كمال العقل في قصاص النفس
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
فلا يقاد المجنون ولا الصبي، وجنايتهما عمدا وخطأ على العاقلة، وفي رواية يقتص من الصبي إذا بلغ عشرا، وفي أخرى: اذا بلغ خمسة أشبار، وتقام عليه
الحدود، والأشهر: ان عمده خطأ حتى يبلغ
التكليف؛ أما لو قتل العاقل ثم جن لم يسقط
القود؛ ولو قتل البالغ الصبي قتل به على الأشبه؛ ولا يقتل العاقل بالمجنون؛ وتثبت
الدية على القاتل إن كان عمدا أو شبيها؛ وعلى العاقلة إن كان خطأ؛ ولو قصد العاقل دفعه كان هدرا، وفي
رواية: ديته من
بيت المال؛ ولا قود على النائم وعليه الدية؛ وفي الأعمى تردد، أشبهه: أنه كالمبصر في توجه القصاص، وفي رواية
الحلبي عن
أبي عبدالله (عليه السلام): أن جنايته خطأ يلزم العاقلة فان لم يكن له عاقلة فالدية في ماله تؤخذ في ثلاث سنين، وهذه فيها مع الشذوذ تخصيص لعموم
الآية.
فلا يقاد المجنون بعاقل، ولا مجنون، سواء كان الجنون دائماً أو أدواراً إذا قتل حال جنونه، بلا خلاف أجده، بل ادعى عليه
الإجماع بعض الأجلّة
، وهو
الحجّة.
مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة، منها
الصحيح: «كان
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) يجعل جناية المعتوه على عاقلته، خطأً كان أو عمداً»
.
والقوي: «أنّ
محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين (علیهالسّلام) يسأله عن رجل مجنون قتل رجلاً عمداً، فجعل الدّية على قومه، وجعل عمده وخطأه سواء»
إلى غير ذلك من النصوص الآتية.
ولا الصبي بمثله، ولا ببالغ، بلا خلاف إذا لم يبلغ خمسة أشبار ولا عشراً، وكذا إذا بلغهما على الأشهر الأقوى، بل عليه عامة متأخّري أصحابنا، وفاقاً منهم
للحلّي والخلاف من القدماء، وادّعى الأخير فيه إجماع الفرقة، وهو الحجة.
مضافاً إلى بعض ما مرّ إليه الإشارة، وللمعتبرة المستفيضة التي هي ما بين صريحة وظاهرة، فمن الأوّل: الصحيح: «عمد الصبي وخطاؤه واحد»
.
والخبر، بل
الموثق أو الحسن كما قيل
: أنّ عليّاً (علیهالسّلام) كان يقول: «عمد الصبيان خطأ تحمله العاقلة»
.
ونحوه المروي عن
قرب الإسناد، عن
علي (علیهالسّلام) «أنّه كان يقول في المجنون والمعتوه الذي لا يفيق، والصبي الذي لم يبلغ: عمدهما خطاء تحمله العاقلة، وقد رفع عنهما القلم»
.
ومن الثاني: النصوص المتقدّمة في كتاب
الحجر في حدّ بلوغ الصبي والجارية.
وبعض الأخبار الأوّلة كبعض ما سبقها في المجنون صريح في أنّ جنايتهما عمداً وخطأً على العاقلة مطلقا، كما عليه
الأصحاب، لكن سيأتي في المجنون ما يوهم أخذ
الدّية من ماله إن كان له مال، وإلاّ فمن عاقلته، إلاّ أنّه مع ضعف سنده غير صريح، بل ولا ظاهر في قتله حال الجنون، بل ظاهره ورود الحكم فيه بذلك في صورة اشتباه وقوع قتله حال جنونه أو إفاقته.
وكيف كان فلا شبهة فيما ذكره الأصحاب.
ولكن في رواية أنّه يقتصّ من الصبي إذا بلغ عشراً قيل: وبها أفتى
الشيخ في
النهاية والمبسوط والاستبصار، ولم نظفر بها كذلك مسندة هنا، وإن ذكرها جملة من الأصحاب
كذلك، ولكن آخرون منهم
اعترفوا بما ذكرناه، فهي مرسلة لا تصلح للحجيّة، فضلاً أن يعترض بها الأدلّة المتقدّمة، المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل لعلّها إجماع في الحقيقة.
وأمّا الصحيح: عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلاً؟ فقال: «إنّ خطأ المرأة والغلام عمد، فإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما»
الحديث.
فشاذّ، مخالف للإجماع؛ إذ لا قائل بأنّ خطأ الصبي والمرأة عمد، ولذا حمل الشيخ الخطأ فيه على العمد، بناءً على ما يعتقده بعض
العامة من أنّ عمدهما خطأ؛ لأنّ من قتل غيره بغير حديد كان ذلك خطأً ويسقط
القود، فكأنّه (علیهالسّلام) قال: إنّ عمدهما الذي يزعمه هؤلاء خطأً عمد.
ونحوه في الشذوذ ما دلّ على أنّه إذا بلغ ثمان سنين جاز أمره في ماله، وقد وجب عليه
الفرائض والحدود
، مع قصور سنده.
وفي رواية أُخرى للسكوني عن
الصادق (علیهالسّلام)، عن أمير المؤمنين (علیهالسّلام): «عن رجل وغلام اشتركا في قتل رجل، فقال: إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتصّ منه، وإن لم يكن قد بلغ خمسة أشبار قضى بالدية»
.
وليس فيها كما ترى أنّه تقام عليه الحدود كما ذكره
الماتن، وبمضمونها أفتى الشيخان
والصدوق وجماعة
.
وقصور سندها مع عدم مكافأتها لما مضى يوهن العمل بها ويتعيّن العمل بما هو الأشهر من أنّ عمده خطأ حتى يبلغ
التكليف لما مضى، مع تأيّده بلزوم
الاحتياط في الدماء.
وليس في شيء من
النصوص وأكثر
الفتاوي اعتبار الرشد بعد البلوغ.
خلافاً
للفاضل في
التحرير، فاعتبره. ولم أعلم مستنده، كما اعترف به جماعة
، وتأوّله بعض المحشّين عليه بأنّ مراده من الرشد هنا كمال
العقل؛ ليخرج المجنون، لا إصلاح المال؛ لقبول إقرار
السفيه كما سيأتي. ولا بأس به؛ صوناً لفتوى مثله عن مثله.
ثم إنّ ما ذكر من أنّه لا يقاد المجنون بغيره إنّما هو إذا قتل حال جنونه أمّا لو قتل العاقل ثم جنّ لم يسقط القود بلا خلاف يظهر؛ للأصل.
والخبر القريب من الصحيح: عن رجل قتل رجلاً عمداً فلم يقم عليه الحدّ ولم تصح
الشهادة حتى خولط وذهب عقله، ثم إنّ قوماً آخرين شهدوا عليه بعد ما خولط أنّه قتله؟ فقال: «إن شهدوا عليه بأنّه قتله حين قتله وهو صحيح ليس به علّة من فساد عقل قتل به، وإن لم يشهدوا عليه بذلك وكان له مال يعرف دفع إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل، وإن لم يترك مالاً أعطي الدية من بيت المال، ولم يطلّ دم امرئ مسلم»
.
ولو قتل البالغ الصبي مع التكافؤ من غير جهة
البلوغ قتل به على الأشبه الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر؛ للعمومات السليمة هنا عن المعارض.
مضافاً إلى ظاهر خصوص
المرسل: «كلّ من قتل شيئاً صغيراً أو كبيراً بعد أن يتعمّد فعليه القود»
.
خلافاً
للحلبي، فأوجب الدية كالمجنون؛ لاشتراكهما في نقصان العقل.
ويضعّف بأنّ المجنون خرج بدليل من خارج كما يأتي، وإلاّ كانت العمومات متناولة له، بخلاف الصبي، مع أنّ الفرق بينهما متحقّق، كذا ردّه جماعة
.
وله أنّ يقول: إنّ النصّ المخرج للمجنون مخرج للصبي أيضاً، وإن كان نصّاً في الأوّل وظاهراً في الثاني؛ لقوله (علیهالسّلام): «فلا قود لمن لا يقاد منه»
وهو عامّ، ووروده في خصوص المورد لا يوجب التخصيص، كما قرّر في الأُصول.
مع تأيّده بما ورد من مثله في الحدود، وهو أنّه «لا حد لمن لا حدّ عليه»
وبلزوم الاحتياط في
الدم.
وهو غير بعيد، إلاّ أنّ الاكتفاء بمثل هذا الظهور في رفع اليد عن العمومات القطعية من
الكتاب والسنّة وظاهر المرسلة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون لنا الآن إجماع الطائفة في غاية الجرأة، وإن كان الاحتياط للأولياء معه، فلا يختاروا قتله، بل يصالحوا عنه بالدية.
ولا يقتل العاقل بالمجنون بلا خلاف أجده، وبه صرّح في
الغنية، بل عليه الإجماع في
السرائر؛ للصحيح: عن رجل قتل رجلاً مجنوناً؟ فقال: «إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله فلا شيء عليه من قود ولا دية، ويعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين، وإن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه، وأرى أنّ على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون، ويستغفر الله عزّ وجلّ ويتوب إليه».
وفيه الدلالة أيضاً على بعض ما ذكره بقوله: وتثبت الدية على العاقل إن كان قتله عمداً أو شبيهاً به وعلى العاقلة إن كان خطأً.
ولو قصد العاقل دفعه عن نفسه بعد أن أراده، فآل إلى قتله كان دم المجنون هدراً لا دية له على العاقل، ولا عاقلته، اتفاقاً ظاهراً، فتوًى ونصّاً خاصّاً، وهو الصحيح المتقدم، وعامّاً، وهو كثير، وشطر منه قد تقدّم في كتاب الحدود في أواخر الفصل السادس في
حدّ المحارب.
وظاهر
إطلاق العبارة ونحوها أنّه لا دية له أصلاً، كما عن النهاية
والمهذّب والسرائر
، ويقتضيه عموم نصوص الدفع.
خلافاً للمحكي عن
المفيد والجامع، فأثبتاها في بيت المال، كما في الصحيحة، ويقتضيه عموم: «لا يطلّ دم امرئ مسلم»
المروي في المعتبرة.
ورواية
أبي الورد المعتبرة برواية
الحسن بن محبوب عنه، وهو ممّن أجمع على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة: رجل حمل عليه رجل مجنون بالسيف فضربه المجنون ضربة، فتناول الرجل
السيف من المجنون فضربه فقتله، فقال: «أرى أن لا يقتل به، ولا يغرم ديته، وتكون ديته على
الإمام، ولا يطلّ دمه»
.
ونفى عنه البأس
الصيمري في
شرح الشرائع، قال: والمشهور سقوط القود والدية معاً؛ لأنّ الدفع إمّا
مباح أو
واجب، فلا يتعقّبه
ضمان.
وفي هذا الدليل ما ترى؛ لأنّ مقتضاه نفي الأمرين عن القاتل لا مطلقاً.
وقريب منه الاستدلال بنصوص الدفع؛ لعدم معلومية شمول إطلاقها لمحل البحث، بل ظاهرها كون الحكم بالهدرية مقابلةً للمحارب ومؤاخذةً له بما له من
القصد والنية، وليس ذلك في المجنون بلا شبهة، وجواز دفاعه إنّما هو لأجل حفظ النفس المحترمة، لا المؤاخذة له بالقصد والنية، فلا غرو في وجوب الدية لدم المجنون؛ لأنّ نفسه أيضاً محترمة حيث لم يستصحبها فساد قصد ونيّة،
والشارع لما رخّص في إتلافها من غير تقصير من جهتها تداركها بالدية.
فالقول بثبوتها لا يخلو عن قوة، سيّما مع استفادته ممّا عرفت من المعتبرة بالصحة والقرب منها بما عرفته، وإن وقع الاختلاف بينها بدلالة الصحيحة بكونها في بيت المال، والقريبة منها بكونها على الإمام، لكن الجمع بينهما ممكن بحمل الأخيرة على الصحيحة، والعكس وإن أمكن، إلاّ أنّه مع بعده لا قائل به، مع استلزامه ترجيح ما ليس بحجة على الحجة، وهو فاسد بالبديهة.
ويظهر من الماتن هنا وفي
الشرائع نوع تردّد له في المسألة، حيث أشار إلى
الرواية الصحيحة بقوله: وفي رواية ديته من بيت المال
ولم يُجب عنها بالمرّة.
نعم فتواه أوّلاً بالهدرية مطلقاً ظاهرة في ترجيحه له، ونحوه كلام الفاضل في التحرير
. وفيه ما عرفته.
ولا قود على النائم إجماعاً، فتوًى ونصّاً، وللأصل، مع انتفاء التعمّد المشترط في شرعية الاقتصاص.
وهل يثبت عليه
الدية في خاصّة ماله مطلقاً، أم على العاقلة كذلك، أم على تفصيل يأتي ذكره في أوائل النظر الثاني من كتاب الديات؟
أقوال، يأتي ذكرها مع تحقيق المسألة كما هو ثمة إن شاء الله تعالى.
وفي القود من الأعمى إذا قتل من اقتصّ به لو كان بصيراً تردّد واختلاف، فبين من نفاه وأثبت الدية على العاقلة استناداً إلى الرواية الآتية، كالصدوق والشيخ في النهاية
والإسكافي والقاضي وابن حمزة وجماعة
.
وبين من جعل أشبهه: أنّه كالمبصر في توجّه
القصاص كالحلّي
وعامّة المتأخّرين على الظاهر، المصرّح به في
المسالك لوجود المقتضي له، وهو قصده إلى
القتل، وانتفاء المانع؛ لأنّ العمى لا يصلح مانعاً مع اجتماع
شروط القصاص من التكليف والقصد ونحوهما، كما هو الفرض، فيشمله عموم الآيات والروايات.
ولكن في رواية الحلبي عن
أبي عبد الله (علیهالسّلام): أنّ جنايته خطأ تلزم العاقلة، فإن لم يكن له عاقلة فالدية في ماله، وتؤخذ في ثلاث سنين
.
ونحوها في الدلالة على أن عمده خطأ رواية أُخرى موثقة: «عمد الأعمى مثل الخطأ فيه الدية من ماله، فإن لم يكن له مال فإنّ دية ذلك على الإمام، ولا يبطل حق مسلم»
.
وضعّفتا باشتراكهما في ضعف
السند، واختلافهما في الحكم، ومخالفتهما الأُصول؛ لاشتمال الاولى على كون الدّية تجب ابتداءً على العاقلة، ومع عدمها تجب على الجاني، والثانية على إيجابها على الجاني مع تموّله، ومع عدمه على الإمام، ولم يوجبها على العاقلة وظاهر اختلاف الحكمين ومخالفتهما لحكم الخطأ، فتكونان شاذّتين من هذا الوجه.
ولعلّه مراد الماتن في جوابه عن الرواية الأُولى بقوله: فهذه الرواية فيها أي يرد عليها مع الشذوذ أي مضافاً إليه تخصيص لعموم
الآية والسنّة القطعيتين، وهو غير جائز عند جماعة من المحقّقين
، ومنهم الماتن.
وهذا جواب ثالث، ولم يذكره من أجاب بالأوّلين وأبد له بآخر، وهو عدم الصراحة في الدلالة؛ لجواز كون قوله: «خطأ» حالاً والجملة الفعلية بعده الخبر، وإنّما يتمّ استدلالهم بها على تقدير جعله مرفوعاً على الخبرية.
ويمكن توجّه النظر إلى جميع هذه الأجوبة:
أمّا الأخير: فبمخالفته لظاهر سياقها، حيث سئل (علیهالسّلام) في صدرها: عن رجل ضرب رأس رجل بمِعول فسالت عيناه على خدّيه فوثب المضروب على ضاربه فقتله، وأجاب (علیهالسّلام) بأنّ «هذين متعديان جميعاً، فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً؛ لأنّه قتله حين قتله وهو أعمى، والأعمى جنايته خطأ» إلى آخر ما مضى، وهو ظاهر في كون القتل عمداً من جوه شتّى، منها: قوله: فقتله، بعد أن أعماه الظاهر في ذلك بمعونة الغالب.
ومنها: قوله (علیهالسّلام): «هذان متعدّيان» والتعدّي لا يجامع
قتل الخطأ كما هو ظاهر.
ومنها: تعليله (علیهالسّلام) نفي القود بوقوع قتله حال العمى لا كونه خطأً، ولا تلازم بينهما جدّاً، مع كون قوله: «والأعمى جنايته خطأ» تتمة التعليل، ولو كان المراد التعليل بالخطإ للغا ذكر
الأعمى؛ لعدم اختصاص عدم القود بالخطإ به قطعاً.
وبالجملة: لا ريب في ظهور دلالتها كما فهموه حتى المعترض أيضاً، حيث نفى الصراحة دون الظهور، وهو كافٍ، سيّما بعد أن انضمّ إليه الرواية الثانية الصريحة، مع قرب الظهور من الصراحة بمعونة ما عرفته من القرائن الظاهرة غاية الظهور القريب من الصراحة، بل لعلّها سيّما الأخيرة منها صريحة.
وأمّا الثالث: فمتوجّه إن وافقنا الجماعة على كون الآحاد غير مخصِّصة للعمومات القطعية، وإلاّ كما هو الظاهر وفاقاً للأكثر فغير متوجّه، والتحقيق في الأُصول.
وأمّا الثاني: فلأنّ خروج بعض الرواية عن
الحجية وشذوذها من جهة لا تستلزم خروجها عنها بالكلّية، وشذوذ الروايتين إنّما هو من غير جهة الدلالة على كون عمده خطأ، بل من الجهة المتقدّمة، وإحداهما غير الأُخرى، وخروجها عن الحجية بالجهة الأخيرة غير مستلزم لخروجها عنها في الجهة الأُخرى كما عرفته.
وحيث ثبت بهما كون العمد خطأ ثبت كون الدية على العاقلة؛ لعدم القائل بالفرق بين الطائفة، إلاّ ما يظهر من
الصدوق في
الفقيه، حيث روى الرواية الاولى في باب العاقلة بسنده عن
العلاء بن رزين، عن الحلبي
الراوي، وظاهره العمل بها بمعونة ما قرّره في صدر كتابه من أنّه لا يذكر فيه إلاّ ما يفتي به ويحكم بصحته
.
ومن هنا ينقدح الوجه في صحة التأمّل في دعوى الماتن شذوذ الرواية.
مع القدح فيما ضعّفت به من ضعف سندها؛ لاختصاص ضعفه برواية
التهذيب، وإلاّ فهي برواية الفقيه صحيحة؛ لأنّ سنده إلى العلاء صحيح في المشيخة، وبه صرّح الفاضل في
الخلاصة.
وكذلك الرواية الثانية ليست بضعيفة، بل موثّقة؛ إذ ليس في سندها من يتوقّف فيه سوى عمّار الساباطي، وهو وإن كان فطحيّاً إلاّ أنّه ثقة، ومع ذلك في السند قبله الحسن بن محبوب، وقد ظهر لك حاله مراراً من إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، فيقرب من الصحيح.
فالروايتان معتبرتا السند، صالحتان للحجية، سيّما مع التعدّد، والاعتضاد بفتوى هؤلاء الجماعة الذين لا يبعد أن يدّعى في حقّهم الشهرة كما ادّعاها بعض الأجلة
، مع عدم ظهور مخالف لهم من القدماء بالمرة عدا الحلّي
خاصّة؛ لأصله الغير الأصيل من طرحه الأخبار الآحاد، سيّما في مقابلة الكتاب والسنة القطعية.
وممّا ذكرنا ظهر وجه التردّد وصحته والإشكال في الترجيح، مع قوّة احتمال جعله في جانب الرواية، مع أنّ لزوم الاحتياط في الدماء يقتضيه بلا شبهة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۲۵۱-۲۶۳.