شروط التأثير والصحة في الإجازة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي الشروط المعتبرة في تأثير العقد وصحته شرعاً.
وأمّا الشروط المعتبرة في المعاملة مع كونها خارجة عنها كالقدرة على التسليم أو عدم الغرر والجهالة وقد يعبّر عنها بالشروط المعتبرة في تأثير العقد وصحّته شرعاً، ففي مثل شرطية القدرة على التسليم قال الشيخ الأنصاري في مكاسبه بكفاية وجودها حين الإجازة.
في حين فصّل كلّ من المحقّق اليزدي
والمحقّق الايرواني
بين النقل والكشف فقالا بكفاية وجودها عند الإجازة على النقل، وأمّا على القول بالكشف فيعتبر وجودها حال العقد أيضاً.
وذهب
المحقّق النائيني إلى لزوم وجودها حين التسليم فقط، قال: «فلا يعتبر حال العقد ولا حال الإجازة إلّا أن يكون زمان الإجازة زمان لزوم التسليم... لأنّ مناط اعتبارها لا يقتضي إلّا أن يكون حال لزوم التسليم هذا الشرط موجوداً»،
وذهب السيد الخوئي إلى ما ذهب إليه استاذه حيث قال بلزوم وجود مثل هذه الشروط عند التسليم، كما صرّح بعدم الفرق بين النقل والكشف وأنّه على الكشف أيضاً لا يعتبر وجودها حال العقد قال: «فإنّه على القول بالكشف أيضاً وإن حصلت الملكية ولكن لم يحصل زمان التسليم والتسلّم ولذا لا يجوز التصرّف قبل الإجازة حتى على الكشف فزمان التسليم زمان الإجازة، فإنّه ليس معنى الكشف أنّ الملكية قد حصلت بحيث لكلٍّ منهما أن يتعامل مع ما انتقل إليه معاملة ملكه، بل إنّما ذلك بعد الإجازة، غاية الأمر أنّها تكشف أنّ الملكية من الأوّل».
وفي مثل اشتراط كون المشتري للمصحف أو العبد
المسلم مسلماً وأن لا يكون كافراً- بناءً على عدم تملك
الكافر العبد المسلم والمصحف- فقد ذكر
الشيخ الأنصاري كفاية وجودها حين الإجازة من دون التفصيل بين القول بالنقل أو الكشف،
بينما فصّل كلّ من المحقّق اليزدي
والمحقّق الايرواني
والمحقّق الاصفهاني
بين القول بالنقل فلا يعتبر وجودها حين العقد وبين القول بالكشف فيعتبر وجودها حينه.
وذهب السيد الخوئي إلى كفاية وجودها حين الإجازة مطلقاً سواء قلنا بالكشف أو النقل، قال: «فلو باع الفضولي المصحف أو العبد من الكافر فأسلم إلى زمان الإجازة يكون
البيع صحيحاً، والسرّ في ذلك أنّ عمدة دليل اعتبار كون المشتري مسلماً- بعد التسالم بين الفقهاء- هو قوله تعالى: «لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا»... وهذا المعنى لا يتحقّق بمجرد العقد حتى على القول بالكشف؛ فإنّ
الاستيلاء إنّما يتمّ بتمامية العلقة الملكية وهي لا تتم إلّا بتمامية السبب وتمامية السبب إنّما هو بالإجازة حتى على القول بالكشف...».
وهل يعتبر استمرار سائر شروط العقد أو الايقاع إلى حين الإجازة أو لا يعتبر ذلك؟ اختلفت كلمات الفقهاء في ذلك أيضاً، ففي الشروط الراجعة إلى صيغة العقد أو الايقاع الظاهر عدم لزوم بقائها إلى زمان الإجازة، صرّح بذلك المحقّق الايرواني، قال: «وكلّ ما كان من قبيل الأوّل (الشروط الراجعة إلى العقد) لا بد أن يكون موجوداً حال العقد فلا ينفع وجوده بعد العقد كما لا يضرّ ارتفاعه بعده»،
ونحوه صرّح السيد الخوئي حيث قال: «أمّا الشروط الراجعة إلى العقد فلا معنى لبقائها لكونها آني الحصول والزوال فليس لها قابلية البقاء كالعربية والماضوية وتقديم الايجاب على القبول ونحوها فإنّها كيفيات غير قابلة للبقاء».
وفي الشروط المعتبرة في العاقد ذهب الشيخ الأنصاري إلى عدم لزوم بقائها إلى حين الإجازة حتى على القول بالنقل، ولكنّه قوّى اشتراط بقائها بناءً على القول بكون الاجازة بيعاً مستأنفاً،
وقال المحقّق النائيني: «إنّ بقاء المتعاقدين على شروط الصيغة لا وجه له بلا إشكال».
وكذلك السيد الخوئي قال: «وأمّا شروط المتعاقدين فالظاهر عدم اعتبار بقائها على حالها في صحّة العقد، كما إذا جنّ العاقد الفضولي أو مات فإنّ العقد بعد صدوره عنه صحيحاً لا ينقلب عمّا هو عليه بانتفاء الشروط المعتبرة في العاقد، فلا نتصور وجهاً لكونها دخيلًا في صحّته بحسب البقاء أيضاً».
نعم، الشروط المعتبرة في المتعاقدين بمعنى أطراف العلاقة الحاصلة بالعقد أو الايقاع كالمالكين فإنّها لا بد من توفرها حين الإجازة؛ لأنّها زمان حصول تلك العلقة بالعقد أو الايقاع، نظير شرط
الإسلام في مشتري المصحف أو العبد المسلم، وشرط الحياة بناءً على النقل.
قال السيد اليزدي: «فإنّ مثل هذين الشرطين يجب بقاؤه حين الإجازة بناءً على النقل كشروط العوضين...».
وأمّا بالنسبة لشروط العوضين: فقد ذهب الشيخ الأنصاري في بحث الثمرة بين النقل والكشف إلى اعتبار بقائها إلى حين الإجازة بناءً على النقل، وعدمه بناءً على الكشف، وفي المقام ذهب إلى اعتبار بقائها على النقل ونفى البعد عن اعتبارها على الكشف.
وظاهر السيد اليزدي اعتبارها مطلقاً.
كما ذهب المحقّق النائيني إلى عدم تأثير الإجازة مع عدم استمرار هذه الشروط، قال: «إنّما الاشكال في شروط العوضين فإنّه لو كان المبيع حين العقد
خلًاّ ثمّ صار
خمراً ثمّ تبدل إلى الخلّ حين الإجازة فتأثير الإجازة في غاية الاشكال؛ لأنّه يمكن أن يقال: إنّ الخلّ بمجرد انقلابه إلى الخمر يخرج عن قابلية تعلّق الإجازة بالعقد الواقع عليه».
وفصّل
المحقّق الاصفهاني بين النقل والكشف، وأنّه لا يعتبر بقائها إلى حين الإجازة على الكشف حيث قال: «قد عرفت أنّ الشرائط مربوطة ابتداءً بالسبب حيث أنّها ممّا له دخل في تأثيره أثره، وما كان كذلك فلا بد من تحققه حين تأثيره، وإلّا لما كان شرطاً لتأثيره، ومقتضاه الفرق بين النقل والكشف، فإنّ موقع التأثير على الأوّل حين الإجازة، وموقعه على الثاني حال صدور العقد»... إلى أن قال: «والمفروض على الكشف اقتران العقد بالشرائط حال تأثيره في الملك، ولا نعني بقابلية المحل للإجازة المتأخّرة إلّا اقترانه بجميع ما يعتبر في تأثيره حال صدوره، إلّا الإجازة التي هي على الفرض شرط متأخر، يكفي وجوده في الاستقبال لتأثير المقتضي في الحال».
وفصّل السيد الخوئي بين ما هو شرط للانتقال وترتب
الأثر كالتمليك والتملّك مثل عدم الخمرية فلا بد من استمرارها إلى حين
الإجازة وبين ما هو شرط للعقد أو الايقاع كعدم كون المبيع امّ ولد أو من الأعيان النجسة أو المتنجّسة فلا يعتبر استمرارها إلى زمان الإجازة حتى على القول بالنقل.
ذكر بعض الفقهاء هذا الشرط في مقام بيان الثمرة بين القول بالكشف في الإجازة وبين القول بالنقل.
وحاصل قوله أنّه لو مات الأصيل قبل الإجازة فسيبطل العقد بناءً على النقل؛ فإنّه حين تحقّق الملكية غير موجود والفرض أنّ العقد لم ينعقد قبل الإجازة فيبطل.
بخلافه على القول بالكشف فإنّه يحكم بصحّة العقد وإن مات المالك الأصيل لأنّ الملكية قد تحقّقت على الفرض فلم يبق في البين إلّا إجازة المجيز فيحكم بالصحة مع الإجازة».
وقد ناقش المحقّق النجفي في صحة العقد على القول بالكشف أيضاً بدعوى ظهور الأدلّة في أنّ صحّة العقد الفضولي متوقفة على بقاء مالكي العقد ومن يستند العقد إليه، على قابلية الملك إلى حين الاجازة على الكشف، فتكشف الاجازة عن حدوث الملك من حين العقد مستمراً إلى حين الاجازة، وبالموت يخرجان عن تلك القابلية، ولا يمكن استناد العقد إليهما بالإجازة.
وناقش الشيخ الأنصاري فيه قال: «أنّه لا وجه لاعتبار استمرار القابلية، ولا استمرار التملك المكشوف عنه بالاجازة إلى حينها، كما لو وقعت بيوع متعدّدة على مال فإنّهم صرّحوا
بأنّ إجازة الأوّل توجب صحّة الجميع مع عدم بقاء مالكية الأوّل مستمرة، وكما يشعر بعض أخبار المسألة حيث إنّ ظاهر بعضها وصريح الآخر
عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الاجازة...».
وذكر السيد الخوئي في المقام بعد أن ناقش في جواب الشيخ الأنصاري ما مفاده: أنّ الذي ينبغي أن يقال: أنّه لو كان النظر إلى الأدلّة الخاصة في التصرفات الفضولية كرواية عروة البارقي،
وصحيحة محمّد بن قيس،
فلا شبهة؛ لظهورها في كون المالك المجيز أو الطرف الآخر حيّاً، فلا أقل من أخذ المتيقّن منها فإنّه ليس لها إطلاق يؤخذ به، فلا تكون الأدلّة الخاصّة للفضولية دليلًا للمقام، إذاً فالحق مع صاحب الجواهر؛ فإنّ مقتضى الاقتصار بالقدر المتيقّن منها هو الكفاية منها بحال حياة الطرفين من المالكين الفضوليين أو أحدهما فضولياً والآخر أصيلًا.
وإن كان النظر إلى الأدلّة العامة أعني العمومات والاطلاقات الدالّة على صحّة المعاملة، كقوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و «أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ» وغيرهما، فلا شبهة في صحّة المعاملة مع موت الأصيل أو المجيز مطلقاً، على القول بالكشف وعلى القول بالنقل.
أمّا على القول بالكشف فلأنّ العقد يكون تامّاً من جميع الجهات إلّا من جهة إجازة من كان العقد من قبله فضولياً، فإذا حصلت الإجازة فلا معنى للحكم بالبطلان، لما تقدّم من أنّ قوام المعاملة بالمبادلة بين المالين ولا خصوصية للمالك بوجه، فحيث إنّ المبادلة والملكية قد حصلت بالعقد فلم يبق في البين إلّا الإجازة من
المجيز ، فبها تتم جميع جهات المعاملة. غاية
الأمر أنّه إلى زمان موت الأصيل يكون المالك للثمن أو المثمن هو، وبعد موته يكون المالك وارثه، وتبديل المالك لا يضرّ بصحّة المعاملة بوجه.
وأمّا على النقل فالعقد قد وقع من المتعاقدين ويبقى إلى زمان الإجازة معلّقاً حتى يجيزه المجيز، فإذا أجازه يستند إليه العقد. وموت الأصيل أو غيره من أحد طرفي العقد لا يضرّ بالعقد الواقع، فإنّ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه، فتشمله العمومات والمطلقات.
نعم، لو كان الميت هو الأصيل لصار العقد من قبل ورّاثه أيضاً فضولياً فتتوقّف صحّته على إجازتهم أيضاً كتوقّفها على إجازة المجيز الآخر.
وبالجملة، لا نعرف وجهاً صحيحاً لدفع العمومات أو المطلقات عن شمولها لهذه المعاملة. غاية الأمر أنّه على الكشف ينتقل المال بموت الأصيل إلى الورثة من حين الموت فيكون العقد فضولياً من قبله أيضاً، وعلى القول بالنقل فالعقد يكون مراعى، فيكون طرف العقد هو الوارث فضولة وباجازته ينتقل المال عنه وينسب العقد إليه...».
من المعلوم أنّ العقد الفضولي لو وقع مقيداً بقيد أو شرط لا يكون معه محلّ للإجازة، لا تجدي الإجازة اللّاحقة لتصحيح العقد الفضولي، مثلًا في باب
المزارعة لو كانت الأرض مغصوبة وجعل
الغاصب البذر والنفقة على عهدته، فهنا مع هذا الشرط لا يبقى محلّ لإجازة المالك لتكون الحصة له بعد المدّة، وعليه فهذه الإجازة لو وقعت لا تصحّح العقد الفضولي من
الغاصب لكون القيد والشرط عائد إلى تعهد الغاصب ولم يقع عن المالك.
من شروط
البيع - الذي هو عبارة عن تبديل طرفي
الإضافة وخروج كلّ من العوضين عن طرفيه للاضافة إلى من هو له وصيرورته طرفاً لإضافة الآخر- أن يدخل كلّ واحد من العوضين في ملك من خرج منه العوض الآخر لا إلى أجنبي، كما لو باع الفضولي لنفسه، فهنا لو أراد المالك إجازة هذا البيع ليكون الثمن للفضولي لا له، فإنّ نفوذ الإجازة هنا يكون مخالفاً لمقتضى المعاملة (البيع)؛ إذ لا يعقل أن يكون البيع من المالك وثمنه للغاصب مثلًا إذ هو خروج عن حقيقة البيع.
نعم، يمكن اجازة العقد الصادر من الفضولي لنفسه- كالغاصب- بأن يقع عن المالك بالإجازة لا عن الغاصب؛ فإنّه لا محذور فيه لتحقّق الشرط وهو دخول كلّ من العوضين محل الآخر، ولا يضر بذلك أنّ الفضولي- وهو الغاصب- قد أنشأ العقد والمبادلة لنفسه لا للمالك، فإنّ هذه الخصوصية لا تضر بانشاء أصل
المبادلة بين المالين وهو البيع، فتكون كالأمر الزائد الملغى.
إلّا أنّ هناك قول للشيخ جعفر الجناجي في تصحيح البيع للغاصب الفضولي باجازة المالك، حيث قال: «وكذا الغاصب (يصح بيعه) قاصداً لنفسه أو للمالك أو لهما معاً على وجه الإشاعة أو التوزيع... ولو أجازه مع القصد لنفسه على نحو ما قصد احتمل رجوعه إلى هبة وبيع معاً، كقوله: اشتر بمالي لنفسك كذا. وأمّا مع قصد الغاصب تمليك نفسه ثمّ البيع فلا بحث في رجوعه إلى ذلك».
وقد ذكر
السيد الخميني قدس سره
عن بعض تلاميذ الشيخ جعفر في توجيه قوله في صيرورة العوض ملكاً للفضولي بالإجازة وجهين، أحدهما: أنّ مقتضى بيع مال الغير عن نفسه والشراء بمال الغير لنفسه جعل ذلك المال لنفسه، حتى أنّه على فرض صحّة ذلك البيع أو الشراء يتملّكه قبل انتقاله إلى غيره ليكون انتقاله إليه عن ملكه، نظير (اعتق عبدك عنّي» أو «بع مالي عنك» فهو تمليك ضمني حاصل بالبيع أو الشراء.
وثانيهما: أنّه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكاً للعاقد في انتقال بدله إليه، فلو قال: بع هذا لنفسك، فباع ملك الثمن وإن خرج المثمن عن ملك غيره.
وقد ناقش
السيد الخميني في كلا الوجهين، بمنع الوجه الأوّل وعدم صحّة المثال الذي قرّب به الوجه، وبعدم إمكان تصحيح الإجازة بمعنى صيرورة المال بها ملكاً للفضولي وخارجاً عن ملك المالك الأصلي. وبأنّ الوجه الثاني مخالف لماهية البيع التي هي مبادلة مال بمال أو تمليك عين بعوض.
كما أنّ المحقّق النائيني قدس سره بعد أن ذكر المسألة بيّن أنّ إجازة المالك تصحّح بيع الغاصب، لكن البيع يقع عن المالك لا الغاصب وإن باع هو لنفسه، ثمّ وصف القول بوقوعه للغاصب بأنّه قول شاذ لا يُعبأ به.
نعم، إذا كان ذلك القصد موجباً لعدم تحقق العقد أصلًا فلا يصح بالاجازة أيضاً، كما في وصية الفضولي لنفسه، الذي معناه انتقاله إلى الموصى له بموت الفضولي، فهذا معناه أنّه لم يُنشأ أصل الوصية التي هي التمليك مثلًا المعلّق على موت المالك، ولهذا حكموا ببطلان الوصية عن نفسه حتى بالإجازة، قال السيد اليزدي: «ولا تصح الوصية بمال الغير ولو أجاز ذلك الغير إذا أوصى لنفسه».
من الشروط المعتبرة في المقام أيضاً هو تعلّق الإجازة بعقد الفضولي لتصحيحه، لا العقد الذي يُنشئه الأصيل، كما هو الحال في إجازة
الوارث عقد
المضاربة الذي عقده مورّثه في حياته، إذ قد يقال بعدم نفوذ هذه الإجازة؛ لعدم علقة للوارث بالمال حال العقد بوجه من الوجوه ليكون واقعاً على ماله أو متعلّق حقّه، وإنّما ينتقل إليه المال حال موت المورث.
وإليه أيضاً أشار المحقّق ابن فهد الحلّي في المهذب حيث قال: «لو أقره (العامل) الوارث على المضاربة لم يصح».
وقد ذكر المحقّق اليزدي وجهاً لتصحيح الإجازة في المقام بتقريب أنّ مرجع إجازة الوارث هو إبقاء ما فعله المورث لا قبوله ولا تنفيذه، كما أنّ كون المال في معرض الانتقال إليه كاف في ذلك.
وقد ردّه الشيخ
كاشف الغطاء بقوله: «الإبقاء إن كان لحق المبقي في متعلق ما يبقيه كان لإبقائه
أثر ، ولكنّه مفقود في المقام فإنّ الوارث ليس له أيّ حق في مال مورثه حال صحته، وإذا لم يكن له حق أصلًا فلا أثر لإبقائه بأي وجه من الوجوه.
نعم، يمكن القول بأنّ
الإبقاء عرفاً بمنزلة عقد جديد».
وكذلك ناقش في قوله السيد الخوئي حيث قال: «لم يتحصّل لما أفاده قدس سره وجه محصّل، فإنّ الموت يوجب بطلان المضاربة، ومعه كيف يمكن الحكم ببقائها؛ بل إن كانت هناك مضاربة فهي مضاربة جديدة غير التي كانت بين المالك الأوّل والعامل... فما أفاده قدس سره لا يمكن المساعدة عليه، والصحيح هو الحكم بالبطلان».
وباعتبار إنشاء عقد جديد ذكر المحقّق النائيني في العروة بأنّه: «لما كان عقد المضاربة من العقود الإذنية الصالحة لأن تنعقد بأي لفظ يدل عليها، جاز أن ينشأ بذلك (بالإجازة) ويكون إنشاءً لعقد المضاربة من الوارث لا إنفاذاً لعقد المورث».
تعرّض الفقهاء في شروط التصرف المجاز لمسألة اعتبار معلوميته بالتفصيل للمجيز وعدمه. وقد وقعت كلماتهم في جهتين:
في صحّة الإجازة من المالك على تقدير وقوع التصرف الفضولي، كما إذا قال: لو بيع مالي فضولة أو اوجرت داري فقد أجزته.
وقد حكم البعض ببطلان الإجازة في هذه الحالة لكونه تعليقاً لما هو في حكم العقد، قال الشيخ الأنصاري: «ومن هنا يظهر قوة احتمال اعتبار العلم بوقوع العقد، ولا يكفي مجرد احتماله فيجيزه على تقدير وقوعه إذا انكشف وقوعه؛ لأنّ الإجازة وإن لم تكن من العقود حتى يشملها معاقد اجماعاتهم على عدم جواز التعليق فيها إلّا انها في معناها».
وقال البعض بالبطلان لعدّه الإجازة من الايقاعات وهي لا تقبل التعليق، واحتمل الصحة بناءً على صحة التعليق لو كان المعلّق عليه حاصلًا أو موضوعاً، قال المحقّق النائيني: «وتعلّقها (الإجازة) بالأمر المشكوك بأن يجيزه على تقدير وقوعه فإنّها تقع لغواً وإن انكشف وقوعه... لما ذكرنا من أنّ بها يتحقّق الاستناد، وهي من الايقاعات والايقاع لا يقبل التعليق. ثمّ إنّ هذا كلّه بناءً على بطلان التعليق مطلقاً.
وأمّا بناءً على صحّته إذا كان المعلّق عليه حاصلًا- كما في المقام- وصحته في ما إذا كان موضوعاً- كتعليق
الطلاق على الزوجية- فلا وجه لاحتمال البطلان».
بينما حكم البعض الآخر بالصحة وردّ ما استدل به على البطلان، منهم السيد الخوئي حيث ردّ ما استدل به الشيخ الأنصاري بقوله: «أوّلًا: لا دليل على بطلان التعليق في ما هو في حكم العقد، فإنّ عمدة الدليل على بطلانه هو الإجماع، والمتيقّن هو بطلانه في العقد لا ما في حكمه. وثانياً: أنّ التعليق في العقد موجب للبطلان إذا كان بأمر خارج عن العقد، وأمّا لو كان على أمر يكون مقوّماً له وداخلًا فيه فلا دليل على بطلانه».
كما أنّه ناقش في ما ذهب إليه المحقّق النائيني بقوله: «وأمّا ما أفاده شيخنا الاستاذ فلم نعقل له معنىً محصّلًا حيث إنّ التعليق في الايقاع قد وقع في الشريعة المقدسة فكيف له الحكم بكونه غير معقول في الايقاعات، كالتدبير فإنّه من الايقاعات مع كونه معلّقاً على الموت، وكالوصية بناءً على كونها من الايقاعات- كما هو الحق- فإنّها متوقّفة على الموت. بل عرفت أنّ الدليل على بطلانه إنّما هو
الإجماع فالمتيقّن منه ليس إلّا العقود، فلا علم لنا بدخول الايقاعات معقده فلا يضرّ فيها التعليق».
في إمكان تعلّق الإجازة بالأمر المبهم. وقد ذهب بعض الفقهاء
إلى عدم صحة تعلّق الإجازة بالأمر المبهم حيث نزّلوا الإجازة منزلة الوكالة فما لم يبلغ الأمر في ذلك إلى مرتبة لا يصح معه التوكيل يصح أن تتعلّق به الإجازة وإلّا فلا يصح.
قال المحقّق النائيني: «لا يجري في المقام ما يجري في
الوكالة فإنّها تصح على نحو
الإطلاق وإن لم تصح على نحو الإبهام، وأمّا الإجازة فلا معنى لتعلّقها بالعقد على نحو الاطلاق؛ لأنّ عقد الفضولي على شيء خاص وهو لو كان مجهولًا عند المجيز فلا تشمله الأدلّة الدالّة على نفوذ الإجازة، بل حكمها حكم تعلّق الوكالة بالأمر المبهم التي لا اعتبار بها عند العقلاء».
إلّا أنّ بعض المتأخّرين ذهب إلى جواز تعلّق الإجازة بالأمر المبهم، وناقش في تنزيل الإجازة منزلة الوكالة في ذلك.
فالإجازة بخلاف الوكالة يمكن تعلّقها بالواقع المردد بين الأفراد الكثيرة وإن لم يكن بينها جامع، قال السيد الخوئي: «الظاهر جواز تعلّقها بالأمر المبهم- إذا لم نقل بكون التعليق فيها مضرّاً- كما إذا لم يدر المجيز أنّ الواقع بيع داره أو إجارته أو بيع الفرس أو غير ذلك، فيقول: أجزت ذلك الأمر الواقع، إن كان إجارةً فأجزت الإجارة وإن كان بيعاً فأجزت البيع.
وهكذا، ولا يلزم معرفة المجاز ولا يضرّ عدم المعرفة بصحة الإجازة».
ثمّ ردّ ما ذكر ممّا استدل به على عدم الصحة وادعى بطلانه حيث قال: «ووجه البطلان: إن ما تقع عليه
الإجازة وإن كان أمراً شخصياً غير قابل للإطلاق، لا كلّياً قابلًا للاطلاق، إلّا أنّ اشتراط كون متعلّقها أمراً قابلًا للإطلاق بلا دليل، بل إنّما تكون الإجازة واقعة على موردها وإن كانت المحتملات كثيرة وبالغة إلى حدّ لا تصحّ أن تتعلّق به الوكالة، فإنّه بناءً على جواز التعليق فيها ينحل ذلك إلى قضايا عديدة فيكون التقدير: إن كان هذا العقد واقعاً على مالي فأجزته وإن كان ذلك فأجزته وهكذا».
الموسوعة الفقهية، ج۵، ص۴۹-۶۰.