مكروهات الأذان والإقامة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
مكروهات
الأذان والإقامة أمور منها : الكلام في خلالهما، الترجيع، التثويب.
(ويكره الكلام في خلالهما) وتتأكّد في
الإقامة ، بلا خلاف أجده إلاّ من القاضي، فكرهه في الإقامة خاصة،
مشعرا بعدمها في
الأذان ، وقريب منه الفاضل في
المنتهى ، فقال : ولا يستحب الكلام في أثناء الأذان ـ إلى أن قال ـ : ويكره في الإقامة بغير خلاف بين
أهل العلم.
وفي الكفاية : ويكره الكلام في أثناء الإقامة، والمشهور
استحباب ترك الكلام في خلال الأذان، ومستنده غير واضح.
أقول : بل ظاهر النصوص عدم البأس به، ففي الصحيح : أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال : «لا بأس» قلت : في الإقامة؟ قال : «لا».
وفيه : أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال : «لا بأس».
ونحوه الموثق.
قال
الشهيد الثاني وغيره ـ بعد نقل الصحيح الأوّل ـ : ولا ينافي الكراهة في الأذان، لأن الجواز أعم، ونفي البأس يشعر به، وقطع توالي العبادة بالأجنبي يفوّت
إقبال القلب عليها.
وهو كما ترى، لكن لا بأس به بعد شهرة الكراهة، بناء على جواز
المسامحة في أدلّتها. وظاهر الصحيح الأول وغيره تحريم التكلم في الإقامة، كما عن المفيد والمرتضى
ونحوه آخر، لكن بزيادة قوله عليه السلام: «فإذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة، فقد حرم الكلام على أهل المسجد، إلاّ أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى وليس لهم
إمام ، فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض : تقدم يا فلان».
ونحوه في الزيادة الموثق : «إذا أقام المؤذّن فقد حرم الكلام، إلاّ أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام».
وظاهرهما ـ كغيرهما ـ تحريم الكلام بعد قول المؤذّن : قد قامت الصلاة، إلاّ ما يتعلق بالصلاة، من تقديم إمام أو تسوية صفّ أو نحو ذلك، كما عليه الشيخان والمرتضى و
الإسكافي .
خلافاً لعامّة المتأخرين إلاّ النادر،
فقطعوا بالكراهة، للمعتبرة المستفيضة، منها الصحيح وغيره المرويان في
مستطرفات السرائر : أيتكلم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟ قال : «لا بأس».
ويعضده إطلاق الصحيح السابق، بل عمومه الناشي عن ترك
الاستفصال عن كون المقيم مفردا أو جامعا، متكلّما قبل قد قامت الصلاة أو بعده، لما يتعلق بالصلاة أم غيره. ونحوه الخبر : عن الرجل يتكلم في أذانه وإقامته؟ فقال : «لا بأس».
وأظهر منه آخر بحسب الدلالة والسند : «لا بأس بأن يتكلم الرجل وهو يقيم للصلاة، أو بعد ما يقيم إن شاء».
والجمع بينها وبين الأخبار السابقة وإن أمكن، بتقييد هذه بقبل قول : قد قامت
الصلاة ، أو بعده مع كون الكلام لما يتعلق بها، إلاّ أنه فرع التكافؤ المفقود هنا جدّا، لندرة القائل بالمنع، ومخالفته
الأصل المقطوع به، المعتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا. فالكراهة الشديدة أقوى، وإن كان الترك حينئذ ـ بل مطلقا ـ أحوط وأولى.
ولو تكلم أعادها مطلقا، كما ذكره جماعة،
ونسبه في
روض الجنان إلى الأصحاب كافة،
للصحيح : «لا تتكلم إذا أقمت الصلاة، فإنك إذا تكلّمت أعدت الإقامة».
ولو تكلم في خلال الأذان لم يعده، عامدا كان أو ناسيا، إلاّ أن يتطاول بحيث يخرج عن
الموالاة ، ومثله السكوت الطويل.
(و) من الكلام المكروه (
الترجيع ) كما عليه معظم المتأخّرين، بل عامتهم عدا نادر،
وفي المنتهى وعن
التذكرة أنه مذهب علمائنا.
وهو الحجة، مضافا إلى
الإجماع في الخلاف على أنه غير مسنون،
فيكره لأمور : قلة الثواب عليه بالنسبة إلى أجزاء الأذان، وإخلاله بنظامه، وفصله بأجنبيّ بين أجزائه، وكونه شبه
ابتداع . وقال أبو حنيفة : إنه
بدعة ،
وعن التذكرة : هو جيّد،
وفي
السرائر وعن ابن حمزة أنه لا يجوز.
وهو حسن إن قصد شرعيّته، كما صرّح به جماعة من المحققين،
وإلاّ فالكراهة متعيّن، للأصل، مع عدم دليل على
التحريم حينئذ، عدا ما قيل : من أن الأذان سنة متلقّاة من الشارع كسائر العبادات، فتكون الزيادة فيه تشريعا محرّما، كما تحرم زيادة : أن محمدا وآله خير البرية، فإن ذلك وإن كان من أحكام
الإيمان إلاّ أنه ليس من فصول الأذان.
وهو كما ترى، فإن التشريع لا يكون إلاّ إذا اعتقد شرعيّته من غير جهة أصلا. ومنه يظهر جواز زيادة : أنّ محمدا وآله ـ إلى آخره ـ وكذا عليا وليّ الله، مع عدم قصد الشرعية في خصوص الأذان، وإلاّ فيحرم قطعا. ولا أظنّهما من الكلام المكروه أيضا، للأصل، وعدم
انصراف إطلاق النهي عنه إليهما بحكم عدم التبادر، بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب الشهادة بالولاية بعد الشهادة بالرسالة.
وقد استثنى المتأخّرون ـ تبعا للشيخ
ـ من كراهة الترجيع ما أشار إليه بقوله (إلاّ للإشعار) والتنبيه، كما في الخبر : «لو أنّ مؤذّنا أعاد في الشهادة أو في حيّ على الصلاة أو حيّ على الفلاح المرّتين والثلاث أو أكثر من ذلك إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس».
وضعف السند مجبور بالشهرة، بل
الاتفاق ، كما في صريح المختلف،
وظاهر غيره.
وفيه دلالة على الكراهة بالمفهوم حيث لا يقصد
الإشعار ، لكن لا تصريح فيه بلفظ الترجيع، ولا معناه المشهور من تكرار الشهادتين مرّتين أخريين، كما في الخلاف وعن الجامع والتحرير والتذكرة والمنتهى و
نهاية الإحكام،
وعن
المبسوط والمهذب وفي الدروس : أنه تكرير التكبير والشهادتين في أول الأذان،
وعن جماعة من أهل اللغة : أنه تكرير الشهادتين جهرا بعد
إخفاتهما .
نعم فسّره في الذكرى بتكرار الفصل زيادة على الموظّف.
وهو يوافق ما في الخبر، وقريب منه الرضوي : «ليس فيهما ـ أي في
الأذان والإقامة ـ ترجيع ولا ترديد ولا الصلاة خير من النوم».
فتأمّل.
(و) كذا
التثويب مكروه، سواء فسّر (بقول : الصلاة خير من النوم) كما هو المشهور، أو بتكرير الشهادتين دفعتين، كما عليه الحلي وغيره،
أو
بالإتيان بالحيعلتين مثنى بين الأذان والإقامة كما قيل.
للإجماع على أنه بالمعنى الأوّل غير مسنون، كما في التهذيبين والخلاف،
وفيه الإجماع على أنه في العشاء الآخرة بدعة،
وفي
الناصريات : أنه في صلاة الصبح بدعة،
وفي
الانتصار كذلك، إلاّ أنه قال : إنه مكروه.
ويظهر منه أن مراده بالكراهة المنع، حيث قال : والدليل على صحة ما ذهبنا إليه من كراهيته والمنع منه الإجماع الذي تقدم.
وفي السرائر الإجماع على أنه لا يجوز، واستدل عليه ـ كالناصرية والخلاف ـ بعده بانتفاء الدليل على شرعيته، و
بالاحتياط ، لأنه لا خلاف في أنه لا ذمّ على تركه، فإنه إمّا مسنون أو غيره، مع
احتمال كونه بدعة.
وظاهره التحريم، كما عليه المشهور على الظاهر، المصرّح به في
المختلف .
ولا ريب فيه مع قصد الشرعية، كما في المسألة المتقدمة،
وإلاّ فما ذكروه من الأدلة على التحريم لا تفيده كلية عدا الإجماع، وفي شمول دعواه لمحل الفرض إشكال، بل ظاهر سياق عباراتهم الإجماع على المنع عنه بالنحو الذي يراه جماعة من العامة من كونه سنة،
فمحصّله الإجماع على عدم كونه سنة، لا أنه محرّم مطلقا، ولو مع عدم قصد الشرعية.
وبالجملة : الظاهر أن محل النزاع الذي يدّعى فيه الإجماع إنما هو التثويب الذي يفعل بقصد الاستحباب، كما عليه العامة، ولذا أن
المحقق الثاني مع تصريحه أوّلا بالتحريم مطلقا قال ـ بعد
الاستدلال عليه ونقل معارضه من الأقوال والأخبار ـ : نعم لو قاله معتقدا أنه كلام خارج من الأذان اتّجه القول بالكراهة، لكن لا يكون بينه وبين غيره من الكلام فرق، على أن البحث فيه مع من يقول باستحبابه في الأذان وعدّه من الفصول، فكيف يعقل القول بالكراهة.
انتهى.
ولنعم ما أفاد وأجاد، رحمه الله. ويعضده ما في كتاب
زيد النرسي عن
مولانا الكاظم عليه السلام : «الصلاة خير من النوم بدعة بني أميّة، وليس ذلك من أصل الأذان، ولا بأس إذا أراد الرجل أن ينبّه الناس للصلاة أن ينادي بذلك، ولا يجعله من أصل الأذان، فإنا لا نراه أذانا»
فتأمّل. -وجهه أنه يحتمل أن يكون المراد بالرخصة في قوله، الرخصة فيه في غير الأذان، أي خارجه، وهو غير بعيد، ويشهد له ما روي فيه أيضا
أنه عليه السلام سئل عن الأذان قبل طلوع الفجر، فقال : «لا، إنما الأذان عند طلوع
الفجر أوّل ما يطلع، قيل : فإن كان يريد أن يؤذن الناس بالصلاة وينبّههم، قال : فلا يؤذّن، ولكن ليقل وينادي بالصلاة خير من النوم، يقولها مرارا، وإذا طلع الفجر أذّن» فتأمل. منه رحمه الله. -
وبه يجمع بين القول بالكراهة والتحريم، بحمل الأوّل على صورة عدم قصد
الاستحباب والثاني على قصده. فلا خلاف في المسألة إلاّ من الإسكافي، حيث قال : لا بأس به في أذان الفجر، و
الجعفي حيث قال : تقول في أذان صلاة الصبح ـ بعد قولك : حيّ على خير العمل ـ : الصلاة خير من النوم، مرتين، وليستا من الأذان.
وظاهرهما عدم الكراهة، بل ظاهر الثاني الاستحباب، وهما شاذان مخالفان للإجماع المحكي ـ بل القطعي ـ فلا يمكن المصير إليهما، وإن أيّد الثاني الخبران، أحدهما الصحيح : «كان أبي ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم»
وفي الثاني الموثق : «النداء والتثويب في الإقامة من السنة».
لشذوذهما، وعدم وضوح دلالتهما، لاحتمال كون
النداء في الأوّل في غير الأذان، أو للتقية، وعدم معلوميّة المراد منه ومن التثويب في الثاني كما قيل.
والأجود حمله على
التقية . وبه يجاب أيضا عن الصحيح المروي في المعتبر عن كتاب
البزنطي : «إذا كنت في أذان الفجر فقل : الصلاة خير من النوم، بعد حيّ على خير العمل، وقل بعد الله أكبر، الله أكبر : لا إله إلاّ الله، ولا تقل في الإقامة : الصلاة خير من النوم، إنما هذا في الأذان».
وأما ما استبعده به الماتن بناء على اشتماله على حيّ على خير العمل، وهو
انفراد الأصحاب. فمنظور فيه، لجواز
الإسرار به، فلا ينافي التقية.
ويدلّ على كراهة التثويب بالمعنى الثالث ـ زيادة على الإجماع المدعى عليها في الخلاف
ـ ظاهر خصوص الصحيح : عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة، فقال : «ما نعرفه».
رياض المسائل، ج۳، ص۹۳- ۱۰۲.