الإشهاد على الطلاق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لابدّ في صحة
الطلاق من شاهدين يسمعانه، ولا يشترط استدعاؤهما إلى السماع؛ ويعتبر فيهما
العدالة، وبعض الأصحاب يكتفى
بالإسلام؛ ولو طلق ولم يشهد ثم أشهد، كان الأول لغوا؛ ولا تقبل فيه
شهادة النساء.
لا بدّ في صحة
الطلاق من شاهدين يسمعانه بإجماعنا، حكاه جماعة من أصحابنا
، وبه استفاض أخبارنا، ففي الصحيح: «
طلاق السنّة: يطلّقها تطليقة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين»
.
وفيه: «وإن طلّقها في استقبال عدّتها طاهراً من غير
جماع، ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين، فليس طلاقه إيّاها بطلاق»
.
ولا يشترط استدعاؤهما إلى السماع بل يكفي سماعهما على
الإطلاق، بلا خلاف؛ لأنّه حكم
الشهادة، وللمعتبرة، منها الصحيح: عن رجل كانت له امرأة طهرت من حيضها، فجاء إلى جماعة، فقال: فلانة طالق، أيقع عليها الطلاق، ولم يقل: أشهدوا؟ قال: «نعم»
ونحوه آخر
.
ومقتضاهما الاكتفاء في الإشهاد بتعريف المطلّقة لهما، ولو بالاسم خاصة، أو
الإشارة؛ لترك الاستفصال فيهما عن حال الجماعة، وأنّ علمهم بالمطلّقة هل هو بشخصها وعينها أم باسمها خاصة؟ بل ربما كانا ظاهرين في الصورة الأخيرة، هذا.
مع إطلاقات المستفيضة المكتفية بشهادة الشاهدين للصيغة خاصة، من دون مراعاة للزائد عليها بالمرّة، وهي وإن اقتضت صحّة الطلاق مطلقاً، ولو من دون علمهما بالمطلّقة، ولو بالاسم أو الإشارة بالمرة، إلاّ أنّ اللازم مراعاة المعرفة في الجملة بنحو من الاسم أو الإشارة؛ تحقيقاً لفائدة الشهادة، والتفاتاً إلى بعض المعتبرة:
كالخبر: إنّي تزوّجت نسوة لم أسأل عن أسمائهنّ، ثم أُريد طلاق إحداهنّ وتزويج امرأة أُخرى، فكتب (علیهالسّلام): «انظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهنّ فتقول: اشهدوا أنّ فلانة التي لها علامة كذا وكذا هي طالق، ثم تزوّج الأُخرى إذا انقضت
العدّة»
.
وبه صرّح شيخنا في
النهاية، ولعلّ هذا أيضاً مراد بعض متأخّري الطائفة
من اعتباره في صحة الإشهاد علم الشاهدين بالمطلِّق والمطلَّقة، ولو أراد
العلم بهما من جميع الوجوه لكان بعيداً غاية البُعد، بل فاسداً بالضرورة؛ لاستلزامه تقييد الأدلّة من غير دلالة، مع استلزام مراعاته الحرج المنفي عنه آيةً وروايةً، ومخالفته الطريقة المستمرة بين
الطائفة.
مع اندفاعه بخصوص الصحيحين، في أحدهما: عن رجل تزوّج أربع نسوة في عقدة واحدة، أو قال: في مجلس واحد، ومهورهنّ مختلفة؟ قال: «جائز له ولهنّ» قلت: أرأيت إن خرج إلى بعض البلدان فطلّق واحدة من الأربع وأشهد على طلاقها قوماً من أهل تلك البلاد، وهم لا يعرفون المرأة، ثم تزوّج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدّة المطلّقة، ثم مات بعد ما دخل بها، كيف يقسّم ميراثه؟ قال: «إن كان له ولد فإنّ للمرأة التي تزوّجها أخيراً من تلك البلاد ربع ثمن ما ترك»
الخبر، ونحوه الآخر
.
.
وربما أشعر بذلك عموم أخبار صحة طلاق الغائب؛ لكون الغالب في شهوده عدم المعرفة بالمطلَّقة، وسيّما إذا كان الغيبة إلى البلاد البعيدة.
وبالجملة: الظاهر من الأدلّة كفاية المعرفة بنحو من الاسم أو الإشارة، من دون لزوم مبالغة تامّة في المعرفة.
ثمّ إنّ ظاهر العبارة كالجماعة لزوم اجتماعهما معاً لسماع
الصيغة، وأنّه لا يقع الطلاق مع التفرقة، وهو مقتضى
الأصل، والوقوف على المتبادر من إطلاق الأدلّة، وخصوص الصحيح عن رجل طلّق امرأته على طهر من غير جماع، وأشهد اليوم رجلاً، ثم مكث خمسة أيّام، ثم أشهد آخر؟ فقال: «إنّما أُمِرَ أن يشهدا جميعاً»
.
ونحوه
الصحيح الآخر
، إلاّ أنّ في صدره ما ربما ينافي ذيله، لكنّه محمول على الأداء خاصة.
ويعتبر فيهما
العدالة بإجماع الطائفة، كما في
الانتصار، وهو ظاهر
الآية، والنصوص المستفيضة، منها الصحيح: أنّ الطلاق الذي أمر
الله تعالى به في كتابه وسنّة
نبيّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) أن إذا حاضت المرأة وطهرت من حيضها، أشهد رجلين عدلين قبل أن يجامعها على تطليقه
.
والحسن: «وإن طلّقها للعدة بغير شاهدي عدل فليس طلاقه بطلاق»
.
ومقتضى هذه الأدلّة كالنصوص المستفيضة التي كادت تكون
متواترة، الواردة في البيّنة أنّ العدالة شيء زائد على ظاهر
الإسلام بالبديهة، وهو إمّا حُسن الظاهر، كما هو الأظهر. أو الملكة، كما عليه أكثر متأخّري الطائفة
. وعلى القولين فلا يكتفى بظاهر الإسلام بالضرورة.
ومنه يظهر ضعف ما يحكى عن بعض الأصحاب كالنهاية
والراوندي وجماعة
من القول بأنّه يكتفي بالإسلام في الشهادة، كضعف حججهم من الأخبار القاصرة
السند، الضعيفة الدلالة، القابلة لتأويلات قريبة تجمع بها مع الأدلّة السابقة.
وربما استدل لهم هنا بإطلاق أخبار الشهادة، وهو مقيّد بما مرّ من الأدلّة، وبالمعتبرين، أحدهما الصحيح: «كل من ولد على
الفطرة وعرف بصلاح في نفسه جازت شهادته»
.
وثانيهما الحَسَن: «من ولد على الفطرة أُجيزت شهادته، بعد أن يعرف منه خيراً»
.
ولأجلهما اختار هذا القول من المتأخرين بعض الأجلّة فقال: بأنّ
الخير نكرة تفيد الإطلاق، فيتحقق
بالصلاة والصوم، وإن خالف في
الاعتقاد الصحيح، قال: وفي تصدير الخبر باشتراط العدالة ثم الاكتفاء بما ذكر تنبيه على أنّ العدالة هي الإسلام
. وفيه نظر:
أمّا أوّلاً: فلأنّ القول المزبور الذي صار إليه ظاهره الاكتفاء بظاهر الإسلام من دون اشتراط أن يعرف منه الخبر، بل يكتفى بشهادة المسلم الغير المعروف منه ذلك أصلاً، وصريح الخبرين اشتراطه.
وثانياً: أنّ ظاهرهما الاكتفاء بالإسلام بالمعنى الأعمّ، لا اشتراط المرادف للخاص، ولعلّه لم يقل به النهاية ومن تبعه من الجماعة، وإن أوهمت عبارته ذلك في المسألة، إلاّ أنّ عبارته في بحث الشهادة
صريحة في اعتبار
الإيمان البتّة، مع تصريحه في
التهذيب بكفر الفرَق المخالفة
للإمامية، فكيف يستدل له بأمثال المعتبرة.
وثالثاً: أنّ المتبادر من الخير والصلاح في الخبرين ما يعم الاعتقاد وزائداً عليه بالبديهة، وليس المراد منهما مصداقهما ولو في الجملة، كما أفصح عنه عبارته المتقدّمة، كيف لا؟! وهو مخالف
للإجماع والضرورة؛ لاشتمالهما على ذلك التقدير على قبول شهادة الفاسق البتّة؛ إذ ليس من فاسق إلاّ ويوجد فيه خير ما، أو صلاح من جهة ولو في الجملة، ولم يقل بذلك أحد، حتى هذا القائل والنهاية وغيره من الجماعة؛ لاتفاقهم على اشتراط عدم ظهور
الفسق البتّة، ودلّت عليه مع ذلك النصوص المستفيضة، ومثل ذلك أوضح شاهد وأفصح قرينة على إرادة معنى خاصّ من الخير والصلاح، وليس بعد انتفاء إرادة مطلقهما إلاّ ما عليه الجماعة من الإيمان وحسن الظاهر، أو
الملكة، هذا.
مع أنّ المعتبرة مستفيضة، بل كادت تكون
متواترة، بأنّه ليس في المخالف خير أصلاً وصلاح بالمرّة، وإن اشتغلوا بالعبادات الموظّفة وراعوا الأُمور اللازمة، فقد ورد عن
أهل العصمة (سلاماللهعليهم) أنّهم ليسوا إلاّ كالجدر المنصوبة، وأنّ عباداتهم بأسرها فاسدة
.
وحينئذٍ فأيّ خيريّةٍ في أعمالٍ قد قام الدليل على بطلانها، وكونها في الظاهر بصورة العبادة لا يجدي نفعاً؛ لأنّ خيريّة
الخير وشرّيّة
الشر إنّما هو باعتبار ما يترتّب على كلّ منهما من النفع والضرر، كما ينادي به النبوي: «لا خير بخير بعده
النار، ولا شر بشرٍّ بعده
الجنّة»
هذا.
مع ما في بعض المعتبرة
من ردّ شهادة بعض الفرق المخالفة، كما حكاه بعض الأجلّة.
مضافاً إلى وقوع التصريح باشتراط الإيمان في بعض المعتبرة، ففي
العيون عن مولانا
الرضا (علیهالسّلام): «قال
علي (علیهالسّلام) في قوله تعالى «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ»
من ترضون دينه، وأمانته، وصلاحه، وعفّته، وتحصيله، وتمييزه، فما كلّ صالح مميّز، ولا كل محصل مميّز»
.
وبالجملة: القول بقبول شهادة المخالف الذي عرف منه خير ما أو صلاح في الجملة فاسد بالبديهة، كالاكتفاء بظاهر الإيمان خاصّة، من دون اعتبار حسن الظاهر ولا الملكة، بل اللازم مراعاة الإيمان مع حسن الظاهر خاصّة، وإن كان اعتبار الملكة أحوط البتّة، إلاّ أنّ الأدلّة ظاهرة في الأوّل، وبإثبات الثاني غير ناهضة.
ولو طلّق ولم يشهد العدلين على
إنشاء الطلاق ثم أشهد هما بعد ذلك كان الطلاق الأوّل لغواً لعدم اشتماله على شرط الصحة، وصحّ الثاني إن اشتمل على شرائطها، وإلاّ فلا، لعموم الأدلّة، وعليه يحمل إطلاق العبارة المشعرة بالصحة في الشهادة الثانية.
وكذا إطلاق الصحيح: عن رجل طلّق ولم يشهد، ثم أشهد بعد ذلك بأيّام، فمتى تعتدّ؟ قال: «من اليوم الذي أشهد فيه على الطلاق»
.
ولا تقبل شهادة النساء هنا مطلقاً، لا منفردات ولا منضمّات، بلا خلاف؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد
النصوص، الظاهرة بعضها، والصريح باقيها في الذكور.
مضافاً إلى خصوص المستفيضة، منها الصحيح: فيمن طلّق على
طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين، فقال: «لا يجوز شهادة النساء في
الطلاق» الخبر
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۲۳۴-۲۴۱.