الأقرأ
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى الأجود
قراءة .
الأقرأ- لغةً-: يعني الأكثر قراءة، و «أقرؤكم ابيّ» أي أقرأ
الصحابة وأتقنهم
للقرآن وأحفظ. و «يؤمّكم أقرؤكم»، أي أعلمكم
بالقراءة .
وليس
للفقهاء مصطلح خاص، فقد ذكروا أنّ المراد به الأجود قراءةً،
والأجود
أداءً وإتقاناً للقراءة ومعرفةً لمحاسنها المدوّنة في علمها وإن كان أقلّ حفظاً.
وقال
العلّامة الحلّي : «وهو (الأقرأ) الأبلغ في
الترتيل ومعرفة
المخارج والإعراب فيما يحتاج إليه في
الصلاة ».
تحدّث الفقهاء عن الأقرأ في موضعين من
الفقه ، وهما:
ذكر بعض الفقهاء تقديم
إمامة الأقرأ في الصلاة على
الميت مع التساوي في صلاحية الإمامة، بل نسب إلى المشهور، وليس في هذا الباب أيّ
رواية خاصة واردة وإنّما أخذوا ذلك من
تنقيح المناط فيما ذكروه- وسيأتي إن شاء اللَّه- في
صلاة الجماعة ، وقد ذهب بعضهم إلى تقديم
الأفقه على الأقرأ.
ذكر الفقهاء في صلاة الجماعة فيما إذا تشاحّ أئمّة الجماعة في الإمامة للصلاة أنّه إذا أراد كلّ منهم التقدّم على وجه لا ينافي
العدالة والإخلاص في
العبادة ، بل عن رغبة في رجحانها على المأمومية، يقدّم حينئذٍ الأقرأ منهم، ثمّ الأفقه،
وقد نسب ذلك إلى الأكثر،
بل إلى المشهور بين الفقهاء،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
واستدلّ له
بخبر أبي عبيدة عن
الإمام الصادق عليه السلام: «أنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يتقدّم القوم أقرؤهم للقرآن...».
وبما في
فقه الرضا عليه السلام: «أنّ أولى الناس بالتقدّم في الجماعة أقرؤهم للقرآن، فإن كانوا في القراءة سواء فأفقههم».
وبما في خبر
دعائم الإسلام عن
جعفر ابن محمّد عليهما السلام قال: «يؤمّ القوم أقدمهم هجرة، فإن استووا فأقرؤهم، فإن استووا فأفقههم».
مؤيّداً ذلك كلّه بمدخليّة القراءة في
الصلاة دون
الفقه ؛ إذ الظاهر إرادة معرفة غير أحكام الصلاة أو ما لا يشتدّ الحاجة إليه من أحكامها، لا ما يشمل معرفة غالب أفعالها، وإلّا لم يكن القارئ صالحاً للإمامة، فضلًا عن ترجيحه عليه.
وقد أشكل على إطلاق القول بتقديم الأقرأ حتى على الأفقه بأنّ الأفقه أعرف وأعلم بأركان الصلاة وأحكامها، ولذا استحبّ أن يكون أهل الفضل في الصفّ الأوّل؛ كي يقوّموا الإمام وينبّهوه.
وبأنّ المحتاج إليه من القراءة محصور ومحدّد، والفرض معرفة
الفقيه به، بخلاف الفقه فإنّه غير محصور؛ إذ قد يعرض في الصلاة ما لا يكون قد استعدّ له الأقرأ قبل ذلك.
وقد يجاب بأنّه إذا تمّت
النصوص سنداً ودلالةً فيكون ذلك من
الاجتهاد في مقابل النص؛ لأنّ مجرّد ثبوت
مصلحة في كون الإمام هو الأفقه لا يغيّر طرح الروايات الواردة في تقديم الأقرأ.
واستدلّوا أيضاً لإثبات تقديم الأفقه على الأقرأ بما دلّ عليه
العقل والنقل كتاباً
وسنّة من عظم مراتب العلماء وعدم استواء من يعلم مع من لا يعلم.
ويمكن مناقشته بأنّ غايته إطلاق تقديمهم، إلّا أنّ النصوص الواردة هنا تظلّ أخصّ من هذه العمومات فتخصّصها بغير صلاة الجماعة، وليست تلك العمومات بالآبية عن التخصيص.
واستدلّ أيضاً لتقديم الأفقه على الأقرأ من أنّ من أمّ قوماً وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى السفال إلى
يوم القيامة ،
وأنّ من يصلّي خلف
عالم فكأنّما صلّى خلف
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن ذلك كلّه مال بعض الفقهاء إلى تقديم الأفقه على الأقرأ،
بل جزم به آخرون،
حاملين تلك الأخبار على
التقيّة ،
وعلى أنّ المراد بالأقرأ فيها العالم بالأحكام مع القراءة أيضاً؛ لأنّ القراءة في زمن الصحابة كانت مستلزمة للفقه؛ إذ حكي عن
ابن مسعود : إنّا كنّا لا نتجاوز عشر
آيات حتى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها والمراد منها.
أو على إرادة ذلك الزمان ممّا كان أمر العلم فيه- بسبب وجود
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أظهرهم- قليلًا وسهلًا، بخلاف أمر القراءة، بل لعلّ تفاضلهم في ذلك الزمان إنّما كان بالقراءة كمّاً وكيفاً
واستعمالًا ، بل كان من مقتضى
الحكمة والمصلحة شدّة الحثّ والتأكيد في حفظ
القرآن وضبطه وتعلّمه وتعليمه؛ لأنّه معجز
النبوّة ومن أعظم منن اللَّه على هذه
الامّة .
وقد فصّل بعض الفقهاء بين بعض أفراد القارئين وبعض أفراد الفقهاء فرجّح الأفقه، وبين البعض الآخر فرجّح الأقرأ.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۴۵۴-۴۵۶.