ميقات من منزله دون المواقيت
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يشترط في
إحرام الحجّ والعمرة وقوعه في ميقات خاصّ، يختلف
الميقات المكاني للحجّ باختلاف مواقع الناس من مكة والحرم و
اختلاف حالاتهم حيث إنّ المكلّف قد يكون منزله داخل منطقة الحرم أو مكة، وقد يكون خارجاً عنها ولكنه دون المواقيت التي وقّتها رسول اللَّه للناس ويأتي ذكرها.
من كان منزله دون
المواقيت الخمسة فميقاته منزله
بلا
خلاف فيه،
بل عليه
الإجماع .
بل قال
العلّامة الحلّي : «إنّه قول
أهل العلم كافة إلّا مجاهد، فإنّه قال: يهلّ من مكّة».
وتدلّ عليه النصوص المستفيضة:
منها: صحيحة
معاوية بن عمّار عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام ، قال: «من كان منزله دون الوقت إلى مكّة فليحرم من منزله».
ومنها: صحيحة
مسمع عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا كان منزل الرجل دون
ذات عرق إلى مكّة فليحرم من منزله».
ومنها:
صحيحة أبي سعيد قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عمّن كان منزله دون
الجحفة إلى مكّة، قال: «يحرم منه».
ثمّ إنّ النصوص وأكثر عبارات الفقهاء اتفقت على
اعتبار القرب من مكّة،
بدون فرق في ذلك بين أقسام الحجّ، عدا المحقّق في المعتبر والشهيد في
اللمعة حيث اعتبرا القرب من عرفات في حجّ الإفراد،
قال الشهيد الثاني: «لو لا ذلك (النصوص) أمكن
اختصاص القرب في العمرة بمكّة، وفي الحجّ بعرفة؛ إذ لا يجب المرور على مكّة في
إحرام الحجّ من المواقيت»، وقال أيضاً: «لا يتعلّق الغرض فيه ( الحجّ) بغير عرفات، بخلاف العمرة، فإنّ مقصدها بعد
الإحرام مكّة، فينبغي
اعتبار القرب فيها إلى مكّة».
لكنّه- كما أشار إليه بل صرّح به غيره-
كالاجتهاد في مقابلة النص المصرّح باعتبار القرب إلى مكّة.
ثمّ إنّ كون الميقات المنزل لمن كان منزله أقرب إلى مكّة، بل ولأهل مكّة- كما سيأتي- إنّما هو على وجه
الرخصة لا
العزيمة ؛
ولذا صرّح غير واحد من الفقهاء بأنّ
الأفضل لمن كان منزله دون الميقات إلى مكّة الإحرام من الميقات؛ لبعد
المسافة ، وطول زمان الإحرام.
واعترض عليه بعضهم بأنّ ظاهر الأمر بالإحرام من المنزل
الإلزام و
التعيين .
نعم، لو ذهب إلى ميقات آخر بحيث يصدق عليه أنّه مرّ عليه جاز له الإحرام منه، فيكون حكمه كحكم أهل
الآفاق لو مرّوا على غير ميقاتهم.
ويمكن الجواب عنه: بأنّ المتفاهم العرفي من الأمر بالإحرام الوارد في الروايات المذكورة هو
الترخيص في الإحرام من المنزل إذا كان دون الميقات، باعتبار أنّ المرتكز في الأذهان أنّ الإحرام بعد الميقات كالإحرام قبله غير مشروع في نفسه، فإذن لا يدلّ
الأمر به إلّا على رفع هذا
التوهم دون الوجوب.
ثمّ إنّ من كان منزله دون الميقات إلى مكّة هل تلحظ المسافة بينه وبين مكّة بالنسبة إلى جميع المواقيت في كلّ
أطرافها ، أو بالنسبة إلى الميقات في طرفه فحسب؟
الظاهر من الروايات هو المعنى الثاني أي المعنى النسبي دون المعنى الأوّل؛ لوضوح أنّ قوله عليه السلام في صحيحة أبي سعيد المتقدّمة: «عمّن كان منزله دون
الجحفة إلى مكّة، قال: يحرم منه» ظاهر في أنّ المعيار إنّما هو بكون منزله دون الميقات الذي في طرفه إلى مكّة وإن لم يكن دون الميقات الذي في طرف آخر إليها، وكذلك قوله عليه السلام في صحيحة مسمع المتقدّمة: «إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكّة فليحرم من منزله».
نعم، من كان منزله بين الشجرة والجحفة لا يجوز له الإحرام من منزله، بل يحرم من الجحفة؛ لعدم شمول الروايات التي تنصّ على أنّ من كان منزله دون الوقت إلى مكّة فليحرم منه مثل هذه الصورة؛ لوضوح أنّ الظاهر منها أنّ المنزل إنّما يكون ميقاتاً إذا لم يكن أمامه ميقات آخر من المواقيت المعيّنة، وإلّا فعليه أن يحرم منه، ولا يسوغ له أن يحرم قبله.
ثمّ إنّ الحكم هل يختصّ بمن كان أهلًا لتلك البلدة، أو يعمّ
المقيم فيها أيضاً وإن لم يصدق عليه عنوان
الأهل ؟
قال
كاشف الغطاء : «المدار على توطّن البقعة، فلا فرق بين المنزل المملوك و
المستأجر و
المستعار و
المغصوب وإن كان مع
البقعة .
والوطن الشرعي مع العدول عن العرفي لا يفيد، وتنزيل
الإقامة حينئذٍ منزلة المتوطّن في الأخبار لا يجري في هذا الحكم. وفي مبدأ العدول عن
الوطن قبل الخروج منه إلى سفر يقوى إلحاق خروجه بخروج المتوطّن».
وقال أيضاً: «ولو كان له وطنان، لوحظ
الأكثر سكنى، ومع
التساوي يتخيّر، ويحتمل
ترجيح القرب على البعد، وخلافه».
وقال بعض المحقّقين: «إنّ الحكم يعمّ المقيم أيضاً، ولا يختصّ بمن يكون أهلًا لها، والسبب فيه أنّ الوارد في لسان الروايات «من كان منزله دون الوقت، لا أهله».
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۴۷۵- ۴۷۷.