مسائل استيفاء القصاص
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهنا مسائل أربع، الاولى: لو اختار بعض الأولياء
الدية فدفعها القاتل لم يسقط
القود على الأشبه، وللآخرين القصاص بعد أن يردوا على المقتص منه نصيب من فاداه، ولو عفا البعض لم يقتص الباقون حتى يردوا عليه نصيب من عفا؛ الثانية: لو فر القاتل حتى مات، فالمروي: وجوب الدية في ماله، ولو لم يكن له مال أخذت من الأقرب فالأقرب، وقيل: لا دية؛ الثالثة: لو قتل واحد رجلين أو رجالا قتل بهم، ولا سبيل إلى ماله، ولو تراضوا بالدية فلكل واحد دية؛ الرابعة: اذا ضرب الولي الجاني وتركه ظنا أنه مات فبرأ، ففي
رواية يقتص من الولي ثم يقتله الولي أو يتتاركان، والراوي
أبان بن عثمان، وفيه ضعف مع إرسال الرواية، والوجه: اعتبار الضرب، فإن كان بما يسوغ به الاقتصاص لم يقتص من الولي، ولو قطع صحيح مقطوع اليد، فأراد الولي قتله رد دية اليد إن كانت قطعت في
قصاص أو أخذ ديتها، وإن شاء طرح دية اليد وأخذ الباقي، وإن ذهبت من غير جناية جناها ولا أخذ لها دية كاملة قتل قاتله ولا رد، وهي رواية
سورة بن كليب عن
أبي عبدالله (عليهالسلام).
لو اختار بعض الأولياء
الدية عن القود فدفعها إليه القاتل لم يسقط القود لو أراده غيره على الأشهر بل لا خلاف فيه يظهر، كما في عبائر جمع ممّن تأخّر،
كالفاضل المقداد في
الشرح وشيخنا في
الروضة وغيرهما
، وفي
شرح الشرائع للصيمري أنّ عليه فتوى الأصحاب
، وظاهرهم الإجماع عليه كما ادّعاه بعض الأصحاب
، وبه صرّح في الغنية
، وهو
الحجّة.
مضافاً إلى الأصل، وقوله سبحانه «فَقَدْ جَعَلْنا» الآية
.
وخصوص الصحيحة الصريحة: في رجل قتل وله أب وأُمّ وابن، فقال الابن: أنا أُريد أن أقتل قاتل أبي، وقال
الأب: أنا أعفوه، وقالت
الأُمّ: أنا آخذ الدية، قال: «فليعط الابنُ أُمّ المقتول السدس من الدية، ويعطي ورثة القاتل السدس من الدية حق الأب الذي عفا، وليقتله»
.
ونحوها رواية أُخرى: في رجل قتل وله وليّان فعفا أحدهما وأبى الآخر أن يعفو، قال: «إن أراد الذي لم يعف أن يقتل قتل وردّ نصف الدية على أولياء المقتول المقاد منه»
.
وقريب منهما
الصحيح: عن رجل قتل رجلين عمداً ولهما أولياء، فعفا أولياء أحدهما وأبى الآخرون؟ قال: فقال: «يقتل الذي لم يعف، وإن أحبّوا أن يأخذوا الدية أخذوا»
.
وعلى هذا فللآخرين الباقين
القصاص لكن بعد أن يردّوا على المقتصّ منه الجاني نصيب من فاداه من الدية، كما يستفاد من الصحيح السابق وما بعده.
وكذلك لو عفا البعض من الأولياء مطلقا لم يسقط
القود، ولم يقتصّ الباقون حتى يردّوا عليه أي على الجاني نصيب من عفا أيضاً، بلا خلاف في هذا أيضاً، ودلّ عليه الخبران الأوّلان.
فلا إشكال في الحكم في المسألتين بحمد الله، وإن خالفته روايات مشتملة على الصحيح وغيره، دالّة على سقوط القود بالعفو
، لكنّها مع قصور أكثرها سنداً، وعدم مكافأتها لما مضى شاذّة لا قائل بها، كما مضى، وإن أشعر عبارة
الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل في التحرير
والشهيد في
اللمعة بوجود مخالفٍ في هذا الحكم، لكن الظاهر عدم كون الخلاف منّا، بل من العامّة العمياء، كما حكاه عنهم جماعة من أصحابنا
، ولذا حملوا هذه الأخبار على
التقيّة، قالوا: لاشتهار ذلك بينهم.
وهذا أجود من حمل هذه على
الاستحباب، أو ما ذكره الشيخ في
الاستبصار من تقييدها بصورة ما إذا لم يؤدّ مريد القود الدية، وإن كان لا بأس بهما أيضاً؛ جمعاً بين الأدلّة.
لو فرّ القاتل عمداً حتى مات، فالمروي في الموثقين وغيرهما
وجوب الدية في ماله إن كان له مال ولو لم يكن له مال أُخذت من الأقرب إليه فالأقرب وزيد في الموثقين: «فإن لم يكن له قرابة أدّاه
الإمام، فإنّه لا يطلّ دم امرئ مسلم» وبه أفتى أكثر الأصحاب، بل في الغنية
الإجماع عليه، وهو حجة أُخرى؛ مضافاً إلى الروايات المعتبر
سند أكثرها، والمنجبر بالشهرة باقيها.
وقيل كما في
السرائر وعن
المبسوط: إنّه لا دية لأنّ الثابت بالآية والإجماع هو القصاص، فإذا فات محلّه فات.
وهو حسن لولا ما مرّ من
الإجماع المحكي والروايات، مع إمكان أن يقال بوجوب الدية ولو فرض عدمهما؛ من حيث إنّه فوّت العوض مع مباشرة إتلاف المعوّض فيضمن
البدل، كما يستفاد من الصحيح: عن رجل قتل رجلاً عمداً فدفع إلى الوالي، فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه، فوثب عليهم قوم فخلّصوا القاتل من أيدي الأولياء؟ فقال: «أرى أن يحبس الذين خلّصوا القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل» قيل فإن مات القاتل وهم في السجن؟ فقال: «إن مات فعليهم الدية»
.
وحيث ثبت بذلك وجوب الدية في ماله لو كان ثبت وجوبها في مال الأقرب فالأقرب مع عدمه
بالإجماع المركّب، إذا لا قائل بالفرق.
وأما ما يجاب عن هذا الاعتبار من أنّه لو مات فجأةً ولم يمتنع من القصاص ولم يهرب حتى مات لم يتحقق منه تفويت فهو متوجّه إن لم يخصّص الدعوى بالهارب، وأمّا مع التخصيص فلا، وهو ظاهر العبارة هنا وفي
النهاية والغنية
، بل أكثر الأصحاب كما في المسالك
والنكت، بل عامّتهم عدا
الفاضل في
الإرشاد كما في التنقيح
ولعلّه الأقرب؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النص، ويحتمل العموم؛ لما في بعضه من التعليل المفيد له.
ثم الموثّقان ليس فيهما اعتبار
الموت، بل علّق الحكم فيهما على مطلق الهرب، وليس في غيرهما ما يقتضي التقييد به فيعتبر، وإنّما وقع قيد الموت فيه في كلام
الراوي، وهو لا يوجبه، وإن أوجب اختصاص الحكم في الجواب منه (علیهالسّلام) بمورده، ولكنّه غير التقييد، هذا.
مع أنّ في
الكافي بعد نقل الموثّقين قال: وفي رواية أُخرى: «ثمّ للوالي بعد حبسه وأدبه»
وهي وإن كانت مرسلة إلاّ أنّها للتأكيد صالحة، ولكن ظاهر الأصحاب يفيد اعتباره.
لو قتل واحد رجلين أو رجالاً عمداً قتل بهم لاستحقاق وليّ كل مقتول القصاص عليه بسبب قتله، فلو عفا بعض المستحقّين لا على مال كان للباقين القصاص من دون ردّ دية، وبه ينصّ الصحيح المتقدم ذيل المسألة الأُولى.
وإن اجتمعوا على المطالبة استوفوا حقوقهم ولا سبيل لهم إلى ماله فإنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه.
ولو تراضوا أي الأولياء مع الجاني بالدية فلكلّ واحد منهم دية كاملة، بلا خلاف أجده؛ لما مرّ من استحقاق كلّ منهم عليه نفساً كاملة؛ ولذا لو عفا أحدهم استحقّ الباقي القصاص من دون ردّ، والدية المصالح بها من كل إنّما هي على ما يستحقّه، وليس إلاّ نفساً كاملة كما عرفته، فما بإزائها أيضاً دية كاملة إن لم يتراضوا بالأقلّ.
ثم كل ذا إذا اتفقوا على أحد الأمرين، وأمّا لو اختلفوا، فطلب بعضهم الدية والباقي القصاص، فهل لهم ذلك؟ وجهان: من أنّ الجاني لا يجنى على أكثر من نفسه، ومن أنّ لكل قتيل حكمه بانفراده، ولو انفرد كان لوليّه القصاص والعفو على الدية.
ولا فرق في جميع ذلك بين جنايته على الجميع دفعةً أو على التعاقب، لكن في الأوّل لم يكن أحد الأولياء أولى من الآخر، حتى لو بادر أحدهم
بالقرعة أو مطلقا لم يكن آثماً، بل مستوفياً حقه؛ لأنّ له نفساً كاملة.
وفي استحقاق الباقين حينئذٍ الدية وجهان: من أنّ
الواجب في العمد القصاص، وقد فات محلّه، ومن استلزامه أن يطلّ دم امرئ مسلم، فينتقل إلى بدلها، وهو الدية إن لم يكن الواجب ابتداءً أحد الأمرين، والأوّل مختار
الشيخ، وهو الأوفق بالأصل، والثاني مختار شيخنا
الشهيد الثاني وغيره
.
وفي الثاني يقدّم السابق في الاستيفاء؛ لاستحقاقه القصاص منفرداً من غير معارض قبل تعلّق حقّ الباقين، فيقضى له بحكم
الاستصحاب، وفي أخذ الدية للباقين الوجهان المتقدمان.
ويحتمل مساواتهم، فلا يحكم للسابق كالسابق؛ لأنّ السبب الموجب لاستحقاق القصاص هو قتل النفس المكافئة عمداً ظلماً، وهو متحقق في الجميع، فيستوون فيه، ويقدّم أحدهم بالقرعة، أو يجتمعون على الاستيفاء.
وعلى كلّ تقدير فإن بادر أحدهم واستوفى وقع موقعه؛ لأنّ له نفساً مكافئة فقد استوفى تمام حقّه من غير زيادة وإن أساء، حيث لا يكون هو السابق على القول بتقديمه أو لم نقل
بالتخيير، ويبقى الإشكال في سقوط حق الباقين من حيث فوات محل القصاص أو الانتقال إلى الدية.
إذا ضرب الوليّ الجاني وتركه ظنّاً منه أنّه مات فبرئ ففي
رواية أنّه يقتصّ بمثل ذلك الضرب من الوليّ، ثم يقتله الوليّ، أو يتتاركا أي يترك كل واحد الآخر ويتجاوز عنه. وعمل بإطلاقها الشيخ وأتباعه كما في
المسالك وغيره
.
ولم يرتضه المتأخّرون، كالماتن هنا وفي
الشرائع، والفاضل في الإرشاد
والتحرير والقواعد، وولده في شرحه، والفاضل المقداد في التنقيح، وشيخنا في المسالك
، وغيرهم
، قالوا: لأنّ الراوي
أبان بن عثمان، وفيه ضعف بفساد عقيدته
بالناووسية، على ما ذكره
علي بن الحسن بن فضّال مع إرساله الرواية عمّن أخبره.
واختاروا في ذلك التفصيل، فقالوا: الوجه في ذلك اعتبار الضرب وملاحظته فإن كان ضربه بما يسوغ له قتله به والاقتصاص لم يقتصّ من الوليّ بل جاز له قتله من غير قصاص، كما لو ضرب عنقه فظنّ أنّه مات والحال أنّه لم يمت، وذلك لأنّه استحق إزهاق نفسه من غير قصاص، وما فعله به كان مباحاً له، والإباحة لا تستعقب ضماناً كما مضى.
وإن كان ضربه بما لا يسوغ له قتله به، كأن ضربه بالعصا والحجر ونحوهما، كان للجاني أن يقتصّ من الوليّ ثم يسلّم نفسه للقتل، أو يتتاركا.
وهو حسن، ويمكن حمل الرواية عليه؛ لعدم صراحتها في
الإطلاق، مع كونها قضية في واقعة، فلا عموم فيها، بل لعلّها ظاهرة في القسم الثاني.
وهذا هو الوجه في الذبّ عنها، لا ما ذكروه من ضعف الراوي؛ لعدم ثبوته إلاّ بإخبار من يضاهيه في فساد
العقيدة، فإن ثبت بإخباره قُبِل روايته؛ إذ كما لا يمنع فساد العقيدة في المخبِر كذا لا يمنع في المخبَر عن حاله، مع عدم صراحة خبره في فساد عقيدته بعد احتمال أن يراد به أنّه من قوم ناووسية، لا أنّه ناووسي العقيدة.
ولو سلّم جميع ذلك فقول علي بن الحسن معارض بقول
الكشّي: إنّ العصابة قد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه والإقرار له
بالفقه، وهو أعدل من الجارح، فليقدّم عليه. ولو سلّمنا، الجمع بينهما أفاد كونه موثقاً كما هو المشهور، أو قويّاً على الأقوى، بناءً على عدم ظهور دعوى
الإجماع في التوثيق، وإن جعلوها صريحة فيه، أو ظاهرة، وبالجملة: فلا ريب في قوّة الراوي وجواز الاعتماد على روايته، كما هو ظاهر المشهور، وصرّح به في
الخلاصة.
وأمّا الإرسال بعده فمنجبر بحكاية الإجماع المتقدّمة، كما عرفته غير مرّة، فتأمّل، هذا.
مضافاً إلى عمل الشيخ بها والتبعة، مع أنّ الرواية مروية في الكتب الثلاثة، وسندها في الكافي
والتهذيب وإن كان ضعيفاً قبل إبان بالإرسال أيضاً في الأوّل، والجهالة في الثاني، لكنّه في
الفقيه إليه صحيح، ومع ذلك فليس بعده أيضاً إرسال، فإنها رويت فيه هكذا:
وفي رواية أبان بن عثمان: «أنّ
عمر بن الخطاب اتي برجل قد قتل أخا رجلٍ، فدفعه إليه وأمره أن يقتله، فضربه الرجل حتى رأى أنّه قد قتله، فحمل إلى منزله فوجدوا به رمقاً فعالجوه حتى برئ، فلمّا خرج أخذه أخو المقتول الأوّل فقال: أنت قاتل أخي ولي أن أقتلك، فقال له: قد قتلتني مرّة، فانطلق به إلى عمر فأمر بقتله، فخرج وهو يقول: يا أيّها الناس قد قتلني والله مرّة، فمرّوا به على
علي بن أبي طالب (علیهالسّلام) فأخبره بخبره، فقال: لا تعجل عليه حتى أخرج إليك، فدخل علي (علیهالسّلام) على عمر فقال: ليس الحكم فيه هكذا، فقال: ما هو يا أبا الحسن؟ فقال: يقتصّ هذا من أخ المقتول الأوّل ما صنع به ثم يقتله بأخيه، فظنّ الرجل أنّه إن اقتصّ منه أتى على نفسه، فعفا عنه وتتاركا»
فتأمّل جدّاً.
ولو قتل رجل صحيح مقطوعَ اليد فأراد الوليّ قتله ردّ دية اليد عليه إن كانت قطعت في قصاص أو أخذ المقطوع ديتها، وإن شاء الوليّ طرح
دية اليد وأخذ الباقي من
دية النفس، وهو النصف.
وإن كانت يده ذهبت من غير جناية جناها كما لو سقطت بآفة سماوية أو غيرها ولا أخذ لها دية كاملة مع الجناية عليه قتل قاتله ولا ردّ هنا، بلا خلاف فيه ولا شبهة يعتريه؛ لعموم النفس بالنفس كتاباً وسنّة، السليم هنا عن المعارض بالكلّية، ومقتضاه وإن كان عدم الردّ في الصورة السابقة أيضاً، إلاّ أنّه إنّما نشأ فيها من رواية وردت في المسألة: وهي رواية
سورة بن كليب المروية في الكافي والتهذيب عن
أبي عبد الله (علیهالسّلام) قال: سئل عن رجل قتل رجلاً عمداً وكان المقتول اقطع اليد اليمنى؟ فقال: «إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه، أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها، فإن أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدّوا إلى أولياء قاتله دية يده التي قيد منها إن كان أخذ دية يده ويقتلوه، وإن شاؤوا طرحوا عنه دية يد وأخذوا الباقي» قال: «وإن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه ولا أخذ لها دية قتلوا قاتله ولا يغرم شيئاً، وإن شاؤوا أخذوا دية كاملة» وقال: «هكذا وجدناه في
كتاب علي (علیهالسّلام)»
.
وعمل بها
الحلّي في السرائر والفاضل في التحرير وغيرهما
، وهو مشكل؛ لجهالة الراوي، وعدم ظهور ما يوجب حسنه، وإن ادّعاه في المسالك
، ولذا ردّها
فخر الدين في
الإيضاح. ولكن في السند قبله
الحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه، فيجبر به الجهالة.
مع التأيّد بما قيل
من أنّه لا يقتصّ للناقص من الكامل إلاّ بعد الردّ، كالمرأة من الرجل، فهنا كذلك.
وبأنّه لو قطع كفّه بغير أصابع قطعت كفّه بعد ردّ
دية الأصابع، كما يأتي.
وفي الاستدلال بهذين المؤيّدين نظر؛ لمنع الكلّية في الأوّل، وما ذكره في بيانها من قصاص المرأة
قياس غير مسموع، ومع ذلك مع الفارق؛ لنقص المرأة نفساً لا طرفاً، مع معارضته بالقسم الأخير المتقدم فيما نحن فيه الذي لا ردّ فيه اتفاقاً.
وكذا الكلام في الثاني بعد تسليمه، فإنّ مقتضاه الردّ على الإطلاق، ولا يقولون به فيما نحن فيه، فهو وإن قوي من جهة لكن ضعف من اخرى.
وبالجملة: ليس المستند في المسألة عدا الرواية المتقدمة، فإن قلنا باعتبارها سنداً كانت هي الحجّة، وإلاّ فالقول بما عليه الفخر أقوى، لكن الشأن في إثباته، وفي الاكتفاء فيه بما ذكرنا إشكال، فالمسألة محل تردّد وإشكال، كما هو ظاهر الماتن وصريح الفاضل في الإرشاد والقواعد وغيرهما
.
ثم إنّ إطلاق العبارة بجواز الاقتصاص من القاتل بعد ردّ الدية عليه أو مطلقاً يقتضي عدم الفرق بين كونه هو القاطع أو غيره، عفا عنه المقطوع أم لا، كما هو الأشهر الأقوى، بل عن المبسوط أنّه مذهبنا
؛ للعمومات السليمة عن المعارض أصلاً.
وعن المبسوط
أنّه حكى وجهاً بعدم الجواز في الصورة الاولى مع كون الجناية الأُولى معفوّاً عنها؛ أخذاً من أنّ القتل بعد القطع كسراية الجناية الأُولى وقد سبق العفو عن بعضها فليس له القصاص في الباقي أيضاً.
وهو كما ترى، فإنّ
القتل إحداث قاطع للسراية، فكيف يتوهّم أنّه كالسراية؟! وعلى تقديره فاستلزام العفو عن البعض لسقوط القود ممنوع، ويشير إليه
المرسل: في رجل شجّ رجلاً موضحة ثم يطلب فيها فوهبها له، ثم انتقضت
به فقتلته، فقال: «هو ضامن للدية إلاّ قيمة الموضحة؛ لأنّه وهبها ولم يهب النفس»
الحديث، فتدبّر.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۳۰۶-۳۱۸.