مقدمات الإحرام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ذكر بعض
الفقهاء اموراً يأتي بها المحرم قبل
الإحرام ، وإن لم يكن بعضها دخيلًا في الإحرام، بل هو من مقدّمات بعض أعمال الحجّ أو
العمرة كتوفير شعر الرأس لغرض الحلق أو
التقصير ، لكنّهم تعرّضوا لها لمناسبتها بالمقام ولتقدّمها على الإحرام خارجاً، فالمشهور
استحبابها جميعاً، وإن اختلف في بعضها كما سيأتي.
يستحبّ
توفير شعر الرأس لمن أراد إحرام التمتّع في أوّل ذي القعدة، ويتأكّد ذلك عند هلال ذي الحجّة كما صرّح به غير واحد من
الفقهاء ،
بل هو
المشهور شهرة عظيمة خصوصاً بين المتأخّرين، ولا
خلاف فيه من غيرهم،
إلّا من بعض الفقهاء المتقدّمين كالصدوق والشيخين
حيث يظهر من عبارات بعضهم وجوب توفير الشعر، وعمّمه جماعة من الفقهاء إلى مطلق الحجّ بل العمرة أيضاً كما سيأتي.
ومستند القائلين بالوجوب الروايات الآمرة بالتوفير:
منها: صحيح
ابن سنان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا تأخذ من شعرك وأنت تريد الحجّ في ذي القعدة، ولا في
الشهر الذي تريد فيه الخروج إلى العمرة».
ومنها: صحيح
معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «الْحَجُّ
أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ :
شوال و
ذو القعدة وذو الحجة ، فمن أراد الحجّ وفّر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة، ومن أراد العمرة وفّر شعره شهراً»،
وقريب منه خبر
أبي حمزة ومحمّد بن مسلم
وغيرهما.
ومنها: خبر
جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن متمتّع حلق رأسه بمكّة؟ قال: «إذا كان جاهلًا فليس عليه شيء، وإن تعمّد ذلك في أوّل الشهور للحجّ بثلاثين يوماً فليس عليه شيء، وإن تعمّد بعد الثلاثين التي يوفّر فيها الشعر للحجّ فإنّ عليه دماً يهريقه».
ومستند المشهور القائلين باستحباب التوفير،
الجمع بين ما تقدّم من الروايات وبين الروايات المصرّحة بالجواز بالحمل على
الاستحباب ،
كصحيح
علي بن جعفر عن
أخيه قال: سألته عن الرجل إذا همّ بالحجّ يأخذ من شعر رأسه ولحيته وشاربه ما لم يحرم؟ قال: «لا بأس».
وقريب منه ما في خبر
الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يريد الحجّ أ يأخذ من رأسه في شوال كلّه ما لم ير الهلال؟ قال: «لا بأس ما لم يرَ
الهلال ».
مضافاً إلى
احتفاف الروايات المانعة ببعض القرائن مثل التوفير للمعتمر شهراً الذي لا قائل بالوجوب فيه،
وضعف خبر جميل بن دراج ب (
علي بن حديد أوّلًا. وثانياً: أنّ موردها الحلق بمكّة بعد الإحرام وبعد
عمرة التمتّع ، على أنّ
إهراق الدم لو كان واجباً لظهر وشاع مع كثرة
الابتلاء به.
ويؤيّد ذلك كلّه أنّ
الإنسان قبل الإحرام مُحلّ، ولا خلاف في أنّ المحلّ لا يحرم عليه حلق رأسه، وإنّما يحرم ذلك على المحرم، ولا
إجماع على وجوب توفير شعر الرأس من هذا الوقت،
بل المشهور الاستحباب
فيحمل
الأمر بالتوفير في كلمات بعض القدماء على
الندب ، بعد معلوميّة
التسامح في
إطلاق لفظة الوجوب من مثلهم و
إرادة الندب فضلًا عن
التعبير المزبور.
ورد في جملة من كلمات الفقهاء
تقييد الاستحباب بالتمتّع كما تقدّم في عبارات بعضهم، كقول الشيخ: «إذا أراد الإنسان أن يحجّ متمتّعاً فعليه أن يوفّر شعر رأسه».
لكن مقتضى إطلاق كلمات جملة منهم
وصريح آخرين
عدم الفرق بين التمتّع وغيره، حتى نسبه في
الرياض إلى جمهور متأخّري
الأصحاب ،
نظراً إلى إطلاق الروايات كصحيح ابن سنان المتقدّم، فلا موجب
لاختصاص الاستحباب المتمتّع.
قال
الصدوق : «إذا أردت الخروج إلى الحجّ فوفّر شعرك شهر ذي القعدة»
ونحوه ما في
المقنعة و
الجامع للشرائع و
اللمعة وغيرها.
قال
الشهيد الثاني : «لا فرق في ذلك بين التمتّع وغيره من الأنواع؛ لشمول النص لها».
وكذا يستحبّ توفير الشعر في العمرة كما صرّحت به جملة من الروايات المتقدّمة مع عدم الخلاف في ذلك، بل صرّح به كثير من الفقهاء على
اختلاف بينهم تبعاً للروايات باستحباب التوفير في الشهر الذي يريد الخروج فيه إلى العمرة
كرواية ابن سنان، أو استحبابه شهراً كما في صحيح
معاوية بن عمّار .
ثمّ لا يخفى أنّ التوفير في الحجّ أشدّ استحباباً منه في العمرة، وفي التمتّع أشد منه في
الإفراد و
القران ، وأنّه كلّما قرب من الإحرام زاد
تأكيداً .
هذا كلّه في توفير شعر الرأس.
أمّا توفير الشعر من سائر مواضع الجسد فصريح عبارات جماعة
استحبابه في
اللحية ؛ لخبر
سعيد الأعرج الذي فيه: «لا يأخذ الرجل... من رأسه ولا من لحيته»،
وصحيح علي بن جعفر القريب منه مضموناً.
مضافاً إلى شمول الرأس وشعره- الوارد في جملة من الروايات وعبائر الفقهاء- للوجه وما فيه من الشعر،
لكن يمكن أن يقال بأنّ الظاهر
انسباق غير اللحية منه.
وحيث يشمل الدليل للّحية وكون الاستحباب مقدّمة للحلق يظهر اختصاص التوفير بالرجل، وإن لم يتعرّض له الفقهاء إلّا
كاشف الغطاء حيث احتمل
تسرية الحكم إلى
الخنثى و
المرأة .
وأمّا ما عدا اللحية فقد صرّح
المحقّق الأردبيلي - بعد نقل صحيح معاوية بن عمّار الذي ورد فيه: «فمن أراد الحجّ وفّر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة» - بعدم اختصاصها بشعر الرأس، بل مطلق الشعر، إلّا أنّ غير الرأس واللحية خارجان بالدليل، فيبقى الباقي.
قال كاشف الغطاء: «في دخول شعر
الأنف و
الأذن والرقبة والحاجبين في شعر الرأس وجه، والأوجه خلافه»،
ويؤيّده ما ورد في الروايات بنفي البأس من حلق
القفا و
السواك و
النورة . ولا يخفى أنّ المراد من الشعر في هذا الموضع هو شعر أعضاء
البدن غير الشارب والعانة؛ لما سيأتي من استحباب إزالتهما.
يستحب
تنظيف الجسد عند الإحرام
بتقليم الأظفار والأخذ من الشارب و
إزالة شعر العانة بالطلي أو الحلق ونتف الإبطين، بلا خلاف فيه،
وإن اختلفت عباراتهم في كيفيّة الإزالة من الأخيرين، وأنّه هل بالاطّلاء أو الحلق أو النتف؛
لاختلاف النصوص في ذلك، وصريح جماعة أنّ
الاطلاء أفضل من الأخيرين.
قال الشهيد: «يستحب
استكمال التنظيف بإزالة شعر
الإبط والعانة بالحلق، والاطلاء أفضل... وقصّ الشارب والأظفار وإزالة الشعث».
وكيف كان، فمستند الحكم بذلك النصوص المستفيضة،
التي منها صحيحة معاوية بن عمّار عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا انتهيت إلى بعض
المواقيت التي وقّت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانتف ابطيك واحلق عانتك وقلّم أظفارك وقصّ شاربك، ولا يضرّك بأي ذلك بدأت».
ونحوها صحيحته الاخرى عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا انتهيت إلى
العقيق من قِبل
العراق أو إلى الوقت من هذه المواقيت وأنت تريد الإحرام إن شاء اللَّه فانتف ابطك، وقلّم أظفارك، واطلِ عانتك، وخذ من شاربك، ولا يضرّك بأي ذلك بدأت، ثمّ استك واغتسل والبس ثوبيك»،
وغيرها من الروايات.
لو طلى قبل الإحرام بأقل من خمسة عشر يوماً أجزأه ذلك؛ لعموم
تحديد ما بين الطليتين بها،
وخصوص خبر
علي بن أبي حمزة ، قال: سأل
أبو بصير أبا عبد اللَّه عليه السلام وأنا حاضر، فقال: إذا أحللت للإحرام الأوّل فكيف أصنع بالطلية الأخيرة؟ وكم بينهما؟ قال: «إذا كان بينهما جمعتان- خمسة عشر يوماً- فاطل».
وكذا رواية معاوية بن عمّار حيث قال: سألت عن الرجل يطلي قبل أن يأتي الوقت بستّ ليال؟ قال: «لا بأس». وسألته عن الرجل يطلي قبل أن يأتي مكّة بسبع أو ثمان ليال؟ قال: «لا بأس».
والظاهر أنّ التحديد بالخمسة عشر يوماً إنّما هو لبيان أقصى مدّة
الإجزاء ،
وتأكّد الاستحباب بعدها، فلا ينافيه استحباب
الإعادة قبل مضي تلك المدّة- كما صرّح به الشيخ والقاضي والعلّامة وغيرهم
- لإطلاق الأدلّة السابقة ودلالة خبر أبي بصير أنّه عليه السلام قال له: «تنوّر»، فقال: إنّما تنوّرت أوّل من أمس واليوم الثالث، فقال عليه السلام: «أما علمت أنّها طهور؟! فتنوّر».
نعم، صرّح بعضهم بعدم الإجزاء إذا كان قبل الإحرام بمدّة لا يصدق عليه
التنوّر عند الإحرام ولم يكن بقصد الإحرام.
صرّح كثير من الفقهاء
باستحباب تنظيف جميع
البدن وإزالة
الأوساخ عنه أيضاً، حيث ذكروه مستقلّاً عن سائر الموارد المذكورة، قال المحقّق في عداد مقدّمات الإحرام: «يستحب أن ينظف جسده ويقصّ أظفاره، ويأخذ من شاربه، ويزيل الشعر عن جسده وإبطيه مطلياً».
وذكر نحوه في المختصر.
وعلّق
السيد الطباطبائي على عبارة المختصر، فقال: «هذا ما يقتضيه نحو
العبارة ؛ لعطف قوله: (وقصّ أظفاره والأخذ من شاربه... إلى آخره) علي (تنظيف الجسد)، فإنّ العطف يقتضي
المغايرة ».
و
مستندهم في ذلك استحباب التنظيف والطهور مطلقاً، ولذا علّل
التنوير في بعض النصوص المتقدّمة بأنّه طهور، كما يشعر به
اختصاص الإحرام باستحباب الغسل
المرشد إليه.
ثمّ إنّ ظاهر عبارات العلّامة والشهيد
اتحاد ذلك مع ما تقدّم من الامور المذكورة من استحباب التنظيف، واستحسنه
المحقّق الأردبيلي .
ومن هنا قال
السيد الحكيم بأنّه ليس لإزالة الأوساخ دليل ظاهر، ولذا خصّه بعضهم بالامور المذكورة كقصّ الأظفار وحلق العانة وغيرهما. نعم، لا إشكال في رجحان ذلك في نفسه؛ لما دلّ على رجحان
التنظيف و
التنزّه والطهارة، لكنّه غير ما نحن فيه من الاستحباب للإحرام.
ثمّ إنّ بعض الفقهاء
أضاف استحباب
الاستياك أيضاً؛ لصحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة التي قال
الإمام عليه السلام فيها بعد الأمر بنتف الإبط ونحوه: «ثمّ استك واغتسل».
•
غسل الإحرام، المشهور استحباب الغسل قبل الإحرام في الميقات، للأمر به في النصوص المستفيضة أو المتواترة .
•
الصلاة قبل الإحرام، يستحبّ الإحرام عقيب صلاة الفريضة أو النافلة على المشهور، شهرة عظيمة كادت تكون اجماعاً.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۲۷۵-۳۱۶.