زكاة الغلاة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
اعلم : انّه (لا تجب
الزكاة في شيء من الغلاّت الأربع حتى يبلغ نصاباً وهو خمسة أوسق، وكلّ وَسْق ستّون صاعاً)
بإجماعنا الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً،
كالناصرية والخلاف والغنية والمنتهى ،
بل فيه في
أصل اشتراط النصاب : لا نعلم فيه خلافاً إلاّ من مجاهد وأبي حنيفة، فإنّهما أوجبا الزكاة في قليل الغلاّت وكثيرها، وباقي العلماء اشترطوا بلوغها خمسة أوسق،
والصحاح وغيرها
بالجميع مستفيضة من طرقنا.
وما يخالفها في أصل النصاب بإيجاب الزكاة في قليلها وكثيرها
مع قصور سنده وندوره مطروح، أو محمول على
التقية ، أو إرادة نفي
النصاب بعد النصاب الأوّل كما يأتي.
وما يخالفها في مقداره بأنّه وَسْق كما في رواية
أو وسقان كما في غيرها،
فمع ضعف أسانيدها جملةً حملها الشيخ على
الاستحباب وتبعه جماعة منهم : المحقق في المعتبر والمجلسي في روضة المتقين والفيض الكاشاني في الوافي.
ولا بأس به، مسامحةً في أدلّة السنن، وجمعاً بين الروايات المختلفة.
واعلم : أنّه (يكون) مقدار النصاب (بـ) الرطل (العراقي ألفين وسبعمائة رطل) بناءً على أنّ كلّ صاع تسعة أرطال بالعراقي وستّة بالمدني، كما في صريح الخبرين المنجبرين بالعمل،
وظاهر الصحيحين
الوارد أحدهما كالأوّلين في صاع الفطرة، ولا قائل بالفرق كما صرّح به في الناصرية،
وفيها وفي الخلاف والغنية الإجماع أيضاً على أنّ
الصاع المطلق تسعة أرطال بالعراقي،
كما في صريح الأخيرين وظاهر الأوّل، لأنّه عراقي، مع أنّه صرّح به في
الانتصار مدّعياً أيضاً الإجماع.
ومنه يظهر وجه حمل الرطل في الصحيح الماضي أيضاً على العراقي، لأنّ الراوي كما قيل
عراقي، وفيه : أنّه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) : وقد بعثت لك العام من كلّ رأس من عيالي بدرهم على قيمة تسعة أرطال، فكتب جواباً محصوله التقرير على ذلك، ولا ريب أن الأرطال عبارة عن الصاع، لأنّه الواجب في
الفطرة .
وفي الثاني : «كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يتوضّأ بمُدّ ويغتسل بصاع،
والمدّ رطل ونصف، والصاع ستة أرطال» يعني أرطال المدينة، فيكون تسعة أرطال بالعراقي.
ويظهر من غير واحد أنّ التفسير من تتمة الرواية.
وهو غير بعيد، وإن احتمل كونه من كلام الشيخ الراوي له، لضعفه بما في الذخيرة
من أنّ الماتن نقله عن كتاب الحسين بن سعيد هكذا: والصاع ستّة أرطال المدينة يكون تسعة
أرطال بالعراقي؛ وأنّ الفاضل في التذكرة نقل عن مولانا
الصادق (عليه السلام) عين العبارة المذكورة.
هذا مع أنّي لم أجد خلافاً في المسألة إلاّ من البزنطي، حيث جعل المدّ الذي هو ربع الصاع بإجماع العلماء، كما في صريح المعتبر والمنتهى وغيرهما
والصحاح رطلاً وربعاً،
فيكون الصاع عنده خمسة أرطال.
وهو نادر، والموثّق الذي استدل به
لقصور سنده وإضماره غير معارض للصحيح الثاني، الصريح في خلافه، المعتضد زيادةً على الشهرة العظيمة القريبة من
الإجماع بل الإجماع حقيقة كما صرّح به في الخلاف والغنية
بالأصل، للشك في حصول شرط الوجوب إلاّ مع التقدير الأعلى، فيكون الوجوب عند عدمه بالأصل منفيّاً، سيّما مع ضعفه دلالةً كما لا يخفى على من راجعه، وبه صرّح الخال العلاّمة عليه الرحمة في الرسالة (رسالة المقادير الشرعية (مخطوط)).
والأشهر في مقدار الرطل العراقي أنّه مائة وثلاثون درهماً، أحد وتسعون مثقالاً. وهو الأظهر؛ للأصل، وللخبرين في أحدهما : «الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة بالعراقي» قال : وأخبرني أنّه يكون بالوزن ألفاً ومائة وسبعين وزنة.
والمراد بالوزن الدرهم كما صرّح به الثاني، وفيه : «ستّة أرطال برطل المدينة، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهماً، يكون الفطرة ألفاً ومائة وسبعين درهماً».
خلافاً للفاضل في التحرير وموضع من المنتهى،
فوزنه مائة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم، تسعون مثقالاً؛ ومستنده غير واضح.
وممّا ذكرنا يظهر أنّ هذا التقدير تحقيق لا تقريب، وبه صرّح جماعة ومنهم الفاضل في التذكرة والمنتهى،
مشعراً بعدم خلاف فيه بيننا. وفيهما الإجماع على أنّ النصاب المزبور إنّما يعتبر وقت الجفاف، قال : ولو جفّت تمراً أو زبيباً أو حنطةً أو شعيراً فنقص فلا زكاة إجماعاً وإن كان وقت تعلّق الوجوب نصاباً.
(ولا تقدير فيما زاد) على النصاب (بل تجب فيه) أي في الزائد الزكاة (وإن قلّ) بلا خلاف فتوى ونصّاً، وفي المنتهى أنّه لا خلاف فيه بين العلماء.
ومن هنا يعلم أنّ للغلاّت نصاباً واحداً وهو خمسة أوسق، وعفواً واحداً وهو ما نقص عنه.
(و) اعلم أنّه (يتعلق به) أي بكل واحد من الغلاّت وجوب (
الزكاة عند تسميته حنطةً أو شعيراً أو زبيباً أو تمراً) تسميةً حقيقيّة، ولا يكون إلاّ عند الجفاف، وعليه الإسكافي فيما حكاه عنه الفاضل في جملة من كتبه، حكاه عنه في المنتهى
وولده في
الإيضاح وغيرهما،
وعليه الماتن في كتبه الثلاثة كما حكاه عنه جماعة،
وحكاه في المنتهى عن والده أيضاً،
ومال إليه شيخنا في الروضة وصاحب الذخيرة.
للأصل، وحصر الزكاة في التسعة التي منها التمر والزبيب والشعير والحنطة، فيكون المعتبر صدق الأسامي المزبورة، ولا يصدق حقيقة إلاّ عند الجفاف كما عرفته.
(وقيل) والقائل المشهور كما حكاه كثير ومنهم الشيخ والحلّي
: يتعلّق به (إذا احمرّ ثمر النخل أو اصفرّ أو انعقد) الحبّ (والحِصْرِم).
واستدل عليه في المنتهى بتسمية الحبّ إذا اشتدّ حنطةً وشعيراً والبُسْر تمراً، قال : لتصريح أهل اللغة بأنّ البُسْر نوع من التمر وكذا الرطب؛
وبورود الرواية بوجوب الزكاة في العنب إذا بلغ خمسة أوساق زبيباً، ولعلّها الصحيح : «ليس في النخل
صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق، والعنب مثل ذلك حتى يبلغ خمسة أوساق زبيباً».
وفيهما نظر؛ لمنع التسمية على الحقيقة، فيحتمل مجازاً باعتبار ما يؤول إليه، بل لعلّه متعيّن لصحة السلب أحياناً سيّما في نحو البسر.
وتصريح أهل اللغة بكونه تمراً غير معلوم، بل المعلوم من جماعة منهم كالجوهري وصاحبي المجمع والمصباح المنير وغيره
كما حكي خلافه، وأن التمرة لا تسمّى تمراً إلاّ عند الجفاف، وحكى في المصباح عليه إجماع أهل اللغات. ولم يوجد في كلام غيرهم ما يخالفه عدا القاموس،
فإنّ فيه ما ربما يومئ إليه ويشعر به، ولكن فيه أيضاً ما يخالفه، ومع ذلك فغاية ما يستفاد منه الإطلاق، وهو أعمّ من الحقيقة، ويحتمل التجوّز، فيحمل عليه جمعاً وتوفيقاً بينه وبين من عداه من أهل اللغة.
وعلى تقدير المعلوميّة فهو معارض بالعرف، لأنّ مقتضاه عدم الصدق حقيقةً إلاّ بما عرفته، وبه اعترف جماعة،
وهو مقدّم على اللغة حيثما حصل بينهما معارضة، سيّما هنا لظهور بعض المعتبرة في ظهور المعنى العرفي في زمن صاحب الشريعة.
ولو سلّمنا توافقهما في صدق التسمية قبل الجفاف حقيقة، لكنّ الأسامي المزبورة مطلقات، وهي إنّما تنصرف إلى الأفراد المتبادرة كسائر المطلقات، وإن كان غير المتبادر منها من أفراد الحقيقة.
ثم لو تمّ ما ذكر لثبت فيما عدا الزبيب، إذ لا خلاف في عدم
إطلاقه على نحو
الحِصْرِم ، فلا يتمّ به المدّعى، وإتمامه بالإجماع المركب معارض بالمثل، فتدبّر وتأمّل، وجهه : أنّ ما دلّ على نفي الزكاة في الحِصْرِم إنّما هو الأصل والحصر، وهما بالإضافة إلى ما دَلَّ على وجوبها في نحو البُسر عامان وهو خاص فيكون مقدماً عليهما، وبعبارة اخرى إنه يجب تقدم المثبِت على النافي حيثما تعارضا. منه (رحمه الله).
وأمّا الرواية فقد أجاب عنها في الذخيرة بأنّ لمفهومها احتمالين : أحدهما : إناطة الوجوب بحالة يثبت له البلوغ خمسة أوساق حال كونه زبيباً. وثانيهما : إناطته بحالة يقدّر له هذا الوصف. والاستدلال بها إنّما يستقيم على ظهور الثاني وهو في معرض المنع. بل لا يبعد ادّعاء ظهور الأوّل؛ إذ اعتبار التقدير خلاف الظاهر، ولا يرجّح الثاني زوال وصف العنبيّة عند كونه زبيباً، لأنّ مثله شائع إلى أن قال ـ : على أنّه يجوز أن يكون إسناد الحكم إلى العنب من قبيل المساهلة في التعبير باعتبار ما يؤول إليه، كما في الإسناد إلى النخل في الخبر الأوّل، فلا يبعد المصير إليه جمعاً بين الأدلّة، انتهى.
وهو حسن.
وممّا ذكره وجهاً لظهور المعنى الأوّل ينقدح وجهٌ للاستدلال للقول الأوّل بالنصوص الدالة على اعتبار النصاب في الغلاّت، وأنّه لا شيء فيها حتى تكون وتبلغ خمسة أوساق.
وذلك لأنّ مفادها أنّ مناط الوجوب حين البلوغ خمسة أوساق، وهو حقيقة في التحقيقي لا التقديري، كما ذكره، وقد مرّ أنّ بلوغ النصاب إنّما يعتبر عند الجفاف إجماعاً،
وليس فيها ما في هذه الرواية مما توجب المعارضة ويحوج إلى الجمع، بل فيها ما يؤكّد الظهور من نحو لفظ التمر بناءً على كونه حقيقة في اليابس كما عرفته.
فالقول المزبور لا يخلو عن قوّةٍ وإن كان في تعيّنه مناقشة، لأنّ هنا روايتين صحيحتين يمكن التمسك بهما للمشهور.
في إحداهما : عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، متى تجب على صاحبها؟ قال : «إذا صُرِم وخُرِص».
وفي الثانية : هل على العنب زكاة أو إنّما تجب إذا صيّره زبيباً؟ قال : «نعم إذا خرصه أخرج زكاته».
وذلك لظهورهما في إناطة الوجوب بأوان الخَرْص، وهو على ما صرّح به الأصحاب ومنهم الماتن في
المعتبر فيما حكي عنه إنّما يكون في حال كون الثمرة بسراً أو عنباً.
ومن هنا ينقدح وجه الاستدلال على قولهم بكلّ ما دلّ على جواز الخَرْص في النخيل أو الكروم من الروايات
والإجماع المنقول الذي حكاه الماتن في المعتبر بناءً على ما ذكره هو وغيره من الأصحاب في فائدته وصفته، من أنّه تقدير الثمرة لو صارت تمراً والعنب لو صار زبيباً، فإن بلغت الأوساق وجبت الزكاة، ثم يخيّرهم بين تركه أمانةً في أيديهم وبين تضمينهم حصّة الفقراء أو يضمن لهم حصّتهم، إلى آخر ما ذكروه.
وكلّ هذا إنّما يتوجّه على المشهور، وإلاّ فعلى غيره لا وجه للخرص في ذلك الوقت، ولا المنع عن التصرف إلاّ بالتضمين؛ لجوازه من غير احتياج إليه على هذا التقدير، وهذا إحدى الثمرات المتفرّعة على الخلاف هنا.
لكن أجاب عن هذا في الذخيرة بأنّ على تقدير ثبوته يجوز أن يكون مختصّاً بما كان تمراً على النخل، أو يكون الغرض من ذلك أن يؤخذ منهم إذا صارت الثمرة تمراً أو زبيباً، فإذا لم يبلغ ذلك لم يؤخذ منهم.
وهو حسن، إلاّ أنّ قوله : على تقدير ثبوته، مشعر بتردّد له فيه. وليس في محلّه؛ للروايات المعتضدة والمنجبرة بالشهرة
والإجماع المحكي. وكذا تجويزه الاختصاص بما إذا كان تمراً على النخل؛ لما عرفت من اعترافهم حتى الماتن الموافق له هنا بخلافه.
نعم يتوجّه الأخير، وبه يجمع بين كلامي الماتن هنا وثمة، أو يجعل كلامه ثمة تفريعاً على القول المشهور، وإلاّ فالمنافاة بينهما واضحة.
ويمكن الجواب عن الرواية الأُولى : بقوّة احتمال كون وقت
الخَرْص فيها هو وقت الصرام، لجعله فيها أيضاً وقت الوجوب، فإذا حمل وقته على ما هو المشهور لكان التعليق بوقت الصرام ملغىً، لما بين وقته ووقت الخرص بالمعنى المشهور من المدّة ما لا يخفى، إذ الخرص بهذا المعنى في حال
البسريّة والعنبيّة، والصرام إنّما يكون بعد صيرورته تمراً، فكيف يستقيم تعليق الوجوب بكلّ منهما، بل إنّما يستقيم بحمل الخرص فيها على وقت كونه تمراً أو زبيباً، والمراد أنّ في ذلك الوقت يتعلّق به الوجوب سواءً صرمه أو خرصه على رؤوس الأشجار والنخيل والزروع.
وعلى هذا فيسهل الجواب عن الثانية : بحمل الخَرْص فيها على ما حمل عليه في سابقتها، فإنّ أخبارهم (عليهم السلام) يكشف بعضها بعضاً، ولعلّه لذا لم يستدلّ بهما في المنتهى، ويبعد غاية البعد غفلته عنهما.
وبما ذكرنا يقوّى القول الأوّل جدّاً.
ولكنّ المسألة بعدُ محلّ تردّد، ولا ريب أنّ المشهور أحوط وأولى، سيّما مع مصير نحو الحلّي الذي لا يعمل إلاّ بالقطعيات إليه،
وتصريح الفاضل المقداد في الشرح بأنّه لا يعلم للماتن قبله موافق.
(ووقت الإخراج إذا صَفَت الغلّة وجُمِعت الثمرة) بل إذا يَبست، إجماعاً كما صرّح به جماعة،
بل في المنتهى أنّ عليه اتفاق العلماء كافّة ونحوه عن التذكرة؛
وللصحيحين المتقدمين
بالتقريب المتقدم إليه الإشارة.
والمراد بوقت الإخراج الوقت الذي يصير ضامناً بالتأخير، أو الوقت الذي يجوز للساعي مطالبة المالك. وليس المراد الوقت الذي لا يجوز التقديم عليه؛ لتصريحهم بجواز مقاسمة الساعي للمالك الثمرة قبل الجذاذ، وإجزاء دفع الواجب على رؤوس الأشجار.
(ولا تجب)
الزكاة (في) شيء من (الغلاّت إلاّ إذا نَمَت في الملك) أي ملكت قبل وقت الوجوب، بإجماع المسلمين كما عن الماتن،
وفي المنتهى أنّه قول العلماء كافة؛
والحجّة عليه واضحة.
ف (لا) تجب في (ما يبتاع حبّا) مثلاً (أو يستوهب) كذلك، بل تجب على البائع والواهب مع الشرط، وإلاّ فعلى من جمعه.
(وما يُسقى سَيْحاً) أي
بالماء الجاري على وجه الأرض، سواء كان قبل الزرع كالنيل أم بعده (أو عِذياً) بكسر العين، وهو أن يُسقى بالمطر (أو بَعْلاً) وهو شربه بعروقه القريبة من الماء (ففيه العُشر).
(وما يُسقى بالنواضح) وهو جمع ناضحة وهو البعير يستسقى عليه (
والدوالي ) جمع دالية، وهي الناعورة التي يديرها البقر (ففيه نصف العُشر).
بلا خلاف في الحكمين بين العلماء كما في
التذكرة ،
وفي المعتبر والمنتهى أنّهما مذهبهم كافّة؛
والصحاح وغيرها بهما مع ذلك مستفيضة.
ويستفاد منها جملة أنّ الضابط في موضع الحكمين عدم توقّف ترقية الماء إلى الأرض على آلة من دولاب ونحوه وتوقّفه على ذلك، فلا عبرة بغير ذلك من الأعمال كحفر السواقي والأنهار وإن كثرت مؤُنتها، لعدم اعتبار الشارع إيّاه.
وهنا سؤال وجواب مشهوران يأتيان
مبنيان على ما هو المشهور من عدم وجوب الزكاة في
الغلاّت إلاّ بعد إخراج المؤن، وأما على غيره فالسؤال ساقط من أصله.
(ولو اجتمع الأمران) فسُقي بالسيْح مثلاً تارة وبمقابله اخرى (حكم للأغلب) منهما، فالعُشر إن كان هو الأوّل، ونصفه إن كان الثاني، بالنصّ الآتي، والإجماع منّا ومن أكثر العامّة كما صرّح به جماعة.
وفي اعتبار الأغلبيّة بالأكثر عدداً كما هو المتبادر من نحو العبارة، أو زماناً كما ربما يستفاد من ظاهر
إطلاق الرواية بل عمومها، أو نفعاً كما استقر به العلاّمة وولده،
أوجه وأقوال.
ولعلّ أوجهها الأوّل، سيّما وأنّ المئونة إنّما تكثر بسبب ذلك، ولعلّها الحكمة في اختلاف الواجب. ويمكن أن يرجع إليه الرواية بتقييد إطلاقها بما هو الغالب في الزمان الأكثر من احتياجه في السقي إلى عدد أكثر، فتدبّر هذا،
والاحتياط لا يترك.
(ولو تساويا أُخذ من نصفه العُشر ومن نصفه نصف العُشر) إجماعاً كما صرّح به جماعة،
وفي المعتبر والمنتهى
أنّه إجماع العلماء؛ وللنصّ المعتبر المنجبر بالعمل هنا وفيما مرّ : «وفيما سَقَت السماء والأنهار أو كان بَعْلاً العُشر، وأمّا ما سَقَت السواقي والدوالي فنصف العشر» قلت له : فالأرض تكون عندنا فتسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتُسقى سَيْحاً، قال : «إنّ ذا ليكون عندكم كذلك؟» قلت : نعم، قال : «النصف والنصف، نصف بنصف العُشر ونصف بالعُشر» فقلت : الأرض تُسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سَيْحاً، قال : «كم تُسقى السقية والسقيتين سيحاً؟» قلت : في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة وقد مضت قبل ذلك في الأرض ستّة أشهر سبعة أشهر، قال : «نصف العشر».
واعتبار التساوي بالمدة والعدد ظاهر، وأمّا بالنفع والنموّ فيرجع فيه إلى أهل الخبرة.
وإن اشتبه الحال وأشكل الأغلب ففي وجوب الأقلّ
للأصل ، أو العُشر للاحتياط، أو
الإلحاق بالتساوي لتحقّق تأثيرهما والأصل عدم التفاضل، أوجه، أحوطها الوسط إن لم يكن أجود.
(و) إنّما تجب (الزكاة بعد) إخراج (المئونة) وحصّة السلطان، بلا خلاف في الثاني أجده، بل بالإجماع عليه صرّح في الخلاف والمعتبر والمنتهى،
وعزاه فيهما إلى أكثر الجمهور أيضاً، وللنصوص.
منها الصحيح : «كل أرضٍ دفعها إليك السلطان فتاجرته فيها، فعليك فيما أخرج الله تعالى منها الذي قاطعك عليه، وليس على جميع ما أخرج الله منها العُشر، إنّما عليك العُشر فيما حصل في يدك بعد مقاسمته لك».
والصحيح : ذكرت لأبي الحسن
الرضا (عليه السلام) الخراج وما سار به أهل بيته، فقال : «ما أُخذ بالسيف فذاك إلى الإمام يقبّله الذي يرى، وقد قبّل
رسول الله (صلى الله عليه واله) خيبر وعليهم في حصصهم العُشر ونصف العُشر»
ونحوه الخبر.
وعلى الأظهر في الأوّل أيضاً، وفاقاً للأكثر على الظاهر، المصرّح به في عبائر جمع،
وفي المختلف وغيره أنه المشهور؛
للرضوي المعتبر في نفسه المعتضد زيادةً على الشهرة بما يأتي، وفيه : «وليس في الحنطة والشعير شيء إلى أن يبلغا خمسة أوساق،
والوسق ستّون صاعاً،
والصاع أربعة أمداد،
والمدّ مائتان واثنان وتسعون درهماً ونصف، فإذا بلغ ذلك وحصل بعد خراج السلطان ومئونة العمارة والقرية أُخرج منه العُشر إن كان سقي بماء المطر أو كان بَعْلاً، وإن كان سقي بالدلاء ففيه نصف العشر، وفي التمر والزبيب مثل ما في الحنطة والشعير».
والمراد بمئونة العمارة والقرية مئونة الزراعة قطعاً، وبه صرّح جدّي المجلسي فيما حكاه عنه خالي العلاّمة دام ظلّه (الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط) ـ، معترفاً بصحّته.
وللصحيح : «يترك للحارس يكون في الحائط العِذْق والعِذقان والثلاثة لحفظه إيّاه».
وأخصته من المدّعى مجبورة بعموم التعليل، مع ضرورة عدم القائل بالفرق بين مئونة الحارس وغيرها، كما صرّح به في المنتهى.
ولأنّ النصاب مشترك بين المالك والفقراء فلا يختصّ أحدهم بالخسارة عليه، كغيره من الأموال المشتركة. ولأنّ الزكاة في الغلاّت إنّما تجب في النماء والفائدة، وهو لا يتناول المئونة.
وما يقال على أوّل هذين الدليلين أوّلاً : بأنّ الشركة هنا ليس على حدّ سائر الأموال المشتركة لتكون الخسارة على الجميع، ولهذا جاز للمالك الإخراج من غير النصاب والتصرف فيه بمجرّد الضمان. وثانياً : بأنّه إنّما يقتضي استثناء المئونة المتأخّرة عن تعلّق الوجوب بالنصاب، والمدّعى أعم من ذلك.
وعلى ثانيهما : بأنّ متعلق الزكاة ما يخرج من الأرض وهو شامل لما قابل المئونة وغيرها.
فضعيف بأنّ مقتضى
الأصل في الشركة بمقتضى القاعدة المقررة المتّفق عليها فتوًى وروايةً هو الشركة في النفع والخسارة وغيرها من الأحكام المترتبة على الشركة، وخروج بعضها مما ذكره هنا بدليل من خارج لا يقتضي
انفساخ قاعدة أصل الشركة، وإن هي إلاّ كالعامّ المخصّص في الباقي حجة. مع أنّ الظاهر أنّ الوجه في خروج الخارج من نحو جواز التصرّف والإخراج من غير النصاب إنّما هو التخفيف على المالك والسهولة، وهو يقتضي
استثناء المئونة، فإنّ في عدمه عسراً وحرجاً عظيماً منفيّاً في الشريعة.
والأخصّية مدفوعة بعدم قائل بالفرق بين المئونة المتأخّرة عن تعلّق الوجوب والمتقدمة عليه.
ولو عورض بالمثل وهو اقتضاء الإطلاقات بوجوب العشر أو نصفه فيما خرج عدمَ استثناء المئونة المتقدمة، فكذا المتأخّرة لعدم القائل بالفرق.
لأجيب عنها بأنّها من باب تعارض العموم والخصوص المطلق، والخاصّ مقدم بالاتفاق. ولو سلّم كونها من باب التعارض من وجه، قلنا : لزم الرجوع في مثله إلى الترجيح، وهو هنا مع ما دلّ على الاستثناء لمطابقته لمقتضى الأصل، فتدبّر.
ودعوى تعلّق الزكاة بمجموع ما يخرج من الأرض حتى ما قابل البذر ممنوعة، كيف لا؟! وإيجاب الزكاة فيه يستلزم تكرّر وجوب الزكاة في الغلاّت، وقد أجمع المسلمون على خلافه، كما صرّح به في المنتهى
وغيره؛ وحيث ثبت استثناء البذر ثبت غره لعدم القائل بالفرق، فتأمّل.
خلافاً للخلاف والجامع
مدّعيين عليه الإجماع إلاّ من عطاء، على ما حكاه عنهما جماعة من الأصحاب،
ولم أَرَه في الخلاف، بل فيه مجرد الفتوى؛ ووافقتهما جماعة من متأخّري متأخّري الأصحاب؛
للعمومات المتقدم إليها الإشارة، قيل : وأظهر منها الصحيحة الأُولى المستثنية لحصّة السلطان، إذ المقام فيها مقام البيان واستثناء ما عسى أن يتوهم اندراجه في العموم.
وفي الجميع نظر : أمّا الإجماع فلوهنه بمصير معظم الأصحاب على خلافه، ومنهم :
المفيد ، والشيخ في
النهاية والاستبصار ،
والصدوق ، والسيّدان في الجمل والغنية، والحلّي في السرائر،
فكيف يمكن الاعتماد على مثله، سيّما وأن يكون دعواه بلفظ إجماع المسلمين. ولا يبعد أن يكون المراد بوجوب المئونة على ربّ المال في عبارة ناقله غير المعنى المعروف في البحث وهو اختصاصه بخسارتها دون الفقراء، بل المراد تعلّق الوجوب بإخراجها أوّلاً به دون الفقراء، وهو لا ينافي احتسابها عليهم بمقدار حصّتهم بعد إخراجها، كذا ذكره بعض الأصحاب، منهم الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط)، جامعاً به بين عبارتي المبسوط
على ما وجدهما فيه دالّة إحداهما على ما في النهاية والأُخرى على ما في الخلاف.
وأمّا العمومات فيجب تخصيصها بما مرّ، إن لم يناقش في دلالتها بورودها لبيان حكم آخر وهو التفصيل بين ما يجب فيه العشر ونصفه، ولذا لم تُستثنَ فيها جملة أو أكثرها ما وقع الاتفاق على استثنائه، (وهو العذق والعذقان للحارس، وحصّة السلطان. منه (رحمه الله))، هذا. ودعوى أظهريّة الصحيحة دلالةً
ممنوعة، فإنّها وإن اتّجهت من الوجه الذي ذكره، إلاّ أنّها تنعكس دلالةً بملاحظة قوله (عليه السلام) : «إنّما عليك العشر فيما حصل في يدك بعد مقاسمته لك»
بناءً على أنّ مقاسمة السلطان لا تكون عادة إلاّ بعد إخراج المؤمن من نفس الزرع كما قيل، وعليه فالحاصل في يده حينئذٍ ليس إلاّ ما عدا المؤمن؛ ولعلّه لذا جعلها الشيخ في الاستبصار وغيره
دليلاً على المختار، وهو غير بعيد.
وربما يستشهد لهذا القول بالنصوص الدالّة على لزوم العُشر فيما المئونة فيه أقلّ، ونصفه فيما المئونة فيه أكثر؛
ولعلّه بناءً على السؤال المشهور من أنّ
الزكاة إذا كانت لا تجب إلاّ بعد إخراج المؤمن فأيّ فارق بين ما كثرت مئونته وقلّت حتى وجب في أحدهما العُشر وفي الآخر نصفه؟
وفيه نظر، لإمكان الاستشهاد بها أيضاً للقول الآخر بتقريب أنّ المئونة لو كانت على ربّ المال لما توجّه تنصيف العشر فيما كثرت فيه.
والجواب بخروج هذه المئونة بالنصّ معارض بالمثل. وهذا هو الجواب المهور الموعود به وبسؤاله فيما سبق.
وبالجملة : الحقّ أنّه لا شهادة لهذه النصوص على شيء من القولين لكونها متّفقاً عليها بين الفريقين مخصَّصاً بها عموم أدلّة الطرفين.
قال شيخنا في الروضة : والمراد بالمئونة ما يغرمه المالك على الغلّة من ابتداء العمل لأجلها وإن تقدّم على عامها إلى تمام التصفية ويبس الثمرة، ومنها البذر، ولو اشتراه اعتبر المثل أو القيمة. ويعتبر النصاب بعد ما تقدّم منها على تعلّق الوجوب، وما تأخّر عنه يستثنى ولو من نفسه، ويزكّي الباقي وإن قلّ، وحصّة السلطان كالثاني. ولو اشترى الزرع أو الثمرة فالثمن من المئونة، ولو اشتراها مع الأصل وزّع الثمن عليهما كما توزّع المئونة على الزكوي وغيره لو جمعهما، ويعتبر ما غرمه بعده ويسقط ما قبله، كما يسقط اعتبار المتبرّع وإن كان غلامه أو
ولده ، انتهى.
وهو حسن، إلاّ أن ما اختاره في اعتبار استثناء المئونة من التفصيل بين ما تقدّم منها على تعلّق الوجوب فتُستثنى من نفس الغلّة حتى لو لم يبق بعده نصاب لم يجب زكاة، وما تأخّر عنه فتُستثنى من النصاب إن بلغته الغلّة ولو مع المئونة فتجب زكاة ما بقي منه بعد استثنائها وإن قلّ خلاف المشهور بين الأصحاب، وإن اختلفوا في اعتباره، فبين من جعله بعد النصاب مطلقاً، (أي سواء كانت المئونة متقدمة على تعلّق الوجوب أو متأخرة عنه، منه (رحمه الله) كالفاضل في التذكرة فيما حكاه عنه في المدارك واختاره،
وبين من عكس كهو في المنتهى والتحرير، والماتن في المعتبر في الخراج،
والحلّي وابن زهرة وغيرهم،
ولعلّه المشهور، ودلّ عليه الرضوي المتقدّم
الذي هو الأصل في المسألة.
ولعلّه الأظهر وإن كان الأحوط ما في التذكرة ثم ما في الروضة، وأحوط من الكل عدم استثناء المئونة بالكليّة خروجاً عن شبهة الخلاف ومن حذا حذوه.
رياض المسائل، ج۵، ص۸۰-۱۰۰.