موجب غسل الجنابة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
أما الموجب، فأمران: ۱- إنزال الماء يقظة أو نوما ولو اشتبه اعتبر بالدفق وفتور البدن؛ وتكفي في المريض
الشهوة؛ ويغتسل المستيقظ وإذا وجد منيا على جسده أو ثوبه الذي ينفرد به. ۲-
الجماع في
القبل؛ وحده غيبوبة
الحشفة وإن أكسل؛ وكذا في
دبر المرأة على الأشبه؛ وفي وجوب
الغسل بوطء الغلام تردد، وجزم
علم الهدى بالوجوب.
أمّا الموجب له فأمران الأوّل إنزال
المني وخروجه إلى خارج الجسد لا مطلقا بجماع أو غيره يقظة أو نوماً رجلاً كان المنزل أو امرأة، إجماعاً في الأوّل، و
اشتهاراً في الثاني، بل كاد أن يكون
اتفاقاً كما حكي في كلام جماعة
، بل في بعضها إجماع الأمّة
، والصحاح به مستفيضة كغيرها. منها
الصحيح: في الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج وتنزل المرأة هل عليها غسل؟ قال: «نعم»
. وفي آخر: عن المرأة ترى في
المنام ما يرى الرجل، قال: «إن أنزلت فعليها
الغسل، وإن لم تنزل فليس عليها الغسل»
.
نعم بإزائها أخبار معتبرة
. إلّا أنها في الظاهر شاذة لا يرى القائل بها، ولم ينقل إلّا عن ظاهر
الصدوق في
المقنع، لكن عبارته النافية في احتلامها خاصة
.
والأصل في المسألة بعد إجماع العلماء كافة كما ادعاه جماعة
الآية الكريمة، والنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة بل هي متواترة بالبديهة. منها كالصحيح: «كان
عليّ (علیهالسّلام) لا يرى في شيء الغسل إلّا في الماء الأكبر»
والحصر إضافي بالنسبة إلى الوذي والودي والمذي. ومقتضى إطلاقه كغيره كالمتن وعن صريح غيره
عدم الفرق في ذلك بين خروجه عن المحل المعتاد، أو غيره مطلقاً وإن لم يعتد أو ينسد الخلقي. وربما قيل باختصاصه بالأول أو الثاني مع اعتبار أحد الأمرين فيه للأصل، وعدم انصراف إطلاق النصوص إلى غيرهما. وهو أقوى كما عن الذكرى
فلا فرق بينه وبين
الحدث الأصغر، ولكن الأوّل
أحوط. ومنه ينقدح وجه الإشكال في التعميم بالنسبة إلى الخالي عن الصفات الغالبة لو لا الإجماعات المنقولة
، ولكنها كافية في إثباته.
ولا ينافيه الصحيح: عن الرجل يلعب مع المرأة يقبّلها، فيخرج منه المني، فما عليه؟ قال: «إذا جاءت
الشهوة ودفع وفتر فعليه الغسل، وإن كان إنّما هو شيء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس»
ومثله الآخر: «إذا أنزلت بشهوة فعليها الغسل»
. لحملهما على صورة
الاشتباه كما فهمه الأصحاب، أو
التقية لاشتهاره بين العامة ونقل عن
مالك وأحمد وأبي حنيفة. على أنّ المنافاة في الثاني بالمفهوم الوارد مورد الغالب، ولا عبرة به.
ثمَّ إنّ هذا مع القطع بكون الخارج منياً وأمّا لو اشتبه بغيره اعتبر في الرجل الصحيح بالدفق والشهوة وفتور البدن إذا خرج، فما اشتمل عليها جميعاً أوجبه وإلّا فلا؛ للصحيح المتقدم، مضافاً إلى
الأصل في الثاني. أي إذا لم يشتمل فلا يجب منه (رحمهالله) فتأمل. وكذلك في المرأة، كما يقتضيه
إطلاق المتن كغيره. ولم يساعده الصحيح المزبور لاختصاصه بالرجل. ولعلّه لإطلاق الآية بتوصيف الماء بالدافق
، وفيه تأمل. والأظهر فيها
الاكتفاء بمجرّد الشهوة للصحيح المتقدم ذيل الصحيح الأوّل، وغيره: «إذا جاءت الشهوة فأنزلت الماء وجب عليها الغسل»
. وعن نهاية الإحكام الاستشكال في ذلك
ولعلّه لإطلاق الآية، والاكتفاء في هذه الأخبار بمجرّد الشهوة. وقد عرفت ما في الأوّل.
والاكتفاء بالأول في الأول؛ أي
الدفق في الرجال منه (رحمهالله) كما عن ظاهر
نهاية الإحكام والوسيلة والمبسوط والاقتصاد والمصباح ومختصره
وجمل العلم والعمل والعقود والمقنعة والتبيان والمراسم والكافي والإصباح
ومجمع البيان وروض الجنان وأحكام الراوندي؛ لعلّه للآية. إلّا أنّها معارضة بالصحيح المتقدم المعتبر فيه الاُمور الثلاثة، إلّا أن يحمل على الغالب، لكنه ليس بأولى من حملها عليه، المستلزم لعدم شمولها للماء الدافق خاصة، لغلبة مصاحبة الدفق باقي الأوصاف، وتجرّده عنها فرد نادر لا يحمل عليه، والأصل يقتضي العدم. واللّه العالم. وكيف كان فهو أحوط. واعتبار الأوصاف المزبورة للصحيح المتقدم خاصة مع
الاعتضاد بعمل الطائفة، لا لكونها صفات لازمة غالبة حتى يعتبر فيه قربه من رائحة الطلع وغير ذلك، لأنه لا يستفاد منه إلّا
الظن ولا عبرة به، ولا ينقض يقين
الطهارة إلّا بمثله، لا به، نعم الأحوط المراعاة.
وتكفي في المريض الشهوة خاصة؛ للصحاح منها: في الرجل يرى في
المنام ويجد الشهوة فيستيقظ وينظر فلا يجد شيئا ثمَّ يمكث بعد فيخرج، فقال: «إن كان مريضاً فليغتسل، وإن لم يكن مريضاً فلا شيء عليه» قال قلت: فما فرق بينهما؟ فقال: لأنّ الرجل إذا كان صحيحاً جاء الماء بدفعة وقوة، وإذا لم يكن صحيحاً لم يجيء إلّا بعد»
.
ويجب أن يغتسل المستيقظ إذا وجد منياً على جسده أو ثوبه الذي ينفرد به مع إمكان كونه منه، وعدم احتماله من غيره.
للموثق: عن الرجل ينام ولم ير في نومه أنه احتلم، فوجد في ثوبه وعلى فخذه الماء، هل عليه غسل؟ قال: «نعم»
. ومثله في آخر: عن الرجل يرى في ثوبه
المني بعد ما يصبح، ولم يكن رأى في منامه أنه احتلم، قال: «فليغتسل ويغسل ثوبه»
. وظاهر إطلاقهما جواز الاكتفاء بالظاهر هنا عملاً بشهادة الحال، ونقل القطع به هنا عن
الشيخ والفاضلين
والشهيد وغيرهم
، وعن
التذكرة الإجماع عليه
.
وينبغي
الاقتصار فيه على ظاهر موردهما من وجدانه عليهما بعد
الانتباه كظاهر المتن؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل المتيقن من عدم نقض
اليقين إلّا بمثله الوارد في الصحاح
وغيرها المعتضدة بالاعتبار وغيره على القدر المتيقن من الروايتين. فلا يجب الغسل بوجدانه عليهما مطلقاً، بل ينحصر الوجوب في الصورة المزبورة دون غيرها. وعليه يحمل
الخبر: عن الرجل يصيب بثوبه منياً ولم يعلم انه احتلم، قال: «ليغسل ما وجد بثوبه وليتوضأ»
. وحمله على ما سيأتي من الثوب المشترك كما عن الشيخ
بعيد.
ومنه الوجدان في الثوب المشترك مطلقاً ولو بالتعاقب مع وجدان صاحب النوبة له بعد عدم العلم بكونه منه واحتمال كونه من الشريك، وفاقا لظاهر المتن، وغيره ظاهرا كما في عبارة
، وصريحا كما في اُخري
. وعن
الدروس والروض
والمسالك: وجوبه على صاحب النوبة
ولعلّه لأصالة التأخر، المعارضة
بأصالة الطهارة وغيرها، فليس بشيء، إلّا أن يستند إلى إطلاق الروايتين، ولعلّه خلاف
المتبادر منهما. ولكنه أحوط.
وحيث لا يجب الغسل عليهما ففي جواز ائتمام أحدهما بالآخر، كما عن
التحرير والتذكرة
والمنتهى ونهاية الإحكام
، وهو صريح غيرها
. أم العدم، كما عن
المعتبر والشهيدين
. قولان، أحوطهما الثاني؛ احتياطاً في
العبادة، وتحصيلاً للبراءة اليقينية، وإن كان الأوّل أقوى، لإناطة
التكليف بالظاهر، وعدم العبرة
بنفس الأمر ولو علم به إجمالاً، ولذا تصح صلاتهما وتسقط
أحكام الجنابة عنهما قطعاً ووفاقاً. ويعيد من وجب عليه الغسل كل
صلاة لا يحتمل سبقها على
الجنابة، وفاقاً للأشهر اقتصاراً فيما خالف الأصل على القدر المتيقن. وفيه قول آخر للمبسوط وغيره
ضعيف لا دليل عليه.
والثاني
الجماع في القبل إجماعاً من المسلمين كافة، ولو في
الميتة إجماعاً منّا خاصة خلافا لأبي حنيفة
. والصحاح وغيرها به مستفيضة، منها الصحيح: عن الرجل يجامع المرأة قريباً من الفرج فلا ينزلان، متى يجب الغسل؟ فقال: «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل»
. وفي آخر: «إذا أدخله فقد وجب الغسل
والمهر والرجم»
.
وحدّه غيبوبة
الحشفة للصحيح: قلت:
التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال: «نعم». أو قدرها في مقطوع الذكر كما عن ظاهر الأصحاب
لا غير، اقتصاراً في مخالفة الأصل على المتيقن. وربما احتمل الاكتفاء فيه بالمسمى
، لظاهر إطلاق: «إذا أدخله». وهو ضعيف لحمله على الغالب وهو غيره، فلا يشمله، مع تقييده في صحيح الذكر بقدر الحشفة بالصحيح المتقدم. ومقتضى إطلاق الصحاح وصريح المتقدم منها كالإجماع: الاكتفاء بالدخول في وجوب الغسل وإن أكسل عن الإنزال.
وكذا يجب الغسل على الفاعل والمفعول في الجماع في دبر المرأة مع إدخال قدر الحشفة على الأشبه الأشهر، بل نقل عليه
المرتضى إجماع
المسلمين كافة، بل ادعى كونه ضروري
الدين. لفحوى الصحيح: «أتوجبون عليه
الجلد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء؟»
. وخصوص
المرسل المنجبر بالشهرة، المؤيد بإطلاق الملامسة في الآية
، المفسّرة بالإجماع والصحيح
بالوقاع في الفرج الشامل للقبل والدبر لغة وعرفاً، وبالإدخال في المعتبرة (لم نعثر على رواية فُسرت الملامسة بالإدخال، ولكن قد فسرت في عدّة روايات بالجماع والوقاع.)
: في رجل يأتي أهله من خلفها، قال: «هو أحد المأتيين فيه الغسل»
.
مضافاً إلى
الإجماع المنقول المتلقى حجيته مطلقاً وفي خصوص المقام عند أكثر الأصحاب بالقبول. خلافاً لظاهر
الاستبصار والنهاية وسلّار، فلم يوجباه. للأصل، والصحيح: عن الرجل يصيب المرأة فيما دون
الفرج، أعليها غسل إن أنزل هو ولم تنزل هي؟ قال: «ليس عليها غسل، وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل»
، والمراسيل منها: «إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما، وإن أنزل فلا غسل عليها وعليه الغسل»
.
ومنها: في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة، قال: «لا ينقض صومها وليس عليها غسل»
ونحوه غيره
. وفي الجميع نظر لتخصيص الأول بما تقدّم؛ وعدم الصراحة في الثاني لاحتمال
إرادة التفخيذ، بل ولا يبعد عدم الظهور بناء على شمول الفرج حقيقة للدبر كما تقدّم، فتأمل؛ والضعف بالإرسال في البواقي، مع عدم الصراحة في الدخول فيمكن إرادة ما تقدّم. وعلى تقدير تمامية الجميع فهي لمقاومة شيء ممّا قدّمناه من الأدلة غير صالحة للاعتضاد بالشهرة العظيمة التي كادت تبلغ الإجماع لضعف المخالف قلّة مع رجوعه عنه في باقي كتبه
.
وفي وجوب الغسل
بوطء الغلام تردّد ينشأ من الأصل، وعدم
النص مطلقا. ومن دعوى السيّد الإجماع على
الوجوب. وعن المعتبر اختياره العدم
لمنع الدعوى. وليس في محلّه، لقوة دليل حجيتها، فالوجوب أقوى، مضافاً إلى فحوى الصحيح المتقدم
، وظاهر إطلاق
الحسن في النبوي: «من جامع غلاما جاء جنبا
يوم القيامة لا ينقيه ماء الدنيا»
الحديث.
ومن فحواه يظهر أيضا وجوب الغسل في وطء البهيمة، مضافاً إلى ما روي عن
الأمير (علیهالسّلام): «ما أوجب
الحدّ أوجب الغسل»
لكنه على القول بثبوت الحد في وطئها دون
التعزير، أو شمول الحد فيه لمثله. وعن السيّد ذهاب الأصحاب إليه
، وهو مختار
المختلف والذكرى
وصوم المبسوط
. خلافاً له في غيره
،
وللخلاف والجامع والمصنف في الكتابين
للأصل، وفقد النص. وهو ضعيف.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱، ص۱۹۲-۲۰۲.