لواحق كتاب الحج
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(واللواحق) للكتاب أُمور (أربعة :) حكم من أحدث جناية ولجأ إلى
الحرم ومن أحدث جناية في الحرم،
إجبار الوالي الحاج على زيارة
النبي صلي الله عليه وآله وسلم لو تركوها، حد
المدينة وبعض أحكامها، و
ما يستحب في المدينة .
(الأوّل : من أحدث) شيئاً ممّا يوجب الحدّ أو التعزير أو
القصاص (ولجأ إلى الحرم لم يُقَم عليه) فيه (حدّ بجنايته، ولا تعزير) ولا قصاص (و) لكنه (يُضيّق عليه في المطعم والمشرب) والمسكن، فلا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يؤوى (ليخرج) فيقام عليه.
(ولو أحدث) ذلك (في الحرم قوبل بما يقتضيه جنايته) من حدّ أو
تعزير أو قصاص.
كلّ ذلك بالكتاب
والسّنة المستفيضة، بل المتواترة :
ففي الصحيح : عن رجل قتل رجلاً في الحلّ ثم دخل الحرم، فقال : «لا يقتل ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يؤوى حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحدّ» قلت : فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق؟ قال : يقام عليه الحدّ في
الحرم صاغراً، لانه لم ير للحرم حرمة وقد قال الله عزّ وجلّ (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) فقال : «هذا هو في الحرم» وقال : «(فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ)».
ونحوه آخران وغيرهما،
إلاّ أنه ليس فيها
الاستشهاد بآية
الاعتداء ، وزيد فيها النهي عن التكلّم، وأُطلق الحدث فيها.
ولا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر، المصرَّح به في كلام جماعة،
ولا إشكال إلاّ في تفسير الضيق بما قدّمناه، فمن الأصحاب من فسّره بأنّه لا يمكّن من ماله إلاّ ما يسدّ به الرمق، أو ما لا يحتمله مثله عادة، ولا يطعم ولا يسقى سواه.
ولا وجه له أصلاً، سيّما مع
اتّفاق النصوص على ما قدّمناه. اللهم إلا أن يقال : إن في العمل بمقتضاها من ترك
الإطعام والسقي مطلقاً قد يوجَب تلف النفس المحترمة حيث لا تكون جنايته لنفسه مستغرقة، بل مطلقاً ولو كانت مستغرقة، فإن
إمساك الطعام عنه والشراب إتلاف له من هذا الوجه، فقد حصل في الحرم ما أُريد الهرب عنه. وفيه نظر؛ لعدم
استناد الإتلاف إلى الممسك، بل هو المتلف حيث أمسك عن الخروج، فتأمل.
الثاني : لو ترك الحاجّ زيارة
النبي صلي الله عليه و آله وسلم أُجبروا على ذلك) على الأشهر الأظهر (وإن كانت) على الآحاد (ندباً، لأنه) أي إطباقهم على تركها (جفاء) له صلي الله عليه و آله وسلم، ولا ريب أنه حرام، فيجب على الوالي إجبارهم على تركه. وفي كلام جماعة
: إن التعليل إشارة إلى ما في النبوي : «من أتى مكة حاجّاً ولم يزرني إلى المدينة فقد جفاني».
وفيه نظر؛ لعدم مطابقته حينئذ للمدّعى المفروض في العبارة ونحوها من عبارة الشيخ ومن تأخر عنه من الفقهاء، وهو اتّفاق الحاج على تركها. والرواية لو صحّت تفيد وجوبها على الآحاد وأن ترك كل منهم لها جفاء، سواء زار الباقون أم لا، وهذا لا يجامع كونها ندباً، ولذا أنكر الحلّي وجوب
الإجبار عليها رأساً،
معلّلاً بما ذكرنا.
وعلى هذا، فالظاهر أن مراد من علّل الحكم بهذا كالماتن هنا وفي
الشرائع ، والفاضل في التذكرة والمنتهى على ما يحكى، وغيرهما
ما ذكرنا. والأجود ترك هذا التعليل الذي قد يتراءى في النظر أنه عليل، و
الاستدلال للحكم بالصحيح الصريح : «إن الناس لو تركوا
زيارة النبي صلي الله عليه و آله وسلم لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك، فإن لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من أموال المسلمين».
و
اجتهاد الحلّي مدفوع بهذا النص الجليّ عندنا وإن كان عنده غير بعيد، بناءً على أصله في حجية الآحاد، ولكنه ليس بأصيل.
ولا بُعد في الجبر على عدم ترك الكل المندوب بعد ورود النص الصحيح المعتضَد بالعمل، سيّما بعد وجود النظير، وهو ما ذكره الشهيدان من الأذان .
قال ثانيهما : وقد اتفقوا على إجبار
أهل البلد على
الأذان ، بل على قتالهم، إذا أطبقوا على تركه. انتهى.فلا يحتاج إلى ما ذكره أخيراً بقوله : والجبر وإن كان عقاباً لا يدل على الوجوب لأنه دنيوي، وإنما يستحق بترك الواجب العقاب الأُخروي. سيّما مع تطرّق القدح إليه بما ذكره سبطه بقوله بعد ذكره : فضعيف، لأن المعاقبة الدنيوية إنما تستحق على
الإخلال بواجب أو فعل محرّم، لا على ترك ما أذن الشارع في تركه، كما هو واضح.
(الثالث : للمدينة) المنورة على مشرّفها ألف
صلاة و
سلام وتحيّة (حرم، وحدّه) كما في الصحيحين
(من) ظلّ (عائر إلى) ظل (وعير) ضبطه
الشهيد الأول بفتح الواو،
والثاني عن بعض بضمّها وفتح العين المهملة،
وحكاه سبطه وغيره
عن المحقق الثاني، قال : إنه وجدها كذلك في مواضع معتمدة. وقيل أيضاً : كذا وجدته مضبوطاً بخط بعض الفضلاء.
وذكر
الشهيد الثاني أنهما جبلان يكتنفان المدينة شرقاً وغرباً،
وحكاه سبطه عن جماعة.
قيل : وفي خلاصة الوفاء : عير ويقال عائر جبل مشهور في قبلة
المدينة قرب ذي الحليفة، ولعلّ المراد بظلّ وعير فيئه، كما في مرسلة الصدوق،
والتعبير بظلّهما للتنبيه على أن الحرم داخلهما، بل بعضه.
وفي الخبر القريب من الصحيح من عير إلى وعير.
وروت العامة من عير إلى ثور، ومن عير إلى أُحد.
وفي آخر من ذباب إلى واقم، والعريض والنقيب من قبل مكة.
وذباب كغراب وكتاب : جبل شامي المدينة، يقال : كان مضرب قبّة النبي صلي الله عليه و آله وسلم يوم
الأحزاب . والعُريض مصغّراً : وادٍ في شرقي الحَرّة قرب قناة، وهي أيضاً وادٍ. والنقب : الطريق في الجبل. وفي الصحيحين إنه بريد في بريد.
(لا يعضد) ولا يقطع (شجره) للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة،
وفي بعضها : «ولا يختلى خلاها».
وظاهرها
التحريم كالعبارة، وهو الأظهر، وفاقاً للأكثر كما في كلام جماعة،
وعن التذكرة أنه المشهور،
بل عزاه في المنتهى إلى علمائنا،
مؤذناً بدعوى
الإجماع ؛ وهو حجة أُخرى، مضافاً إلى الأخبار السليمة مع ذلك عن المعارض بالكلية، سوى
الأصل ، ويجب الخروج عنه بعد قيام الأدلة. فالقول بالكراهة كما عليه الفاضلان في الشرائع والقواعد وغيرهما،
بل في المسالك إنه المشهور
لا وجه له. قيل : واستثنى الفاضل في الكتابين والتحرير ما يحتاج إليه من الحشيش للعلف؛ لخبر عامي، ولأن بقرب المدينة أشجاراً وزروعاً كثيرة، فلو منع عن
الاحتشاش للحاجة لزم الحرج المنفي في الشريعة، بخلاف حرم مكة. واستثنى ابن سعيد بعني في الجامع عودي الناضح، كما في الصحيح
: «حرّم
رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم ما بين لابتيها صيدها، وحرّم ما حولها بريد في بريد أن يختلى خلاها أو يعضد شجرها، إلاّ عودي الناضح».
أقول : واللابة : الحَرّة كما عن الجوهري.
والخلا : الرطب من النبات. واختلاؤه : جزّه، كما عن نص أهل اللغة.
(ولا بأس بصيده إلاّ ما صيد في الحرّتين)، قيل : حرّة واقم هي شرقية المدينة، وحرّة ليلى وهي غربيتها، وهي حرّة العقيق، ولها حرّتان أُخريان جنوباً وشمالاً تتصلان بهما، فكأنّ الأربع حرّتان، فلذا اكتفى بهما، وهما حرّة قبا وحرّة الرجل ككسرى، ويمدّ، يترجّل فيها لكثرة حجارتها.
وما اختاره الماتن من التفصيل بين ما صيد في الحرّتين فيحرم وما صيد في غيرهما فلا هو الأقوى، وعزاه جمع إلى أكثر علمائنا،
بل عليه الإجماع عن صريح الخلاف وظاهر المنتهى؛
للصحيح : «يحرم صيد المدينة ما صيد بين الحَرّتين».
وبهما يقيّد ما أُطلق فيه الجواز من الصحاح وغيرها بحمله على ما صيد في غيرهما.
وهذا الجمع أولى من الجمع بالكراهة وإن اعتضد بالأصل كم مرّ غير مرّة، وعليه فيضعّف القول بها في الجملة أو مطلقاً كما عليه الفاضلان في كتابيهما المتقدم إليهما
الإشارة وغيرهما، وادّعى في المسالك هنا أيضاً الشهرة.
وظاهر العبارة أنه لا كراهة فيما صيد في غير الحرّتين. ولا بأس ؛ به لأنه أيضاً ظاهر الأخبار أجمع ، فلا وجه للقول بكراهيته أيضاً. لكن لا بأس به بعد وجود قائل به ،
مسامحةً في أدلة السنن ، فيحمل الأخبار على أن المراد عدم
الحرمة والرخصة ، لا نفي الكراهة.
•
مستحبات المدينة، (الرابع من
لواحق كتاب الحج مستحبات المدينة و هي:الغسل لدخول المدينة، وزيارة
النبي صلي الله عليه وآله وسلم ، وزيارة
علي و
فاطمة عليهما السلام، وزيارة
الأئمة الأربعة بالبقيع، و
الصلاة بين القبر والمنبر، وصوم الاربعاء والخميس والجمعة بالمدينة، والصلاة ليلة الاربعاء عند اسطوانة أبي لبابة، والصلاة ليلة الخميس عند الاسطوانة وفي مساجد
المدينة ، و
إتيان قبور الشهداء خصوصاً قبر حمزة.
رياض المسائل، ج۷، ص۱۸۶- ۲۰۰.