إحرام الراجع إلى مكة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
من موارد
استثناء وجوب الإحرام، الدخول قبل مضي شهر من إحرامه.
من موارد
استثناء وجوب الإحرام الدخول قبل مضي شهر من إحرامه، كما صرّح به جماعة من الفقهاء كالحلّي والمحقّق و
ابن سعيد والعلّامة وغيرهم.
بل ادّعى في
الرياض عدم الخلاف فيه،
فلا يجب الإحرام فيما إذا كان دخوله بعد الإحرام وقبل مضي شهر من عمرته؛ نظراً إلى إطلاق ما دلّ
على
اعتبار الفصل بين العمرتين بشهر،
كما في حسنة
حمّاد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام الواردة في عدم جواز الخروج للمتمتّع إلّا محرماً... قلت: فإن جهل فخرج إلى
المدينة أو نحوها بغير إحرام، ثمّ رجع في إبّان الحجّ في
أشهر الحجّ يريد الحجّ، فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ قال: «إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً...».
بناءً على
إرادة شهر العمرة من قوله: «في شهره».
بل وموثّقة
إسحاق بن عمّار ، قال: سألت
أبا الحسن الكاظم عليه السلام عن المتمتّع يجيء فيقضي متعته، ثمّ تبدو له الحاجة، فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن، قال: «يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتّع فيه؛ لأنّ لكلّ شهر عمرة، وهو مرتهن بالحجّ»، قلت: فإنّه دخل في الشهر الذي خرج فيه، قال: «كان أبي عليه السلام مجاوراً هاهنا، فخرج يتلقّى بعض هؤلاء، فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحجّ، ودخل وهو محرم بالحجّ».
إذ
التعليل بقوله: «لأنّ لكلّ شهر عمرة» يدلّ على أنّ الذي يوجب سقوط الإحرام عند الدخول إلى مكّة في شهر
الاعتمار هو إتيان مطلق العمرة، سواء أتى بعمرة التمتّع أو بالعمرة المفردة،
فلا يرجع بعمرة إن كان في شهر العمرة. وقد ثبت في محلّه أنّ الإحرام بحجّ التمتّع إنّما يكون بمكّة، فلم يبق إلّا أن يدخل محلّاً.
ولا ينافي ذلك السؤال الثاني؛
لإمكان حمله على وجوه، كأن يكون السؤال فيه عن الدخول في شهر الخروج الذي قد يشكل بأنّ حجّ التمتّع ميقاته من مكّة، أو إرادة العمرة من الحجّ فيه بناءً على جواز عمرتين في شهر، أو بإرادة التعبّد هنا، وذلك بالإحرام به من غيرها ثمّ تجديده بها، كما أشار إليه الشهيد في
الدروس ».
وقال العلّامة في
التذكرة : «لو خرج من مكّة بغير إحرام وعاد في الشهر الذي خرج فيه استحبّ له أن يدخلها محرماً بالحجّ، ويجوز له أن يدخلها بغير إحرام».
وكذا يمكن إرادة العدول إلى
الإفراد أو
القران ، أو يمكن أن لا يكون
السؤال عن المتمتّع، بل عمّن خرج فعاد في شهر خروجه بناءً على عودة ضمير (فإنّه) إلى الرجل ونحوه.
ولكن ناقش فيها المحقّق النجفي، ثمّ قال: «وعلى كلّ حال، فالخبر دالّ بالمفهوم على المطلوب الذي هو جواز الدخول حلالًا إذا كان قد رجع قبل مضي شهر من إحرام عمرته الاولى».
فالمستفاد من فتاوى الفقهاء وإطلاق النصوص عدم الفرق في الإحرام السابق بين كونه لعمرة التمتّع أو
العمرة المفردة أو للحجّ،
بل ولا بين الحجّ الواجب أو المستحبّ.
وكأنّ وجه
تخصيص بعضهم لذلك بإحرام العمرة ما ذكره
الفاضل الهندي من أنّ الذي «دلّت عليه الدلائل جواز الدخول محلّاً مع سبق الإحرام بعمرة قبل مضي شهر، فالصواب القصر عليه كما في الجامع، فلو كان سبق إحرامه بحجّ لم يدخل إلّا محرماً بعمرة، وإن لم يمض شهر ففي الأخبار العمرة بعد الحجّ إذا أمكن
الموسى من الرأس».
واستحسنه
السيد الطباطبائي في الرياض، فقال: «وهو حسن، ويعضده عموم أخبار النهي عن الدخول محلّاً مع سلامته عن المعارض».
ونوقش فيه: أوّلًا: بأنّه ينبغي حينئذٍ
الاقتصار على إحرام عمرة التمتّع أيضاً؛ لأنّه الذي دلّ عليه الخبران المزبوران.
وثانياً: بأنّ الدليل غير منحصر فيهما، ففي
مرسل حفص و
أبان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام : في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم، قال: «إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام، وإن دخل في غيره دخل بإحرام».
وفي صحيح
جميل عنه عليه السلام أيضاً: في الرجل يخرج إلى جدّة في الحاجة، فقال: «يدخل مكّة من غير إحرام»،
وغيرهما من الروايات.
وظاهر هذه النصوص عدم اعتبار تقدّم الإحرام في الدخول محلّاً لو رجع قبل شهر، وإن كان ظاهر
المحقّق الحلّي وغيره ذلك، بل ادّعي أنّه لا خلاف فيه.
أمّا من كان من
أهل مكّة ولم تسبق منه عمرة، وكان قد خرج من مكّة وأراد الرجوع ولو في يومه وساعته فإنّه يجب عليه الإحرام لدخول مكّة بمقتضى إطلاق النصوص الدالّة على عدم جواز الدخول بغير إحرام،
ونسبه
المحدّث البحراني والمحقّق النجفي إلى ظاهر كلام
الأصحاب .
واستدلّ له بمقتضى صحيحة حمّاد،
ورواية
الفقه الرضوي ،
ومرسل الصدوق.
قال: «فإن تمّ (ما نسب إلى ظاهر الأصحاب) إجماعاً فذاك، وإلّا أمكن النظر فيه؛ للنصوص الدالّة بإطلاقها على جواز الدخول حلالًا إذا رجع قبل شهر (كمرسل حفص وأبان) سواء كان محرماً سابقاً بعمرة تمتّع أو إفراد أو حجّ أو لم يكن محرماً أصلًا. نعم، قد يقال: يكفي
الإعراض عنها في عدم العمل بها، خصوصاً بعد عدم الجابر لسندها، فيبقى عموم عدم جواز الدخول حلالًا بحاله».
مضافاً إلى ضعف المرسل
بالإرسال ، فلا يصلح لرفع اليد عن الروايات الكثيرة المطلقة الدالّة على وجوب الإحرام عند الدخول، بلا فرق بين أهل مكّة وغيرهم.
ثمّ انّه هل المعتبر الرجوع في شهر الخروج أو شهر النسك؟ وعلى الثاني هل هو من حين
الإهلال - أي الشروع في الإحرام- أو من حين الإحلال- أي
الفراغ من الإحرام-؟
منشأ الخلاف في كلّ ذلك
اختلاف الروايات:
المنسوب إلى أكثر الفقهاء
اعتبار الرجوع في شهر النسك كما دلّت عليه موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة المستفاد منها عدم صحّة العمرتين في شهر واحد؛ لأنّه إن كان رجوعه في نفس الشهر الذي وقعت فيه العمرة الاولى فلا حاجة إلى الثانية، وإن كان رجوعه في شهر آخر فلا بد من عمرة ثانية. ولا ينافي ذلك قوله عليه السلام: «كان أبي مجاوراً هاهنا»، حيث يظهر منه عدم
ارتباطه بالسؤال.
مضافاً إلى عدم تعرّض بعض الأخبار إلى ذكر الشهر كصحيح
حفص بن البختري ، مع ضعف مرسل الصدوق والمرسل الآخر لحفص وأبان، وما في الفقه الرضوي جميعاً، وإن اشير فيها بأنّ
العبرة بمضي الشهر من الخروج.
ثمّ بناءً على أنّ المعتبر هو شهر النسك وقع الخلاف بينهم في أنّه من حين الإهلال أو من حين الإحلال؟ وسيأتي.
ولما تقدّم ذهب جماعة إلى أنّ المراد بالشهر شهر الخروج، وحساب الشهر من خروجه من مكّة ودخوله إليها، فإنّه ربّما يفصل بين العمرتين بأزيد من شهر وإن كان دخوله قبل مضي شهر من خروجه، كما إذا اعتمر في أوّل شوّال وخرج من مكّة في آخره، ثمّ دخلها في عشرين من
ذي القعدة .
وتبعهم في ذلك المحقّق النجفي أيضاً، فقد صرّح بأنّ الشهر الذي يجب الإحرام بعده هو شهر الخروج، واستدلّ له بالنصوص، وأيّده بكلام جملة من الفقهاء، وطعن في صحيحة إسحاق بن عمّار المتقدّمة
بالإجمال و
الإشكال لما في ذيلها من الإحرام من الميقات من حجّ التمتّع.
وبنى
السيّد اليزدي الأمر بالإحرام- إذا كان رجوعه بعد شهر- على مسألة أنّ لكلّ شهر عمرة، وليس على
التعبّد أو فساد عمرته السابقة أو لأجل وجوب الإحرام على من دخل مكّة؛ وذلك لصراحة خبر إسحاق بن عمّار في أنّ لكل شهر عمرة. وحينئذٍ يكون الحكم بالإحرام على وجه
الاستحباب لا الوجوب؛ لأنّ العمرة- التي هي الوظيفة في كلّ شهر- ليست واجبة.
ثمّ أشار إلى صحيحتي حمّاد وحفص وغيرهما ممّا ظاهره الوجوب، فقال: «لكن في جملة من الأخبار كون المدار على الدخول في شهر الخروج أو بعده، كصحيحتي حمّاد وحفص بن البختري ومرسلة الصدوق والرضوي، وظاهرها الوجوب، إلّا أن تحمل على الغالب من كون الخروج بعد العمرة بلا فصل، لكنّه بعيد، فلا يترك
الاحتياط بالإحرام إذا كان الدخول في غير شهر الخروج، بل
القدر المتيقّن من جواز الدخول محلّاً صورة كونه قبل مضي شهر من حين الإهلال- أي الشروع في إحرام العمرة- والإحلال منها ومن حين الخروج؛ إذ الاحتمالات في الشهر ثلاثة وثلاثين يوماً من حين الإهلال، وثلاثين من حين الإحلال بمقتضى خبر إسحاق بن عمّار- وثلاثين من حين الخروج بمقتضى هذه الأخبار، بل من حيث
احتمال كون المراد من الشهر في الأخبار هنا والأخبار الدالّة على أنّ لكلّ شهر عمرة الأشهر الاثني عشر المعروفة لا بمعنى ثلاثين يوماً، ولازم ذلك أنّه إذا كانت عمرته في آخر شهر من الشهور فخرج ودخل في شهر آخر أن يكون عليه عمرة، الأولى مراعاة الاحتياط من هذه الجهة أيضاً».
وظاهره التوقّف عن الحكم بالوجوب والاستحباب فيما لو كان الرجوع بعد أشهر الخروج، وكأنّه لظهور كلام الفقهاء في أنّ الشهر- الذي اخذ شرطاً في وجوب الإحرام- واحد عندهم، وإنّما الخلاف في مبدئه.
هذا مضافاً إلى تصريحه في موضع آخر بعدم اعتبار
الفصل بين العمرتين، فيجوز إتيانها كلّ يوم.
واعترض عليه
السيّد الحكيم بأنّ العمدة في النصوص هو مصحّح
حمّاد بن عيسى ومصحّح إسحاق بن عمّار، لكنّه يمكن الجمع بينهما «باختلاف الجهة، فإنّ
التنافي إنّما يكون في الرجوع بعد شهر التمتّع وبعد شهر الخروج؛ إذ مقتضى المصحّح الأوّل الوجوب، ومقتضى المصحّح الثاني الاستحباب، لكن لا مانع من كونه مستحبّاً من جهة، وواجباً من جهة، وهذا الجمع أولى من الجمع بتقييد إطلاق الثاني بالأوّل».
كما أنّ
السيّد الخوئي اعترض أيضاً بأنّ صحيحة حمّاد لم يذكر فيها أنّ المدار بشهر الخروج وأنّ الشهر يحسب من زمان الخروج، بل لا يبعد أن يراد به الشهر الذي تمتّع فيه فتتّحد الروايتان بحسب المورد، وكذا صحيح حفص بن البختري.
نعم، في مرسل الصدوق والرضوي جعل العبرة بمضي الشهر من الخروج وعدمه، ولكنّ السند ضعيف بالإرسال، وكذا مرسل آخر لحفص وأبان.
ثمّ إنّه وقع الخلاف بين القائلين بأنّ المعتبر هو شهر النسك في أنّه من حين الإهلال- أي الشروع في إحرام العمرة- أو من حين الإحلال؟
تردّد العلّامة في ذلك، وقال: «يجب على كلّ داخل مكّة الإحرام إلّا المتكرّر كالحطّاب ومن سبق له إحرام قبل مضي شهر من إحرامه أو إحلاله على إشكال»،
نشأ من
إمكان حمل الأخبار والفتاوى على كلّ واحد منهما مع موافقة
أصل البراءة للأوّل، والاحتياط موافق للثاني.
وذهب
كاشف الغطاء إلى وجوب مضي شهر- ثلاثين يوماً- من حين
التلبية ، بل قد يقال باعتبار زمان النيّة، وأنّه لا اعتبار بالليالي من
ابتداء إحرامه ولا إحلاله بل لا بدّ من مضي ثلاثين نهاراً على الأقوى. كما ذهب السيّد اليزدي أيضاً إلى اعتبار الإهلال، بدعوى أنّ «القدر المتيقّن من جواز الدخول محلّاً صورة كونه قبل مضي شهر من حين الإهلال، لكنّ الشروع في إحرام العمرة والإحلال منها من حين الخروج».
وظاهر الشهيد الأوّل اعتبار زمان الإحلال، حيث قال: «وكذا (أي لا يجب) لو كان عقيب الإحلال من الإحرام، ولمّا يمضِ شهر منذ الإحلال».
وقوّاه
الشهيد الثاني ،
واستظهره
المحقّق الأردبيلي من الروايات قائلًا: «الظاهر أنّ أوّله من الإحلال، وأنّه هلالي إذا اتّفق، وثلاثون يوماً إن لم يتّفق، ويحتمل
إتمام الشهر كما قيل في أمثاله».
ونسبه السيّد الطباطبائي إلى الأكثر.
وبما ذكرنا ظهر
اختلاف الأقوال في اعتبار الشهر وأنّه الهلالي أو العددي.
فذهب الشهيد الثاني
والمحقّق الأردبيلي
إلى اعتبار الهلاليّة إن اتّفق الإحرام في أوّل الشهر، ولو وقع في أثناء الشهر اعتبر ثلاثون يوماً.
نعم، صريح كاشف الغطاء
اعتبار مضي شهر عددي- أي ثلاثين يوماً- من حين التلبية، بينما ذهب بعضهم إلى اعتبار
الهلالية مطلقاً، فإن كانت عمرته في آخر شهر من هذه الأشهر فخرج وأخلّ في شهر آخر كان عليه عمرة، وعليه أيضاً
المحقّق الأصفهاني وغيره.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۲۳۶-۲۴۵.