مستحبات الاحتضار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
والمسنون فيه أمور منها: أ- نقله إلى مصلّاه، ب- تلقينه الشهادتين و
كلمات الفرج، ج- تغميض عينه، د-
إطباق فمه ومد يديه، ه- تغطيته بثوب وقراءة
القرآن عنده، و-
الإسراج عنده، ز-
إعلام المؤمنين بموته، ح- التعجيل في تجهيزه.
(نقله) مع تعسر نزعه (إلى مصلّاه) الذي أعدّه للصلاة فيه أو عليه؛ للنصوص المستفيضة، منها الصحيح : «إذا عسر على الميت موته ونزعه قرّب إلى مصلّاه الذي يصلي فيه».
أو «عليه». وليس فيه ـ كغيره ـ
استحباب النقل مطلقاً، بل ظاهره
الاشتراط بعسر النزع. ولا مسامحة هنا؛ لورود النهي عن تحريك المحتضر في بعض المعتبرة كالرضوي
وغيره.
(وتلقينه الشهادتين) بالتوحيد (والرسالة و
الإقرار بالنبي و
الأئمة :) للنصوص المستفيضة. ففي الصحيح : «إذا حضرت الميت قبل أن يموت فلقّنه شهادة أن لا إله إلّا اللّه - وحده - لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله».
وفي الخبر : «لقّنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا إله إلا اللّه و
الولاية ».
وفي آخر : «ما من أحد يحضره الموت إلّا وكلّ به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشككه في دينه حتى يخرج نفسه، فمن كان مؤمناً لم يقدر عليه، فإذا حضرتم موتاكم فلقّنوهم شهادة أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمداً رسول اللّه حتى يموتوا».
(و
كلمات الفرج ) ففي الحسن : «إنّ
رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم دخل على رجل من بني هاشم وهو يقضي، فقال له : قل لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم، لا إله إلّا اللّه العلي العظيم، سبحان اللّه ربّ السموات السبع وربّ
الأرضين السبع، وما فيهنّ وما بينهنّ وربّ العرش العظيم، والحمد للّه ربّ العالمين. فقالها، فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم: الحمد للّه الذي استنقذه من النار».
وزيد فيها في
الفقيه بعد روايته مرسلاً : (وما تحتهن) قبل (رب العرش العظيم) و (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) بعده،
وبزيادة الأخير صرّح في الرضوي.
(وأن تغمض عيناه) بلا خلاف كما عن
المنتهى ؛
للصون عن قبح المنظر. وفيه نظر. نعم : في
الموثق : ثقل ابن لجعفر وأبو جعفر جالس في ناحية، وكان إذا دنا منه
إنسان قال : «لا تمسه فإنه إنما يزداد ضعفاً، وأضعف ما يكون في هذه الحال، ومن مسّه في هذه الحال أعان عليه» فلمّا قضى الغلام أمر به، فغمض عيناه وشدّ لحياه الحديث.
وفي الخبر قال : حضرتُ موت
إسماعيل بن جعفر و
أبوه جالس عنده، فلما حضر الموت شد لحييه وغمض عينيه وغطّاه بالملحفة.
(ويطبق فوه) ويشدّ لحياه للخبرين، وفي المنتهى بلا خلاف.
(وتمدّ يداه إلى جنبيه) إن انقبضتا ـ كالساقين ـ كما عن الأصحاب،
وعن
المعتبر : ولم أعلم في ذلك نقلا عن
أهل البيت عليهم السلام ، ولعلّ ذلك ليكون أطوع للغاسل وأسهل للدرج.
(ويغطّى بثوب) لما تقدّم من الخبر، مضافاً إلى نفي الخلاف عنه في المنتهى.
(وأن يقرأ عنده
القرآن ) قبل الموت وبعده للتبرك، و
استدفاع الكرب والعذاب، وسيّما يس و
الصافات قبله، وقد قيل : روي أنه يقرأ عند النازع
آية الكرسي وآيتان بعدها، ثمَّ
آية السخرة (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ) إلى آخرها،
ثمَّ ثلاث آيات من آخر
البقرة (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) إلى آخرها، ثمَّ يقرأ
سورة الأحزاب .
وعنه صلي الله عليه و آله وسلم: «من قرأ سورة
يس وهو في سكرات الموت، أو قرئت عنده، جاء رضوان خازن الجنة بشربة من شراب الجنة فسقاها إياه وهو على فراشه، فيشرب، فيموت ريّان ويبعث ريّان، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء».
وعنه صلي الله عليه و آله وسلم: «أيما
مسلم قرئ عنده إذا نزل به
ملك الموت سورة يس، نزل بكل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفاً، يصلّون عليه ويستغفرون له ويشهدون غسله ويتبعون جنازته ويصلّون عليه ويشهدون دفنه».
وعن
سليمان الجعفري : أنه رأى أبا الحسن عليه السلام يقول لابنه القاسم : «قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك وَالصَّافَّاتِ صَفًّا حتى تستتمها» فقرأ فلمّا بلغ (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا) قضى الفتى، فلمّا سجّي وخرجوا أقبل عليه
يعقوب بن جعفر فقال : كنّا نعهد الميت إذا نزل به الموت نقرأ عنده يس والقرآن الحكيم، فصرت تأمرنا بالصافات!؟ فقال : «يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت إلّا عجّل اللّه تعالى راحته».
و
الأمر بالإتمام يتضمن القراءة بعد الموت، كذا قيل.
وعن
النبي صلي الله عليه و آله وسلم : «من دخل المقابر فقرأ يس خففت عنهم يومئذ، وكان له بعدد من فيها حسنات».
وفي الرضوي : «إذا حضر أحدكم الوفاة فاحضروا عنده بالقرآن وذكر اللّه تعالى والصلاة على رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم».
(و) أن (يسرج عنده) كما عن
الإصباح والوسيلة والمهذّب والكافي و
المراسم والشرائع والجامع والتذكرة و
نهاية الإحكام والتحرير والمنتهى
(إن مات ليلاً) كما عن الكتب الثلاثة بعد الأربعة الأول و
المقنعة ، ولكن ليس فيها لفظ عنده، بل فيها : إن مات ليلاً في بيت أسرج فيه مصباح إلى الصباح.
ويمكن إرادتهم ما يعم الموت ليلاً والبقاء إليه. وأقرب إلى العموم قول النهاية والوسيلة : إن كان بالليل،
وقول
المبسوط : إن كان ليلاً،
والأوضح قول القاضي : ويسرج عنده في الليل مصباح.
ولعلّه لفحوى الخبر أنه : لمّا قبض
الباقر أمر
أبو عبد اللّه بالسراج في البيت الذي كان يسكنه حتى قبض أبو عبد اللّه عليه السلام، ثمَّ أمر أبو الحسن عليه السلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد اللّه حتى خرج به إلى
العراق ، ثمَّ لم يدر ما كان.
وضعف السند ـ لو كان ـ منجبر بالشهرة بين الأعيان، مضافاً إلى
المسامحة في أدلة السنن . والدلالة
بالأولوية واضحة؛ لظهور الخبر في موته عليه السلام في البيت المسرج فيه. فالمناقشة بكلا وجهيه مندفعة. وينبغي
الإسراج إلى الصباح، كما عن المقنعة والنهاية والمبسوط والإصباح والجامع والمنتهى و
التذكرة ونهاية الإحكام.
(و) أن (يعلم المؤمنون بموته) للنصوص، منها الصحيح : «ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته، فيشهدون جنازته، ويصلون عليه، ويستغفرون له، فيكتب لهم
الأجر ، ويكتب للميت
الاستغفار ، ويكتسب هو الأجر فيهم وفيما اكتسب لميتهم من الاستغفار».
وفي آخر : عن الجنازة يؤذن بها الناس؟ قال : «نعم».
وهو يعم
النداء العام. فما عن الخلاف : لا نص في النداء،
إن أراد بالخصوص فنعم، وإلّا فقد عرفت النص.
وعن
الجعفي : كراهة النعي إلّا أن يرسل إليه صاحب المصيبة إلى من يختص به.
وهو ـ مع عدم الدليل عليه ـ ينافي ما يترتب على الحضور من الثواب الجزيل على السنن الموظفة في التشييع من الحمل و
التربيع والصلاة والتعزية، وما فيه من
الاتعاظ والتذكرة لأمور الآخرة، وتنبيه القلب القاسي
لانزجار النفس الأمّارة ، ونحو ذلك. وفي الخبر : عن رجل دعي إلى
وليمة وإلى جنازة، فأيهما أفضل وأيهما يجيب؟ قال : «يجيب الجنازة، فإنها تذكّر الآخرة، وليدع الوليمة، فإنها تذكّر الدنيا».
(و) أن (يعجّل تجهيزه) و
إيداعه ثراه بلا خلاف؛ للنصوص المستفيضة، منها : «لا تنتظروا موتاكم طلوع الشمس ولا غروبها، عجّلوهم إلى مضاجعهم رحمكم اللّه تعالى».
وفي
المرسل : «كرامة الميت تعجيله».
ويستفاد من بعضها أفضليته من تقديم الصلاة في وقت فضيلته.
(إلّا مع
الاشتباه ) في موته فيحرم حتى يتحقق بمضي ثلاثة أيام؛ للنصوص المستفيضة، كالصحيحين
والموثق
والضعيف
في المصعوق والغريق، والقوي في الأخير،
ولا قائل بالفرق. وفي الصحيح : «خمسة ينتظر بهم إلّا أن يتغيروا : الغريق، والمصعوق، و
المبطون » وفي بعض «المطعون» «بدله والمهدوم، والمدخّن».
ولعل التغيّر فيه وفي الصحيح والموثق يشمل الأمارات الدالة عليه من
استرخاء رجليه، و
انفصال كفيه، وميل أنفه، و
امتداد جلدة وجهه، و
انخساف صدغيه، كما عن التذكرة.
وزيد في غيرها كاللمعة : تقلّص اُنثييه إلى فوق مع تدلي الجلدة.
وعن
الإسكافي : زوال النور من بياض العين وسوادها، وذهاب النفس، وزوال النبض.
وعن
جالينوس :
الاستبراء بنبض عروق بين الاُنثيين، أو عرق يلي الحالب والذكر بعد الغمز الشديد، أو عرق في
باطن الألية، أو تحت اللسان، أو في
بطن المنخر.
إلّا أن المتبادر منه التغيّر في الريح، كما في الخبر الضعيف عن
أبي إبراهيم عليه السلام : «ينبغي للغريق والمصعوق أن يتربص به ثلاثاً لا يدفن إلّا أن تجي ء منه ريح تدل على موته».
فالأحوط
الاقتصار عليه إلّا مع حصول العلم به من تلك الأمارات كما هو الغالب، وإن كان المصير إليها مطلقاً غير بعيد، للشهرة القرينة على الفرد الغير المتبادر.
رياض المسائل، ج۱، ص۳۴۷- ۳۵۴.