تزويج الحر أمة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لو تزوج الحر
أمة من غير إذن مالكها، فإن وطئها قبل
الاجازة عالما فهو زان والولد رق للمولى وعليه
الحد والمهر؛ ويسقط الحد لو كان جاهلا دون
المهر، ويلحقه الولد: وعليه قيمته يوم سقط حيا؛ وكذا لو ادعت
الحرية فتزوجها على ذلك؛ وفي
رواية: يلزمه بالوطء عشر القيمة إن كانت بكرا، ونصف العشر لو كانت ثيبا؛ ولو أولدها فكهم بالقيمة؛ ولا عجز سعى في قيمتهم، ولو أبى عن السعى قيل: يفديهم
الإمام وفي المستند ضعف؛ ولو لم يدخل بها فلا مهر.
ولو تزوّج الحرّ أمة من غير إذن مالكها، فإن وطئها قبل الإجازة عالماً بالحرمة ولا شبهة فهو زانٍ بالضرورة؛ وعليه دلّت المعتبرة: عن
الأمة تتزوّج بغير إذن مواليها؟ قال: «يحرم ذلك عليها، وهو زناء»
فتأمّل.
والولد رقّ للمولى مطلقاً، جهلت الأمة أم لا؛ لأنّه نماء ملكه فيتبعه. وللصحيح: في رجل أقرّ على نفسه أنّه غصب جارية، فولدت
الجارية من الغاصب، قال: «تُرَدّ الجارية والولد على المغصوب إذا أقرّ بذلك الغاصب أو كانت عليه بيّنة»
. مضافاً إلى فحوى النصوص الدالّة عليه في صورة جهله بأنّها أمة الغير، كما يأتي.
وعليه
الحدّ بموجب
الزناء، كما أنّ عليها ذلك لو علمت بالحرمة من دون شبهة.
وكذا عليه المهر اتّفاقاً في الظاهر إن كانت جاهلة بالحكم أو موضوعه، وعلى
إطلاق العبارة وظاهر جماعة مطلقاً ولو كانت عالمة
؛ لأنّه عوض
البضع، ولا مدخل للعلم والجهل.
وربما استُدِلّ
عليه بفحوى الصحيح: قلت: أرأيت إن أحلّ له ما دون الفرج فغلبته
الشهوة فاقتضّها؟ قال: «لا ينبغي له ذلك» قلت: فإن فعل أيكون زانياً؟ قال: «لا، ويكون خائناً، ويغرم لصاحبها عُشْر قيمتها إن كانت بكراً، وإن لم تكن فنصف عُشْر قيمتها»
.
فإنّ ثبوت
العوض هنا يقتضي ثبوته في الزناء المحض بطريق أولى، وهو حسن لو كان نصّاً في زناء الأمة، وليس فيه على ذلك دلالة. وفيه نظر.
والأجود الاستدلال عليه بفحوى الصحيح الآخر الآتي في الأمة المدلّسة نفسه بدعوى الحرّية، لتصريحه بـ: أنّ عليه لمواليها العُشْر ونصف العُشْر.
ولكن الأولويّة لا تقتضي أزيد من ثبوت نصف العُشْر مع الثيبوبة والعُشْر مع
البكارة، وهو غير ثبوت
مهر المثل أو المسمّى، فليس فيهما دلالة عليهما، كالتعليل السابق؛ لعدم الدليل على الكلّية فيه، مع ما على العدم من
أصالة البراءة القطعيّة، ولذا اختاره جماعة
.
وربما علّله بعضهم بأنّها حينئذٍ بغيّ، ولا مهر لبغيّ
؛ وظاهر لفظ المهر كاللام المفيدة للملكيّة أو الاختصاص أو الاستحقاق المنفيّ جميع ذلك عن الأمة قرينة واضحة على اختصاص
النصّ المتضمّن لذلك
بالحرّة.
والأجود القول بمضمون الصحيحين والحكم بالعُشْر مع البكارة ونصفه مع عدمها، لا مهر المثل أو المسمّى، تبعاً للمحكيّ عن
ابن حمزة؛ لصحّتهما، وعدم تعقّل الفرق بين المقام وموردهما؛ مع ما فيه من استلزام الثبوت فيه الثبوت هنا بطريق أولى.
ويسقط الحدّ عنه لو كان جاهلاً بالحكم أو الموضوع؛ للشبهة الدارئة. ولا تُحَدّ الأمة لو كانت كذلك؛ لذلك. دون المهر فيثبت مع جهلها اتّفاقاً في الظاهر، وبه صرّح بعضهم
. وهل هو
المسمّى، أو المثل، أو العُشْر ونصف العُشْر؟ أقوال.
والأول ضعيف جدّاً، والثاني قويّ لولا النصوص المثبتة للثالث وإن اختصّت بمدّعية الحرّية والجارية المحلَّلة؛ لعدم تعقّل الفرق بالضرورة.
وكذا يثبت المهر مع علمها في المشهور ظاهراً؛ وربما قيل بالعدم هنا
كما تقدّم، والكلام كما سبق.
ويلحقه الولد إجماعاً في الظاهر؛ عملاً بإطلاق النصوص الماضية بلحوق الولد الحرّ من الأبوين، مضافاً إلى الأُصول المتقدّمة ثمة، والنصوص الآتية الحاكمة بحرّية الولد في تزويج الحرّ الأمة المدّعية للحرّية إن قلنا بها، ويشكل إن لم نقل بها؛ للنصوص الأُخر، مع عدم تعقّل الفرق، فتأمّل.
ولكن عليه قيمته يوم سقط حيّاً للمولى؛ لأنّه نماء ملكه، وللنصّ الآتي في المسألة الآتية.
هذا كلّه مع عدم إجازة المولى
العقد، أو معها وقلنا بأنّها مصحّحة للعقد من حينها. أمّا لو قلنا بأنّها كاشفة عن الصحّة من حين العقد كما هو الأصحّ الأشهر فيلحق به الولد مطلقاً ويسقط عنه الحدّ وإن كان قد وطئ محرّماً في صورة
العلم فيلزم
التعزير ويلزمه المهر المسمّى.
وكذا يسقط عنه الحدّ، ولزمه المهر، ولحق به الولد مع قيمته يوم سقط حيّاً، لو ادّعت الحرّية فتزوّجها على ذلك مع جهله بالحال؛ إمّا لدعواها الحرّية الأصلية بانياً على الظاهر، أو لحصول المظنّة بصدقها وتوهّم جواز التعويل على مجرّدها مع علمه بكونها مملوكة فيما مضى. ولا ريب في سقوط الحدّ عنه وكذا عنها إن كانت جاهلة؛ للشبهة الدارئة. وأمّا لزوم المهر فهو ظاهر إطلاق الأصحاب، بل ادّعى بعضهم
إجماع المسلمين
، وصرّح بالإجماع ابن المفلح الصيمري، ولم يفرّقوا بين كونها عالمة أو جاهلة.
واختلفوا في تقديره على أقوال:
أحدها: المسمّى، كما عن الأكثر
، وهو ظاهر المتن.
وثانيها: المثل، كما عن
المبسوط، وهو الأقوى لولا النصّ بالعُشْر ونصف العُشْر.
وثالثها: القول بمضمونه، وهو مختار جماعة
، وفاقاً للمقنع
والنهاية والقاضي وابن حمزة
.
ففي
الصحيح: في رجل تزوّج امرأة فوجدها أمة دلّست نفسها، قال: «إن كان الذي زوّجها إيّاه من غير مواليها فالنكاح فاسد» قلت: كيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال: «إن وجد ممّا أعطاها شيئاً فليأخذه، وإن لم يجد شيئاً فلا شيء له عليها، وإن كان زوّجها إيّاه وليّ لها ارتجع على وليّها بما أخذته منه، ولمواليها عُشْر قيمتها إن كانت بكراً، وإن كانت غير بكر فنصف عُشْر قيمتها، بما استحلّ من فرجها» قلت: فإن جاءت منه بولد؟ قال: «أولادها منه أحرار إذا كان
النكاح بغير إذن
الوليّ»
ونحوه الصحيح السابق، إلاّ أنّه في الجارية المحلَّلة.
وهو الأجود؛ لصحّة
الرواية، وخلوّها عن المعارض، وإليها أشار بقوله: وفي رواية: يلزمه بالوطء عُشْر القيمة إن كانت بكراً، ونصف العُشْر إن كانت ثيّباً. وحملها على ما إذا طابق أحد الأمرين المثل بعيد جدّاً، لا داعي إليه قطعاً سوى القاعدة، والرواية بالإضافة إليها خاصّة، ينبغي العمل عليها وتخصيصها بها البتّة.
وظاهر التشبيه في العبارة: حرّية الولد تبعاً لأبيه كما في المسألة السابقة، لكنّه في
الشرائع وافق
الصدوق في
المقنع والشيخ في النهاية
وجماعة
، بل حُكي عليه
الشهرة فحكم برقّيّة الولد
؛ للمعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: في رجل ظنّ أهله أنّه قد مات أو قُتِل، فنكحت امرأته وتزوّجت سريّته، فولدت كلّ واحدة منهما من زوجها، ثم جاء الزوج الأول وجاء مولى السريّة، فقضى في ذلك أن يأخذ الأول امرأته فهو أحقّ بها، ويأخذ السيّد سريّته وولدها، إلاّ أن يأخذ رضاءً من
الثمن ثمن الولد
.
ومنها
الموثّق: «قضى
عليّ (علیهالسّلام) في امرأة أتت قوماً فخبّرتهم أنّها حرّة، فتزوّجها أحدهم وأصدقها صداق الحرّة، ثم جاء سيّدها، فقال: تردّ إليه، وولدها عبيد»
.
ونحوه الموثّق: «قضى عليّ (علیهالسّلام) في وليدة باعها ابن سيّدها وأبوه غائب، فاشتراها رجل، فولدت منه غلاماً، ثم قدم سيّدها الأول، فخاصم سيدها الآخر فقال: هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني، فقال: خذ وليدتك وابنها»
الحديث، وغير ذلك ممّا سيأتي.
لكنّها معارضة بما مضى من الأصول وإطلاق بعض النصوص في تبعيّة الولد للحرّ من الأبوين أباً كان أو امّاً، وخصوص الصحيح المتقدّم في تقدير
المهر بالعُشر ونصف العُشر، والمعتبرين:
أحدهما الموثّق: عن مملوكة قوم أتت غير قبيلتها، فأخبرتهم أنّها حرّة، فتزوّجها رجل منهم، فولدت له، قال: «ولده مملوكون، إلاّ أن يقيم لهم البيّنة أنّها شهد لها شاهدان أنّها حرة، فلا يملك ولده ويكونون أحراراً»
.
ونحوه الثاني المرويّ حسناً
تارةً وضعيفاً
اخرى.
وفيهما كما ترى تصريح بالحرّية مع قيام البيّنة عليها حين المناكحة، وهما وإن دلاّ على
الرقّية مع عدمها لكنّهما ليسا نصّين في تحقّق الشبهة حينئذ، فيحتملان كباقي الروايات المتقدّمة الحمل على صورة عدمها.
ومنه يظهر فساد الاستدلال بهما للقول الأول، فلا بأس بالمصير إلى الحرّية وفاقاً لجماعة
، منهم ظاهر الماتن هنا. إلاّ أنّ المسألة بعد لا تخلو عن ريبة، لكن الذي يقتضيه الجمع بين الروايات هو حرّية الولد مع قيام البيّنة على حرّية
الأمة وصحّة دعواها، ورقّيته مع عدمها، وبذلك صرّح
الشيخ في النهاية
وابن البرّاج وابن حمزة
، وبه صرّحت الروايتان الأخيرتان، ويجمع بهما بين إطلاق كلّ من الروايات الحاكمة بالحرّية والرقّية على
الإطلاق.
ومرجع هذا القول إلى رقّية الولد لو تزوّج بمجرّد دعواها كما هو فرض المسألة، ولذا نسب إلى الشيخ والجماعة القول به على الإطلاق
بناءً على فرض المسألة؛ إذ
التزويج بدعواها مع البيّنة على صدقها خارج عن فرض المسألة.
وكيف كان، فلا خلاف في الظاهر بل عليه الوفاق في
المسالك، والإجماع في شرح
ابن المفلح أنّه لو أولدها أولاداً وجب عليه فكّهم بالقيمة يوم سقوطهم حيّاً، ووجب على مولى الجارية قبول القيمة ودفع الولد بها.
للصحيح: في رجل تزوّج جارية رجل على أنّها حرّة، ثم جاء رجل فأقام البيّنة على أنّها جاريته، قال: «يأخذها ويأخذ قيمة ولدها»
.
وفي الصحيح السابق دلالة بجواز الفكّ بالقيمة، ونحوه الموثّق الآتي.
ولا تظهر ثمرة الخلاف في ذلك، بل فيما لو لم يدفع القيمة لفقر وغيره، فعلى القول بالحرّية تبقى ديناً في ذمّته والولد حرّ، وعلى القول الآخر تتوقّف الحرّية على دفع القيمة.
ولو عجز عن القيمة استسعى في قيمتهم وجوباً، بلا خلاف بين القائلين بالرقّية كما قيل
، وكذا عند بعض ما قال بالحرّية.
لموثّقة سماعة: عن مملوكة أتت قوماً وزعمت أنّها حرّة، فتزوّجها رجل منهم وأولدها ولداً، ثم إنّ مولاها أتاهم فأقام البيّنة أنّها مملوكة، وأقرّت الجارية بذلك، فقال: «تدفع إلى مولاها هي وولدها، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير إليه» قلت: فإن لم يكن لأبيه مال يأخذ ابنه؟ قال: «يستسعى أبوه في ثمنه حتى يوفيه ويأخذ ولده» قلت: فإن أبى
الأب أن يسعى في ثمن ابنه؟ قال «فعلى
الإمام أن يفتديه ولا يُملك ولدٌ حرّ»
.
والعمل بها متّجه على القول بالرقّية، ومشكل على القول الآخر؛ لتضمّنها ما لا يوافقه، بل وعلى الأول أيضاً؛ لمعارضتها لإطلاق
الآية (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ)
.
مع أصالة براءة الذمّة. إلاّ أنّ التقييد متّجه على القول الأول؛ لاعتبار
سند الرواية بالموثّقيّة وعمل جماعة
، مضافاً إلى الشهرة المحكيّة. والحمل على
الاستحباب بعيد، غير مطابق للأُصول المرعيّة.
ويستفاد منها فيما لو أبى الأب عن الاستسعاء ما قيل من أنّه يفتديهم الإمام كما عن النهاية وابن حمزة
.
وأجاب عنها المصنّف تبعاً لجماعة
بأنّه في المستند ضعف بسماعة.
وليس كذلك، بل هو موثّق على المشهور، وقيل:
ثقة، فالعمل بها متّجه؛ مع أنّ ضعفها كما يمنع من العمل بها هنا، كذا يمنع من العمل بها في وجوب الاستسعاء؛ إذ لا دليل عليه سواها لا من إجماع ولا
سنّة غيرها، فالحكم هناك قطعاً والتردّد هنا مع اتّحاد المستند لا وجه له جدّاً.
وليس فيها الدلالة على ما يفكّ به الإمام هل هو من
سهام الرقاب؟ كما عن الشيخ وابن حمزة
، أو من
بيت المال؟ كما اختاره
العلاّمة، ولكنّه أوفق بالأُصول المقرّرة على تقدير القول بحرّية الولد؛ لكونه معدّاً لمصالح المسلمين، والمقام منها.
والأول أوفق على القول بالرقّية، كما هو مختار القائل، لكنّه يتوقّف إمّا على عدم اعتبار كون العبد تحت الشدّة أو وجودها، أو عدم وجود المستحقّ أصلاً، وأمّا على القول باعتباره مع ترفّه الولد ووجود المستحقّ فمشكل قطعاً. ولا بأس بالمصير إلى الثاني حينئذٍ إن لم يكن إحداث قول.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۳۷۰-۳۸۱.