الإفطار (ما يترتّب على الإفطار المحرّم )
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يترتّب على
الإفطار المحرّم آثار عديدة، أهمّها ما يلي:
من أفطر في نهار شهر
رمضان بلا عذر
متعمّداً وجب عليه- مضافاً إلى
القضاء -
الكفّارة ، وهي
عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو
إطعام ستّين
مسكيناً .
وكذلك تجب الكفّارة على من أفطر في قضاء شهر رمضان بعد
الزوال والنذر المعيّن وصوم
الاعتكاف إذا وجب.
قال
المحقّق الحلّي في
الشرائع : «لا تجب الكفّارة إلّا في صوم رمضان وقضائه بعد الزوال والنذر المعيّن، وفي صوم الاعتكاف إذا وجب».
وقال في
المعتبر : «قال علماؤنا: تجب الكفّارة في إفطار رمضان والنذر المعيّن وقضاء رمضان بعد الزوال والاعتكاف، ولا يجب في شيء غيره».
أمّا
الجاهل فهل يترتّب على إفطاره لصوم شهر رمضان القضاء والكفّارة أو لا؟
فيه أربعة أقوال:
وجوب القضاء والكفّارة معاً،
وهو المنسوب إلى الأكثر
بل
المشهور ؛
لإطلاق ما دلّ على وجوبهما.
عدم وجوبهما عليه.
للأدلّة الدالّة على معذورية الجاهل
بالأحكام الشرعية .
فساد صومه ووجوب القضاء دون الكفّارة،
وهو مذهب أكثر المتأخّرين كما في
المدارك .
واستدلّ على وجوب القضاء بإطلاق الأمر به عند عروض أحد الأسباب المقتضية لفساد
الأداء ، فإنّه يتناول
العالم والجاهل.
وأمّا عدم وجوب الكفّارة فلمقتضى
الأصل ،
وما رواه
زرارة وأبو بصير ، قالا: سألنا
أبا جعفر عليه السلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان وأتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلّا أنّ ذلك
حلال له؟
قال: «ليس عليه شيء».
وقول
الإمام الصادق عليه السلام في صحيحة
عبد الصمد بن بشير الواردة فيمن لبس قميصاً في حال
الإحرام : «... أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه...».
التفصيل بين
الجاهل المقصر في السؤال فيجب عليه القضاء والكفّارة وبين الجاهل غير المقصّر؛ لعدم تنبّهه فيجب عليه القضاء دون الكفّارة.
واستدلّ على ذلك أمّا القضاء فلإطلاق أدلّته.
ولا يعارضه موثّق زرارة وأبي بصير المتقدّم بعد ظهوره في غير المتنبّه من الجاهل- أي
الجاهل القاصر - وأنّ المراد حينئذٍ من نفي الشيء عليه نفي الكفّارة، كالنصوص الاخرى الدالّة على
عذر الجاهل، كقول الصادق عليه السلام في صحيح عبد الصمد المتقدّم وغيره.
أمّا الكفّارة فلإطلاق موثقتي
سماعة وصحيح
ابن الحجاج وخبر عبد السلام الهروي ،
وغيرها ممّا رتّب فيها الكفّارة على
الجماع ونحوه ممّا لا ريب في شموله للجاهل والعالم؛ لأنّ تعمّد الإفطار لا يختصّ بالعالم، بل يشمل كلّ من أكل المفطر في الواقع وإن لم يعلم أنّه كذلك.
ونوقش فيه بأنّ
رواية عبد اللَّه بن سنان التي هي الأصل في هذا الباب إنّما تضمّنت تعلّق الكفّارة بمن أفطر في شهر رمضان
متعمّداً من غير عذر، والجهل بالحكم من أقوى الأعذار، كما تدلّ عليه صحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج المتضمّنة لحكم
تزويج المرأة في
عدّتها ،
حيث قال فيها: قلت: بأيّ الجهالتين يعذر، بجهالته أنّ ذلك محرّم عليه أم بجهالته أنّها في عدّة؟ فقال: «إحدى الجهالتين أهون من الاخرى، الجهالة بأنّ اللَّه حرّم ذلك عليه، وذلك بأنّه لا يقدر على
الاحتياط معها»، فقلت: وهو في الاخرى معذور؟ قال: «نعم...».
واجيب عنه بأنّ دعوى أنّ مطلق
الجهل عذر واضحة
المنع ، وخبر
ابن سنان لا
صراحة فيه في ذلك، بل ولا ظهور، بل لعلّ الظاهر منه غير المتنبّه من الجاهل؛ لأنّه الذي لا يقدر على الاحتياط، بخلاف المتنبّه فإنّه يستطيع السؤال.
وذهب
المحقق النراقي إلى أنّ الحقّ في المسألة
انتفاء الإثم والقضاء والكفّارة مع الجهل الساذج، وثبوت الثلاثة مع غيره من أنواع الجهل وهو الذي لا يشكّ معه في عدم
الإفساد به، ولا يخطر بباله
احتمال الضرر .
وقال
السيد اليزدي : «
المفطرات المذكورة كما أنّها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفّارة إذا كانت مع العمد
والاختيار ... ولا فرق في
وجوبها أيضاً بين العالم والجاهل المقصّر والقاصر على
الأحوط ، وإن كان الأقوى عدم وجوبها على الجاهل خصوصاً القاصر والمقصّر الغير الملتفت حين الإفطار».
وقال
السيد الحكيم : «البناء على
الصحّة في الجاهل وإن كان مقصّراً أقوى.
نعم، لا تشمل الجاهل المتردّد الذي لا يحكم عقله بالحلّ، فالرجوع فيه إلى عموم المفطرية ووجوب القضاء أولى، ونحوه الجاهل بالموضوع وإن كان عقله حاكماً بالحلّ».
واستظهر من موثّق
أبي بصير وزرارة المتقدّم شموله للقاصر والمقصّر، فنفى وجوب الكفّارة عنهما، ثمّ قال: «نعم، موردها من كان يرى أنّه غير مفطر، فتشمل القاطع بالحلّ مطلقاً والمتردّد الذي يحكم عقله
بجواز الارتكاب بناءً على أنّ المراد بالحلّ الأعمّ من الواقع والظاهر».
يثبت
التعزير على من أفطر في
صوم شهر
رمضان عمداً من غير عذر إذا كان معتقداً للتحريم.
وأمّا إذا كان مستحلّاً فهو
مرتد ، فإن كان عن فطرة قتل وإلّا استتيب فإن تاب وإلّا قتل.
قال
العلّامة الحلّي : «لو أفطر نهار رمضان من وجب عليه الصوم مستحلّاً فهو مرتدّ، فإن كان عن فطرة قتل من غير أن يستتاب... ولو لم يولد على الفطرة استتيب، فإن تاب وإلّا قتل، ولو اعتقد التحريم عزّر، فإن عاد عزّر، فإن عاد قتل في الثالثة».
وهناك من ذهب إلى أنّه يقتل في الرابعة.
قد ثبت تغليظ
عقوبة الإفطار في عدّة موارد، أهمّها ما يلي:
لو أكره الصائم زوجته الصائمة في نهار شهر رمضان على
الجماع ، فوطأها وجب عليه القضاء وكفّارتان
وتعزيران ، حيث يتحمّل عنها الكفّارة والتعزير.
نعم، إن طاوعته فسد صومهما، وعلى كلّ واحد منهما كفّارة عن نفسه، ويعزّر كلّ واحد منهما بخمسة وعشرين سوطاً،
وادّعي عليه
الإجماع .
واستدلّ عليه بقول
الإمام الصادق عليه السلام في
خبر المفضل بن عمر : في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة، فقال: «إن كان استكرهها فعليه كفّارتان، وإن كانت طاوعته فعليه كفّارة وعليها كفّارة، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف
الحدّ ، وإن كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطاً وضربت خمسة وعشرين سوطاً».
ونوقش فيه بأنّ
الرواية من حيث
السند في غاية الضعف.
واجيب عنها بأنّ علماءنا ادّعوا إجماع
الإمامية عليه، ومع ظهور القول بها ونسبة
الفتوى إلى
الأئمّة عليهم السلام يجب العمل بها.
ولكن نقل عن
ابن أبي عقيل عدم
وجوب كفّارة الزوجة على الزوج؛
لأنّ صومها لم يبطل
بالإكراه ، فلماذا تجب على الزوج كفّارتها
؟ ولذا نفى بعض الفقهاء البعد عن هذا القول وقال: «وهو غير بعيد، خصوصاً على ما ذهب إليه الأكثر من عدم
فساد صوم المرأة بذلك، فينتفي المقتضي للتكفير».
ونوقش فيه بأنّه لا منافاة بين تعدّد الكفّارة على الزوج متى أكرهها وبين الحكم بصحّة صومها؛ لأنّ تحمّله كفّارتها إنّما تترتّب على إكراهها على هذا الفعل لا على
بطلان صومها، ونظيره من جامع زوجته مكرهاً وهما محرمان
بالحجّ ، فإنّ حجّها صحيح مع تعدّد الكفّارة عليه.
من أفطر في نهار شهر
رمضان على
الحرام -
كالزنا أو
شرب المسكر - فقد ذهب
الشيخ الصدوق إلى القول بوجوب ثلاث كفّارات عليه:
إطعام ستّين
مسكيناً وعتق رقبة وصيام شهرين متتابعين
وهي المعبّر عنها بكفارة الجمع. وكذا ذهب إليه
الشيخ الطوسي في كتابي
الأخبار وابن حمزة ويحيى بن سعيد وجماعة.
واستدلّ
عليه بمعتبرة
الهروي قال: قلت
للرضا عليه السلام: يابن
رسول اللَّه ، قد روي عن آبائك عليهم السلام فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفّارات، وروي عنهم عليهم السلام أيضاً كفّارة واحدة، فبأيّ
الحديثين نأخذ؟ قال: «بهما جميعاً، متى جامع الرجل حراماً أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات: عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً وقضاء ذلك اليوم، وإن كان نكح حلالًا أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة، وإن كان
ناسياً فلا شيء عليه».
ولكن نسب إلى الأكثر
بل نسب إلى المشهور
وجوب كفّارة واحدة مخيّرة بين الثلاث: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً، كما في الإفطار بالمحلّل؛ استضعافاً
للرواية المتقدّمة التي استدلّ بها على وجوب كفّارة الجمع.
قال
المحقّق الحلّي : «لم يظهر العمل بهذه الرواية بين الأصحاب ظهوراً يوجب العمل بها، وربّما حملناها على
الاستحباب ليكون آكد في
الزجر ».
وقال
السيد العاملي : إنّ «في طريق هذه الرواية
علي بن محمد بن قتيبة ، وهو غير
موثق ، بل ولا
ممدوح مدحاً يعتدّ به،
وعبد السلام بن صالح الهروي ، وفيه كلام، فيشكل
التعويل عليها في
إثبات حكم مخالف للأصل».
ولكنّه أجاب عن ذلك بأنّ
الشيخ الصدوق وجدها في روايات
أبي الحسين الأسدي فيما ورد عليه من الشيخ
أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري ، ثمّ قال: «والظاهر اتّصال ذلك
بصاحب الأمر عليه السلام فيترجّح المصير إلى ذلك».
ومن هنا احتاط
المحقق النجفي في المسألة بعد أن قال: «يمكن تصحيح
الخبر المزبور بناءً على
الظنون الاجتهادية ».
يثبت في
التجاهر بالافطار في شهر رمضان
تعزير زائد كما في رواية المجالس.
ويمكن أن يستفاد منه كبرى كلّية، وهي: أنّه كلّما اقترن
الإفطار بظروف اخرى مستلزمة للجريمة غلّظت
العقوبة كما في الإفطار في شهر رمضان في الحرم الشريف مثلًا، بحيث عدّ
هتكاً لحرمة المكان أيضاً.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۲۲۹-۲۳۶.