حكم بيع العبد الآبق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ولو باع المملوك (
الآبق ) المتعذّر تسليمه (منفرداً لم يصحّ) إجماعاً، نصّاً وفتوى، إلاّ إذا قدر المشتري على تحصيله دون البائع فجائز حينئذٍ عند جماعة،
بل ربما ظهر من الانتصار أنّه ممّا انفردت به
الإمامية .
وهو كذلك؛ لعموم الأدلّة؛
وانتفاء الموانع من
الإجماع ، للخلاف. والغرر، لاندفاعه بالفرض.خلافاً للشيخ ومن تبعه
فكما لا يقدر؛
لإطلاق ما سيأتي من النص. وفي شموله لمحلّ الفرض نظر.
وعلى المختار لو بيع مع الضميمة لم يلحقها أحكامها الآتية، فيوزّع الثمن عليهما لو لم يقدر على تحصيله أو تلف قبل القبض، ولا يتخيّر المشتري لو لم يعلم بإباقه، ولا يشترط في الضميمة صحة
إفرادها بالبيع، لأنّه حينئذٍ بمنزلة المقبوض، وغير ذلك من الأحكام. أقول وبالله سبحانه التوفيق ـ : إن بيع الآبق الذي لا يقدر البائع على تسلمه على قسمين : الأوّل ما إذا لم يقدر المشتري على ذلك أيضاً. وحكمه فساد البيع مطلقاً. إلاّ إذا انضمّ إليه ضميمة يمكن أن تكون طرفاً للمعاوضة منفردةً فيصح حينئذٍ. ولضميمة أحكام :
منها : أنه لو لم يقدر على تسليمها البائع ولا المشتري كان
البيع باطلاً من أصليه حتى في الضميمة. لعدم حصول الشرط الذي هو القدرة على التسليم والتسلم في المنضمّ والمنضمّ إليه. فلا يوزع الثمن عليهما. بل يردّ على المشتري كلا. ولا كذلك في القسم الثاني.
ومنها : أنه لو لم يعلم المشتري بإباقه ثم علم ثبت له الخيار بسبب عدم القدرة على تسلمه في فسخ أصل البيع حتى بالنسبة إلى الضميمة. إذا لو لم يثبت له الخيار كذلك وكان البيع
بالإضافة إلى الضميمة لازماً لزم تبعض الصفقة. ولا كذلك في القسم الثاني. فإنّه لم يتّجه مطلقاً حتى في الضميمة من الجهة المزبورة أعني تبعّض الصفقة كما يأتي.
ومنها : أنه يشترط في الضميمة أن يكون مما يقبل المعاوضة منفردة حتى يصحّ ما في النصّ والفتوى من أنه إذا لم يسلم له العبد كان الثمن بإزاء الضميمة. ولا كذلك الحكم في الضميمة في القسم الثاني.
القسم الثاني : ما إذا قدر المشتري على تسلمه دون البائع. فإن قلنا بعدم تأثير قدرة (ويصحّ) بيع الآبق الذي لم يقدر عليه كلّ منهما (لو ضمّ إليه شيء) يصحّ بيعه منفرداً، إجماعاً، كما في الانتصار والغنية والتنقيح؛
وهو الحجة المخصّصة للقاعدة.المشتري في صحة البيع فسد، كما عليه الشيخ. ولو بيع مع الضميمة ترتّب عليها حكم الضميمة في المسألة السابقة. وإن قلنا بتأثيره في الصحّة كما هو المختار وفاقاً للمرتضى صحّ. وإذا بيع مع الضميمة لم يترتّب على هذه الضميمة الأحكام السابقة على الضميمة في المسألة السابقة.
أما الأول منها وهو عدم توزيع الثمن عليها وعلى العبد إذا لم يقدر على تسليمها فلأنّه لفساد البيع بالإضافة إليهما معاً، لعدم الشرط من القدرة على التسليم والتسلّم. ولا كذلك الحكم هنا لو لم يدر على تسليم العبد ولا تسليمها، أو قدر عليها ولكن تلفت قبل القبض، فإنه يوزّع الثمن على العبد وعلى الضميمة، ويردّ على المشتري ما قابل الضميمة ويبقى ما قابل العبد لو لم يفسخ بالتبعّض، لأن العبد المزبور في حكم المقبوض، فلا وجه
لإسقاط بعض ما قابله من الثمن، بخلاف الضميمة لعدم تبعّضها في كلتا الصورتين من عدم القدرة على تسليمه الضميمة ولا تسلمها وتلفها، كما هو واضح.
وأما الحكم الثاني وهو خيار المشتري بالتبعّض فلأن الخيار به هناك ثابت لصدق التبعّض لفوات العبد بعد القدرة على تسليمه وتسلّمه. ولا كذلك هنا، فإن القدرة من المشتري تجعله من قبيل المقبوض، والضميمة أيضاً مقبوضة بحكم الفرض، لعدم المانع المزبور من جهتها، وليس المراد ثبوت الخيار من جهة
إباق العبد، لأنّ الخيار به ليس من الأحكام المترتبة على الضميمة، فالخيار المنفي وإن كان مطلقاً المراد به ههنا من جهة التبعّض فإنه الذي من أحكام الضميمة.
وأما الحكم الثالث وهو كون الضميمة ممّا يقبل المعاوضة منفردة فإنّ الضميمة هنا ليست ممّا يكون الثمن كلّها بإزائها خاصّة كما في المسألة السابقة، فلا يشترط فيها القابليّة المزبورة، بل الضميمة هنا جزء من المبيع المركّب منها ومن العبد الآبق ويكفي قابليّة الثمن للتعويض عنهما، بناءً على أن العبد في حكم المقبوض نظراً إلى قدرة المشتري على تسليمه، وذلك واضح.
وممّا أشرنا يظهر أنّ التعليل بقوله : لأنّ ذلك في حكم المقبوض راجع إلى الأحكام الثلاثة. (منه رحمه الله). مضافاً إلى المعتبرة كالصحيح : أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة وأُعطيهم الثمن فأطلبها انا؟ قال : «لا يصلح شراؤها إلاّ أن تشتري منهم معها ثوباً أو متاعاً، فتقول لهم : أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا، فإنّ ذلك جائز».
والموثق : في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله، قال : «لا يصلح إلاّ أن يشتري معه شيئاً آخر، ويقول : أشتري منك هذا الشيء وعبدك بكذا وكذا، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه».
ويستفاد منه ما ذكره الأصحاب من غير خلاف يعرف من أنّه إن وجده المشتري وقدر على
إثبات يده عليه، وإلاّ كان الثمن بإزاء الضميمة، كان عدم القدرة للتلف أو غيره؛ مضافاً إلى
إقدامه إلى كون الثمن بإزاء الجملة
وإيقاعه العقد عليه فيجب عليه الوفاء به، ونزل الآبق حينئذٍ بالنسبة إلى الثمن منزلة المعدوم، ولكن لا يخرج بالتعذّر عن ملك المشتري، فيصحّ عتقه عن الكفارة وبيعه لغيره مع الضميمة، وأنّه لا خيار للمشتري بعدم القدرة على تسلّمه مع العلم بإباقه، مضافاً إلى قدومه على النقص فلا تسلّط له على البائع حينئذٍ.
وأما لو جهل جاز الفسخ إن كان البيع صحيحاً؛ دفعاً للضرر. ولا ينافيه الخبر؛ لكونه في العلم بالإباق ظاهر بل صريحاً. ثم إنّه يشترط في بيعه ما يشترط في غيره من كونه معلوماً موجوداً عند العقد وغير ذلك سوى القدرة على تسليمه؛ لعموم الأدلة. فلو ظهر تلفه حين البيع، أو
استحقاقه لغير البائع، أو مخالفاً للوصف بطل لا بيع فيما يقابله من الثمن في الأوّلين، وتخيّر المشتري في الثالث على الظاهر.
ولا يلحق بالآبق غيره ممّا في معناه كالبعير الشارد والفرس العائر، على الأشهر الأقوى، بل المملوك المتعذّر تسليمه بغير الإباق أيضاً؛
اقتصاراً فيما خالف
الأصل المتقدّم على المنصوص، فلا يجوز بيعه منفرداً ولا منضماً؛ إلاّ أن تكون الضميمة بالذات مقصودة، كما مضي.وأمّا الضالّ والمجحود من غير إباق فقيل : يصحّ بيعهما ويراعي
بإمكان التسليم، فإن أمكن في وقت قريب لا يفوت به شيء من المنافع يعتدّ به، أو رضي المشتري بالصبر إلى أن يسلّم، لزم. وإن تعذّر فسخ المشتري إن شاء، وإن شاء التزم وبقي على ملكه ينتفع به بالعتق ونحو.
ويحتمل قوياً وفاقاً للروضة ـ
بطلان البيع؛ لفقد شرط الصحّة، وهو إمكان التسليم المستلزم للغرر والسفاهة عرفاً وعادةً، اللذين هما المعيار في إثبات هذا الشرط من أصله.نعم، لو حصل العلم أو الظنّ المتاخم له بإمكان التسليم أمكن المصير إلى الأوّل.
رياض المسائل، ج۸، ص۲۶۱-۲۶۵.