الاستصناع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستصناع (توضيح) .
الاستصناع
مصدر استصنع الشيء أي دعا إلى صنعه، فالاستصناع هو
طلب عمل
الصانع . وأمّا الاستصناع في
العرف وعند
العقلاء فهو
اتّفاق مع الصانع على عمل شيءٍ معيّن للمستصنِع من مادّة هي للصانع بعوض معيّن، وبموجبه يكون
العمل والمادّة كلاهما على الصانع، كما أنّ
العوض على المستصنِع.
الاستصناع- لغة-
مصدر استصنع الشيء أي دعا إلى صنعه،
يقال: استصنعه خاتماً إذا طلب منه أن يصنعه له.
وفي
القاموس : «
الصناعة - ككتابة-
حرفة الصانع، وعمله
الصنعة ».
وعليه فالاستصناع هو
طلب عمل الصانع.
وأمّا الاستصناع في
العرف وعند
العقلاء فهو
اتّفاق مع الصانع على عمل شيءٍ معيّن للمستصنِع من مادّة هي للصانع بعوض معيّن، وبموجبه يكون
العمل والمادّة كلاهما على الصانع، كما أنّ
العوض على المستصنِع. وصورته: أن يقول للصانع- مثلًا- اعمل لي
سريراً أو باباً من
خشب أو حديد من عندك بثمن كذا، فيقبله
الصانع .
وأمّا لو سلّم إليه الخشب أو الحديد ليعمل له سريراً فهو
إجارة على
الصنع لا استصناع، وإذا كان السرير جاهزاً
فالمعاملة التي تقع عليه تكون بيعاً وشراءً أو نحو ذلك، وليست استصناعاً. وبذلك يظهر أنّ الاستصناع بلحاظ المادّة يشبه
البيع و
الشراء ، وبلحاظ العمل المطلوب من الصانع يشبه الإجارة على الأعمال.
وأمّا الاستصناع عند
الفقهاء فلم يرد في كلماتهم
تعريف خاصّ له؛ لأنّ كثيراً منهم لم يتعرّضوا للمسألة بهذا
العنوان ، وبعضهم-
كالشيخ الطوسي و
ابن حمزة و
ابن سعيد - وإن تعرّضوا للمسألة لكنّهم لم يذكروا تعريف الاستصناع، بل اقتصروا على بيان حكمه، مع
الإشارة إلى كونه عقداً في كلام بعضهم فقط، كما يأتي نصّ كلامهم.
نعم، عرّفه بعض الفقهاء المعاصرين بما تقدّم من المعنى
المتعارف عند العرف والعقلاء.
ولا شكّ في أنّ التعريف المتقدّم ليس إلّا تعريفاً
إجماليّاً للاستصناع، وإلّا فيختلف تعريفه
الدقيق - لا محالة- باختلاف ما يأتي فيه من
الاحتمالات والتخريجات الآتية لتصحيح الاستصناع.
•
الاستصناع (حقيقته) ، يقع
الكلام هنا في حقيقة الاستصناع بمعنى أنّه هل هو
عقد أو لا؟ أو أنّه ليس من العقود بل هو من باب
الأمر بالعمل على وجه
الضمان ؟وسوف يتّضح ذلك من خلال البحث عن حكم الاستصناع من حيث ترتّب
الآثار عليه من الصحّة و
اللزوم .
•
الاستصناع (حكمه)، إنّ الاحتمالات و
التخريجات المتصوّرة لتصحيح الاستصناع عديدة، وهي كما يلي: ۱ ـ تخريج الاستصناع على أنّه عقد جديد، ۲ ـ تخريج الاستصناع على أنّه بيع ( عقد معاوضة )، ۳ ـ تخريج الاستصناع على أنّه إجارة أو جعالة ( عقد انتفاع )، ۴ ـ تخريج الاستصناع على أنّه تركيب من عقود، ۵ ـ تخريج الاستصناع على أنّه أمر بالصنع على وجه الضمان.
أركان الاستصناع- بناءً على كونه عقداً مفيداً
لانتقال حقّ
الملكيّة - ثلاثة وهي:
العقد ، و
المتعاقدان ، و
المحلّ .
أمّا العقد- وهو
الإيجاب و
القبول - فيشترط فيه القصد الجدّي إلى مضمون العقد، وكذا
الإنشاء ، وهو يتحقّق إمّا باللفظ، وإمّا بالفعل، وهو
المعاطاة ، وأيضاً يشترط فيه
التنجيز ، وكذا عدم التقيّد بشرط ينافي مقتضى العقد.
وأمّا المتعاقدان- الصانع والمستصنِع- فيشترط فيهما الشروط العامّة من
البلوغ ، و
العقل ، و
الاختيار ، وكون كلّ منهما مالكاً أو وكيلًا عنه أو وليّاً عليه، ونحو ذلك.
والبحث عن شروط العقد والمتعاقدين في موضعه.
وأمّا محلّ العقد فإن كان الاستصناع عقداً مستقلّاً مفيداً لملكيّة العين والعمل معاً فالمحلّ هو العمل والعين والعوض، وإن كان
إجارة فالمحلّ هو العمل و
الأجرة ، وإن كان بيعاً فمحلّ العقد هو
العين و
العوض .
وعلى كلّ حال فلا بدّ من
مراعاة الشروط العامّة في العوضين من المعلوميّة، و
القدرة على
التسليم ، و
المملوكيّة ، و
الإباحة ، ونحو ذلك. وتمام البحث في شروط العوضين في موضعه.نعم، إذا كان بيعاً لشيء كلّي في الذمّة وهو
السّلَم - فمضافاً إلى الشروط العامّة- يجب مراعاة شروط صحّة السلم، كوجوب
إقباض الثمن في مجلس العقد ونحوه.
ومن هنا يورد عليه بأنّ لازمه أن يكون الاستصناع
باطلًا في كثير من موارده؛ إذ كثيراً ما لا يراعى هذا الشرط.
ولكن قد يقال: إنّ تسليم الثمن في مجلس العقد غير
معتبر في السلم؛ لأنّ الأدلّة التي استدلّ بها على
اعتباره واشتراطه غير سالمة من الإشكال، والأدلّة التي ذكروها كما يلي:
إنّه مع عدم إقباض الثمن لا يصدق عليه عنوان السّلَم؛ لأنّ السلم و
السلف مقابل
للنسيئة لغة وعرفاً، فلا تشمله روايات السّلَم.
ولكن هذا لا يثبت
بطلان بيع الكلّي في الذمّة نسيئةً أو بلا إقباض الثمن؛ إذ غايته عدم صدق بيع السّلَم عليه، وعدم شمول تلك الروايات له لا يدلّ على عدم صحّته، فتكفي حينئذٍ
لإثبات الصحّة عمومات قوله تعالى: «وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ»
و «
تِجارَةً عَنْ تَراضٍ»،
ونحو ذلك.
مضافاً إلى منع تقوّم
التسليف بذلك لغة أو عرفاً، وإنّما صدقه بلحاظ التسليف في
المبيع ، كما أنّ روايات السلف لا تدلّ على ذلك. نعم، قد يظهر من بعضها أنّ ثمن السلف لم يكن ديناً في ذمّة
المشتري ، بل كان مدفوعاً للبائع، إلّا أنّه أعمّ من
الإقباض في
المجلس .
إنّ روايات النهي عن بيع الدين بالدين شاملة لما إذا اجّل الثمن ولم يقبض في المجلس.
ولكن يرد عليه:
أوّلًا: أنّ
الدين ليس هو عدم الإقباض، بل بينهما عموم من وجه؛ إذ قد يكون
الثمن مالًا خارجيّاً من دون إقباض في المجلس بل يقبضه بعد ذلك، وقد يكون الثمن ديناً ويقبضه في المجلس، فلا يصحّ
الاستدلال بالنهي عن
بيع الدين بالدين على شرطيّة إقباض الثمن في صحّة السلف.
وثانياً: أنّ ظاهر بيع الدين بالدين فيما إذا كان المبيع والثمن أو المبيع- على الأقلّ- ديناً مع قطع النظر عن ذلك البيع، فلا يشمل ما يصبح ديناً بنفس الدين، كما في المقام، ولا أقلّ من
الإجمال ، كما يظهر من كلمات الفقهاء وفتاواهم في مسألة بيع الدين بالدين، على أنّ في روايات السلم ما قد يستظهر منه صحّة السلف بالدين.
إنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن
بيع الكالئ بالكالئ .
وهو يشمل ما إذا لم يقبض الثمن في المجلس. وهو أيضاً غير صحيح؛ لأنّ هذا الخبر لم يثبت بطرقنا، على أنّ المراد بالكالئ لعلّه الدين، لا مطلق المبيع المتأخّر بالثمن المتأخّر عن مجلس العقد، وأنّ الكالئ
اسم فاعل من
الكلاءة ، بمعنى
الحفظ و
المراقبة ، كأنّ كلّ واحد من المتبايعين يكلأ صاحبه أي يراقبه لأجل ماله الذي في ذمّته، وفيه حينئذٍ
إضمار أي بيع مال الكالي بمال الكالئ، أو اسم
مفعول كالدافق فلا إضمار. فالحديث يرجع إلى ما هو منقول عندنا من النهي عن بيع الدين بالدين.
إنّ
اشتراط قبض الثمن في المجلس في عقد السّلَم إجماعيّ . وهو غير تامّ أيضاً؛ لأنّه محتمل المدركيّة، و
استناد المجمعين إلى بعض الوجوه المتقدّمة، فلا يمكن أن يكشف عن قول
المعصوم عليه السلام. إلّا أنّه قد اجيب عن ذلك بأنّ هذا
الإجماع لا خدشة فيه؛ لكونه بدرجة من الوضوح عند فقهاء
الإماميّة و
الجمهور بحيث لا يحتمل استناد المجمعين إلى مثل تلك الوجوه التي لم ترد إلّا في بعض
إشارات العلّامة الحلّي وكلماته. بل يمكن دعوى قيام سيرة المتشرّعة بل سيرة
المسلمين عملًا على ذلك، وأنّ
ارتكازهم العملي كان على أنّ من يشتري شيئاً سلفاً في ذمّة الغير لا يصحّ منه ذلك ما لم يقبض ثمنه في المجلس.
بل لعلّ
سيرة العقلاء أيضاً لا تساعد على تحقّق البيع و
المعاوضة إذا كان كلا العوضين في الذمّة أو مؤجّلين، فكأنّه مواعد على
البيع فيما بعد عند تحقّق أحد العوضين وقبضه. وأمّا البيع عند العرف فعلًا فلا بدّ فيه من فعليّة وجود أحد العوضين من الثمن أو
المثمن .
نعم، قد يصحّ أن يقال: إنّ
القدر المتيقّن من مثل هذا الدليل اللبّي شرطيّة فعليّة أحد العوضين في تحقّق المعاوضة وعدم كونهما معاً مؤجّلين، وهو أعمّ من شرطيّة الإقباض في المجلس، كما إذا كان الثمن حالًّا في ذمّة البائع.
وعلى هذا الجواب فلا بدّ من إقباض الثمن في مجلس عقد الاستصناع ونحوه، وهذا يوجب
تحديد الاستصناع بخصوص ذلك.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۳۷۴-۳۹۴.