- وقد عدّ مواردها-:«فكلّ ذلك للإمام خالصاً».
فلا يجوز التصرّف في ذلك بغير إذنه عقلًا وشرعاً، بل ضرورة من الدين كغيره من الأملاك، ولو تصرّف متصرّف كان غاصباً ظالماً مأثوماً، ولو حصل له فائدة تابعة للملك شرعاً كانت للامام عليه السلام.
وأمّا موارد الأنفال وما يعدّ منها وما لا يعدّ منها فلتفصيله يراجع عنوان (أنفال).
ثمّ إنّ للإمام أن يتصرّف في ذلك حسب ما يراه، فله أن يحمي ما يشاء ويُقطع ما يشاء من الأرض أو
المعدن وغير ذلك.وحكم الأنفال في عصر الغيبة حكم سهم الإمام من الخمس.
۱- المعروف أنّ مشروعية
الجهاد الابتدائي ووجوبه مشروط بوجود
الإمام عليه السلام وبسط يده أو من نصبه للجهاد،
ففي خبر
بشير الدهّان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قلت له: إنّي رأيت في المنام أني قلت لك: إنّ القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم
الخنزير ، فقلت لي: نعم هو كذلك، فقال
أبو عبد اللَّه عليه السلام : «هو كذلك، هو كذلك».
ولا يشترط ذلك في الجهاد الدفاعي،
بل للمسلمين أن يدافعوا عن بيضة
الإسلام إذا دهمهم العدوّ.
۲- وما يغنمه المقاتلون بإذنه من دار الحرب فيجب فيه الخمس؛
فعن أبي بصير عن الباقر عليه السلام قال: «كل شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمّداً رسول اللَّه فإنّ لنا خمسه، ولا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا».
وأمّا ما يغنمه المقاتلون بغير إذنه فهو من الأنفال التي تكون للإمام عليه السلام،
فعن الصادق عليه السلام: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام».
۳- مقاتلة
الباغي على الإمام، فإنّه:«يجب قتال من خرج على إمام عادل إذا ندب إليه الامام عموماً أو خصوصاً أو من نصبه الإمام، والتأخّر عنه كبيرة...»،
قال تعالى: «وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا».
وقد أبان
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّ جواز مقاتلة الباغي وإباحة دمه لا تلازم
إباحة ماله، بل تبقى أمواله على حرمتها ولا يجوز
اغتنامها .
۴- للإمام عليه السلام أن يذمّ لأهل الحرب وأن يعطيهم الأمان عموماً وخصوصاً على حسب ما يراه من المصلحة؛ لأنّ ولايته عامّة،
والأمر موكول إليه في ذلك ونحوه، وكذا من نصبه الإمام عليه السلام للنظر في جهة يذمّ لأهلها عموماً وخصوصاً على حسب ما يراه من المصلحة أيضاً؛ لأنّه فرع من له ذلك.
۵- ولا يتولّى
عقد الذمة إلّا الإمام عليه السلام مع بسط يده،
ولو تمكّن نائب الغيبة من عقد الذمّة وتقرير الجزية صحّ وجرى عليه حكم عقد الإمام عليه السلام.
۶- ولا يتولّى
عقد الهدنة إلّا الإمام أو من يقوم مقامه.
۱- حيث إنّ
القضاء يستلزم التصرّف في مال أو نفس أو عرض، فهو نوع ولاية،وهي ثابتة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى: «فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»
ومن بعده للإمام المفترض الطاعة؛ فانّه ولي الأمر، وفي خبر
سليمان بن خالد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «اتقوا الحكومة، إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين: لنبي أو وصي نبيّ».
وقال أمير المؤمنين عليه السلام لشريح: «يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه إلّا نبي أو وصيّ نبيّ أو شقي».
فلا يجوز لغير الإمام أن يتصدّى للقضاء إلّا إذا كان مأذوناً أو منصوباً من قِبله خصوصاً أو عموماً،
ففي مقبولة
عمر بن حنظلة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً».
۲- كما انّه لا يجوز لأحدٍ
إقامة الحدود إلّا الإمام عليه السلام مع وجوده وبسط يده أو من نصبه الإمام لإقامتها،
أمّا ثبوت الحدّ فلا بدّ أن يكون عند الإمام، وأمّا إقامة الحدّ فكذلك.نعم، اختلف في إجراء
القصاص بعد ثبوته عند الإمام على قولين: اشتراط
إذن الإمام وعدمه.
ولا كلام في أنّ التعزير من شئون الإمام، بل انّ
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لو توقّفا على الجرح فلا بدّ من إذن الإمام أيضاً، ومن نصبه الإمام يقوم مقام الإمام.كما أنّ للإمام أن يعفو عن العقوبة في الجملة، كما لو كانت تعزيراً أو حدّاً من حقوق اللَّه إذا كان ثابتاً
بالإقرار لا بالبيّنة.
الموسوعة الفقهية، ج۱، ص۱۹۷-۲۰۲.