الميقات المكاني للحج
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يختلف الميقات المكاني للحجّ باختلاف مواقع الناس من مكة والحرم و
اختلاف حالاتهم حيث إنّ المكلّف قد يكون منزله داخل منطقة
الحرم أو مكة، وقد يكون خارجاً عنها ولكنه دون
المواقيت التي وقّتها
رسول الله صلي الله عليه وآله للناس- وسيأتي ذكرها- وقد يكون قبل المواقيت ويسمّى
بالآفاقي . كما أنّه يختلف حال المكلّف من حيث
العلم و
الجهل و
النسيان والعذر ونحو ذلك فباختلاف المواقع الثلاثة واختلاف حالات المكلّف يختلف ميقات
الإحرام للحجّ كما يأتي.
•
ميقات الآفاقي للحج،
الآفاقي من كان منزله قبل المواقيت من
أهل الأمصار ، فإذا قصد الحجّ بأحد أقسامه فالمشهور أنّه يجب عليه
الذهاب إلى أحد تلك المواقيت أو محاذيها و الإحرام منه
لعمرة التمتّع أو حجّ
الإفراد أو
القران .
•
المحاذاة لأحد المواقيت الخمسة، ذكر جمع من
الفقهاء أنّ محاذاة أحد
المواقيت الخمسة هي ميقات من لم يمرّ على أحدها، فيجوز
الإحرام من موضع المحاذاة، ولا يجب
المرور بالميقات وإن تمكّن منه.
•
ميقات من منزله دون المواقيت، من كان منزله دون
المواقيت الخمسة فميقاته منزله
بلا
خلاف فيه،
بل عليه
الإجماع .
•
ميقات المكي والمجاور، من كان من
أهل مكّة ففرضه حجّ
الإفراد لا
التمتع إلّا أنّه قد يريد التمتّع
استحباباً لا بعنوان
حجة الإسلام فإنّه يصحّ منه كما هو مقرر في محلّه، وقد يجب عليه بالنذر وشبهه و
المجاور إذا بقي سنتين فأكثر انقلب فرضه إلى الإفراد أيضاً، وإلّا كان فرضه التمتع. وكل ذلك يأتي في محلّه. فإذا أراد المكي أو المجاور الساكن في مكة- سواء انقلب فرضه أم لا- الحجّ- أي الإفراد أو
القران - فالمشهور أنّ ميقات إحرامه منزله تمسكاً
باطلاق الروايات المتقدمة فيمن منزله دون الميقات إلى مكة، وأنّ ميقاته دويرة أهله.
من أراد التمتّع بعد عمرته أحرم من
بطن مكّة مع
الاختيار و
التذكّر بلا خلاف فيه، بل عليه
الإجماع .
قال
المحقّق الحلّي : «أن يحرم بالعمرة من الميقات، وبالحجّ من مكّة إلّا مع العذر، ولا خلاف في ذلك».
وقال
العلّامة الحلّي : «ميقات حجّ التمتّع مكّة لا غير، فإن أحرم من غير مكّة لم يجزه، وكان عليه العود إلى مكّة
لإنشاء الإحرام، ذهب إليه علماؤنا».
ونسب في
المدارك إلى إجماع العلماء كافّة أنّ ميقات حجّ التمتّع مكّة.
وذكر
المحقّق النجفي أنّه لم يجد خلافاً فيه نصّاً وفتوى.
واستدلّ له بأنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أصحابه بالإحرام من مكّة حين أمرهم بالتحلّل،
وبطائفة من الأخبار الخاصّة
:
منها: صحيحة
معاوية بن عمّار عن
أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كان
يوم التروية ...وادخل المسجد... ثمّ قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من
الشجرة ، فأحرم بالحجّ».
وقد يقال: لا مجال لدلالتها على الوجوب؛
لاشتمالها على المستحبّات.
ومنها: صحيحة
الحلبي ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام: لأهل مكّة أن يتمتّعوا؟ قال عليه السلام: «لا»، قلت:
فالقاطنين بها؟ قال: «إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع
أهل مكّة، فإذا أقاموا شهراً فإنّ لهم أن يتمتّعوا»... قلت: من أين يهلّون بالحجّ؟ فقال: «من
مكّة نحواً ممّا يقول الناس».
ومنها: رواية
ابن ميمون ، وفيها: «فإنّك تمتّع في
أشهر الحجّ ، وأحرم يوم التروية من
المسجد الحرام ».
ولكن في المقام رواية
لإسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام ربما يستفاد منها جواز الإحرام لحجّ التمتّع من خارج الحرم، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتّع يجيء فيقضي متعته ثمّ يبدو له الحاجة فيخرج إلى
المدينة وإلى
ذات عرق أو إلى بعض المعادن؟ قال عليه السلام: «يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتّع فيه؛ لأنّ لكلّ شهر عمرة وهو مرتهن بالحجّ»، قلت: فإن دخل في الشهر الذي خرج فيه؟ قال عليه السلام: «كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقّى بعض هؤلاء، فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحجّ، ودخل وهو محرم بالحجّ».
واجيب عنه: بأنّه- مضافاً إلى أنّه لا صراحة فيه، وأنّه مشوّش المتن، وأنّه لا يقاوم سائر الأخبار
- محمول على بعض المحامل:
منها: أنّ المراد بالحجّ عمرته، حيث إنّها أوّل أعماله، وقد ذكر
السيد اليزدي أنّه أحسن المحامل.
ومنها: الحمل على
التقيّة .
ومنها: أنّه يحرم- في مورد السؤال- وجوباً أو
استحباباً ثمّ يجدّد بمكّة.
ومنها: الحمل على حجّ
الإفراد .
وقد يقال: بأنّه لو أمكن
تخصيص الأدلّة الاول بذلك وأمكن
إخراج مورده منها كان متعيّناً.
يجوز الإحرام لحجّ التمتّع من أيّ موضع كان في مكّة؛ لأنّها كلّها ميقات
بلا خلاف فيه
بل هو إجماعي.
ويدلّ عليه عدّة روايات
:
منها: صحيحة
عمرو بن حريث الصيرفي ، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: من أين أهلّ بالحجّ؟ فقال: «إن شئت من رحلك، وإن شئت من
الكعبة ، وإن شئت من الطريق».
ومنها: رواية
يونس بن يعقوب ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام من أيّ المسجد أحرم يوم التروية؟ قال: «من أيّ المسجد شئت».
ثمّ إنّه هل يقتصر في الإحرام على مكّة القديمة أم يجوز من موضع
التوسعة فعلًا؟
فيه قولان:
الأوّل: ذهب جماعة من الفقهاء إلى الأوّل،
وعمدة الوجه فيه أنّه مقتضى
الاحتياط ، مضافاً إلى أنّه يمكن دعوى
انصراف الأخبار إلى مكّة القديمة لا مكّة في العصر الحاضر، بحيث تتصل بيوتها إلى منى ويكون بعض بيوتها في
أدنى الحلّ كالتنعيم، بل يظهر من بعض الأخبار أنّ الأحكام المترتّبة على مكّة تترتّب على القديمة منها،
مثل صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إذا دخلت مكّة وأنت متمتّع فنظرت إلى بيوت مكّة فاقطع
التلبية ، وحدّ بيوت مكّة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين، فإنّ الناس قد أحدثوا ما لم يكن...».
نعم، قد يقال بجواز الإحرام في موضع شكّ في كونه من مكّة القديمة أو من الجديدة.
القول الثاني: ذهب جماعة آخرون إلى جواز الإحرام من أي مكان من مكّة الموسّعة فعلًا،
واستدلّ له بأنّ مقتضى بعض الروايات جواز الإحرام من أيّ موضع من مواضع مكّة حتى الطريق الذي قد يكون خارج مكّة، فقد جاء في صحيحة الصيرفي قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: من أين أهلّ بالحجّ، فقال: «إن شئت من رحلك، وإن شئت من الكعبة، وإن شئت من الطريق».
وهي تنصّ على أنّه ليس لإحرام الحجّ موضع معيّن، بل الحاج مخيّر بين أن يحرم من منزله أو من المسجد أو من الطريق.
ودعوى أنّ رحله في ذلك الزمان لمّا كان في مكّة القديمة، فلا محالة يكون المتيقّن هو الإحرام منها.
مدفوعة: بأنّ المراد من مكّة هي القديمة، اي مكّة في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأمّا في زمن
الأئمّة عليهم السلام فقد توسّعت، وعلى هذا فمقتضى
إطلاق قوله عليه السلام: «من رحلك» يعمّ ما إذا كان رحله في أحياء جديدة. هذا مضافاً إلى أنّها تنصّ على جواز الإحرام من الطريق، وهو يعمّ الطريق في خارج مكّة، وعليه فلا خصوصية لمكّة القديمة.
وأمّا دعوى أنّ صحيحة معاوية بن عمّار الماضية تدلّ على أنّ الأحكام مترتّبة على مكّة القديمة، فأُجيب عنها بأنّ الصحيحة مسوقة لتحديد حدود مكّة القديمة، بلحاظ أنّ وجوب قطع التلبية في إحرام عمرة التمتّع مرتبط بذلك فحسب،
لإتمام أحكام مكّة.
اتفق الفقهاء
على أنّ أفضل مواضع مكّة لإحرام الحجّ هو المسجد الحرام.
واستدلّ له
بكونه أشرف الأماكن، ولاستحباب الإحرام عقيب الصلاة التي هي في المسجد أفضل، وبالأخبار:
منها: خبر معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «إذا كان يوم التروية...وادخل المسجد... ثمّ صلّ ركعتين عند
مقام إبراهيم عليه السلام أو في
الحجر ... وأحرم بالحجّ».
ومنها: خبر
أبي بصير عنه عليه السلام، قال: «إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم- إلى أن قال:- ثمّ ائت المسجد الحرام فصلّ فيه ستّ ركعات...».
هذا كلّه في أفضلية المسجد على غيره، أمّا بالنسبة إلى أفضل المكان في داخل المسجد فقد اختلفت كلمات الفقهاء فيه:
القول الأوّل: ذهب جماعة من الفقهاء، كالشيخ الطوسي و
ابن البراج والحلّي والمحقّق الحلّي والعلّامة الحلّي في
المختلف وموضع من
القواعد وغيرهم إلى أنّ
الأفضل هو الإحرام عند المقام، وذكر بعضهم أنّه يأتي بعده في الأفضلية الإحرام تحت
الميزاب .
واستدلّ
له بخبر
عمرو بن يزيد عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة، ثمّ صلّ ركعتين خلف المقام، ثمّ أهلّ بالحج، فإن كنت ماشياً فلبّ عند المقام، وإن كنت راكباً فإذا نهض بك بعيرك».
القول الثاني: ذهب
الصدوق وبعض آخر
إلى
التخيير بين
المقام وبين الحجر.
وذهب جملة من الفقهاء إلى أنّ الأفضل المقام أو تحت الميزاب،
وكأنّ المعنى واحد.
والمستند
في التخيير خبر معاوية بن عمّار
السابق.
ولكن اورد
عليه بأنّ
اشتراكهما في الفضل بالنسبة إلى سائر الأماكن لا ينافي الأفضلية المزبورة المستفادة من الأمر به- خاصة في خبر عمر بن يزيد- ومن تعدّد الرواية به، وموافقة
الأمر به في الآية
باتّخاذه مصلّى.
ولعلّه
لذلك خيّر
الشيخ الطوسي بين المقام والحجر ثمّ ذكر أنّ الأفضل المقام،
وقال الكركي في موضع من
جامع المقاصد : إنّه الأصح، بعد ما خيّر في موضع آخر بين المقام وتحت الميزاب.
وقد اقتصر بعضهم كالعلّامة في
الإرشاد و
التبصرة والتلخيص
على فضل ما تحت الميزاب ولم يذكر المقام، بل الظاهر من
سلّار تعيّنه وجوباً حيث قال: «من ليس من أهل الحرم على ضربين: محرم بالحجّ خاصّة ومحرم بحجّ أفضى إليه من عمرة تمتّع بها، فالأول لا يحرم إلّا من الميقات، والثاني من تحت الميزاب».
إلّا أنّه لا شاهد عليه يقتضي فضله على المقام
فضلًا عن وجوبه متعيّناً.
وبالجملة: الأمر في ذلك سهل
بعد عدم تعيّن شيء منهما قطعاً؛
للاتفاق على عدم تعيّن المسجد للإحرام فضلًا عن المقام أو الميزاب، مضافاً إلى
الأصل وخبر يونس بن يعقوب المتقدّم
الدالّ على جواز الاحرام من أيّ مسجد، وفي
كشف اللثام : كأنّه إجماعي، وإن أوهم خلافه بعض العبارات.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۴۵۰-۴۷۵.