مطهرية مطلق الأرض
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الأرض من المطهرات والمقصود من الأرض مطلق مسمّاها و كل ما يصدق عليه الأرض، بلا فرق بين
التراب والرمل والحجر والآجر والخزف والجص و
النورة
معقد أكثر الفتاوى
بل و
إجماع غير واحد من الفقهاء أنّ المطهّر مطلق مسمّى
الأرض ،
بلا فرق بين
التراب والرمل والحجر،
بل والآجر والخزف والجص و
النورة ؛
لصدق الأرض.
نعم، في النبويين
وعبارة
المقنعة وبعض نسخ
الشرائع و
التحرير التعبير بالتراب، ممّا يوهم
اختصاص المطهّر- بالكسر- به، إلّا أنّه محمول على ما يشمل الأرض، أو على
إرادة التمثيل لا الحصر؛
وذلك لإطلاق الأرض
والمكان والشيء في الروايات،
بل قال
السيد الخوئي في التنقيح: «لعلّ هذا ممّا لا
إشكال فيه».
نعم، وقع الكلام في الأكثر من ذلك:
ذهب بعض من تعرّض لذلك من الفقهاء إلى أنّ الظاهر كفاية المفروشة بالحجر والصخور والحصى.
واستدلّ لذلك بصدق الأرض عليها، فإنّ المفروشة بالحجر أو بغيره من الأجزاء الأرضية يصح أن يقال: إنّها أرض حقيقة، فإنّ الحجر- مثلًا- من الأجزاء الأرضية، ومن الواضح أنّ
انتقاله من مكانه إلى مكان آخر غير مانع من صدق عنوان الأرض،
أو على الأقل في المقام؛ لغلبة وجود مثل ذلك في الطرق والأزقة التي يمرّ عليها الناس.
هذا، مضافاً إلى أنّ فرش الأرض بالحجر أو بغيره من أجزائها أمر متعارف، بل غالبي في البلاد، وليس من الامور النادرة ليدعى
انصراف الأرض عنه.
ثمّ إنّه قد يستدل على مطهّرية المفروشة بالمذكورات بصدق الأرض عليها تعبّداً، وذلك من خلال
استصحاب أرضيتها.
لكن ردّ بأنّه من استصحاب المفهوم المردد، وهو غير جارٍ.
وكذا قد يستدل باستصحاب مطهّريتها، بأن يقال: إنّ تلك الأجزاء المفروشة كانت قبل أن تنقل من مكانها مطهّرة لباطن الرجل أو الخف، فإذا انتقلت من مكانها حكم بكونها كذلك بالاستصحاب، ولو فرض معارضته باستصحاب نجاسة الرجل أو الخف- كما هو الحال في الاستصحابات التعليقية- تساقطا، وتنتهي النوبة إلى قاعدة الطهارة، وببركتها يحكم بطهارة
باطن الرجل أو النعل.
لكن نوقش في ذلك من قبل بعضهم بعدم
تسليم كون ذلك من
الاستصحاب التعليقي .
ومن قبل آخر بأنّه- بعد الغض عن عدم
اعتبار الاستصحاب التعليقي في نفسه، وعدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهية التي منها: استصحاب النجاسة- ليس المورد من موارد الرجوع إلى
قاعدة الطهارة ، بل لا بدّ من الرجوع فيه إلى الإطلاقات المقتضية لاعتبار الغسل بالماء في تطهير المتنجّسات، وعدم جواز
الاكتفاء بغيره. و
القدر المتيقن ممّا خرج عن تلك المطلقات إنّما هو صورة المسح أو المشي على الأرض غير المفروشة، وأمّا الزائد المشكوك فيه فيبقى تحت المطلقات لا محالة.
وعلى ذلك فالعمدة في
الاستدلال على مطهّرية ما ذكر هو إطلاق الأرض الشامل لها.
نعم، استشكل بعض الفقهاء في حصول الطهارة بمثل الآجر والجص والنورة؛ للشك في صدق
اسم الأرض عليها
بعد الطبخ، فمقتضى وجوب تحصيل
البراءة اليقينية عدم حصول الطهارة بذلك.
ولذلك وقع الإشكال أيضاً في كفاية المسح على الحائط. ففي
العروة : «الظاهر كفاية المسح على الحائط، وإن كان لا يخلو عن إشكال».
واختلف من علّق عليه من المحشّين بين مقوٍّ، ومانع، ومتأمّل، ومحتاط.
ومنشأ ذلك من
إطلاق المسح في صحيح زرارة الآتي، ومن دعوى الانصراف عنه.
و
احتمال اختصاص كون الممسوح به خصوص الأرض بالنحو المتعارف.
لكن ذكر السيد الخوئي في التنقيح: أنّه لا منشأ للإشكال فيه؛ لأنّه من الأجزاء الأرضية، غاية ما هنالك أنّها أجزاء مرتفعة عن الأرض بالجعل، و
الارتفاع بالجعل كالارتفاع الأصلي في الجبال، فلا يكون مانعاً عن كفاية المسح بوجه، بل لا مجال للتوقف حتى بناءً على
اشتراط الاتّصال ؛ وذلك لوضوح اتّصال الحائط بالأرض، فإذا مسح رجله به صدق أنّه مسحها على الأرض. فما ربما يتوهم من انصراف الأدلّة عنه ممّا لا وجه له.
ظاهر بعض الفقهاء
وصريح آخرين اختصاص المطهّريّة بالأرض،
فلا يجزي المسح بغيرها من الأجسام المزيلة، بل في الحدائق أنّه المعروف بين الأصحاب من غير خلاف يعرف،
وفي
الجواهر : «تطابق الفتاوى ظاهراً عليه بحيث لم يعرف قائل بالتعدي، كما اعترف به
الاستاذ في شرحه للمفاتيح وغيره»،
نعم، ربما استظهر من إطلاق عبارة
ابن الجنيد الاكتفاء بالمسح بغير الأرض من خشب أو نحوه،
حيث قال: «لو وطأ برجله أو ما هو وقاء لها نجاسة ثمّ وطأ بعدها على أرض طاهرة يابسة طهر ما ماسّ النجاسة من رجله والوقاء، ولو مسحها حتى يذهب عين النجاسة وأثرها بغير ماء أجزأه إذا كان ما مسحها به طاهراً».
وفي نهاية العلّامة: لو دلك النعل أو القدم بالأجسام الصلبة كالخشب أو مشى عليها، فإشكال.
بل في
الذخيرة : أنّ القول به لا يخلو من قوّة.
وقرّبه
النراقي ، ثمّ قال: عدم
الاجتزاء أحوط.
ومنشأ ذلك
إشعار إطلاق المسح في صحيحة
زرارة عن
الإمام الباقر عليه السلام بالاجتزاء بذلك، حيث جاء فيها: رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها أ ينقض ذلك وضوءه؟ وهل يجب عليه غسلها؟ فقال: «لا يغسلها إلّا أن يقذرها، ولكنّه يمسحها حتى يذهب
أثرها ويصلّي».
وكذا إطلاق المكان النظيف في
صحيحة الأحول،
والشيء الجاف في رواية
المعلّى .
إلّا أنّه حُمل إطلاق رواية زرارة على ما هو المعهود الغالب حال المشي من كون المسح بالأرض، وهو الذي ينصرف إليه الإطلاق، بل يمكن تنزيل عبارة ابن الجنيد على ذلك أيضاً، خصوصاً مع تصريحه في صدرها بالأرض، ويؤكّد ذلك أنّه المعروف بين الفقهاء بحيث لم يعرف فيه خلاف.
ولعلّه لهذا- أي لإطلاق الرواية، وأنّ المعروف بين الفقهاء اختصاص الحكم بالأرض- استشكل العلّامة.
بل في
مصباح الفقيه : «
الإنصاف عدم صلاحية ما عدا النبويين لصرف إطلاق الخبرين أي صحيح زرارة المتقدّم ورواية
حفص الدالّين بإطلاقهما على كفاية مطلق المسح؛ فإنّ خصوصية مورد الأخبار لا تقتضي الاختصاص، و
استفادة اعتبار الخصوصية من التعليل ليست إلّا من باب فحوى الخطاب، القاصرة عن حدّ الدلالة، وأمّا النبويّان فلهما ظهور يعتدّ به في اعتبار الخصوصية صالح لصرف إطلاق الخبرين، خصوصاً بعد اعتضاده بفتوى الأصحاب، وضعف سندهما مجبور بعملهم، فما هو المشهور- مع موافقته للأصل و
الاحتياط - هو الأشبه».
هذا، وقد اجيب عن إطلاق المسح في روايتي زرارة وحفص، وكذا إطلاق المكان النظيف في صحيحة الأحول، والشيء الجاف في رواية المعلّى، بجواب آخر غير الانصراف، وهو الحمل على الأرض، إمّا جمعاً بينها وبين ما في حسن
الحلبي من قوله عليه السلام: «أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟»
الظاهر في تعيّن الأرض،
أو لأنّ مقتضى التعليل الوارد في جملة من أخبار الباب- وهو قوله عليه السلام: «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»،
- يقتضي تقييد ما فيه إطلاق بالأرض، ويؤيّده حينئذٍ رواية الحلبي المشتملة على اعتبار المشي في الأرض اليابسة.
لكن نوقش في التقريب الثاني بأنّ هذا السنخ من التعليلات ممّا لم يكن مقروناً بلام التعليل غير واضح الدلالة على
الانتفاء عند الانتفاء، فمنافاته للقول بكفاية المسح بغير الأرض غير ظاهرة.
وعلى هذا، ومع
اعتضاد القول بالاختصاص بالأرض بالأصل، وظاهر بعض الروايات، وتطابق الفتاوى ظاهراً عليه بحيث لم يعرف قائل بالتعدي لا يبقى للاستشكال أو الميل أو القول بالتعدي مجال، بل كلّ ذلك في غير محلّه، وخالٍ عن الدليل المعتبر، كما صرّح بذلك صاحب الجواهر.
ثمّ إنّ
السيد اليزدي فصّل بين المطلي بالقير أو المفروش باللوح ممّا لا يصدق عليه اسم الأرض، وبين غيره كالفرش والحصير والبواري والزرع والنباتات- إلّا أن يكون النبات قليلًا، بحيث لا يمنع من صدق المشي على الأرض- فاستشكل في كفاية الأوّل وجزم بعدم كفاية الثاني.
واحتمل السيدان الحكيم والخوئي أن يكون منشأ الإشكال في الأوّل- مع
الاعتراف بعدم صدق الأرض عليه- عدّها جزءاً من الأرض عرفاً ومسامحة؛ لمكان اتّصالها بها. واحتمال أن يكون المراد من الأرض ما يقابل الفرش، وإلّا فلا فرق بينها وبين ما نفى الإشكال في عدم كفايته في عدم صدق الأرض عليه.
إلّا أنّ الفقهاء اعتبروا المدار على صدق الأرض حقيقة، ولا يكفي الإطلاق العرفي المسامحي. من هنا لم يوافق شرّاح العروة
والمحشين
عليها على التفصيل المذكور، بل ذهبوا إلى عدم الكفاية في الجميع؛ لعدم صدق الأرض، وحمل إطلاق بعض الروايات عليها، كما عرفت آنفاً.
الموسوعة الفقهية، ج۱۰، ص۱۱۵-۱۲۱.