أسباب الإعادة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي متعدّدة، فمنها ما يوجبها، ومنها ما يوجب استحبابها.
موارد وجوب إعادة العمل وأسبابه عديدة، نشير فيما يلى إلى أهمّها:
إذا كان الفعل الواقع أوّلًا غير صحيح- لفقدان جزء أو شرط- وجب إعادته صحيحاً إذا لم يكن موقّتاً بزمان، أو كان موقتاً وكان وقته باقياً. وكذا خارج الوقت إذا كان ممّا يجب قضاؤه إن اعتبرنا ذلك من
الإعادة . وهذا هو مقتضى القاعدة والأصل، أي
إطلاق دليل الواجب الأدائي داخل الوقت، أو إطلاق دليل القضاء خارج الوقت، من غير فرق بين الإخلال الواقع عمداً أو سهواً أو جهلًا. إلّاأنّه في جملة من العبادات يثبت عدم الإعادة
بالإخلال سهواً أو جهلًا؛ لاختصاص الجزئيّة والشرطيّة بحال الذكر والعلم، كما في الإخلال بغير الأركان في الصلاة. وقد جاء ذلك في حديث: «لا تعاد الصلاة إلّامن خمس»
الذي يعبّر عن مضمونه بقاعدة (لا تعاد) بل قد يثبت عدم الإعادة بالإخلال ببعض الواجبات في عبادة حتى عمداً، كما في ترك بعض الأفعال الواجبة غير الركنيّة في
الحجّ .
فكلّما ثبت بدليل عامّ أو خاصّ في عمل من الأعمال
اختصاص أجزائه أو شرائطه بحال الذكر أو العلم، أو بحال
الاختيار وعدم العذر، أو بحال خاصّ غير الحال الواقع فيه العمل أوّلًا، كان ذلك الدليل بنفسه دالّاً على صحّة ذلك العمل، فلا تجب الإعادة حينئذٍ؛ لانتفاء سببه. وكلّما لم يثبت ذلك وكان لدليل ذلك الجزء أو الشرط إطلاق ثبت لا محالة فساد العمل، وبالتالي لزوم إعادته إذا لم يكن موقّتاً، أو كان ولكن وقته كان باقياً، وإلّا وجب قضاؤه خارج الوقت إن كان ممّا فيه القضاء وكان لدليل القضاء إطلاق، وإلّا لم يجب القضاء أيضاً؛ لأنّ القضاء بأمر جديد يحتاج إلى إطلاق في دليله.
ومن هنا يفصّل في بعض الفروع الفقهيّة بين الإعادة داخل الوقت فتجب، والقضاء لو زال العذر أو الجهل والنسيان خارج الوقت، فلا يجب. كما أنّه إذا فرض أنّ دليل الجزئيّة والشرطيّة لم يكن له إطلاق من أوّل الأمر لغير حال الذكر والعلم أو الاختيار وعدم
الاضطرار والعذر، ولم يكن دليل خاصّ على الإعادة- الذي يكشف لامحالة عن إطلاق الجزئيّة أو الشرطيّة- فلا تجب الإعادة في الوقت أيضاً بمقتضى
الأصل العملي المعبّر عنه
بالبراءة عن إطلاق الجزئيّة أو الشرطيّة. وتفصيل ذلك موكول إلى محلّه.
من موارد وجوب الإعادة ما إذا تردّد الواجب بين فعلين متباينين- كما إذا تردّدت الصلاة بين القصر والتمام، أو تردّدت القبلة بين جهتين أو أكثر، أو تردّد اللباس أو الماء الطاهر بين فردين- فإنّه يجب عقلًا في هذه الموارد الخروج عن التكليف المعلوم
بالإجمال ، بإعادة الصلاة أو الوضوء ضمن الفردين أو الأفراد حتى يقطع بالموافقة، وإتيان الواجب الواقعي ضمن أحدها. وهذا ما يسمّى بأصالة الاحتياط في الشكّ في المكلّف به، أو منجّزيّة
العلم الإجمالي بين متباينين.
وهذه القاعدة لها أركان وشروط إذا اختلّ شيء منها لم يجب الاحتياط، ولم يكن العلم الإجمالي منجّزاً. وهي العلم الإجمالي بالتكليف، وعدم ما يوجب
انحلاله حقيقة أو حكماً، والتعارض بين الاصول العمليّة المرخّصة في
أطرافه ومحتملاته. وتفصيل الكلام عنها متروك إلى محلّه في
علم الاصول .
وهناك فروع وتطبيقات تفصيليّة كثيرة يحصل فيها التردّد والعلم الإجمالي المذكور يتعرّض لها الفقهاء في مواطنها من الأبواب الفقهيّة، خصوصاً في باب الصلاة والعلم الإجمالي بالخلل فيها- الذي يعبّر عنه بفروع العلم الإجمالي- حيث يبحث الفقهاء عن مقتضى القواعد والاصول المصحّحة أو المتمّمة للصلاة فيها، وهي أبحاث دقيقة وجليلة يأتي التعرّض إليها في المصطلحات المرتبطة كلّ بحسبه. نعم، هناك كلام وبحث بين الفقهاء في جواز الاحتياط بتكرار العبادة
لإحراز ما هو المأمور به واقعاً مع
إمكان الامتثال التفصيلي.
من جملة أسباب وجوب الإعادة الشكّ في امتثال الواجب مع بقاء وقته، فإنّه يجب عقلًا الاحتياط فيه بالإتيان بالعمل ثانية، ويسمّى بقاعدة أنّ
الشغل اليقيني يستدعي
الفراغ اليقيني ، وهي قاعدة عقليّة عمليّة يبحث عنها في علم الاصول. وكذلك إذا شكّ في صحّة ما أتى به من العمل، فإنّه أيضاً تجب الإعادة ما لم يجري في حقّ المكلّف أصل شرعيّ يقتضي البناء على صحّة ما أتى به، كما في أكثر العبادات حيث يجري فيها قاعدة الفراغ بعد العمل والتجاوز قبله أيضاً إذا تجاوز محلّ ذلك الجزء أو القيد.
وأمّا حين العمل وقبل التجاوز فيجب الإتيان بالمشكوك؛ للأصل العقلي المذكور، وعدم شمول القاعدة الشرعية المصحّحة، بل قد تجب الإعادة بعد الإتيان أيضاً، كما إذا كان الإتيان به في المحلّ على تقدير كونه تكراراً زيادة مانعة عن صحّة العمل، حيث يدور الأمر بين الجزئيّة والمانعيّة، فيتشكّل علم إجمالي مردّد بين متباينين. وتفصيل ذلك في علمي الاصول والقواعد الفقهية، وكذا بعض التفاصيل والتطبيقات في محالّه من الموسوعة كمصطلح (الفراغ والتجاوز).
يجب حفظ الركعات في الثنائية والثلاثية والأوّلتين من الرباعية قبل
إكمال السجدتين، وإذا شكّ في العدد وجب إعادة الصلاة. وأمّا إذا شكّ في العدد بين الثلاث والأربع- في أيّ موضع كان- فإنّه يبني على الأربع ويتمّ صلاته. ولكن يحتاط بركعة قائماً أو ركعتين جالساً إن كانت وظيفته الصلاة قائماً، وإن كانت وظيفته الصلاة جالساً فإنّه يحتاط بركعة جالساً.
وكذلك إذا شكّ في عدد أشواط
الطواف ، فإن كان بعد الفراغ والدخول في غيره فلا شيء عليه ولا إعادة، وإن كان في الأثناء فإن تيقّن السبعة وشكّ في الزيادة عليها فقط قطع طوافه وصحّ بلا خلاف؛ لأصالة عدم الزيادة، وإن كان الشك في الأثناء في النقيصة كأن شكّ بين ستّة وسبعة، وجب عليه إعادة الطواف في الفريضة على المشهور، خلافاً لجماعة حيث قالوا بالبناء على الأقلّ واستحبّ له الإعادة.
إذا زال العذر الذي كان هو المسوّغ لعمل ناقص وجب الإتيان بذلك العمل على الوجه التام مع بقاء وقته، كالصلاة مع التيمّم لفقدان الماء، فإنّه إذا وجد الماء في الوقت وجب إعادة الصلاة مع الوضوء؛ لانكشاف عدم فقدان الماء في تمام الوقت، فيكون قادراً على الواجب الاختياري؛ لكونه قادراً على بعض أفراده، والقدرة على الفرد قدرة على الجامع بنحو صرف الوجود الذي هو الواجب.
وهذا هو مقتضى القاعدة، وهو بحسب الدقّة من مصاديق
انكشاف وقوع العمل السابق غير صحيح؛ لبقاء شرطيّة الطهور المائي في حقّه. إلّاأنّه قد يثبت خلاف ذلك بالنسبة لبعض الأعذار أو بعض الموارد لدليل خاصّ، كما في مثل الصلاة مع العامّة تقيّة، حيث لا تجب إعادتها، بل تكون صحيحة ومجزية، أو لعدم إطلاق في دليل الجزئيّة والشرطيّة فيما تعذّر على المكلّف، أو
لاستفادة الإجزاء من أدلّة جواز البدار لمن له عذر في أوّل الوقت، أو غير ذلك من الوجوه والتعليلات المذكورة في مواطنها.
يجب على من أفسد حجّه
بالجماع قبل الوقوف بالمشعر إعادة الحجّ في السنة القادمة،
مضافاً إلى وجوب
الإتمام والكفارة، وقد دلّت عليه بعض الروايات.
قيل: يجب عليه إعادة أعماله السابقة؛ لأنّها بطلت
بالارتداد ،
ولأنّه يوجب حبط الأعمال السابقة.
قال
الشيخ الطوسي في
المبسوط : «المرتد إذا حجّ
حجّة الإسلام في حال إسلامه، ثمّ عاد إلى
الإسلام لم يجب عليه
الحجّ ، وإن قلنا: إنّ عليه الحجّ كان قويّاً؛ لأنّ إسلامه الأوّل لم يكن إسلاماً عندنا؛ لأنّه لو كان كذلك لما جاز أن يكفر، وإن لم يكن إسلاماً لم يصحّ حجّه، وإذا لم يصحّ فالحجّة باقية في ذمّته»،
فعليه من حجّ ثمّ ارتدّ، ثمّ أسلم في العام نفسه أو بعد أعوامٍ وجب عليه إعادة الحجّ.
إلّاأنّ المشهور خلافه،
فإنّ الحبط بالارتداد مشروط بالوفاة على الكفر، لا مطلقاً؛ لقوله تعالى: «وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُت وَهُوَ كافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَت أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ».
يستحبّ إعادة العمل الواقع مجزياً أوّلًا فيما إذا كان في إعادته مزيّة وفضل زائد. وهذه المزيّة قد تكون عقلية، كما إذا كان فيه احتياط غير واجب، فإنّ
الاحتياط راجح وحسن عقلًا كمن شكّ في صحّة صلاته بعد الفراغ وكان يمكنه
الاكتفاء به
اعتماداً على
قاعدة الفراغ ، إلّاأنّه احتياطاً أراد إعادة العمل، وهذه إعادة ظاهرية، أي قد لا يكون مصداقاً للواجب واقعاً، كما إذا كان عمله الذي فرغ منه واجداً للقيد المشكوك، فيكون
الامتثال متحقّقاً به، فلا موضوع للعمل الثاني.
وقد تكون المزيّة شرعيّة واقعيّة، كما في إعادة الصلاة جماعة لمن صلّاها فرادى؛ لأفضليّة الجماعة من الفرادى، والإعادة لهذه المزيّة بحاجة إلى دليل على مشروعيّة الإعادة، وإلّا فلو لم يكن دليل في البين كان مقتضى القاعدة سقوط
الأمر - وهو الفريضة- بالفرد الأوّل الصحيح بحسب الغرض، ومع سقوطه لا فريضة في البين لكي يمكن
الإتيان بها جماعة ما لم يدلّ دليل خاصّ على مشروعيّة مثل هذه الإعادة، وقد يسمّى ذلك بتبديل الامتثال بالامتثال.
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۲۵۷- ۲۶۲.