• خواندن
  • نمایش تاریخچه
  • ویرایش
 

انقطاع دم الاستحاضة

احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF



إذا انقطع دم الاستحاضة فتارةً تعلم أنّ الانقطاع لبرءٍ أو فترةٍ، واخرى لا تعلم ذلك. وإن كان لفترةٍ فإمّا أن تعلم بسعتها للطهارة والصلاة أو لإحداهما أو تعلم بعدم السعة أو لا تعلم بها. وعلى جميع التقادير فإمّا أن يكون الانقطاع قبل الطهارة، أو بعد الشروع فيها، وهو أيضاً إمّا أن يكون في أثناء الطهارة، أو بينها وبين الصلاة، أو في أثناء الصلاة أو بعدها. فالمسألة لها صور عديدة، والبحث في وظيفة المستحاضة بملاحظة هذه الصور.




ذهب كثير من الفقهاء إلى أنّه يجب على المستحاضة حينئذٍ ما كان واجباً عليها من قبل من الوضوء خاصّة أو مع الغسل. واستدلّ على ذلك بأنّ مجرّد خروج دم الاستحاضة كافٍ لوجوب الوضوء فقط أو مع الغسل سواء استمرّ الدم أو انقطع، وعليه فلا يمكن أن يمنع الانقطاع عن ترتّب الحكم المذكور؛ إذ يكفي في ذلك خروجه قبله. ولا فرق في ذلك بين ما إذا خرج الدم قبل وقت الصلاة ثمّ انقطع في الوقت أو خرج في الوقت وانقطع أيضاً فيه؛ لأنّ ظاهر الأدلّة أنّ دم الاستحاضة يكون حدثاً موجباً للوظيفة المقرّرة له في وقت الصلاة، ولا يعتبر وجوده في الوقت. نعم، بناءً على التفصيل بين خروجه في الوقت وعدمه يختلف الحكم باختلاف كون الانقطاع في الوقت أو قبله، فإن انقطع في الوقت ترتّب الحكم من وجوب الوضوء فقط أو مع الغسل، وإن انقطع قبله لم يترتّب الحكم.
ولكن هذا التفصيل غير مقبول عند المحقّقين؛ لما تقدّم من ظهور الأدلّة في كون وجود دم الاستحاضة مطلقاً حدثاً بلا خصوصيّة لوجوده في الوقت. ولكن أطلق الشيخ الطوسي و العلّامة الحلّي القول بأنّ الانقطاع موجب للوضوء خاصّة. ولكن يعرف ضعف هذا القول بما تقدّم من أنّ مجرّد خروج الدم كما يكفي لترتّب وجوب الوضوء خاصّة في الاستحاضة القليلة ولو بعد انقطاعه، كذلك يكفي لترتّب وجوب الوضوء مع الغسل في الاستحاضة المتوسّطة ولو بعد انقطاع الدم، وكذا في الاستحاضة الكثيرة بناءً على المشهور في عدم إجزاء الغسل عن الوضوء.



انقطاع الدم بعد الشروع في الأعمال- كما تقدّم- إمّا يكون في أثناء الطهارة، وإمّا يكون بين الطهارة والصلاة، وإمّا يكون في أثناء الصلاة. وقد أطلق جماعة من الفقهاء القول هنا بوجوب استئناف الطهارة.
[۱۶] المنهاج (الحكيم)، ج۱، ص۹۴، م ۳۲.
[۱۷] مصباح الهدى، ج۵، ص۲۰۵- ۲۰۶.
واستدلّ عليه بأنّ دم الاستحاضة حدث ناقض للطهارة بحيث يوجب الوضوء فقط تارةً أو مع الغسل اخرى، وهذا الدم لا يكون ناقضاً إذا استمرّ إلى آخر العمل؛ لدلالة الروايات الواردة في الباب فهي مخصّصة لإطلاق دليل الناقضيّة.
وأمّا إذا خرج الدم في الأثناء فانقطع ولم يستمرّ إلى آخر الصلاة فلا دليل على عدم كونه ناقضاً للطهارة، بل مقتضى إطلاق دليل الناقضيّة هو انتقاض هذا الدم للطهارة، وعلى هذا فيجب تجديدها في زمان البرء أو الفترة. ولكن ذهب في قبال ذلك بعض الفقهاء إلى عدم وجوب الاستئناف . ولعلّ دليله إطلاق الأدلّة بالنسبة إلى هذه الصورة، وعليه فهذا الدم معفوّ عنه فلا يجب تجديد الطهارة.






ذهب جمع من الفقهاء إلى وجوب إعادة الطهارة والصلاة في هذه الصورة.
[۲۲] المنهاج (الحكيم)، ج۱، ص۹۴، م ۳۲.
واستدلّ عليه بأنّه بعد انقطاع الدم ينكشف فساد الطهارة الاولى، فلا تكليف في حقّها لا اختياريّاً ولا اضطراريّاً، أمّا الأوّل فمعلوم، وأمّا الثاني فلأنّ المتيقّن من العفو الثابت بالنصوص هو ما إذا استمرّ الدم حتى بعد الصلاة، وأمّا إذا انقطع فهو خارج عن مصبّ النصوص، فلا أمر ولا امتثال حتى يقتضي الإجزاء، من غير فرق في ذلك بين القول بجواز البدار وعدمه.
[۲۵] مصباح الهدى، ج۵، ص۲۰۷- ۲۰۸.

ولكن ذهب في قبال ذلك جملة من الفقهاء إلى عدم وجوب الإعادة في هذه الصورة. واستدلّ عليه بأنّ عدم وجوب الإعادة لم يكن لإجزاء الأمر التخييري أو الظاهري عن المأمور به الواقعي، بل للأمر الواقعي الاضطراري ، فإنّ في قوله عليه السلام: «تؤخّر هذه، وتعجّل هذه»، ونظيره دلالة على التجويز للبدار في حقّ المستحاضة، ومقتضى إطلاق هذه الأخبار عدم الفرق في ذلك بين كون المرأة شاكّة في انقطاع دمها لبرء أو فترة وبين كونها عالمةً بعدم الانقطاع أو كانت غافلة.
نعم، صورة العلم بالانقطاع خارجة عن الإطلاقات؛ لقرينة الارتكاز الآتي شرحها. على أنّ حصول الانقطاع بعد الإتيان بالطهارة والصلاة أمر متعارف كحصوله قبل الإتيان بهما أو في أثنائهما؛ إذ ليس للانقطاع وقت معيّن، فقد ينقطع في أوّل الوقت قبل الطهارة والصلاة، وقد ينقطع في أثنائهما، وقد ينقطع في آخر الوقت، بل لعلّه الغالب في الليل؛ لأنّ الغالب إتيان الصلاة في أوّله، فالانقطاع لو حصل فإنّما يحصل غالباً بعد الصلاة، فلا مانع من شمول الإطلاق لتلك الصورة. بل عدم تعرّضهم لوجوب الإعادة حينئذٍ مع كون الانقطاع بعد الصلاة أمراً متعارفاً يكشف عن عدم وجوب الإعادة حينئذٍ، وأنّ الإتيان بالواجب‌ الاضطراري مجزئ عن الواجب الاختياري .

۴.۱ - حكم الانقطاع عن فترة واسعة


هذا حكم الانقطاع عن برء، وأمّا إذا كان عن فترةٍ واسعة فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ حكمه هو حكم الانقطاع عن برء، إمّا بنحو الجزم والفتوى، وإمّا بنحو الاحتياط الوجوبي. واستدلّ على ذلك بأنّ المرأة في تلك الفترة محكومة بالطهارة، وليس حكمها حكم النقاء المتخلّل أثناء الحيضة الواحدة في كونه ملحقاً بالحيض؛ لأنّه إنّما كان للدليل، ولا دليل عليه في المقام، والمستحاضة بمعنى مستمرّة الدم ومع الانقطاع لا تكون استحاضة، بل الحال كذلك لغةً؛ لأنّ الاستحاضة من الحيض‌ الذي هو بمعنى الدم، ومع عدمه لا استحاضة في البين، فحكم الفترة الواسعة حكم البُرء.

۴.۲ - حكم الانقطاع عن فترة غير واسعة


وأمّا إذا كانت الفترة غير واسعة للطهارة والصلاة فلا إشكال في عدم اعتبارها، فلا يجب انتظارها ، كما صرح به المحقّق النجفي بقوله: «أمّا إذا كان الانقطاع للفترة فهي إن لم تكن تسع الطهارة والصلاة فلا يلتفت إليها قطعاً».
وقال السيّد الحكيم : «فكأنّه إجماع، وإلّا لأمكن القول بالانتظار كما في المسلوس؛ لما ذكر فيه، اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ غلبة وجود الفترات اليسيرة تقتضي ذلك؛ لئلّا يلزم حمل الكلام على النادر، هذا، ولكنّ الغلبة غير ظاهرة».



للشكّ في سعة فترة الانقطاع صور ثلاث:

۵.۱ - الصورة الاولى


أن تعلم بالانقطاع وتشكّ في أنّه انقطاع برء أو انقطاع فترة واسعة، وهذه الصورة خارجة عن محلّ الكلام بناءً على اتّحاد حكم البرء والفترة الواسعة، فإنّها على كلّ تقدير عالمة بطهارتها بمقدار يسع الطهارة والصلاة.

۵.۲ - الصورة الثانية


أن ينقطع دمها ولكنّها شكّت في أنّه انقطاع برء حتى تتمكّن من الطهارة والصلاة مع الطهارة من الدم، أو أنّه انقطاع فترة غير واسعة فلا تتمكّن منهما في حالة الطهر.

۵.۳ - الصورة الثالثة


أن ينقطع دمها وتعلم أنّه ليس بانقطاع برءٍ وإنّما هو انقطاع فترة ولكنّها شكّت في أنّها تسع للطهارة والصلاة أو أنّها مضيّقة لا تسعها. وقد ذهب بعض الفقهاء في الصورتين الأخيرتين إلى عدم وجوب الاستئناف لو كان الشكّ في أثناء الصلاة ولا الإعادة لو كان بعد الصلاة. ولعلّ وجه ذلك هو كون المقام من موارد الشكّ في التكليف حيث إنّ المرأة بعد ما أتت بوظيفتها أو شرعت فيها تشكّ في أنّها مكلّفة بتكليف زائد وهو التكليف بالطهارة والصلاة بعد ذلك أو لم يتوجّه إليها تكليف زائد من الوضوء أو الغسل أو الصلاة، ومع الشكّ في التكليف يرجع إلى البراءة عن التكليف المحتمل فلا يجب عليها الإعادة ولا الاستئناف.
ولكن في قبال ذلك ذهب بعض إلى وجوب الاستئناف أو الإعادة؛ وذلك لاستصحاب انقطاع الدم إلى زمان يسع للطهارة والصلاة معاً، حيث إنّ المرأة في أوّل آن الانقطاع طاهرة قطعاً، سواء كان الانقطاع انقطاع برء أو فترةٍ، فإذا شكّت في أنّ طهارتها باقية مطلقاً إذا احتملت البرء أو بمقدار يسع الطهارة والصلاة إذا احتملت الفترة، فمقتضى الاستصحاب بقاء انقطاع دمها وطهارتها مطلقاً أو بمقدار تتمكّن فيه من الطهارة والصلاة فهي كالعالمة بالبرء أو الفترة الواسعة؛ لأنّ الاستصحاب كما يجري في الامور السابقة يجري في الامور الاستقباليّة.
وعليه فيجب عليها حينئذٍ الاستئناف أو الإعادة كما يجب الاستئناف أو الإعادة في صورة العلم بالبرء أو الفترة الواسعة، كما سيأتي الكلام في ذلك. ولو فرض عدم جريان الاستصحاب المذكور يكفي للحكم بوجوب الاستئناف أو الإعادة قاعدة الاشتغال ، فإنّ مقتضاها لزوم تحصيل اليقين بالفراغ والخروج عن العهدة، وهو لا يمكن إلّا بالاستئناف أو الإعادة. ثمّ إنّ هذا بناءً على وجوب الإعادة عند العلم بالبرء أو الفترة الواسعة كما سيأتي ذلك، وأمّا بناءً على عدم وجوب الإعادة في صورة العلم فلا تجب في صورة الشكّ بالأولويّة .




۶.۱ - في الاستحاضة المتوسطة والكثيرة


إذا لم يخرج من المستحاضة دم حال الغسل ولا حال الصلاة فلا إشكال في أنّها بغسلها تصير طاهرة، ولا يجب عليها بعد ذلك شي‌ء؛ إذ لا موضوع لوجوب الغسل ثانياً مع فرض عدم خروج الدم من حين الشروع في الغسل السابق، فإيجابه حينئذٍ يكون بلا موجب. وأمّا إذا خرج الدم حال الغسل أو بعده أو حال الصلاة وانقطع بعد الصلاة فالمشهور أنّه يجب عليها أن تغتسل للانقطاع، فلا يكتفى بالغسل السابق.
واستدلّ على ذلك بما هو المستفاد من أنّ دم الاستحاضة حدث ولكنّه معفوّ عنه في حال الصلاة و الاغتسال ؛ للأخبار الدالّة على ذلك، فهي مخصّصة لما دلّ على ناقضيّة الحدث، وأمّا بعد الصلاة والغسل فهو حدث لا بدّ من الاغتسال له. مع أنّه يدلّ على ذلك المطلقات الواردة في المقام كموثّقة سماعة ونحوها، فإنّها تدلّ على أنّ الدم إذا ثقب الكرسف أو تجاوز عنه وجب عليها الاغتسال مرّة أو لكلّ صلاتين، فإنّ إطلاقها يشمل ما إذا ثقب الكرسف أو تجاوز عنه في أثناء الغسل أو بعده أو في حال الصلاة ثمّ انقطع بعد الصلاة.
والحاصل: أنّ المستحاضة لا بدّ لها من الاغتسال للانقطاع، وليس لها الاكتفاء بغسلها الذي خرج الدم في أثنائه أو بعده أو أثناء صلاتها؛ لعدم حصول الطهارة لها بذلك مطلقاً، وإلّا لم تكن حاجة إلى الوضوء لكلّ صلاة أو الغسل لكلّ صلاتين بعد ذلك.

۶.۲ - في الاستحاضة القليلة


هذا بالنسبة إلى الاستحاضة المتوسّطة والكثيرة، والأمر كذلك بالنسبة إلى الاستحاضة القليلة أيضاً، فإذا لم يخرج منها دم في أثناء الوضوء والصلاة فلا يجب عليها الوضوء بعدئذٍ، وأمّا لو خرج في أثنائهما وانقطع فيجب عليها أن تتوضّأ للصلاة التي بعدها؛ وذلك لعدم ارتفاع حدثها بما أتت به من الوضوء. ولكن نوقش في وجوب الغسل في مورد الاستحاضة المتوسّطة بقصور المقتضي، حيث إنّ غاية ما تدلّ عليه الأخبار في المقام أنّ حدوث المتوسّطة موجب للغسل الواحد في حقّها، والمفروض أنّها أتت بوظيفتها واغتسلت.
وأمّا إذا انقطع الدم بالمرّة أو عاد أيضاً فلا يستفاد من الأخبار أنّه موجب للحدث والاغتسال، وعليه فلا وجه للاستدلال على وجوب الغسل للانقطاع بما تقدّم؛ إذ لا موجب لوجوب الغسل عليها للانقطاع، حيث إنّها أتت بما هي وظيفتها إذا كانت استحاضتها متوسّطة وهي الغسل الواحد ليومها وليلتها فلا يجب عليها غسل آخر للانقطاع. نعم، يجب عليها بعد عود دمها أن تتوضّأ للصلوات الآتية؛ لإطلاق ما دلّ على أنّ المستحاضة المتوسّطة يجب عليها الوضوء لكلّ صلاة، وبما أنّها رأت الدم بصفة الاستحاضة المتوسّطة فهي مستحاضة متوسّطة فيجب عليها الوضوء للصلوات الآتية.
بل الأمر كذلك أيضاً في الكثيرة بالإضافة إلى الصلاة الثانية فيما إذا أرادت الجمع بين الصلاتين فاغتسلت وصلّت إحداهما ثمّ انقطع الدم بالمرّة أو عاد فلا يجب أن تغتسل للثانية؛ وذلك لإطلاق ما دلّ على كفاية الغسل الواحد في الكثيرة لصلاتين، والمفروض أنّها اغتسلت فيكفيها ذلك الغسل بالإضافة إليهما. نعم، يجب عليها غسل آخر بالإضافة إلى الصلوات الآتية.



قد تعلم المستحاضة بأنّ دمها لا يكون مستمرّاً في جميع أجزاء وقت الصلاة، بل ينقطع في جزء منها بحيث يسع لها وللطهارة، فذهب غير واحد من الفقهاء
[۴۳] المنهاج (الحكيم)، ج۱، ص۹۴.
في هذه الحالة إلى أنّه يجب عليها أن تتطهّر وتصلّي في تلك الفترة، سواء كان الانقطاع انقطاع برءٍ بحيث لا يعود الدم في جزء من وقت الصلاة، أو انقطاع فترة واسعة للصلاة والطهارة بحيث يعود الدم بعد ذلك. وعليه فإذا كانت الفترة في آخر الوقت أو وسطه فصلّت قبلها بطلت صلاتها ولو كانت مع الوضوء والغسل، وإذا كانت الفترة في أوّل الوقت فلا يجوز تأخير الصلاة عنها، ولو أخّرت وجب عليها حينئذٍ أن تؤدّي عمليّة الطهارة المقرّرة لها وتصلّي.

۷.۱ - الاستدلال على وجوب الإتيان


واستدلّ على وجوب الإتيان بالطهارة والصلاة في الفترة التي يكون الدم منقطعاً فيها وعدم جواز التقديم عليها أو التأخير عنها بأنّ الطهارة والصلاة في الفترة المزبورة تكونان من الوظائف الاختياريّة، وأمّا الطهارة والصلاة في غيرها فتكونان من الوظائف الاضطراريّة، ومع إمكان الإتيان بالوظيفة الاختياريّة لا تصل النوبة إلى الوظيفة الاضطراريّة. وأمّا الدليل على أنّ الطهارة والصلاة في غير الفترة المزبورة وفي حال استمرار الدم من الوظائف الاضطراريّة فهو ما ورد في الروايات، كما في صحيحة معاوية بن عمّار من قوله عليه السلام: «تؤخّر هذه وتعجّل هذه»، وقوله عليه السلام أيضاً في ذيلها: «صلّت كلّ صلاة بوضوء»، فلو كانت طهارتها اختياريّة لم تكن أيّة حاجة إلى الجمع بين الصلاتين ولا إلى تجديد الوضوء لكلّ صلاة، بل كان يجوز لها أن تفرّق بينهما وأن تكتفي بوضوء واحد في الجميع ما لم تحدث بحدث آخر، فوجوب الجمع بين الصلاتين ووجوب تجديد الوضوء عليها لكلّ صلاة يدلّان على أنّ في الاستحاضة اقتضاء الحدث، وإنّما لا يكون ناقضاً في المقدار الثابت بالدليل وهو زمان غسلها وطهارتها وجمعها بين الصلاتين، وفي المقدار الزائد على ذلك يؤثّر المقتضي أثره وهو الحدثيّة.

۷.۲ - رواية الإمام الصادق عليه السلام


وأيضاً ما في صحيحة زرارة من قوله عليه السلام: «لا تدع الصلاة على حال، فإنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: الصلاة عماد دينكم»، فإنّه كالصريح في أنّ الاستحاضة مقتضية لترك الصلاة، إلّا أنّها باعتبار كونها عماد الدين فلا تتركها، وعليه فيجوز لها الغسل والوضوء والجمع بين الصلاتين بالمقدار الذي دلّ عليه الدليل. وكذا قوله عليه السلام في مرسلة يونس الطويلة: «وإن سال مثل المثعب» في‌ جواب سؤال السائل: وإن سال» ؟ فإنّه يدلّ على أنّ حدثيّة الاستحاضة كالحيض أمر ثابت في الأذهان، ومن هنا سأله السائل بقوله: وإن سال؟ إلّا أنّه أمر بوجوب الصلاة في حقّها، وأنّ الاستحاضة غير الحيض.
وهكذا يظهر أنّ هذه الروايات دالّة على أنّ تكليف المستحاضة تكليف اضطراري، وأنّ طهارتها من غسل ووضوء طهارة اضطراريّة نظير طهارة المتيمّم أو المسلوس و المبطون أو الطهارة مع الجبيرة، وغير ذلك من ذوي الأعذار وليست طهارة اختياريّة.

۷.۳ - البدل الاضطراري


هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى أنّ المرتكز في أذهان كلّ ملتفت أنّ الأمر بالبدل الاضطراري إنّما هو مع عدم التمكّن من المبدل عنه الاختياري، وأنّ التكليف الاضطراري يرتفع مع التمكّن من الاختياري، فمع تمكّن المكلّف من الوصول إلى الماء بعد ساعة ولو في قعر بئر فإنّ المتشرّعة لا يرونه مكلّفاً بالتيمّم؛ لأنّه متمكّن من الوضوء مع قطع النظر عن أيّة رواية أو دليل.
وعليه فإذا كانت المستحاضة قادرة على الطهارة والصلاة مع الطهارة الواقعيّة- كما هو المفروض هنا- فلا تكون مأمورةً بالطهارة والصلاة في حال الاضطرار ، وعلى هذا فلا يشمل إطلاق الأخبار الواردة لبيان وظائف المستحاضة صورة العلم بانقطاع الدم؛ فإنّها خارجة عن الإطلاق بالقرينة المتّصلة وهي الارتكاز بالبيان المتقدّم، فلا بدّ من حمل هذه الأخبار على صورة عدم العلم بحدوث فترة واسعة للطهارة والصلاة مع الطهارة الواقعيّة، ولا يلزم من ذلك حمل الأخبار على المورد النادر؛ لعدم ندرة صورة الجهل بحدوث الفترة.

۷.۴ - صورة عدم إطلاق الأخبار


هذا إذا كان للأخبار المذكورة إطلاق، وأمّا إذا لم يكن لها إطلاق- كما ادّعى ذلك بعض الفقهاء
[۵۰] مصباح الهدى، ج۵، ص۲۰۲.
- فهذه الصورة خارجة عن مورد النصوص تخصّصاً لا تخصيصاً، وذلك بأن يكون موردها خصوص ما إذا استمرّ الدم ولم ينقطع. ثمّ إنّه قد ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ الانقطاع إذا كان انقطاع فترة لا برء فهو كزمان عدم الانقطاع محكوم بالحدث والاستحاضة، فكما أنّ الطهر الأقلّ من عشرة أيّام الواقع بين الحيضة الواحدة محكوم بالحيضيّة، كذلك الطهر بين الاستحاضة محكوم بأنّه استحاضة، وعليه فلا وجه لوجوب التأخير حينئذٍ؛ لأنّ المرأة مستحاضة أيضاً في تلك الفترة.
ويرد عليه: أنّ أيّام الطهر خارجة عن الاستحاضة والمرأة فيها غير محكومة بالاستحاضة، ولا يجب عليها مع الطهر أن تغتسل لكلّ صلاتين أو تتوضّأ لكلّ صلاة، ولا تقاس الاستحاضة بالحيض؛ لقيام الدليل في باب الحيض على أنّ المرأة إذا رأت الحيض ثلاثة أيّام ثمّ انقطع يوماً- مثلًا- ثمّ رأت الدم بعد ذلك أيضاً فهو من الحيض، وأمّا في الاستحاضة فلا دليل على ذلك، فالمرأة في أيّام الانقطاع ولو لفترة طاهرة حقيقةً فيجب التأخير فيما إذا علمت بأنّ الدم ينقطع عن فترةٍ واسعة للطهارة والصلاة كما يجب فيما إذا علمت بأنّه ينقطع عن برء.



اختلف الفقهاء في جواز بدار المستحاضة إلى العمل بوظيفتها وعدمه في صورة رجاء انقطاع الدم عنها عن بُرء أو لفترة تسع للصلاة، فذهب السيد اليزدي إلى وجوب التأخير إلى وقت الانقطاع حيث قال: «يجب التأخير مع رجاء الانقطاع بأحد الوجهين حتى لو كان حصول الرجاء في أثناء الصلاة، لكنّ الأحوط إتمامها ثمّ الصبر إلى الانقطاع». واستدلّ على ذلك بأنّ المأمور به الاضطراري إنّما هو في طول الواجب الاختياري، ومع التمكّن منه لا مساغ للاضطراري، ومعه لا بدّ في الإتيان به من إحراز عجزه عن المأمور به الاختياري، ومع عدم إحرازه والشكّ فيه لا يمكن الإتيان به. نعم، يستثنى من ذلك التيمّم فإنّه يجوز البدار؛ للنصّ الوارد فيه.
وفي قبال ذلك ذهب بعض الفقهاء إلى جواز البدار وعدم وجوب التأخير؛ مستدلّاً عليه بأنّ المأمور به الاضطراري وإن كان في طول الواجب الاختياري، إلّا أنّه يكفي في إحراز العجز عن الواجب الاختياري استصحاب بقاء عجزه إلى آخر الوقت، وهو حجّة شرعيّة كافية في الإحراز . وعليه فجواز البدار لجميع ذوي الأعذار على طبق القاعدة، ويستثنى من ذلك التيمّم؛ لما ورد من أنّه يطلب الماء، فإن فاته الماء لا تفوته الأرض ، فمقتضاه عدم جواز البدار في حقّ المتيمّم، عكس ما أفاده السيّد اليزدي.
والحاصل: أنّه لا مانع هنا من البدار للمستحاضة باستصحاب عدم تمكّنها من الإتيان بوظائفها في حالة الاختيار وعدم رؤية الدم. نعم، لو أجرت هذا الاستصحاب فاغتسلت وصلّت ثمّ انكشف الخلاف وتمكّنت من الطهارة والصلاة نقيّة من الدم فهل تجب عليها الإعادة أم لا؟ فيه قولان، وقد تقدّم الكلام في ذلك.


 
۱. البيان، ج۱، ص۲۱.    
۲. جامع المقاصد، ج۱، ص۳۴۵.    
۳. المدارك، ج۲، ص۴۰- ۴۱.    
۴. جواهر الكلام، ج۳، ص۳۳۲.    
۵. العروة الوثقى، ج۱، ص۶۳۲، م ۱۴.    
۶. مستمسك العروة، ج۳، ص۴۱۴.    
۷. الفتاوى الواضحة، ج۱، ص۱۵۹.    
۸. تحرير الوسيلة، ج۱، ص۵۹، م ۷.    
۹. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۷، ص۱۵۴.    
۱۰. مستمسك العروة، ج۳، ص۴۱۴- ۴۱۵.    
۱۱. المبسوط، ج۱، ص۶۸.    
۱۲. القواعد، ج۱، ص۲۱۹.    
۱۳. مستمسك العروة، ج۳، ص۴۱۵.    
۱۴. العروة الوثقى، ج۱، ص۶۳۲، م ۱۴.    
۱۵. مستمسك العروة، ج۳، ص۴۱۵- ۴۱۶.    
۱۶. المنهاج (الحكيم)، ج۱، ص۹۴، م ۳۲.
۱۷. مصباح الهدى، ج۵، ص۲۰۵- ۲۰۶.
۱۸. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۷، ص۱۵۴.    
۱۹. العروة الوثقى، ج۱، ص۶۳۲، م ۱۴، تعليقة الجواهري، رقم ۴.    
۲۰. العروة الوثقى، ج۱، ص۵۹۷، م ۱۴.    
۲۱. مستمسك العروة، ج۳، ص۴۱۵.    
۲۲. المنهاج (الحكيم)، ج۱، ص۹۴، م ۳۲.
۲۳. المنهاج (الخوئي)، ج۱، ص۶۶، م ۲۴۴.    
۲۴. مستمسك العروة، ج۳، ص۴۱۵- ۴۱۶.    
۲۵. مصباح الهدى، ج۵، ص۲۰۷- ۲۰۸.
۲۶. العروة الوثقى، ج۱، ص۶۳۲، م ۱۴، تعليقة عدة من الأعلام.    
۲۷. الوسائل، ج۲، ص۳۷۱، ب ۱ من الاستحاضة، ح ۱.    
۲۸. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۷، ص۱۵۵- ۱۵۶.    
۲۹. العروة الوثقى، ج۱، ص۶۳۲، م ۱۴.    
۳۰. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۷، ص۱۵۶.    
۳۱. الطهارة (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۲۵۴.    
۳۲. جواهر الكلام، ج۳، ص۳۳۴.    
۳۳. مستمسك العروة، ج۳، ص۴۱۴.    
۳۴. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۷، ص۱۵۷.    
۳۵. العروة الوثقى، ج۱، ص۶۳۳، م ۱۴.    
۳۶. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۷، ص۱۵۷.    
۳۷. العروة الوثقى، ج۱، ص۶۳۳، م ۱۴، تعليقة بعض الأعلام، رقم ۴.    
۳۸. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۷، ص۱۵۷- ۱۵۸.    
۳۹. الوسائل، ج۲، ص۳۷۴، ب ۱ من الاستحاضة، ح ۶.    
۴۰. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۷، ص۱۶۶- ۱۶۷.    
۴۱. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۷، ص۱۶۷- ۱۶۸.    
۴۲. العروة الوثقى، ج۱، ص۶۳۱، م ۱۳.    
۴۳. المنهاج (الحكيم)، ج۱، ص۹۴.
۴۴. المنهاج (الخوئي)، ج۱، ص۶۶، م ۲۴۵.    
۴۵. الوسائل، ج۲، ص۳۷۱، ب ۱ من الاستحاضة، ح ۱.    
۴۶. الوسائل، ج۲، ص۳۷۳، ب ۱ من الاستحاضة، ح ۵.    
۴۷. الوسائل، ج۲، ص۲۸۱- ۲۸۲، ب ۵ من الحيض، ح ۱.    
۴۸. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۷، ص۱۴۸- ۱۵۱.    
۴۹. مستمسك العروة، ج۳، ص۴۱۳.    
۵۰. مصباح الهدى، ج۵، ص۲۰۲.
۵۱. الذكرى، ج۱، ص۲۵۱.    
۵۲. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۷، ص۱۵۱.    
۵۳. العروة الوثقى، ج۱، ص۶۳۱، م ۱۳.    
۵۴. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۷، ص۱۵۲- ۱۵۳.    




الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۱۵۷- ۱۶۸.    



جعبه ابزار