• خواندن
  • نمایش تاریخچه
  • ویرایش
 

خصائص نظام الإرث الإسلامي

احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF



أمّا الإسلام - الذي هو التشريع الإلهي الصادر عن ربّ العالمين العالم بأسرار البشريّة والخبير بما يصلحها ويفسدها- فقد عالج مسألة الإرث وكيفية التعامل مع تركة الميت علاجاً أساسيّاً واضعاً لذلك نظاماً دقيقاً لو قورن بينه وبين أنظمة الإرث في غيره لتبين بوضوح سموّ نظام الإرث الإسلامي وتميّزه بالحكمة و العدالة والحق، ونشير إلى جملة من هذه الامتيازات بصورة مختصرة تاركين تفصيلها إلى الأبحاث القادمة.




تعامل الإسلام مع الإنسان وحقوقه وشأنه تعاملًا عادلًا وممّا يتجلّى فيه ذلك نظام الإرث، فكما أكرم الشارع المقدّس الإنسان حيّاً كذلك أكرمه ميّتاً، حيث قدّم على الميراث تجهيزه بما يحفظ كرامته ثمّ تسديد ديونه. كلّ ذلك من أصل التركة مقدّماً على الوصيّة والميراث ليخرج من هذه الدنيا بذكر حسن جميل.
[۱] أحكام الميراث في الشريعة الاسلامية، ج۱، ص۵۱.
كما أعطى له حرّية التصرّف في ماله، فله أن يوصي لمن يشاء وأن يتدارك به ما فاته من أعمال البرّ والصلاح بعيداً عن الظلم و الإجحاف . وهذه الإرادة محترمة، لكنّها مقيّدة بالثلث وما زاد يرجع إلى الورثة؛ لئلّا يكون ذلك إضراراً بحقوقهم، قال سبحانه وتعالى: «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى‌ بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ».
وبذلك فإنّ الإسلام كما احترم إرادة المورّث فقد حفظ للوارث حقّه على خلاف الامم الاخرى، حيث أطلق عند بعضها العنان للوارث فله أن يوصي بتركته كلّها إلى من أحبّ ويحرم ورثته منها كما هو الحال عند الرومان واليهود واليونان، بل عند بعض الامم الحديثة لصاحب المال أن يوصي بكلّ ما يملكه إلى حيوان. بينما هناك امم اخرى على العكس من ذلك حيث لم تجعل لإرادة صاحب المال أيّ تأثير في تركته، وإنّما الإرث عندهم للأقوياء كما تقدّم ذكره فيما سبق.



من مميّزات الإرث في النظام الإسلامي تعيين سهم كلّ وارث وتحديده، وأنّه فرض يدخل في ملك الوارث بغير اختياره ، سواء أراد أو لم يرد. فاللَّه سبحانه تولّى بيان المستحقّين للتركة واستأثر بتوزيعها عليهم على أساس ملاكات دقيقة وعادلة ولم يترك الأمر للمورّث ولا للوارث، قال تعالى: «آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً». وقد لوحظ في هذا التوزيع القرابة والحاجة والمصلحة والعدالة التي تختلف من حالة إلى اخرى.



يسعى الإسلام في تشريعاته المالية و الاقتصادية إلى الحيلولة دون تضخم رؤوس الأموال وتداولها لدى طبقات خاصّة مع حرمان عامّة الناس عنها، فهو يعارض التناقض الطبقي ويسعى نحو إيجاد العدالة الاجتماعية والتقارب بين أفراد المجتمع في مستويات معاشهم، قال تعالى: «ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى‌ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى‌ فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى‌ وَ الْيَتامى‌ وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ».
ومن جملة ما يتجلّى فيه ذلك كيفية توزيع الميراث بحيث يشمل قاعدة واسعة توزّع بينهم تركة الميّت حيث جمع الإسلام بين الأنساب والأسباب، وبين الفروع والاصول، فكلّهم يرثون في عرض واحد. بينما تجد بعض الأنظمة حَرَمَت الاصول من أن ترث مع الفروع كما هو الحال في نظام الإرث عند الرومان،
[۷] أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية، ج۱، ص۵۱.
وكذلك في النظام المدني الفرنسي الحديث،
[۸] أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية، ج۱، ص۶۲.
بل بعضها حصرت الإرث في الولد الأكبر دون غيره.
[۹] أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية، ج۱، ص۴۸.




يرى الإسلام أنّ الأساس الحق للأحكام هو الفطرة، فأقام الإرث على أساس الرحم التي هي أمر تكويني، وجهة حقيقية مشتركة بين الإنسان وأقربائه، فلا يختلف فيه الذكور والإناث والكبار والصغار حتى الجنين في بطن امّه. فألغى الإسلام بذلك الاعتبارات البشرية التي حرم بها كثير من الورثة عن مواريثهم، كاستحقاق الإرث بالتبنّي أو القوّة والسلطة أو الذكورة، وبذلك أزال الغبن الذي كان لاحقاً بالمرأة والضعاف من الأيتام والصغار في العصور الغابرة، وبنى نظامه على حماية النساء والأيتام.

۴.۱ - حماية الإسلام للأيتام


أمّا حماية الإسلام للأيتام فقد جعل للطفل الصغير والحمل في بطن امّه نصيباً مثل الكبير، وأمر بتنمية أموالهم تحت ولاية الأقرباء أو عامّة المؤمنين أو الحكومة الاسلامية، حتى إذا بلغوا النكاح واونس منهم الرشد دفعت إليهم أموالهم، وهذا أعدل السنن المتصوّرة في حقّهم.

۴.۲ - حماية الإسلام للنساء


وأمّا حماية النساء فهنا نجد فارقاً جوهريّاً بين الإرث الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت عليهم السلام وغيره من الأنظمة، وهي قاعدة اشتراك المرأة مع الرجل في استحقاق أصل الإرث في كلّ نواحي القرابة والولادة،
[۱۲] الميراث عند الجعفرية، ج۱، ص۹۶.
فأولاد البطون كأولاد الظهور في الانتماء إلى الميّت و الاتّصال به، وقرابة الانثى في الاصول والفروع والحواشي كقرابة الذكر تماماً من حيث الاتّصال بالمتوفّى اتّصالًا موجباً لاستحقاق الميراث؛ وذلك لقوله تعالى: «لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً». فالبنت ترث كالابن، و ابن البنت كابن الابن ، كما أنّ الخال كالعم، و ابن العمّة من حيث الاتّصال بالميّت كابن العم ، و ابن الأخ للُام من حيث قوّة الاتّصال كابن الأخ الشقيق، و ابن الأخت كابن الأخ، وهكذا.
هذه هي القاعدة العامّة التي أعطى الإسلام بها النساء منذ خمسة عشر قرناً حقوقهنّ من الإرث كالرجال بعد أن كانت المرأة محرومة، وورّثها بعد أن كانت سلعة تورث، واحترمها بعد أن كانت لا كيان لها وكفل لها الحياة الكريمة، فحماها من تعسّف الرجل، قال تعالى: «فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ »، وقوله تعالى: «وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ».

۴.۳ - تفضيل الرجل على المرأة


وأمّا تفضيل الرجل عليها في الميراث وكون سهمها نصف سهم الرجل فليس مطّرداً في جميع الحالات، فقد تتساوى معه كما في ميراث الأبوين مع وجود الولد، قال تعالى: «وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ...». وكذا في ميراث الإخوة والأخوات للُام، وميراث الأبناء والبنات للبنت كما ذهب إليه جماعة.
وأمّا تفضيله عليها في بعض الحالات الاخرى- حيث قال سبحانه: «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» - فهو لحكمة قويّة تبيّن خصوصيّة اخرى من خصائص نظام الإرث الإسلامي وهي التوازن بين الحقوق والواجبات حيث جعل على الذكور النفقة والمهر وغيرهما من المسئوليّات دون النساء. ثمّ جعل الإسلام نصيباً في الميراث للولاء عند فقد النسب والزوجية، فكان أحد موجبات الإرث في الإسلام لما يتحمله الموالي من المسئولية والذمّة في قبال المورّث. وهكذا جاء نظام الإرث في الإسلام مبتنياً على اصول ثلاثة: القرابة، والزوجية، والولاء، وهو نظام عادل ومنسجم مع الفطرة البشرية وحاجاتها الأساسية.



قام نظام الإرث في الإسلام على أساس التخطيط للمسئوليّات والحقوق في المجتمع، وفي هذا الاتجاه كانت حصّة الرجل أكثر من حصّة المرأة من دون أن يكون في ذلك انتقاص من إنسانيّة المرأة، بل الأمر يتعلّق بواقع الحياة الاسريّة في المجتمع.
[۲۴] من وحي القرآن، ج۷، ص۹۷.
وقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام فيما كتب في جواب علّة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث: «لأنّ المرأة إذا تزوّجت أخذت، والرجل يعطي، فلذلك وفّر على الرجال، و... لأنّ الانثى في عيال الذكر إن احتاجت، وعليه أن يعولها وعليه نفقتها، وليس على المرأة أن تعول الرجل... وذلك قول اللَّه عزّ وجلّ: «الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ» ».

۵.۱ - قول العلامة الطباطبائي


قال العلّامة الطباطبائي : «القوام (في الآية) من القيام وهو إدارة المعاش، والمراد بالفضل هو الزيادة في التعقل، فإنّ حياته (الرجل‌) حياة تعقّلية وحياة المرأة إحساسية عاطفية، وإعطاء زمام المال يداً عاقلة مدبرة أقرب إلى الصلاح من إعطائه يداً ذات إحساس عاطفي، وهذا الإعطاء والتخصيص إذا قيس إلى الثروة الموجودة في الدنيا المنتقلة من الجيل الحاضر إلى الجيل التالي يكون تدبير ثلثي الثروة الموجودة إلى الرجال وتدبير ثلثها إلى النساء فيغلب تدبير التعقّل على تدبير الإحساس والعواطف فيصلح أمر المجتمع وتسعد الحياة. وقد تدورك هذا الكسر الوارد على النساء بما أمر اللَّه سبحانه الرجل بالعدل في أمرها الموجب لاشتراكها مع الرجل فيما بيده من الثلثين فتذهب المرأة بنصف هذين الثلثين من حيث المصرف وعندها الثلث الذي تتملّكها وبيدها أمر ملكه ومصرفه.
وحاصل هذا الوضع والتشريع العجيب: أنّ الرجل والمرأة متعاكسان في الملك والمصرف، فللرجل ملك ثلثي ثروة الدنيا وله مصرف ثلثها، وللمرأة ملك ثلث الثروة ولها مصرف ثلثيها. وقد لوحظ في ذلك غلبة روح التعقّل على روح الإحساس والعواطف في الرجل، والتدبير المالي بالحفظ و التبديل و الإنتاج و الاسترباح أنسب وأمسّ بروح التعقّل، وغلبة العواطف الرقيقة والإحساسات اللطيفة على روح التعقّل في المرأة، وذلك بالمصرف أمسّ وألصق».


 
۱. أحكام الميراث في الشريعة الاسلامية، ج۱، ص۵۱.
۲. النساء/سورة ۴، الآية ۱۲.    
۳. زبدة البيان، ج۱، ص۶۴۵.    
۴. النساء/سورة ۴، الآية ۱۱.    
۵. الحشر/سورة ۵۹، الآية ۷.    
۶. في ظلال القرآن، ج۱، ص۵۸۹.    
۷. أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية، ج۱، ص۵۱.
۸. أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية، ج۱، ص۶۲.
۹. أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية، ج۱، ص۴۸.
۱۰. الميزان، ج۴، ص۲۲۶.    
۱۱. الميزان، ج۴، ص۲۲۸.    
۱۲. الميراث عند الجعفرية، ج۱، ص۹۶.
۱۳. النساء/سورة ۴، الآية ۷.    
۱۴. البقرة/سورة ۲، الآية ۲۲۹.    
۱۵. النساء/سورة ۴، الآية ۱۹.    
۱۶. النساء/سورة ۴، الآية ۱۱.    
۱۷. مستند الشيعة، ج۱۹، ص۱۹۸.    
۱۸. مستند الشيعة، ج۱۹، ص۲۶۴.    
۱۹. جواهر الكلام، ج۳۹، ص۱۲۶.    
۲۰. جواهر الكلام، ج۳۹، ص۱۶۸.    
۲۱. النساء/سورة ۴، الآية ۱۱.    
۲۲. الميزان، ج۴، ص۲۲۹- ۲۳۰.    
۲۳. في ظلال القرآن، ج۱، ص۵۹۶- ۵۹۷.    
۲۴. من وحي القرآن، ج۷، ص۹۷.
۲۵. النساء/سورة ۴، الآية ۳۴.    
۲۶. الوسائل، ج۲۶، ص۹۵، ب ۲ من ميراث الأبوين والأولاد، ح ۴.    
۲۷. الميزان، ج۴، ص۲۱۵.    




الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۱۹-۲۴.    



جعبه ابزار