حكم الصلاة في الحرير
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هنا يأتي أحكام الصلاة من الحرمة والكراهة للرجال والنساء في الحرير.
(ولا تجوز الصلاة) ولا تصح (في
الحرير المحض) أو الممتزج على وجه يستهلك الخليط لقلته (للرجال) بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في كثير من العبائر، كالانتصار والخلاف والمنتهى والمدارك والذكرى وغيرها،
لكن فيهما أي : في
الذكرى وكشف اللثام: عندنا، وهو وإن لم يكن صريحا في
الإجماع ، لكنه ظاهر فيه جدّاً.
وهو الحجة، مضافا إلى النهي عن استعماله مطلقا الثابت بإجماع علماء
الإسلام على الظاهر، المحكي في ظاهر الانتصار والخلاف، وصريح المعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني والتحرير وروض الجنان
وغيرها،
وفي الأخير وشرح القواعد للمحقق الثاني : أن به أخبارا
متواترة .
وهو كذلك بعد ضمّ بعضها إلى بعض من طرق العامة والخاصة.
وهي ما بين عامة للنهي عن لبسه مطلقاً، ومصرّحة بعدم حلّ الصلاة فيها الظاهر في فسادها بنفسه، أو بضميمة
اقتضاء النهي في العبادة الفساد، كما عليه علماؤنا.ولا فرق في
إطلاق النص والفتوى بين كونه ساترا للعورة أم لا، وبه صرّح جماعة ومنهم الفاضلان في المعتبر والمنتهى،
وعزاه في الأخير إلى علمائنا بعد أن نسبه ـ وفاقا للأوّل ـ إلى الشيخين وأتباعهما.وكثير من النص والفتوى وإن دلّ على المنع مطلقا.
(إلّا) أنه مقيد بحالة
الاختيار وغير الحرب، إذ يجوز
استعماله مطلقا ولو في الصلاة (مع الضرورة أو في) حال (الحرب) المرخص فيه مطلقا ولو من غير ضرورة، بإجماعنا الظاهر، المحكي في كثير من العبائر كالمنتهى وروض الجنان والذكرى
وغيرها،
لكن في الأوّل حكاه في الضرورة خاصّة.وهو الحجّة، مضافا إلى العمومات بأن : الضرورات تبيح المحظورات.
وقولهم : : «كلّ ما غلب الله تعالى فالله تعالى أولى بالعذر».
وقوله عليه السلام : «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يطيقون».
وخصوص المستفيضة، وفيها الموثقات وغيرها، منها : «لا يلبس الرجل الحرير والديباج إلّا في الحرب».
ونحوه آخر، لكن بدل «لا يلبس» «لا يصلح للرجل»
وهو وإن أشعر بالكراهة ـ ككثير من الأخبار المتضمّنة للفظها ـ لكنها محمولة على الحرمة بإجماع علماء الإسلام كما عرفته.
ومنها : عن لباس الحرير والديباج، فقال : «أما في الحرب فلا بأس به وإن كان فيه تماثيل».
ومنها المروي عن
قرب الإسناد : «أن
عليا عليه السلام كان لا يرى بلبس الحرير والديباج إذا لم يكن فيه التماثيل بأسا».
وفي الفقيه : «لم يطلق
النبي صلى الله وعليه وآله وسلم لبس الحرير إلّا لعبد الرحمن بن عوف، وذلك أنه كان رجلا قملا».
واحترز بالمحض عن الممتزج بما يصح الصلاة فيه مزجا لا يستهلك فيه الخليط، لجواز لبسه حينئذ ولو في الصلاة إجماعا، على الظاهر، المصرّح به
في الخلاف وشرح القواعد للمحقق الثاني
وغيرهما.
والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة جدّا، ففي الصحيح : عن الثوب الملحم بالقز والقطن والقز أكثر من النصف، أيصلّى فيه؟ «لا بأس».
وفي المرسل كالموثق : في الثوب يكون فيه الحرير، فقال : «إن كان فيه خلط فلا بأس».
وفي الخبر : سمعت
أبا جعفر عليه السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال وللنساء، إلّا ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ أو قطن أو كتان، وإنما يكره المحض للرجال والنساء.
هذا، مضافا إلى
الأصل ،
واختصاص النصوص المانعة والإجماعات المحكية ـ بحكم التبادر، بل والتقييد بالمحض والمبهم في جملة منها ـ به خاصة.
وظاهر جملة من النصوص المزبورة كفاية مطلق الخليط ولو كان أقل من الحرير، وبه صرّح جماعة، قالوا : سواء كان الخليط أقل أو أكثر ولو كان عشرا، ما لم يكن مستهلكا بحيث يصدق على الثوب أنه إبريسم محض.
وهو حسن، وفي شرح القواعد للمحقق الثاني ـ بعد ذكر ذلك وأنه يشترط في الخليط أن يكون محللا ـ وعلى ذلك كلّه إجماع الأصحاب نقله في
المعتبر والمنتهى.
واعلم أن ما تضمنته الرواية الأخيرة ـ من نهي النساء عن لباس الحرير كالرجال ـ مخالف لإجماع علماء الإسلام،
لإطباقهم على الجواز في غير الصلاة، كما في المعتبر والمنتهى وشرح القواعد للمحقق الثاني والذكرى وروض الجنان
وغيرها،
ويعضده الأصل، واختصاص الأدلّة المانعة ـ نصّا وفتوى بعد ضمّ بعضها إلى بعض ـ بالرجال خاصّة، فالرواية شاذّة من هذه الجهة، مع أنها بحسب السند ضعيفة لا تصلح للحجّية، ومعارضة بالنصوص المستفيضة بجواز لبسهنّ الحرير مطلقا، كما في جملة منها،
أو في غير
الإحرام كما في بعضها،
أو غير الصلاة أيضا كما في آخر منها.
ومن هنا ظهر أن لا تحريم على الخناثى والصبيان. قطعا في الأخير، وفاقا لجماعة،
للأصل، وعدم صدق الرجال عليهم، مع عدم قابليّتهم لتوجّه المنع إليهم، وتوجّهه إلى أوليائهم لا دليل عليه، فيندفع بالأصل.وعلى الظاهر في الأول، لما مرّ. ويحتمل المنع فيهم
احتياطا ، لاحتمال كونهم في نفس الأمر ذكورا فيتوجّه إليهم النهي أيضا.
•
جواز صلاة النساء في الحرير،(وهل يجوز للنساء) الصلاة فيه (من غير ضرورة؟ فيه قولان، أظهرهما الجواز) وهو أشهرهما، بل لا خلاف فيه ظاهرا .
(وفي) جواز الصلاة في نحو (التكة والقلنسوة) مما لا تتم فيه (من الحرير) للرجال (تردّد)
واختلاف بين الأصحاب :
فبين مانع عنه، كالمفيد والديلمي والصدوق والإسكافي وابن حمزة،
وغيرهم من القدماء،
والفاضل في المختلف والقواعد والمنتهى والشهيد في اللمعة،
وكثير من متأخّري المتأخّرين.
ومجوّز، كالنهاية والمبسوط والسرائر، والحلبي، والفاضلين في المعتبر والإرشاد والتلخيص والتذكرة، والشهيدين في صريح الدروس وروض الجنان
وظاهر الروضة والذكرى
أو محتملهما، ونسبه في الذخيرة وغيرها إلى المشهور،
وفي المفاتيح وغيره إلى المتأخّرين،
وهو كما ترى.
ومتردّد فيه، كالفاضل في
التحرير والصيمري، وغيرهما،
والماتن في الشرائع
وهنا، لكن قال (أظهره الجواز مع الكراهة)
استنادا فيها إلى الشبهة الناشئة من اختلاف الفتوى والرواية، وفي الجواز إلى الأصل، وخصوص الخبر : «كلّ ما لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بالصلاة فيه، مثل التكة
الإبريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل».
مع سلامتهما عن المعارض، عدا إطلاقات الأدلّة المانعة عن الصلاة في الحرير أو لبسه مطلقا أو عمومها، وهي تقبل التقييد بالرواية الصريحة.ويضعف الأصل : بمعارضته بالاحتياط اللازم المراعاة في نحو المسألة من العبادات التوقيفية.
والرواية : بضعف سندها، فإن فيه
أحمد بن هلال ، وهو ضعيف لا يلتفت إلى روايته جدّا وإن روى عن ابن أبي عمير كما هنا، فإن ذلك لا يفيد توثيقا وإن أفاد
اعتبارا ما عند بعض علماء الرجال وقال العلامة الحلّي في رجاله : توقّف ابن الغضائري في حديثه ـ أي أحمد بن هلال ـ إلّا فيما يرويه عن
الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة، ومحمد بن أبي عمير من نوادره، وقد سمع هذين الكتابين جل أصحاب الحديث واعتمدوه فيهما.
أو جملة منهم، فإن
الاعتماد على مثل ذلك هنا مع
إطراح جملة من القدماء والمتأخرين بل المشهور لها بالخصوص مما يوهن التمسك بها لذلك والخروج بها عن الإطلاقات والعمومات القطعية، مع قوّة دلالة جملة منها صحيحة، من حيث وقوع الجواب فيها بالمنع عن الصلاة في الحرير المحض بعد أن سئل عنها في المعمول منه من نحو التكة والقلنسوة ، وذلك كالنصّ إن لم يكن نصّا، كما ذكره جماعة،
وهي أكثر وأصحّ، فلتكن بالتقديم أرجح.
ولا يقدح كونها مكاتبة، لكونها ـ على الأصح ـ حجّة، سيّما مع
اتفاق الأصحاب على العمل عليها ولو في غير المسألة، ومخالفتها العامة، لظهورها في أن للصلاة في المنع عن لبسه فيها مدخلية وليس إلّا من حيث
بطلانها به، وهو من خصائص الإماميّة كما عرفته، فكيف يمكن تصور حملها على
التقية كما قيل؟! بل حمل الرواية السابقة عليها جماعة، كما ذكره في الوسائل فقال : وذهب جماعة إلى المنع وحملوا الجواز على التقية، وهو الأحوط.
ولا ريب أن حمل الرواية عليها أمكن من حمل الصحاح عليها، لبعدها عن طريقتهم في الغاية دون الرواية، فإنها تنطبق على مذهبهم لو لا ما يتوهم من مفهومها : من المنع عن الصلاة فيما تتم فيه، المخالف للعامة، إلّا أن الذب عنه ممكن بأن دلالتها على ذلك بالمفهوم الضعيف، فلعلّ العامة زمان صدور الرواية لم يقولوا به.
هذا مع معارضة الرواية بصريح بعض المعتبرة كالرضوي : «لا تصلّ في ديباج ولا في حرير» إلى أن قال : «ولا في ثوب إبريسم محض ولا في تكة إبريسم، وإذا كان الثوب سداه إبريسم ولحمته قطن أو كتان أو صوف فلا بأس بالصلاة فيه».
ويستفاد منه ـ زيادة على ذلك ـ إطلاق الحرير على المنسوج من الإبريسم فيشمل نحو القلنسوة، ونحوه في ذلك الصحاح المتقدمة المعبرة في السؤال بالقلنسوة من الحرير.والإطلاق وإن كان أعم من الحقيقة، إلّا أن أمارتها فيه هنا موجودة، لعدم صدق سلب الحرير عن القلنسوة المعمولة منه بلا شبهة.وحيث ثبت شمول الحرير لنحو المعمول منه مما لا تتم فيه الصلاة، ظهر شمول الإطلاقات المانعة عن لبسه مطلقا وفي الصلاة له جدّا، فمنع الإطلاقات لا وجه له جدّا، فإذا المنع أقوى.
(وهل يجوز الركوب عليه
والافتراش به؟) فيه تردد (المروي : نعم) ففي الصحيح : عن الفراش الحرير ومثله من الديباج، والمصلّى الحرير ومثله من الديباج، يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة عليه؟ قال : «يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه».
وفي الخبر : «لا بأس أن يأخذ من
ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف أو يجعله مصلّى يصلّي عليه».
وهو المعروف بين الأصحاب، كما في المدارك والذخيرة،
مؤذنين بدعوى
الإجماع عليه. ولعله كذلك، وإن أشعرت العبارة بالتردّد، كما هو ظاهر الصيمري وصريح المعتبر،
لعدم ثبوت الخلاف بالتردّد.
نعم، حكي المنع عن
المبسوط والوسيلة،
ونسبه في المختلف إلى بعض المتأخرين.
ولكنه شاذّ غير معروف المستند، عدا عموم بعض النصوص بالمنع، كخبر : «هذان محرّمان على ذكور أمّتي».
وهو ـ على تقدير تسليم سنده وعمومه لما نحن فيه ـ مخصّص بما مرّ، لكونه خاصّا فليكن مقدّما.
والجمع بينهما بحمل الحرير والديباج فيه على الممتزج، وإن أمكن، لكنّه مجاز وما قدّمناه تخصيص فهو عليه مقدّم، كما هو الأشهر الأقوى، وبيّن وجهه في الأصول مستقصى، مع كون التخصيص هنا أوفق بالأصل جدّاً.
ولكن الأحوط ترك الصلاة عليه، للرضوي : «ولا تصلّ على شيء من هذه الأشياء إلّا ما يصلح لبسه» وفيهما : «إلّا ما لا يصلح..».
وأشار بالأشياء إلى نحو الحرير والذهب وغيرهما.
وذكر جماعة
أن في حكم الافتراش التوسّد عليه
والالتحاف به.
وهو حسن، لا للإلحاق بالنص، لكونه قياسا، بل للأصل، وعدم دليل يعتد به إلّا على تحريم اللبس لا مطلق
الاستعمال ، وهو غير صادق في محل البحث.
وزاد شيخنا
الشهيد الثاني لذلك جواز التدثّر به.
ومنعه سبطه،
زعما منه صدق اللبس عليه.
وفيه نظر. ولو سلّم ففي دخوله في
إطلاق اللبس الوارد في النصوص نوع شك، فيندفع
بالأصل . فتأمّل.
•
حكم الصلاة في الثوب المكفوف بالحرير،(ولا بأس بثوب مكفوف به) أي بالحرير، أن يلبس ويصلّى فيه، على الأشهر بين الأصحاب، بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من نادر سيذكر، ونسب في
الذكرى إلى الأصحاب.
رياض المسائل، ج۲، ص۳۱۹-۳۲۹.