محل الأذان والإقامة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الموارد التي مايشرع له
الأذان والإقامة معا أو الأذان الخاصة فقط يأتي في هذا المقال.
قد صرّح الفقهاء بأنّ
الأذان والإقامة شرّعا للفرائض الخمس اليوميّة في الحضر والسفر، والجماعة
والانفراد ،
أداءً وقضاءً، ولا يؤذّن لشيء من
النوافل ولا لشيء من الفرائض عدا الخمس، وعليه
إجماع المذهب بل المسلمين.
واستندوا فيه بما ورد عن
إسماعيل بن جابر عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قلت له:أ رأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان وإقامة؟ قال عليه السلام: «ليس فيهما أذان ولا إقامة، ولكن ينادى:
الصلاة ثلاث مرّات».
ونحوه ما عن
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام.
فالرواية صريحة في نفي الأذان والإقامة في
العيدين ، ويتمّم في غيرهما بعدم القول بالفصل،
بل لو كانا مشروعاً في غير الخمس لكان العيدان أولى من غيرهما بذلك.
وبأنّ
الأصل عدم مشروعيّة الأذان والإقامة في غير الفرائض الخمس؛
لأنّه وظيفة شرعيّة، فتتوقّف كيفيّتهما ومحلّهما على توقيف
الشارع ، والمنقول عنه فعلهما في
الصلوات الخمس فيكون منفيّاً في غيرها.
قد تقدّم الكلام في عدم مشروعيّتهما لغير الفرائض اليوميّة، ولكن يستحبّ أن يقول المؤذّن في سائر الصلوات الواجبة:
(الصلاة) ثلاث مرّات؛
لخبر إسماعيل بن جابر- المتقدّم- بإلغاء خصوصيّة المورد بحسب الفهم العرفي بعد أن كانت الغاية من
النداء هو
الاجتماع الذي لا يختصّ بمورد دون مورد،
بل مقتضى ذلك
التعميم لغير الواجبة أيضاً،
واستظهره أيضاً
المحقق النجفي والهمداني
من عبارات بعض الفقهاء؛
لاتّحاد الوجه في الجميع.نعم، إنّما يختصّ استحباب ذلك بما يرغب فيه بالاجتماع دون الفرادى؛
لأنّ النداء- المذكور في الخبر- إنّما هو لأجل اجتماع الناس وإعلامهم بدلًا عن الأذان، فلا دليل إذن على
الاستحباب في صلاة المنفرد.
تقدّم أنّ المشهور ذهب إلى أنّ الأذان إنّما شرّع أصالة
للإعلام بوقت الصلاة، والإقامة للإعلام بالدخول في الصلاة إلّا أنّهما قد يستحبّان لغير الصلاة عصمة من همٍّ طارئ أو وحشة عارضة، أو غير ذلك،كاستحباب الأذان في اذن المولود اليمنى والإقامة في اذنه اليسرى يوم تولّده أو قبل أن تسقط سرته بعد ما
غسل ؛ ليعصم من طوارق
الشيطان ويقرع اذنيه طيب الكلم.
وتدلّ على أصل الاستحباب الروايات:
منها: ما ارسل عن الصادق عليه السلام قال:«
المولود إذا ولد يؤذّن في اذنه اليمنى ويقام في اليسرى».
ومنها: معتبرتا
السكوني وحفص الكناسي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام.
يستحبّ الأذان في الفلوات الموحشة من
الغول وسحرة الجنّ ،
ولا إشكال فيه؛
لقول الصادق عليه السلام: «إذا تغوّلت بكم الغول فأذّنوا»،
وخبر
جابر الجعفي عن محمّد بن علي عليهما السلام قال: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: إذا تغوّلت بكم الغيلان فأذّنوا بأذان الصلاة»
ومثلهما غيرهما
أيضاً.
وقال
السيّد الخوئي : «النصوص...بأجمعها ضعيفة السند، فيبتني الحكم بالاستحباب على قاعدة
التسامح . نعم، إنّ ذكر اللَّه حسن على كلّ حال، إلّا أنّ عنوان الأذان بخصوصه لا دليل معتبر عليه».
يستحبّ الأذان في
أذن من ساء خلقه؛
لصحيحة
هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «
اللحم ينبت اللحم، ومن تركه أربعين يوماً ساء خلقه، ومن ساء خلقه فأذّنوا في أذنه».
وخبر
أبان الواسطي عن الصادق عليه السلام: «أنّ لكلّ شيء قوتاً وقوت الرجال اللحم، ومن تركه أربعين يوماً فقد ساء خلقه، ومن ساء خلقه فأذّنوا في اذنه اليمنى».
ونحوه مرسلة
الصدوق أيضاً. وظاهر الأخبار يشعر بأنّ المدار على سوء الخلق مطلقاً.
وذهب بعض
الفقهاء إلى استحباب الأذان في اذن الدابّة إذا ساء خلقها؛ لرواية أبي حفص الأبّار عن أبي عبد اللَّه عن
آبائه عن عليّ عليهم السلام قال: «... وإذا ساء خلق أحدكم من إنسان أو دابّة فأذّنوا في اذنه».
ونوقش فيها بأنّ ضعفها من جهة
الإرسال ، وجهالة الأبّار يمنع عن
الاعتماد عليها إلّا من باب قاعدة التسامح.
إنّ من المستحبّات الأذان المقدّم على الصبح لتنبيه الناس على
التهيّؤ للصلاة والصوم في مثل شهر رمضان كما تقدّم ذكره في شرائط الأذان والإقامة.
ذهب
الشيخ جعفر كاشف الغطاء إلى استحباب الأذان خلف المسافر.
وقال المحقّق النجفي أيضاً: «قد شاع في زماننا الأذان والإقامة خلف المسافر حتى استعمله علماء العصر فعلًا وتقريراً، إلّا أنّي لم أجد به خبراً، ولا من ذكره من الأصحاب».
وقال
المحقق الهمداني : «أمّا الأذان فهو متعارف عند الناس، وأمّا
الإقامة فلم أعهدها عنهم، وكيف كان فمستنده غير معلوم، ولعلّه نشأ من استحباب الأذان في الفلوات فتخطّوا عن مورده من باب المسامحة العرفيّة».
تعرّض بعض الفقهاء إلى استحباب الأذان في البيت؛
مستنداً له بمضمرة
سليمان بن جعفر الجعفري ، قال: سمعته يقول: «أذّن في بيتك؛ فإنّه يطرد الشيطان، ويستحبّ من أجل
الصبيان ».
ويمكن
المناقشة فيها بإرادة الأذان الموظّف، لا أنّه أذان مخصوص لذلك؛ لأصالة عدم التعدّد. اللهمّ إلّا أن يكون منشؤه قاعدة التسامح وقاعدة عدم حمل المطلق على المقيّد.
ذهب الفقهاء إلى أنّ الأذان والإقامة يتأكّدان فيما يجهر فيه من الفرائض وآكد منه المغرب والغداة،
بل ادّعي
الإجماع عليه،
فهو الدليل عند بعض مع
اعتضاده بالفتاوى والتسامح في أدلّة السنن، وإلّا فلا شاهد له في النصوص.
وعلّل بأنّ الجهر دليل
اعتناء الشارع بالتنبيه
والإعلام وشرّع الأذان لذلك كما في
المعتبر وجامع المقاصد والتذكرة ،
واستضعفه بعض آخر كما في
المدارك والذخيرة ،
اللهمّ إلّا أن يرجع إلى ما عن علل
الفضل بن شاذان عن
الرضا عليه السلام من أنّ الأمر بالجهر في فرائضه لوقوعها في أوقات مظلمة ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة تصلّي، فإن أراد أن يصلّي صلّى معهم
المشعر بأنّها أحوج إلى التنبيه على جماعتها.
وأمّا آكديّة الأذان في المغرب والغداة فللجمع بين الأخبار الناهية عن تركه فيهما وبين ما هو صريح في
الندب كما تقدّم، ولأنّهما لا يقصران في سفر ولا حضر، فلا تقصر مندوباتهما.
ذكر جمع من الفقهاء أنّ الأذان والإقامة يتأكّدان في صلاة الجماعة؛
لخبر عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال:«يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان».
ونحوه خبر
الحلبي عنه عليه السلام.
وهو يدلّ على
الاجتزاء بالإقامة للمنفرد؛ لأنّ الإعلام غير متحقّق في حقّه، فلا يتأكّد استحباب الأذان هناك بخلاف الجماعة.
وأمّا صلاة الجمعة فيتأكّدان فيها كما صرّح به
ابن إدريس حيث قال: «إنّ الأذان والإقامة من السنن المؤكّدة في جميع الصلوات الخمس، وليسا واجبين، وإن كانا في صلاة الجماعة... وصلاة الجمعة أشدّ تأكيداً، وهذا الذي اختاره واعتمد عليه».
يظهر من النصوص- كرواية
جميل بن درّاج قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المرأة، أ عليها أذان وإقامة؟ فقال:«لا».
ورواية عبد اللَّه بن سنان قال:سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المرأة تؤذّن للصلاة؟ فقال: حسن إن فعلت، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبّر، وأن تشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمّداً رسول اللَّه»
أنّ النساء تختلف مع الرجال في التأكيد وعدمه الذي هو المشهور بين الأصحاب، وهو صريح جماعة
كالفيض الكاشاني والشيخ جعفر كاشف الغطاء
والفاضل النراقي والمحقّق النجفي.
ذهب
الشهيد إلى أنّ الأذان والإقامة في
المسجد آكد منه في البيت؛
استناداً إلى رواية
عبد اللَّه بن سنان المتقدّمة.
وهناك موارد اخرى يؤكّد الأذان خاصةً فيها وهي: الصلوات الأدائيّة، والصلاة الاولى من الصلوات الفائتة لمن أراد إتيانها في دور واحد، وكذا للحاضر بالنسبة إلى المسافر، ولخصوص السابقة من الظهرين والعشاءين، واللاحقة مع فصل نافلة أو زمان طويل أو فعل كثير، ولصاحبة الوقت ولو تأخّرت، ومع
الاتّساع الكلّي في الوقت. وكذا يتأكّد استحباب الأذان لمن لم يبدأ في ليله أو نهاره بأذان أو إقامة.
إنّ
الجمعة كسائر الصلوات لا يجوز الأذان لها قبل دخول الوقت، ولكن اختلف في أنّه هل يكون قبل صعود
الإمام المنبر أو بعده؟
فالمشهور بين الفقهاء أنّه حال جلوس الإمام على
المنبر ،
وهو المنسوب إلى
ابن الجنيد وابن أبي عقيل أيضاً؛
لخبر عبد اللَّه بن
ميمون عن أبي عبد اللَّه عن أبيه عليهما السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذّنون».
ونوقش فيه بقصور السند، ومعارضته بخبر
محمّد بن مسلم حيث سأل عن الجمعة؟ فقال عليه السلام: «أذان وإقامة، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب».
وهو صريح في استحباب الأذان قبل صعود الإمام المنبر، ولذلك ذهب أبو الصلاح الحلبي
وابن زهرة إلى أنّ الأذان يكون قبل الصعود على المنبر، كما يظهر من
السيد العاملي الميل إليه.وجمع المحقّق النجفي بين الخبرين بقوله: «لا ريب أنّ التوقيت المزبور للأذان بما سمعت إنّما هو مستحبّ في مستحبّ، ومقتضى الجمع بين الخبرين حصول الوظيفة بكلّ من الحالين، وإن كان قد يرجح ما رواه عبد اللَّه بن ميمون بقرب اتّصاله بالصلاة، وبأنّه المشهور نقلًا إن لم يكن تحصيلًا».
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۱۶۹-۱۷۶.